تتمة شرح حديث :( .... فقلت : إن أحب أهلك أن أعدها لهم ويكون ولاؤك لي فعلت ، فذهبت بريرة إلى أهلها ، فقالت لهم : فأبوا عليها ، فجاءت من عندهم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ، فقالت : إني قد عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم ، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( خذيها واشترطي لهم الولاء ، فإنما الولاء لمن أعتق )، ففعلت عائشة رضي الله تعالى عنها ،ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ( أما بعد ، فما بال رجل يشترطون شروطا ليست في كتاب الله تعالى ؟ ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ، وإن كان مائة شرط ، قضاء الله حق ، وشرط الله أوثق ، وإنما الولاء لمن أعتق ) . متفق عليه واللفظ للبخاري وعند مسلم قال :( اشتريها وأعتقيها واشترطي لهم الولاء ) . حفظ
الشيخ : ( فقلت ) هذا مبتدأ الدّرس ( فقلت: إن أحب أهلك أن أعدها لهم ويكون ولاؤك لي فعلت ) إن أحب هذه شرطيّة وجواب الشّرط فعلت، وقولها رضي الله عنها: ( أن أعدّها لهم )يعني يعطوهم إياها معدودة وقد مرّ علينا كم هذه من درهم؟
الطالب : تسع أواق.
الشيخ : تسع أواق، كلّ أوقيّة أربعون درهم أربعة في تسعة؟
الطالب : ...
الشيخ : ... كم؟ ... كم 36، إذن تكون 360.
الطالب : ...
الشيخ : هاه؟
الطالب : ...
الشيخ : لا ما مو مثقال، إلا درهم 360 درهم " إن أحبّ أهلك أن أعدّها لهم " أي أن أعدّ لهم تسعة أواق وهي بالدّراهم الإسلاميّة 360 درهما لأنّ الأوقيّة أربعون درهما كما قال النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام ( ليس فيما دون خمس أواق صدقة ) وفي حديث أبي بكر في الرقة ( في مائتي درهم ربع العشر ) ففهمنا من هذا أنّ الأوقيّة كم؟ أربعون درهما طيب
وقولها ( يكون ولاؤك لي ) ما هو الولاء؟ الولاء في اللغة من الولاية، وفي الشّرع يطلق على عدّة معانٍ:
منها ولاء العتق وهو أنّ الإنسان إذا أعتق عبدا صار له عاصبا كعصوبة النّسب تماما إلاّ أنّها دونها في المرتبة ولهذا لا يستحقّ أحد عاصب بالولاء شيئا من حقوق التّعصيب ما دام يوجد عاصب بالنّسب لو هلك هالك عن بنت ومولى لكان للبنت النّصف والباقي للمولى، ولو هلك عن بنت وعمّ كان للبنت النّصف وللعمّ الباقي، إذن فولاء العتق له لحمة في الإنسان كلحمة النّسب إلاّ أنّه كما قلنا لا يمكن أن يستحقّ شيئا من حقوق التّعصيب ما دام أحد من العصبة في النّسب موجودة
طيب تقول: ( فعلت ) فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت لهم ذلك وأظنّ مرّ علينا ما المراد بالأهل هنا أنّهم؟ أسيادها
( فقالت لهم ذلك فأبوا عليها ) أبوا يعني امتنعوا أن يكون الولاء لعائشة يريدون أن يكون الولاء لهم هم
قالت: ( فجاءت من عندهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ) جالس في حجرة عائشة لأنّ عادة الرّسول عليه الصّلاة والسّلام أن يكون في مهنة أهله في البيت أو في المسجد، أو في شؤون المسلمين عليه الصّلاة والسّلام
تقول: فقلت لهم ( فقالت إني قد عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا أن يكون لهم الولاء ) يعني وافقوا على أن يبيعوها على عائشة نقدا ولكن على أن يكون الولاء لهم يحتفظون به فيكون لهم حقّ العصوبة بعد عصوبة النّسب لهذه المرأة
( فأخبرت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: خذيها واشترطي لهم الولاء ) خذيها يعني بالشّراء اشتريها واشترطي لهم الولاء كما طلبوا، واشترطي لهم الولاء كما طلبوا، فأمرها النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام أن تأخذها وأن تشترط لهم الولاء وهذا الأمر ليس أمر إيجاب ولا استحباب ولكنّه أمر إباحة لأنّه صار في جواب سؤال، وقد مرّ علينا أنّ الأمر إذا كان في جواب سؤال فهو للإباحة، طيب وكذلك إذا وقع بعد الحظر كان للإباحة أو لرفع الحظر على خلاف في ذلك وقد سبق في أصول الفقه
قال: ( خذيها واشترطي لهم الولاء ) يعني كما أرادوا، وإنّما قال الرّسول عليه الصّلاة والسّلام ذلك لأمر سيتبيّن فيما بعد، واختلف العلماء في اللّام هنا هل هي للتمليك والاستحقاق أو أنّها بمعنى على؟ فقال بعض العلماء إنّها بمعنى على أي اشترطي عليهم الولاء قالوا ذلك واستشهدوا بقوله تعالى: (( إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء وعد الآخرة )) إلى آخر الآية قالوا فلها بمعنى فعليها كما قال الله سبحانه وتعالى: (( من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها )) فتكون اللّام هنا بمعنى على واضطرّوا إلى ذلك لئلا يلزم من جعل اللّام على بابها أن يكون الرّسول صلّى الله عليه وسلّم أذن لها بشرط فاسد، لأنّ اشتراط الولاء لهم مخالف للشّرع وقالوا الرّسول عليه الصّلاة والسّلام لا يمكن أن يأمر بشيء أن يأذن بشيء مخالف للشّرع فاضطررنا إلى أن نجعل اللّام بمعنى على وأتينا بشاهد من القرآن، عرفتم؟ طيب
هذا القول ظاهره الصّحّة لكنّه عند التأمّل يتبيّن ... يتبين أنّه ليس بصواب لأنّها قد اشترطت عليهم الولاء ولكن أبوا، فما الفائدة من أن تعيد الشّرط مرّة أخرى؟ وكيف يقول الرّسول اشترطي عليهم الولاء وهو يعلم أنّهم قد أبوا ذلك؟ لأنّ هذا ليس فيه إلاّ مجرّد التّكرار بلا فائدة، والنّبيّ عليه الصّلاة والسّلام لا يمكن أن يأمر بشيء بغير فائدة، ولا يمكن أن يأمر بشيء يعلم أنّه مردود من قبل، إذن يتعيّن أن نجعل اللّام على أصلها وهو التّمليك والاستحقاق يعني ( خذيها واشترطي لهم الولاء ) كما أرادوا، ( واشترطي لهم الولاء ) كما أرادوا، ولكن نعم ونجيب عن قولهم إنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام لا يأمر بشيء مخالف للشّرع، أو لا يأذن بشيء مخالف للشّرع، نجيب عن ذلك بأنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يأذن بذلك لينفّذه لو أذن ونفّذ لكان محلّ إشكال لكنّه أذن بذلك ليبطله بعد شرطه، وإبطال الشّيء بعد شرطه أشدّ وقعا وأبين في الإفساد والإبطال أليس كذلك؟ لأنّه لو قيل هذا باطل ليس وقعه في النّفس كما إذا اشترط ثمّ أبطل، لأنّه قد يقول قائل هذا محرّم ولكن إذا اشترط نفّذ لكن نقول لا، هو محرّم اشتراط الولاء لغير المعتق فإذا اشترط فإنّه باطل لا ينفّذ، فيكون الرّسول عليه الصّلاة والسّلام أراد من ذلك أن يشترط الولاء لهم كما طلبوا وكما أرادوا ثم بعد اشتراطهم إيّاه يبطله الرّسول عليه الصّلاة والسّلام.
ونظير هذا من بعض الوجوه أنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم أمر المسيء في صلاته أن يصلّي عدّة مرّات صلاة محرّمة، صلاة محرّمة، لأنّه كان لا يطمئنّ فيها يقول له ( اذهب فصلّ فإنك لم تصلّ ) فيذهب ويصلّي كالأوّل يقول( اذهب فصلّ فإنك لم تصلّ ) لماذا؟ من أجل أن يكون توجيه الرّسول عليه الصّلاة والسّلام له بعد أن أخذه العناء من صلاة ليست بمجزئة يكون توجيه الرّسول إياه وإرشاده له، له وقع في النّفس له وقع في النّفس فتستقرّ، وليعلم أنّ العبادة الفاسدة مهما فعلت فإنها لا تبرأ بها الذّمّة وهذا من الحكمة في التّعليم من الحكمة في التّعليم
إذن نقول يتعيّن أن نجعل اللّام على أصلها لأنّ صرفها عن الأصل يحتاج إلى دليل ولأن جعلها بمعنى على لا يليق برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو الذي يعلم ويدري أنّ هذا أمر غير ممكن لأنّ الجماعة قد ردّوا هذا من الأصل فيبقى مشكلة في هذا وهي لماذا يُغَرّ هؤلاء لماذا يُغَرّ هؤلاء فيشترط لهم الولاء ثمّ يلغى وسيأتي إن شاء الله الجواب عليه سيأتي الجواب عليه المهم، ...
الطالب : ...
الشيخ : ...
الطالب : ...
الشيخ : ... عليها طيب إذن نقول اللام يجب أن تكون على بابها وأنّها للاستحقاق يكون لهم الولاء أي لهم كما طلبوا كما أرادوا
ثمّ قال الرّسول عليه الصّلاة والسّلام مقرّرا الحكم الشّرعي ( فإنما الولاء لمن أعتق ) الفاء هنا عاطفة وإنما أداة حصر، والولاء مبتدأ، ولمن أعتق خبره، ويكون معنى الجملة الولاء لمن أعتق لا لغيره وإن شرط فذهبت بريرة ففعلت عائشة رضي الله عنها ثمّ قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى آخره، فعلت عائشة ماذا فعلت؟ أخذتها واشترطت لهم الولاء أخذتها واشترطت لهم الولاء وتمّ الأمر تم الأمر، على أنّ عائشة اشترت بريرة المكاتبة على أن يكون ولاؤها لأهلها، طيب
ثمّ إنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام قام في الناس فحمد الله وأثنى عليه، قام في النّاس خطيبا وهذه الخطبة من الخطب العوارض والنّبيّ عليه الصّلاة والسّلام يخطب أصحابه خطبا عارضة وخطبا راتبة دائما، فخطبة الجمعة مثلا من الخطب الرّاتبة، خطبة العيد من الخطب الرّاتبة، الاستسقاء من الخطب الرّاتبة، العارضة دائما يخطب فيها الرّسول عليه الصّلاة والسّلام في المناسبات، خطبة الكسوف؟ هاه؟
الطالب : عارضة.
الشيخ : عارضة، وقيل راتبة، يعني أنّ العلماء اختلفوا هل خطبة الكسوف مسنونة مطلقا أو إنّها لعارض للتذكير؟ يقال الكسوف ما وقع في عهد الرّسول عليه الصّلاة والسّلام إلاّ مرّة واحدة ولا ندري لو عاد مرّة ثانية هل يخطب الرّسول أو لا والأصل أنّ ما فعله فهو سنّة ، هذا الأصل، أنّ ما فعله فهو سنّة وعلى هذا فنقول صلاة الكسوف يستحبّ فيها الخطبة لا سيما في مثل زمننا هذا الذي غفل الناس عن المراد بالكسوف، أو عمّا يراد به شرعا والذي يراد به شرعا هو تخويف الناس، فالخطبة في هذا الزّمن حتى وإن قلنا إنّها ليست من السّنن الرّاتبة بل هي من السّنن الطارئة ينبغي أن لا تفوّت في صلاة الكسوف
طيب يقول: -ما نخلي اليوم ما في سؤال لأن الوقت طيب طيب-
السائل : ...
الشيخ : يقول ثم قال ( فحمد الله وأثنى عليه ) حمد الله: الحمد هو وصف المحمود بالكمال مع المحبّة والتّعظيم، وصف المحمود بالكمال ولو مرّة واحدة مع المحبّة والتّعظيم، فقولنا مع المحبّة والتّعظيم ليخرج المدح فإنّ المدح وصف للممدوح بالكمال لكن قد يخلو من المحبّة والتّعظيم، قد يمدح الإنسان أحدا وهو من أكره الناس إليه ويبغضه، لكن يمدحه خوفا من شرّه أو رجاء لعطائه أليس كذلك؟ أما الحمد فإنّه وصف المحمود بالكمال مع المحبّة، يجد الإنسان قلبه ممتلئا محبّة لهذا الموصوف بالكمال وبالتّعظيم أيضا، وحمد الله سبحانه وتعالى إذا قلت أحمد الله، حمد الله عزّ وجلّ يكون على الكمال الذّاتي وعلى الإحسان إلى الخلق، ولهذا إذا أكل الإنسان وشرب يقول الحمد لله على هذا الإحسان وهذه النّعمة فالله يحمد على كماله الذّاتي وعلى إحسانه الواصل إلى خلقه سبحانه وتعالى، أثنى عليه بأن كرّر أوصاف الكمال، اقرأ الحديث.
القارئ : بسم الله، والحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله .
قال المؤلف رحمه الله تعالى: " ( وعن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءتني بريرة فقالت: إني كاتبت أهلي على تسع أواق، في كل عام أوقية، فأعينيني. فقلت: إن أحب ) " ..
الشيخ : إنْ.
القارئ : " ( إن أحب أهلك أن أعدّها لهم ويكون ولاؤك لي فعلت، فذهبت بريرة إلى أهلها، فقالت لهم: فأبوا عليها، فجاءت من عندهم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ) "
الشيخ : صلى الله عليه وسلم
القارئ : " ( فقالت: إني قد عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم ، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: خذيها واشترطي لهم الولاء ، فإنما الولاء لمن أعتق ، ففعلت عائشة رضي الله تعالى عنها ،ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فما بال رجل يشترطون شروطا ليست في كتاب الله عزّ وجلّ؟ كان من شرط ليس .. ) " ..
الشيخ : ما كان، ما كان.
القارئ : " ( ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، قضاء الله حق، وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق ) . متفق عليه واللفظ للبخاري وعند مسلم فقال : ( اشتريها وأعتقيها واشترطي لهم الولاء ) ".
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم .
تقدّم لنا الكلام على هذا الحديث وأن قصّته أنّ بريرة رضي الله عنها اشترت نفسها من أهلها على تسعة أواق وجاءت إلى عائشة تستعينها فقالت عائشة إن أحبّ أهلك أن أعدّها لهم وأسلم الثمن كاملا ويكون الولاء لي، فذهبت بريرة إلى أهلها فأبوا إلاّ أن يكون لهم الولاء، فقال النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام خذيها.