وعن البراء بن عازبٍ رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( أربعٌ لا تجوز في الضحايا: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها، والكبيرة التي لا تنقي ) رواه أحمد والأربعة وصححه الترمذي وابن حبان. حفظ
الشيخ : " وعن البراء بن عازبٍ رضي الله عنه قال: ( قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أربعٌ لا تجوز في الضحايا ) " هذا الحديث روي على عدّة أوجه منها: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سئل ماذا يتّقى من الضّحايا؟ فأجاب أربع وأشار بأصابعه صلوات الله وسلامه عليه فحدّدها بالقول وبالإشارة أربع، ولا يبعد أن يكون سئل وهو يخطب فأشار ثمّ نقل الرّاوي أنّ المقصود منه وهو بيان ما لا يجزئ في الضحايا.
( أربع لا تجوز في الضّحايا ) لا تجوز، هل المعنى لا تجزئ أو المعنى لا تحلّ؟ أمّا ظاهر اللّفظ فهي لا تحلّ، فهذا ظاهر اللّفظ ويحتمل أن يكون المراد بنفي الجواز نفي الإجزاء، لكن نفي الجواز هو المطابق لظاهر الحديث والمعنى يقتضيه أيضًا، لأنّ هذه المعيبات لو تقرّب بها الإنسان على أنّها ضحايا صار كالمستهزئ بآيات الله وحينئذ يكون هذا إيش؟ يكون هذا حرامًا ولا شكّ، فإذا وردت لا تجزئ ... أنها لا تجزئ صار المعنى أنّها حرام، أي يحرم التّقرّب إلى الله تعالى بها لأنّ ما يسخطه الله لا يجوز أن يتقرّب به الإنسان إليه سبحانه وتعالى وصار المعنى أيضًا لا تجزئ.
( في الضّحايا ) قوله في الضّحايا جمع ضحيّة وهي ما يذبح أيّام النّحر تقرّبًا إلى الله تعالى سواء ذبحها في الضّحى أو بعد الظهر أو بعد العصر أو في اللّيل.
أوّلا: ( العوراء البيّن عورها ) قد يقول المتحذلق المراد بالعوراء هنا ما كانت معيبة لأنّ العور هو العيب، ولكنّنا نقول ليس كذلك، لأنّه ذكر أشياء بعدها كلّها معيبة فالمراد بالعور هنا أعور العين، العوراء البيّن عورها لم يطلق الرّسول عليه الصّلاة والسّلام العور بل قال البيّن عورها، فبماذا يكون بيان العور؟ هل هو بالمشي أو برؤية العين؟ بالمشي لأنّ العوراء مشيها ليس كمشي الصّحيح تجدها تخضع رقبتها قليلًا ليكون النّظر مسلّطًا على ما أمامها، لأنّها لا تنظر إلاّ من جانب واحد فإذا دقّقت النّظر وجدّتها ... علشان تنظر تمامًا أو المراد البيّن عورها بالرّؤية، نعم بالرّؤية، فبماذا؟ قال العلماء: يكون بيان العورة بواحد من أمرين: إما أن تكون العين قد نتأت، وإمّا أن تكون قد انخسفت، نتأت يعني برزت في بعض الأحيان يكون العور يبرز كأنّه غدّة زائدة، أو انخسفت يعني غارت، وبناء على ذلك لو كانت لا تبصر بالعين لكن من رآها لا يرى أنّها عوراء فإنّها تجزئ.
الثانية: ( المريضة البيّن مرضها ) المريضة أيضًا لم يطلق الرّسول عليه الصّلاة والسّلام لئلاّ يشق على الأمّة، لأنّه قد لا تخلو شاة من مرض، لكن لا بدّ أن تكون بيّنة المرض، فبماذا يبين المرض؟ يبين المرض بعدّة أشياء أوّلًا بالسّخونة إذا مسستها وجدتها حارّة جدّا هذا بيان بيّن، ثانيًا: بالخمول وعدم المشي مع السّليمات وما أشبه ذلك. ثالثًا: بقلّة الأكل فإنّ قلّة الأكل يدلّ على المرض لا سيما في الحيوان الذي ليس له إرادة كإرادة الإنسان، رابعًا: بما يظهر على جسدها مثل الجرب، الجرب مرض بيّن وخطير وربّما يتقعّر حتى يصل إلى اللّحم أو إلى العظم أيضًا فهذا من بيان المرض، كذلك قد يكون من المرض أن يكون معها خمول وكسل وتأنّ أنينًا غير معتاد لأنّ الأنين يدلّ على أنّ فيها ألمًا ومرضًا، على كلّ حال ربّما يكون هناك بيانات أخرى كما ذكرت، فالمقصود أن يكون المرض بينّ.
الثّالثة: ( العرجاء البيّن ظلعها )، العرجاء بيد أو برجل أو بهما؟ بأحدهما أو بكليهما إذا كانت عرجاء باليد أو بالرّجل لكن عرجها بيّن مو مجرّد أن تهمس لا، لا بدّ أن يكون العرج بيّنا، حدّه بعض العلماء بأن لا تطيق المشي مع الصّحيحة، لا تطيق المشي مع الصّحيحة دائما تجدها متخلّفة عن الماشية سواء كانت بعيرًا أو بقرة أو غنمًا، متخلّفة ما تقدر تمشي حتى لو نهرتها ما استطاعت أن تعانق الصّحيحات أما التي تعانق الصّحيحات فهذه عرجاء لا شكّ ولكنها ليس بيّن عرجها.
الرّابعة : ( الكبيرة التي لا تنقي ) الكبيرة هي الكبيرة في السّنّ، التي لا تنقي يعني التي ليس فيها نقي، والنّقي المخّ وهذه لا يمكن أن نعلم بها إلاّ بعد أن تذبح ويكسر عظمها لأن هذا ... ليس فيها مخّ ... الرأس لا بدّ أن يكون فيه مخّ، المراد لا نقية فيها أي في أعضائها، وهذه لا تعرف إلاّ بعد الذّبح وكسر العظم، إذا كان العظم ليس فيه مخّ فإنّها لا تجزئ ولكن هل لا بدّ من الشّرطين أنّها كبيرة وأنها لا نقية فيها بمعنى أنّه لو كان ليس فيها مخّ ولكنّها صغيرة تجزئ أو لا، الظاهر أنّ قوله كبيرة وصف فرديّ بأنّ المعنى المدار على المخّ ويحتمل أن يقال أنّه ليس وصفًا فرديّا لوجهين: الوجه الأول: أنّ الأصل في الأوصاف أنّها أوصاف قيود لا بدّ منها، والثاني أنه التي لا نقية فيها وهي شابّة لا تكون كالعجوز الكبيرة لأنّ العجوز الكبيرة لحمها فاسد وليس فيها مادّة قوّة التي هي المخّ، فالظاهر والله أعلم أنّ التي لا مخّ فيها وهي شابّة لا يمنع ذلك إجزاؤها.
هذه أربع ذكرها النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام محصورة بالعدد، والعدد غالبا مفهومه مفهوم مخالفة، الغالب أنّ العدد مفهومه مفهوم مخالفة لأنّه في الحقيقة يؤول إلى صفة، لأنّ أربع معناه البالغ هذا العدد، فعلى هذا يكون مفهومه مفهوم الصّفة إن لم يكن أشدّ يعني أشدّ دلالة على الحصر، وعلى هذا فما سوى الأربع يجزئ وإمّا لا يجزئ؟ يجزئ ما سوى الأربع يجزئ ويجوز لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حصرها في مقام الخطابة وجوابًا للسّؤال، وهذا كلّه يؤيّد أنّ الذي لا يجزئ محصور في هذا العدد وبهذه الموصوفات بهذه الصّفات.