مواصلة الكلام على القضاء. حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم .
سبق لنا أن القضاء هو بيان الحكم الشرعي، كمل؟
الطالب : والإلزام به.
الشيخ : والإلزام به، وأن الفتوى بيان الحكم الشرعي دون الإلزام، ونقول إن القضاء من أفضل الولايات التي يقوم بها المسلم، لأنه ينفذ حكم الله في عباد الله، ولأنه إذا لم يتول القضاء من هو أهلٌ له تولاه من ليس بأهلٍ له، ولهذا قال العلماء: إن تولي القضاء فرض كفاية إن قام به من يكفي وإلا تعين عليه، وتهرّب بعض السلف منه لأن العلماء في وقتهم كثيرون، وإذا تهرّب إنسان وجدنا من تكون به الكفاية لكن إذا قلّ العلماء الموثوقون فإنه لا ينبغي أبدًا أن يتهرب الإنسان منه، وقول القائل أخشى أن أجور في الحكم نقول حتى وإن جرت في الحكم بعد الاجتهاد فلك أجر، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ( إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر ) ثم إنك قد تخطئ وقد تصيب لماذا تغلّب جانب الخطأ أليس في الإصابة لمن أراد الحق واجتهد هي الأكثر، وإذا كانت هي الأكثر فلماذا نتهرب خوفًا من الأقل وقد قال الله تعالى لداود عليه الصلاة والسلام: (( يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله )) فهو ولاية من أفضل الولايات لما يحصل فيها من إيصال الحقوق إلى أهلها وحقن الدماء وعقوبة المفسد وغير ذلك، لأن كل هذه الأشياء تمر بالقضاء فالتهرب عنه ليس في محله، ولا ينبغي لأن الناس لابد لهم من قضاة، فإذا تهرّب أهل القضاء والذين هم أهله حقًّا تولاه من ليس بأهل له ففسدت الدنيا والدين، ثم إنه قد يقول القائل: الناس تغيروا وكثرت الحيل وكثر الكذب وهذا يشق عليّ، جواب على ذلك ما ذكرناه أولًا أن تجتهد في تحري الحق فإن أصبت فلك أجران وإن أخطأت فلك أجر واحد، ثم إنه ينبغي للقاضي أن يكون عنده فراسة ومعرفة بأحوال الناس لأن هذه تخدمه كثيرًا، قد يتحاكم اثنان وظاهر الحال مع الأول، ولكن بالفراسة ومعرفة الأحوال يكون الحق مع الثاني، لهذا ينبغي للقاضي أن يكون لديه فراسة حتى يصل إلى الحق، وما قصة سليمان وداود بغريبة عليكم في قصة المرأتين اللتين خرجتا فأكل ولد إحدهما الذئب فاختصمتا فقضى به للكبرى، اجتهادًا منه بناء على أن الصغرى شاذة وأمامها سنوات إذا أراد الله ويأتيها أولاد بخلاف الكبرى، فخرجتا فقصتا على سليمان فقال لا ودعا بالسكين فقال أشقه بينكما نصفين، فقالت الصغرى هو لها يا نبي الله أما الكبرى فوافقت حتى يلحقها بابنها ويهلك كما هلك ابنها الذي أكله الذئب، فقضى به سليمان للصغرى وهذه من الفراسة، ويذكر عن قضاة من السلف ومن الخلف أيضًا أشياء غريبة في الفراسة، ولهذا أتمنى أن يتتبع أحد من الناس مثل هذه القصص وتؤلف في مؤلف وتوزع بين القضاة حتى يستعينوا بها على تحري الحكم والحق على كل حال القضاء، إذن حكمه فرض كفاية وإذا لم يوجد أهل سوى واحد تعين عليه، وهو من أفضل الأعمال وأجل الطاعات وأعلى الولايات، حتى إن الحاكم القاضي يحكم حتى على الأمير والسلطان، لأنه حاكم قاضي يقضي بشرع الله، ثم إنه يتأكد في زمننا هذا أن يتولى العلماء بشريعة الله مناسبة القضاء، لأنه كثر التحاكم الآن إلى الطاغوت وهو القانون المخالف للشريعة، وصار كثير من الناس اليوم ولا أقول أكثر الناس يعتمدون على القوانين المكتوبة ويخافون إن حكموا بخلافها أن ترد أحكامهم أو أن توضع فوق رؤوسهم علامة الاستفهام، ولكن الواجب على الإنسان أن يقول الحق (( كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين )).