وعن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنهما - قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع فضل الماء . رواه مسلم ، وزاد في رواية : " وعن بيع ضراب الجمل " حفظ
الشيخ : أما الحديث الأخير يقول: ( نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن بيع فضل الماء ) والنهّي كما سبق طلب الكفّ على وجه الاستعلاء، فضل يعني زيادة يعني ما زاد على قدر الحاجة فإنّه لا يجوز بيعه.
لم نصّ على ذلك لأنّ الغالب أنّ الإنسان لا يبيع إلاّ ما زاد على حاجته، أمّا ما تعلّقت به حاجته، فإنّه لا يبيعه.
طيب وقوله: ( عن بيع فضل الماء ) ما المراد بهذا الماء؟ المراد بهذا الماء شيئان:
الشيء الأوّل ما اجتمع بفعل الله عزّ وجلّ في أرض من الأراضي، كالغدران التي تجتمع من السّيول فهذا لا يجوز لأحد أن يستولي عليه ثمّ يبيعه على الناس، يعني لو أنّ رجلا جاء إلى غدير، وتعرفون الغدير وإلاّ لا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : طيب، ثمّ تحجّره وصار يبيعها على الناس فهذا حرام عليه لا يجوز لأنّ هذا الماء ليس من فعله ( والناس شركاء في ثلاث: في الماء والكلأ والنار ) فلا يجوز أن يبيعها، الوجه الثاني، نحن ذكرنا وجهين؟
الطالب : ...
الشيخ : هاه؟ الوجه الثاني الوجه الثاني أن يحفر الإنسان بئرا، أن يحفر بئرا فيصل إلى الماء فهنا أيضا لا يجوز أيضا أن يبيع نقع البئر لا يجوز أن يبيع نقع البئر لأنّ نقع البئر من فعله وإلاّ من فعل الله؟
الطالب : من فعل الله.
الشيخ : من فعل الله، هو الذي جمع هذا الماء في البئر، ليس من صنعك، غاية ما فعلت أنّك حفرت حتى وصلت إليه، أمّا الذي سلكه ينابيع في الأرض فهو؟ فهو الله، فلا يحلّ لك أن تبيعه لأنّك أنت والناس فيه على حدّ سواء، صحيح أنّك أنت أحقّ به، ولهذا قال ( نهى عن بيع فضله ) أنت أحقّ به، لا أحد يزاحمك ما دمت محتاجا إليه لكن إذا لم يكن هناك حاجة فإنك لا تمنع أحدا فإنّه لا يجوز لك أن تبيع
هناك شيء ثالث في الماء وهو أن تحوزه بأن تخرجه من الأرض وتحوزه في بركة أو تحوزه في إناء، في مجمع إناء كبير، يسمّونه؟
الطالب : ...
الشيخ : هاه، حوى أو خزّان أو ما أشبه ذلك، أو قربة فهذا ملكك لك أن تبيعه لأنّك حزته في أمر يختصّ بك وجمعته في هذا الوعاء فهو ملكك لك أن تبيعه ويدل هذا أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ( الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار ) وقال: ( لأن يمدّ أحدكم حبله فيحتطب فيأتي به ويبيعه خير من أن يسأل الناس ) والناس في الحطب شركاء لكن هذا احتطبه وملكه حازه ثمّ جاء يبيعه فأجاز له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم البيع، فهذا مثله، فصار عندنا الآن على ثلاثة أوجه وجهان ممنوعان ووجه جائز، الوجهان الممنوعان أن لا يحوز الإنسان في إناء وشبهه ويكون حصول الماء بغير فعله مثل؟
الطالب : الغدير.
الشيخ : مثل الغدير، والشعاب وما أشبه ذلك، وكذلك أيضا نقع البئر لأن الذي جمع الماء حتى صار في هذا المستقرّ هو؟
الطالب : الله.
الشيخ : هو الله عزّ وجلّ، هذان الوجهان لا يجوز فيهما البيع أما الوجه الثالث وهو بعد أن تحوز الماء في رحلك في إناء فلك أن تبيعه
طيب إذا قال قائل: في الوجهين الأوّلين هل يجوز أن أمنع الماء؟ أقول للناس لا تدخلوا لهذا الغدير فتشربون منه، نقول هذا الحديث يقول ( نهى ) نعم نقول لا يجوز لا يجوز أن تمنع الناس لأنّهم شركاء لك في هذا الماء إلاّ بشرط أن يلحقك بهذا ضرر ضرر بماذا؟ إمّا بأن يدوسوا زرعك، أو يطّلعوا على عوراتك، أو يأخذوا الماء كلّه على وجه يضرّك وينقصك فحينئذ لك أن تمنعهم فإذا خشيت الأذى أو الضّرر فلك أن تمنع، وفي الحال التي لا يجوز لك أن تمنع هل يجب استئذانك؟ وإذا استأذنه فهل يجب عليه الإذن قال بعض أهل العلم إنّه لا يلزم استئذانه تدخل أذن وإلاّ ما أذن فإذا رأيت هذا الغدير في أرض هذا الرّجل فأدخل إبلك ولتشرب منه سواء استأذنت أو لم تستأذن، طيب فإن استأذنت فلم يأذن فهل لك أن تدخل قهرا؟ فيه قولان لأهل العلم، القول الأوّل أنّك لا تدخل لأنّه ملكه كيف تدخل ملكه بدون رضاه؟ والقول الثاني تدخل، القول الأوّل لا تدخل لأنّه ملكه ولا يمكن أن تدخل ملكه بغير رضاه، والقول الثاني يا فهد؟
الطالب : أنّه لا يدخل.
الشيخ : أنّك تدخل لأنّ لك الحقّ، لك الحقّ في أن تشرب هذا الماء ولو قلنا أنّ الأمر يتوقّف على إذنه لم يكن لقولنا إنّه يحرم عليه المنع فائدة بالنّسبة للداخل
طيب إذن السّؤال الآن، هل يجوز في الحال التي لا يجوز بيع فيها الماء هل يجوز أن نمنع الدّاخل الى ملكه لشرب الماء؟
الطالب : لا.
الشيخ : أقول إذا كان فيه ضرر أو أذى، فالضّرر مثل أن يداس زرعه ويؤكل ثمره وما أشبه ذلك فله أن يمنع، والأذى مثل أن يطّلع النّاس على عوراته نساؤه وأولاده وحوائجه مكشوفة ولا يحبّ أن يطّلع أحد عليها فله أن يمنع أمّا إذا لم يكن هناك مسوّغ للمنع فالصّحيح أنّه لا يجوز له أن يمنع، وأمّا استئذان الدّاخل فنقول إنّه لا يلزمك أن تستأذن إلاّ إذا كنت تخشى الفتنة مثل لو كان لو دخل وجاء صاحب الأرض حصل فتنة من قتال أو نحوه فحينئذ نقول لا تدخل حتى تستأذن خوفا من الفتنة.
الثاني قال: ( وعن بيع ضراب الجمل ) ( وعن بيع ضراب الجمل ) بيع ضراب الجمل وهو عسب الجمل، بيع ضراب الجمل يعني إنسان عنده جمل يضرب الناقة يعني يعلو عليها من أجل تلقيحها، نهى الرّسول عليه الصلاة والسلام عن بيع ضراب الفحل، فإذا كان عندك فحل ..
الطالب : جمل.
الشيخ : نعم جمل، فإذا كان عندك جمل وجاءك صاحب ناقة يطلب منك أن تضرب الجمل هذه الناقة، قلت له والله لا مانع، ما عندي مانع لكن كلّ تلقيحة بمائة، كلّ تلقيحة بمائة، يجوز هذا وإلاّ لا؟
الطالب : ما يجوز.
الشيخ : لا يجوز، هذا حرام عليك، فإن قال صاحب الجمل إنّ الضّراب يضرّ جملي فما الجواب؟
الطالب : ...
الشيخ : نقول ليس يضرّه، هل إضرابك امرأتك يضرّك؟
الطالب : أبدا.
الشيخ : أبدا، يسرّك!
الطالب : هههه.
الشيخ : نعم، ... كذلك، يعني احمد ربّك إنه جاب له زوجة بلا مهر! نعم فهو لا يضره في الواقع، لكن إن قال إنّه يضرّه من جهة أخرى تتعلّق نفسه بالنوق ويتعبه وهذا مشاهد في الحمر، الحمار إذا عوّد ما عاد يملكه صاحبه إذا رأى أنثى يمكن يسقط ما على ظهره ويروح لمه فإذا قال أنا أخشى من التّضرّر بهذا فإنّا نقول إنّ هذا أمر بينك وبين ربّك، إن كان هذا حقيقة فلك الحقّ، وإن لم يكن حقيقة وإنما تريد أن تتعلّل عن منع ما يجب عليك فهذا لا يحلّ لك، على أنّ موضوع الحمير يختلف عن موضوع الجمال لأنّ منيّ الحمار نجس خبيث لا يجوز بيعه بخلاف ضراب الجمل
طيب لو قال قائل لو قال صاحب الجمل إن جملي هزيل ويضرّه الضّراب ماذا نقول؟
الطالب : ...
الشيخ : هاه؟
الطالب : لا يضرّه.
الشيخ : لا يضرّه؟
الطالب : أقول ...
الشيخ : نقول نعم، في هذه الحال لا يلزمك، لا يلزمك، لكن هذا لا يبرّر لك أخذ العوض عنه، نحن نقول إمّا أن يكون على الجمل ضرر أو عليك أنت ضرر باستخدام الجمل بعد أن يضرب فلك أن تمنع، إذا لم يكن ضرر لا على الجمل ولا عليك فلا يجوز أن تأخذ عوض والكلام الآن في أخذ العوض
طيب فإن قال قائل لماذا نهى عنه الرّسول عليه الصّلاة والسّلام؟ قلنا لأنّ هذا فيه نوع من المضارّة و الحسد لأنّه إذا كان الجمل لا يتضرّر، وصاحب الجمل لا يتضرّر ولكنّه أبى علم بأنّه مضارّ، صاحب الجمل مضارّ وحاسد ومانع للفضل ومضرّ باقتصاد الأمّة لأنّ الأمّة كلّما كثر النّماء في مالها ازدادت؟
الطالب : قوّة.
الشيخ : قوّة، ازدادت قوة فلهذا منع منه الشّارع، منع منه الشّارع، يعني منع من عوضه ونظير ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ( لا يمنعنّ جار جاره أن يغرز خشبة في جداره ) لأنّ غرز الخشبة في الجدار منفعة للجار ولا ضرر عليك أنت قال أبو هريرة " ما لي أراكم عنها معرضين؟ والله لأرمينّ بها بين أكتافكم " قاله وكان أميرا على المدينة، يقول إذا لم تسمح لي الخشب أن يوضع على الجدار وضعته على كتفك، وهذا نظير قول عمر لمحمّد بن مسلمة لمّا منع جاره أن يجري الماء على أرضه إلى الجهة الأخرى، وكانت أرضه بين أرضين لجاره تصوّرتموها؟
الطالب : أي نعم.
الشيخ : طيب، فطلبها صاحب الأرضين أن يجري الماء من أرض إلى أرض مارّة بأرض محمّد بن مسلمة، وقال سأجري الماء على الأرض وأنت اغرس عليه ما شئت، انتفع بالماء، قال لا، فترافعا إلى عمر فقال عمر: " والله لأجرينّه ولو على بطنك " رضي الله عنه لأنّه مضارّ، هذا أيضا نفس ضراب الفحل أو الجمل لا يجوز، نعم يا محمّد؟