وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - رضي الله تعالى عنهما - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل سلفٌ وبيع ، ولا شرطان في بيع ، ولا ربح ما لم يضمن ، ولا بيع ما ليس عندك ). رواه الخمسة ، وصححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم . وأخرجه في علوم الحديث ، من رواية أبي حنيفة ، عن عمرو المذكور ، بلفظ : ( نهى عن بيع وشرط ) . ومن هذا الوجه أخرجه الطبراني في الأوسط ، وهو غريب . حفظ
الشيخ : ثمّ قال وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يحل سلفٌ وبيع ) نعم ( ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن ولا بيع ما ليس عندك ). رواه الخمسة، وصححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم.
قال: ( لا يحلّ سلف وبيع ) أوّلا نفي الحلّ يقتضي التّحريم، وإن كان بعض العلماء قال قد يقتضي الكراهة لأنّ ضدّ الحلّ شيئان هما الكراهة أو التّحريم لكن هذا خلاف الظاهر فإنّ الله تعالى يجعل الحلّ مقابل الحرام لا مقابل المكروه، قال الله تعالى: (( ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام )) فإذا نفي الضّدّ ثبت ضدّه، فنقول ظاهر الحديث أنّ نفي الحلّ هنا يعني التّحريم
وقوله ( سلف وبيع ) السلف التقديم ومنه الحديث في زيارة القبور: ( أنتم سلفنا ونحن في الأثر ) ومنه حديث ابن عباس ( قدم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهم يسلفون في الثّمار ) أي يقدّمون القيمة على الثمن الذي يأتي في السّنة المقبلة، فالسّلف الشّيء المقدّم، ويحتمل أن يكون السّلف اسم مصدر بمعنى تسليف لكن المراد به التّقديم
( وبيع ) البيع معروف هو تبادل الشّيئين على وجه التأبيد، نعم والواو هنا في قوله ( وبيع ) الواو للجمع الواو للجمع لا للتفريد لأنّ السّلف وحده حلال، والبيع وحده حلال، لقوله تعالى: (( وأحلّ الله البيع )) لكن المراد الجمع بين السّلف والبيع
فما هذه الصّورة التي فيها السّلف والبيع؟ قال بعض العلماء السلف والبيع أن يقول أسلفتك مائة درهم بمائة صاع من البر إلى سنة على أن تبيعني بيتك فهنا جمع بين السّلف الذي هو السّلم وبين البيع بين السلف والبيع، وهذا عائد إلى تفسير البيعتين في بيعة لأنّه يشترط عقدا في عقد فعلى هذا يفسّر السّلف والبيع بما فسّر به بما فسرت به بيعتان في بيعة
وقيل معنى السّلف هنا القرض، يعني لا يحلّ لإنسان أن يجمع بين قرض وبيع مثل أن يقول أبيعك داري بألف على أن تقرضني ألفا قالوا هذا لا يحلّ، لماذا؟ لأنّ الغالب أنّ هذا الشّرط يكون فيه مصلحة لمن؟ للمقرض للمقرض، يكون فيه مصلحة للمقرض وكل قرض جرّ نفعا فهو ربا، فأنت إذا قلت أبيعك هذا البيت بألف على أن تقرضني كذا فإنّ هذا المشتري سوف ينتفع في الغالب أو يقول مثلا لا أشتري هذا، أو يقول أشتري منك هذا على أن تسلّفني يعني عكس الصّورة يأتي إنسان يعرض عليك سّلعة فتقول أشتريها منك بشرط أن تقرضني كذا وكذا، أشتريها منك بشرط أن تقرضني كذا وكذا فهنا انتفع المقرض كيف انتفع؟ لأنّ هذه السّلعة التي عرضها عليه ربّما لا تساوي مائة وأشتريها بمائة وعشرين من أجل؟
الطالب : القرض.
الشيخ : من أجل القرض، هي لا تساوي مائة ولكن اشتريتها بمائة وعشرين لأجل أنّه سيقرضني وحينئذ يكون قد أقرضني بفائدة وإلاّ لا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : بفائدة.
الشيخ : ومعلوم أنّ القرض إذا جرّ منفعة فهو ربا، لأنّ الأصل في القرض أنّه من باب الإرفاق والإحسان فإذا انضمّ إليه شيء من العوض صار ربا، صار ليس قصده الإرفاق والإحسان، هاتان صورتان بل هذه ثلاث صور:
الصورة الأولى أنّ المراد بالسّلف هنا السّلم يعني أن يسلم إليه دراهم بسلعة مؤجّلة ويشترط عليه بيعا مع هذا العقد وعلى هذا التّفسير يكون كقوله ( نهى عن بيعتين في بيعة ) على أحد التّفاسير السّابقة لكنّ هذا في الحقيقة ليس بصحيح لأنّ الجمع بين عقدين على وجه ليس فيه محذور شرعيّ لا بأس به، الجمع بين عقدين على وجه لا محذور فيه شرعا ليس فيه بأس.
الصورة الثّانية أن يقول بعتك كذا على أن تقرضني كذا، يعني مثل يأتي يطلب منه أن يبيعه سلعته، يقول أنا أريد أن تبيع عليّ بيتك، فيقول أبيعك بيتي بشرط أن تقرضني كذا وكذا هذه لا تجوز، لماذا؟ لأنّه جرّ نفعا لمن؟ للمشتري حيث حصّل مقصود من البيت بسبب إقراضه البائع، ولولا أنّ البائع باع عليه ما أقرضه.
طيب الصّورة الثالثة العكس، ما هو العكس؟ أن يقول أشتري منك كذا بشرط أن تقرضني كذا وكذا، فهذا أيضا لا يصحّ، فالإقراض تارة يكون من البائع وتارة يكون؟
الطالب : من المشتري.
الشيخ : من المشتري، وكلاهما فيه إخراج للقرض عن المقصود به إذ أنّ المقصود بالقرض الإرفاق، وفي هذه الصّورة أو في هاتين الصّورتين خرج به عن المقصود.
طيب قال: ( ولا شرطان في بيع ) قوله: ( ولا شرطان في بيع ) هذا ليس على إطلاقه والشّرط سبق لنا أنّه ينقسم إلى قسمين شرط للعقد وشرط في العقد، كذا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : شرط للعقد وشرط في العقد، والفرق بينهما أنّ الشّرط للعقد تتوقّف عليه صحّته والشّرط في العقد يتوقّف عليه لزومه بمعنى أنّه إذا فات الشّرط فلمن له الشّرط الخيار بين إمضاء العقد وفسخ العقد لكن الشّرط للعقد لا يصحّ إلاّ به
من شروط البيع أن يكون الثّمن معلوما فإذا باعه بثمن مجهول لا يصحّ العقد ليش؟ لفقد شرط من شروطه أمّا الشّرط في العقد فأن يشترط أحد المتبايعين أو أحد المتعاقدين شرطا فيه مصلحة له فهذا شرط في العقد، يتوقّف عليه لزوم العقد مثال ذلك، قال بعتك بيتي على أن أسكن فيه سنة، على أن أسكن فيه سنة، هذا شرط في العقد، لو لم يوف به المشتري ويمكّنه من السّكنى لكان لي الخيار
طيب فرق ثانٍ بينهما شرط العقد من وضع الشّرع فليس لأحد أن يخلّ به، والشّرط في العقد من وضع المتعاقدين فلكلّ منهما إبطاله، لكلّ منهما إبطاله هنا يقول: ( ولا شرطان في بيع ) ليس المقصود بلا شكّ النّوع الأوّل الذي هو شرط العقد، لأنّ العقد يتضمّن شروطا كثيرة، كم شروط البيع؟ شروط البيع سبعة على مشهور المذهب فيتضمّن عدّة شروط ولم يرد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم هذا إنّما أراد الشّرطان في العقد، الشّرطان في العقد، وهنا في البيع يقول في البيع، ما معنى شرطان في بيع؟ هل كلّ شرطين في البيع يحرمان؟ أيضا هذا ليس على إطلاقه فهناك شرطان في البيع يصحّان بالإجماع كما لو قال بعتك هذه السّيّارة على أن تقبضني الثّمن وقال الآخر وعلى أن تسلّمني السّيّارة، هذان؟
الطالب : شرطان.
الشيخ : شرط من البائع وشرط من المشتري، وهذان الشّرطان يصحّان بالإجماع، بل لو قال بعتك هذه السّيّارة بشرط أن يكون الثّمن حالاّ وأن تقبضني إيّاه هذان شرطان من طرف واحد أنّه حالّ وأن يقبّضه، هذا أيضا بالإجماع، هذان الشّرطان حلالان بالإجماع، الصورة الأولى الشرطان من؟
الطالب : من المتعاقدين ...
الشيخ : من المتعاقدين جميعا كلّ واحد اشترط شرطا وهذه الصّورة الشّرطان من واحد منهما وهذا أيضا جائز بالإجماع لماذا جائز بالإجماع؟ لأنّ هذا مقتضى العقد فهو ثابت سواء شرطه المشترط أم لم يشترطه لأنّ مقتضى العقد المطلق أن يكون الثّمن حالاّ وإلاّ مؤجّلا؟
الطالب : حالاّ.
الشيخ : حالاّ، ومقتضاه أيضا أن يقبّضه إيّاه، سواء اشترط البائع ذلك أم لم يشترط فما دام ثابتا فإنّ شرطه لا يفيد إلاّ إيش؟ التّوكيد فقط، هذا لا إشكال في جوازه وأظنّه لا خلاف فيه أيضا
بقينا بالشّرط الذي لا يلزم إلاّ باتّفاقهما الذي الأصل عدمه الأصل عدمه فهذا هو محلّ الخلاف مثال ذلك اشتريت من صاحب السّيّارة، اشتريت منه الحمولة اللي على ظهرها ولنقل إنّه حطب إنه حطب، الحطب معروف يا عبد الله؟
الطالب : ايوه معروف.
الشيخ : معروف، اشترطت من صاحب السّيّارة الحطب اشتريت من الحطب واشترطت عليه أن يحمله إلى البيت وأن يدخّله في البيت وأن يكسّره ثلاثة شروط، هذه الشّروط هل هي ثابتة بمقتضى العقد وإلاّ لا؟
الطالب : لا.
الشيخ : أبدا ما هي ثابتة بمقتضى العقد، مقتضى العقد إنّه إذا اشتريت منه حمولة السّيّارة الحطب ينزّله في الحال في مكانه ويقول أنت ... أعرفتم؟
الطالب : نعم.
الشيخ : طيب، هذان الشّرطان بل هذه الثلاثة شّروط ولنحذف واحدا عشان تكون مطابق للحديث وهو التّكسير، اشترطت عليه أن يحمله وأن يدخله البيت قال بعض أهل العلم إنّ هذين هما الشّرطان اللذان نهى عنهما الرّسول صلّى الله عليه وسلّم وقال لا يحلّ شرطان في بيع، قال هذان شرطان في بيع فلا يحلّ طيّب لماذا؟ قالوا هكذا قال الرّسول عليه الصّلاة والسّلام لا يتوالى شرطان في عقد واحد، ولكن هذا فيه نظر لأنّ هذين الشّرطين ليس فيهما محذور شرعي ليس فيهما محذور شرعي
فإذا قال قائل بل فيهما محذور شرعي لأنّ حمل الحطب وتدخيله لو لم يكن عقد بيع لاحتاج إلى أجرة لاحتاج إلى أجرة صحّ وإلاّ لا؟ طيب نسبة الأجرة إلى الثّمن مجهولة أنا اشتريته بمائة وقلت بشرط أن تحمله إلى البيت وتدخّله إلى البيت الثمن الآن مائة بالشّرطين المذكورين قلنا إنّ هذين الشّرطين لو أنّهما كان بأجرة لكن نسبة الأجرة إلى الثمن مجهولة ما ندري المائة هذه كيف نوزّعها على الأجرة وعلى قيمة الحطب سيعود ذلك إلى جهالة الثّمن، سيعود ذلك إلى جهالة الثّمن، وهذا هو وجه النّهي مع أنّ الرّسول نهى عنه ولكنّ هذا التّعليل عليل منقوض لأنّنا نقول لصاحب هذا هل إذا اشترط عليه أن يحمله إلى البيت بدون أن يدّخله البيت يصلح الشّرط وإلاّ ما يصلح؟
الطالب : يصحّ.
الشيخ : يصحّ؟
الطالب : نعم.
الشيخ : لأنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام يقول: ( لا يحلّ شرطان في بيع ) فإذا اشترط عليه أن يحمله إلى البيت وأنا أنزّله هناك يصحّ وإلاّ ما يصحّ؟
الطالب : ...
الشيخ : طيب يصح
الطالب : ما يصح ..
الشيخ : حمله من مكان البيع إلى البيت؟ يستحقّ الأجرة لو انفرد؟
الطالب : نعم.
الشيخ : يستحقّ، طيب نسبة الأجرة هذه إلى الثّمن مجهولة مجهولة ... وحينئذ نقول لا بدّ أن ننزّل الحديث على القواعد الشّرعيّة فلنبحث ما هما الشّرطان اللذان إذا اجتمعا وقعنا في محذور وإن انفرد أحدهما سلمنا من المحذور يجب أن ننزّل الحديث على هذا المعنى، على إيش؟ على أنّه إذا كان هناك شرطان يوقعان الشّارط في محذور شرعيّ فهما محرّمان وإن كانا لا يوقعانه في محذور شرعيّ فإنّ الحديث لا يشملهما فإنّ الحديث لا يشملهما
لكن هذا ايضا لو قال قائل هذا فيه نظر لأنّ الشّرطان المشتملان على محذور شرعيّ محرّمان أو لأنّ الشّرطين المشتملين على محذور شرعيّ محرّمان سواء أضيف إلى البيع أم لم يضافا إليه؟ فالجواب على هذا أن يقال إنّ هذين الشّرطين لا يستقلّان عادة وإنّما يكونان تابعين لعقد، ولهذا قال: ( ولا شرطان في بيع )
طيّب الشّرطان في بيع إذا قلنا إنّهما ينزّلان على إذا ما اجتمعا صار فيهما محذور شرعيّ وإذا لم يجتمعا لم يكن فيهما محذور شرعيّ، ممكن أن ننزّلهما على مسألة العينة ممكن أن ننزّلهما على مسألة العينة فنقول بعتك هذا الشّيء بمائة درهم مؤجّلا على أن تبيعنيه بثمانين نقدا، على أن تبيعنيه بثمانين نقدا، لو قلت بعتك إيّاه بمائة مؤجّلة هذا شرط واحد يجوز وإلاّ ما يجوز؟
الطالب : يجوز.
الشيخ : يجوز على أن تبيعنيه بثمانين نقدا دخل الشّرط الثاني أفسده، دخل الشّرط الثاني أفسده، وعلى هذا حمل الحديث شيخ الإسلام ابن تيمية قال إنّ المراد بذلك مسألة العينة لأنّها هي التي إذا اجتمع فيها شرطان أفسد العقد، وشرط واحد لا يفسد العقد لأنّه كما عرفتم قلنا لا ينطبق على الشّروط التي هي شروط للعقد ولا على الشّروط التي في العقد الذي تثبت بدون شرط ويكون الشّرط فيها توكيدا كذا؟ ولا على شروط فيها منفعة لكن لا تؤدّي إلى شيء محرّم هذه ثلاثة أشياء، طيب قلنا الوجه الأوّل أو المعنى الأوّل لا يدخل في الحديث إيش؟ بالاتفاق وإلاّ فيه خلاف؟
الطالب : بالاتّفاق.
الشيخ : بالاتّفاق، لأنّنا نجد عقد البيع يشتمل على شروط كثيرة، الوجه الثاني كذلك لا يدخل بالاتفاق وإن قدّر فيه خلاف فهو ضعيف جدّا ما هو؟ هو الذي يقتضيه العقد سواء شرط أم لم يشترط ويكون الشّرط هنا مفيدا لإيش؟
الطالب : ...
الشيخ : للتّوكيد فقط، الثالث الذي فيه مصلحة ولا يوقع في محذور فيه خلاف فمن العلماء من منعه وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد ومنهم من أجازه والصّحيح؟
الطالب : الجواز.
الشيخ : الجواز، إن شئت قل بما هو أعم، إن كلّ شرطين لو انفرد أحدهما لم يؤثّر وإن اجتمعا أثّرا فهما داخلان في الحديث ويمكن أن يأتي صور غير العينة طيب نعم.
القارئ : بسم الله الرّحمن الرّحيم
قال المؤلّف رحمه الله تعالى: " وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يحل سلفٌ وبيع ، ولا شرطان في بيع ، ولا ربح ما لم يضمن ، ولا بيع ما ليس عندك ). رواه الخمسة، وصححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم. وأخرجه في علوم الحديث من رواية أبي حنيفة عن عمرو المذكور، بلفظ: ( نهى عن بيع وشرط ) . ومن هذا الوجه أخرجه الطبراني في الأوسط، وهو غريب. ".