وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كفارة النذر كفارة يمين ) رواه مسلمٌ، وزاد الترمذي فيه ( إذا لم يسم ) وصححه. ولأبي داود من حديث ابن عباس مرفوعاً ( من نذر نذراً لم يسمه فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذراً في معصية فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذراً لا يطيقه فكفارته كفارة يمين ) وإسناده صحيحٌ إلا أن الحفاظ رجحوا وقفه. حفظ
الشيخ : يقول: " وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كفارة النذر كفارة يمين ) رواه مسلم " قوله: ( كفارة النذر ) كلمة النذر هنا هل أل فيها للعموم أو المراد نذر معين؟ قال بعض أهل العلم: إنها للعموم ولكن هذا ليس بصحيح، وحتى لو قلنا إنها للعموم فإنه يخصص منها نذر الطاعة فإنه لا يجزئ فيه كفارة اليمين، بل لابد من فعل المنذور لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من نذر أن يطيع الله فليطعه ) وقوله: ( كفارة النذر كفارة يمين ) ظاهره العموم كما قلنا فيشمل كل نذر، لكن رواية الترمذي: ( إذا لم يسمه ) تقيد هذا النذر يعني النذر الذي لم يسم، بأن قال الإنسان: لله علي نذر وسكت، نقول الآن عليك كفارة يمين والحكمة والله أعلم من ذلك من أجل أن يحترم الإنسان النذر، حتى لا يكون النذر على لسانه وحتى يبتعد عن الصيغ التي تقتضي إلزامه بما لم يلزمه الله به، وهذا هو القسم الخامس على حسب ما شرحناه، فيستفاد من هذا الحديث: أن كفارة النذر إذا لم يسم كفارة يمين، ومثاله ما ذكرناه لله علي نذر فقط، ولأبي داود من حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا: ( من نذر نذرًا لم يسمه فكفارته كفارة يمين ) وهذا شاهد لرواية الترمذي التي قيدت رواية مسلم إذا لم يسم، ومن نذر نذرًا في معصية فكفارته كفارة يمين، يعني من نذر نذر معصية فكفارته كفارة يمين، ولا يحل له أن يوفي به لأن الوفاء به ممتنع شرعًا، وسواء كانت المعصية فعل محرم أو ترك واجب، فمن قال لله عليه نذر ألا يصلي الجمعة فنقول: نذر معصية، لأن صلاة الجمعة واجبة عليه إلا لعذر، فنقول: يجب عليه أن يصلي ويكفّر كفارة يمين، ومن قال: لله عليه نذر أن يشرب الخمر، نقول: لا تشرب الخمر وعليك كفارة يمين، فإن قال قائل: إنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من نذر أن يعصي الله فلا يعصه ) ولم يذكر كفارة، وهذا رواية البخاري وغيره ( من نذر أن يعصي الله فلا يعصه ) وليس فيها ذكر كفارة؟ قلنا: إنه لا معارضة، لأن رواية البخاري تفيد هل يفعل أو لا يفعل، أما ماذا يترتب عليه لو لم يفعل فهذا لم تتعرض له رواية البخاري، وعليه فلا معارضة ويكون العمل على ما دل عليه حديث ابن عباس يقول: ( ومن نذر نذرًا لا يطيقه فكفارته كفارة يمين ) لأن ما لا يطاق من المستحيل أن يكون، فمن قال لله علي نذر أن أصعد إلى السماء بنفسه فإن هذا النذر لا يطاق فعليه كفارة يمين، لكن ينتظر حتى يرى هل يستطيع أو لا أو لا ينتظر؟
الطالب : لا ينتظر.
الشيخ : ليش؟
الطالب : لأنه لا يطاق.
الشيخ : لأنه لا فائدة من الانتظار هذا شيء مستحيل ( ومن نذر نذرًا لا يطيقه فكفارته كفارة يمين ) هذه ثلاثة نذور، الأول: الذي لم يسم، والثاني: المعصية، والثالث: النذر الذي لا يطاق كلها كفارتها كفارة يمين، وكفارة اليمين بيّنها الله تعالى بيانًا شافيًا كافيًا في سورة المائدة في قوله تعالى: (( فكفارته إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة )) هذه ثلاثة على التخيير (( فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعة )) كما في قراءة ابن مسعود رضي الله عنه، فتكون الثلاثة الخصال الأولى على التخيير، ويبدأ بماذا؟ يبدأ بالأسهل كما بدأ الله به، بدأ الله تعالى بالإطعام لأنه أسهل إطعام عشرة مساكين، ثم في الكسوة لأنها أصعب، ثم بعتق الرقبة لأنها أشق، فإن قال قائل: كيف يعادل إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم بعتق الرقبة؟ فالجواب من وجهين: الوجه الأول: أنه قد يأتي زمان تكون الرقبة رخيصة والطعام والكسوة غالية، ثانيًا: أنه لا شك أن الغالب في كل زمان أن قيمة الرقبة أعلى وأغلى، فيقال: إن في هذا إشارة إلى أن الذي انتهك حرمة اليمين لابد أن يفدي نفسه بمثلها وهو عتق الرقبة، لكن من نعمة الله أن خفف على عباده وجعل إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم بمنزلة عتق الرقبة، أما إذا لم يقدر فيصوم ثلاثة أيام متتابعة.