وعنه قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن يبيع حاضر لباد ، ولا تناجشوا ، ولا يبيع الرجل على بيع أخيه ، ولا يخطب على خطبة أخيه ، ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها . متفق عليه ، ولمسلم : ( لا يسم المسلم على سوم أخيه ) . حفظ
الشيخ : ثم قال : " وعنه رضي الله عنه قال : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد ) " ، وسبق الكلام عليه .
قال : ( ولا تناجشوا ) وسبق الكلام عليه أيضا .
" ( ولا يبيع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه ) " :
( ولا يبع الرجل الرجل على بيع أخيه ) : هذا لم يتقدم الكلام عليه .
( لا يبع الرجل ) : كلمة الرجل لم تذكر للتقييد ولكن ذكرت للغالب ، وإذا كان الشيء ذكر للغالب فإنه لا مفهوم له ، " كل قيد ذكر بناء على الغالب فإنه ليس له مفهوم " .
وقوله : ( لا يبيع الرجل ) روي بوجهين : ( لا يبع الرجل ) ، والوجه الثاني : ( لا يبيع الرجل ) :
أما ( لا يبع الرجل ) : فلا إشكال فيه ، لأن لا ناهية ، ويبع فعل مضارع مجزوم بلا الناهية ، ولكنه حرك بالكسر لالتقاء الساكنين .
وأما ( لا يبيع الرجل ) بالرفع ففيه إشكال ، وهو أن لا نافية ، فهل النفي يفيد النهي ؟ والجواب : نعم ، قد يكون نفياً ويراد به النهي ، فتكون الجملة خبرية إنشائية ، خبرية باعتبار اللفظ ، إنشائية باعتبار المعنى ، لأنها خبر يراد به النهي.
قال أهل العلم : " وكما يجيء الخبر في موضع النهي يجيء الطلب في موضع الخبر " ، يجيء الطلب في موضع الخبر ومثلوا لذلك بقوله تعالى : (( وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم )) فإن اللام للأمر ولكن المراد الخبر ، لأن المعنى : ونحن نحمل خطاياكم .
طيب الكلام على أن يبيع فيها وجهان : ( ولا يبع ) و ( لا يبيع ) فعلى الوجه الأول الأخ ؟ أي نعم !
الطالب : أن لا ناهية .
الشيخ : ناهية ، ويبع فعل مضارع .
الطالب : فعل مضارع منصوب ، حرك بالكسر للتقاء الساكنين.
الشيخ : أحسنت طيب ، وعلى رواية الرفع ياسر ؟
الطالب : على رواية الرفع .
الشيخ : تكون لا ؟ ها ؟
الطالب : نافية ناهية .
الشيخ : لا ، نافية ناهية ؟! تكون نافية لكن بمعنى النهي ، نعم النفي بمعنى النهي ، طيب .
الرجل قلنا إنه قيد بالرجولة بناء على الأغلب .
( على بيع أخيه ) : أخيه في النسب ؟ لا ، أخيه في الإنسانية ؟ لا ، أخيه في الدين ؟ نعم ، كذا ؟! لأن الأخوة الإنسانية غير مقصودة شرعاً ، وليس بين الناس أخوة إنسانية ، ولكن بينهم جنسية إنسانية ، يعني أن الكافر من جنس المسلم في الإنسانية ، لكن ليس أخاه ، ألم تروا إلى نوح قال : (( رب إنَّ ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين * قال ينوح إنه ليس من أهلك )) آه ؟ المهم أنه ليس من أهلك ، مع أنه ابنه ، ومن زعم أن هناك أخوة إنسانية بين البشر فقد أبعد النعجة ، لأن الأخوة إما دينية كما في قوله : (( فإخوانكم في الدين )) ، ومثلها الأخوة الإيمانية كما في قوله : (( إنما المؤمنون إخوة )) .
وإما أخوة في النسب كقوله تعالى: (( وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذَّكر مثل حظ الأنثيين )) ، وقوله : (( وإلى مدين أخاهم شعيبًا )) : هذه نسب ، وأما قوله : (( كذب أصحاب الأيكة المرسلين * إذ قال لهم شعيب )) ولم يقل : أخوهم ، لأن أصحاب الأيكة غير أصحاب مدين ، غير مدين بل هم قوم آخرون إما تابعون لهم أو مستقلون ، المهم أن شعيبا ليس منهم ، ولهذا لم يقل : كذبت أصحاب الأيكة المرسلين ، إذا قال لهم أخوهم شعيب ، بل قال : (( إذا قال لهم شعيب )) ، إذًا ( على بيع أخيه ) : أي ؟ نعم ، أي : في الدين والإيمان .
صورة ذلك : أن يشتري شخص من إنسان سلعة بعشرة ، ثم يأتيه آخر ويقول : أعطيك مثلها بتسعة هذا بيع على بيع ولا شراء على شراء ؟ آه ؟
الطالب : بيع على بيع .
الشيخ : طيب أو يقول : أعطيك أحسن منها بعشرة ، هذا بيع على بيع ، طيب ما نقص الثمن ، لكن أفضل منها أحسن منها ، نعم اختلفت صفة المبيع ، هذا بيع على بيع ، فهذا حرام ، وإذا فعل فالبيع باطل ، لورود النهي عنه بعينه : " وكل عقد أو عبادة ورد النهي عنها بعينها فهي باطلة ولا يمكن تصحيحها لأن تصحيحها جمع بين الضدين " .
طيب ، هل البيع حرام سواء كان ذلك في مدة الخيار أو بعد انتهاء مدة الخيار ؟ ما تقولون ؟
في ذلك خلاف فبعض العلماء يقول : إن النهي خاص فيما إذا كان ذلك في زمن الخيارين : خيار المجلس ، أو خيار الشرط .
ومن العلماء من قال : إنه عام .
فمن قال بالأول قال : إن علة النهي لئلا يفسخ البيع ويعقد مع الثاني ، فيكون في ذلك حسد على البائع الأول ، أو ما فهمتم ؟ آه ؟
الطالب : نريد مثال .
الشيخ : طيب لعلها بالمثال تتضح ، باع زيد على عمرو بيتا بمئة ألف ريال ، واشترط الخيار لمدة أسبوع ، فعلم بكر بالعقد ، فذهب إلى عمرو وقال : اشتريت فلة فلان بمئة ألف ، أنا عندي لك فلة أحسن منها بثمانين ألف وتفضل معي ، فذهب فرأى فلته أحسن ، والثمن أقل ، فذهب إلى زيد ، فذهب عمرو إلى زيد قال : والله أنا هونت ، له يهون ولا ما يهون ليش ؟
الطالب : له يهون ، لأن في زمن الخيار .
الشيخ : لأنه في زمن الخيار طيب ، زمن خيار المجلس ، باع زيد على عمرو فلته بمئة ألف ريال ، وهم جالسين ، فسمع شخص بذلك فجاء إليهم وهم جلوس وقال : يا فلان أنا أعطيك بيتي فلتي بثمانين ألف ريال وهي أحسن من فلة فلان ، قال : إذًا هونت ، هذا في زمن أي خيار ؟
الطالب : المجلس .
الشيخ : المجلس ، والأول في زمن خيار الشرط ، سيكون بين زيد وبين هذا الداخل عداوة سب وشتم ليش تجي ليش تفعل ؟ أنت مثل الشيطان أنت حسود أنت كذا ، ويمكن تصل إلى الضرب أو تصل إلى السلاح ، ولهذا نهى الشارع عنها .
طيب نشوف إذا كان بعد زمن الخيارين ، يعني بعد أن اشترى الرجل من عمرو الفلة ، وتفرقوا ، ولزم البيع ، جاء شخص آخر وقال : أنا أبيع عليك فلة أحسن منه بثمانين ألف ، فلان غالبك ، هل يمكن أن يرجع ويفسخ البيع ؟
الطالب : لا .
الشيخ : لماذا ؟
الطالب : لأنه انتهى زمن الخيار .
الشيخ : لأنه انتهى زمن الخيار ، ولكن سيكون في قلب المشتري ندم وحسرة ، ليتني ما تعجلت ، ليتني ما تسرعت ، وسيكون في قلبه أيضًا حقد وغل على من ؟ على البائع ، خدعني غلبني وما أشبه ذلك .
طيب القول الثاني في المسألة يقول : حتى بعد زمن الخيارين ، ويرون أن العلة في ذلك هو : إيقاع الندم في قلب المشتري ، والثاني : العداوة ، إلقاء العداوة بينه وبين البائع هذه اثنتين . ثالثاً : ربما يتحيل فيبحث عن سبب يبيح له الرد والفسخ ، ربما يتحيل ويكون بالأول قانع فيها ثم يروح يدور عيب لو يجد له شطب في تلييس نعم جاء يقول : هذا عيب ، واضح ؟ طيب أيهما إذًا أرجح القول بالعموم أو تقييد ذلك بزمن الخيارين ؟
الطالب : العموم .
الشيخ : القول بالعموم كما هو ظاهر الحديث : ( لا يبيع الرجل على بيع أخيه ) .
طيب هل هل يقاس على البيع الشراء ؟ لا يشتر على شراء أخيه ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : نعم ، نقول : وكذلك الشراء ، لا يجوز أن يشتري على شراء أخيه ، وصورة الشراء : أن يقول لمن باع -انتبهوا للمثال عشان يقرب لكم الموضوع- في صورة البيع أن نقول لمن اشترى ، وفي صورة الشراء أن تقول : لمن باع ، هذا يسهل عليك التصوير ، لأن بعض الناس يشتبه عليه الأمر ففي صورة البيع أن تقول : لمن اشترى ، وفي صورة الشراء أن تقول : لمن باع طيب .
علمت أن زيدا باع على عمرو فلته بمئة ألف ، فذهبت إلى مَن ؟
الطالب : البائع .
الشيخ : من هو ؟
الطالب : إلى زيد .
الشيخ : إلى زيد ، فذهبت إلى زيد وقلت : يا فلان أنت بعت فلتك على عمرو بمئة ألف، أنا أعطيك مئة وعشرين ألف ، إن كانا في زمن الخيارين المجلس أو الشرط فهو حرام ، حرام على كلا القولين ، وإن كان بعد انتهاء زمن الخيارين فهو حرام على أحد القولين ، والصحيح هو هذا : أن الشراء على شرائه حرام في زمن الخيارين وبعد انتهاء زمن الخيارين ، فإذا قال قائل : بم أدخلتم صورة الشراء ولم ؟ والنبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا بيع ) فالجواب من وجهين :
أولا : أن الشراء يطلق عليه البيع ، قد يطلق عليه البيع .
ثانيا : أن الشراء في معنى البيع ، والشارع لا يفرق بين متماثلين أبدا ، فإذا حرم البيع على بيعه حرم الشراء على شرائه من باب أولى ، يحرم الشراء على شرائه .
ثالثا : أن في رواية مسلم : ( ولا يسُم على سومه ) ، والشراء على شرائه أبلغ من السوم على سومه - كما سيأتي إن شاء الله في تفصيل السوم - .
طيب فإذا قال قائل : هل تلحقون في البيع ما سواه كالإجارة ؟
فالجواب : نعم ، وذلك من وجهين أيضا : إما أن نقول : إن الإجارة بيع المنافع ، فتدخل في البيع .
وإما أن يقال : لا تدخل في البيع لكن المعنى الذي في البيع موجود في الإجارة ، وعلى هذا فلا يجوز للإنسان أن يؤجر على إجارة أخيه ، ولا أن يستأجر على استئجار أخيه ،
أن يؤجر على إجارة أخيه مثل أن يسمع أن زيدا آجر عمرا بألف ريال في السنة ، فذهب إلى عمرو وقال : أنا أعطيك منزلا أحسن من هذا بثمانمئة ريال في السنة ، هذا إجارة على إجاره .
أو يذهب إلى زيد فيقول : أنا أعطيك أجرة ألف ومئتين ، هذا استئجار على استئجاره ، فصار الآن البيع على البيع والشراء على الشراء والإجارة على الإجارة والاستئجار على الاستئجار والسوم على السوم كل ذلك محرم .
وهل يصح العقد ؟ الجواب : لا يصح ، لا في البيع على بيعه ، ولا في الشراء على شرائه ، ولا في الإجارة على إجارته ، ولا في الاستئجار على استئجاره ، ووجه ذلك : أن النهي عائد إلى العقد نفسه ، ولا يمكن أن يرد نهي على مأذون فيه ، فإذا ورد نهي عن شيء بعينه صار ذلك الشيء باطلا لا يصح ، نعم .