فوائد حديث: ( عروة البارقي رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه ديناراً ليشتري به أضحية أو شاة ... ). حفظ
الشيخ : ولكن فيه فوائد :
الفائدة الأولى : جواز التوكيل في البيع والشراء ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وكل عروة البارقي .
ويتفرع على هذه الفائدة : أن التوكيل لا ينافي الإخلاص ولا التوحيد ، التوكيل لا ينافي الإخلاص ولا التوحيد ، مع أن الموكِّل في قلبه نوع من الاعتماد على على الوكيل ، أليس كذلك ؟ لكن هذا الاعتماد ليس اعتماد افتقار ، وإنما هو اعتماد سلطة إذا كان الوكيل يتوكل بالأجرة ، لأن المعروف والفضل فيما إذا كان الوكيل يتوكل بالأجرة لمن ؟
الطالب : للموكل .
الشيخ : للموكل على الوكيل فهو يرى أنه معه ذو سلطة ، لا يرى أنه يعتمد عليه اعتماد افتقار ، وإن كان محسنا -أعني الوكيل- متبرعًا فإن الموكل لا يعتمد عليه اعتماد افتقار ولا اعتماد سبب مستقل ، وحينئذ فلا ينافي التوكل على الله عز وجل ، ولا يمكن أن ينافي التوكل وقد وقع من النبي صلى الله عليه وسلم سيد المخلصين عليه الصلاة والسلام .
ومن فوائد الحديث أيضًا : جواز التوكيل في شراء الأضحية ، وهو كذلك ، طيب من أين يؤخذ ؟
الطالب : أنه وكله .
الشيخ : من أنه وكله ليشتري به أضحية ، وهل يجوز التوكيل في ذبح الأضحية ؟ الجواب : نعم يجوز أن يوكل شخصا ليذبح أضحيته كما وكل النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب أن يذبح له هديه .
ومن فوائد الحديث : جواز تصرف الوكيل فيما فيه نفع للموكِّل ، لماذا يا هداية الله ؟
الطالب : لأنه ما يُخسر نفسه .
الشيخ : جواز التوكيل فيما فيه نفع للموكِّل ، أو جواز تصرف الوكيل فيما فيه نفع للموكل وإن لم يأمره به ها ؟
الطالب : الحديث هذا .
الشيخ : هذا الحديث إيش فيه ؟
الطالب : هذا ما نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن فعله .
الشيخ : ها ، أي نعم .
الطالب : إقراره ، أنه أقره .
طالب آخر : أنه أعطاه دينار فاشترى به شاة ، فباع الشاة بدينارين واشترى أخرى بدينار .
الشيخ : أعطاه دينارا ليشتري شاة فاشترى شاتين ، هذا تصرف لم يأذن به الموكِّل أليس كذلك ؟ لكنه مِن مصلحة الموكل ، فإذا قال قائل : هل هاتان الشاتان في مقابلة شاة لأنهما ضعيفان أو لأنهما ضعيفتان ؟ الجواب : هذا بعيد ، والظاهر أن عروة رضي الله عنه يسر الله له شخصًا محتاجًا فباع عليه هاتين الشاتين مع أن كل واحدة منهما تساوي ديناراً ، بدليل أنه باع واحدة بدينار ، هذا هو الأقرب ، وليس في هذا غبناً حتى يقال : إن في ذلك دليلا على جواز غبن الإنسان بنصف القيمة أو أكثر ، لأن الظاهر أنه اشتراها من شخص يحب أن يمشي وأن يبيع بأي ثمن .
ومن فوائد الحديث : جواز تصرف الفضولي ، فما هو تصرف الفضولي ؟ تصرف الإنسان في ملك غيره بدون إذنه ، فإذا أجازه صح التصرف ، مِن أين يؤخذ ؟ مِن أن عروة تصرف واشترى شاتين وباع واحدة فخالف في الشراء وخالف في البيع .
كان عليه في الشراء أن يشتري شاة واحدة بنصف دينار ، ما دام وجد شاتين بدينار إذًا الواحدة تساوي نصف دينار ، فلو تقيد بالوكالة لاشترى واحدة بنصف دينار ، لكنه رضي الله عنه ترخصهما ورآهما رخيصتين فاشترى شاتين ، والظاهر أن من نيته أن يبيع إحدى الشاتين .
طيب إذًا فيه تصرف الفضولي ، جواز تصرف الفضولي وأنه نافذ إذا أُجيز، ويش معنى أجيز ؟ أي : وافق من تصرف له على هذا التصرف ، فإن لم يوافق لم يصح ، فلو أن شخصًا باع سيارة شخص على آخر اعتبارًا بالمصلحة وانتهازًا للفرصة ، ثم أخبر صاحب السيارة بأنه باع سيارته فقال : جزاك الله خيرًا أنا موافق ، فالبيع صحيح يا أحمد ، البيع صحيح ، ودليله هذا الحديث . طيب فإن قال : لا آذن ولا أرضى ، فالبيع غير صحيح ، وترد السيارة ويأخذ المشتري ثمنها .
فإذا ادعى المشتري أن صاحب السيارة قد وكَّل البائع ، فإننا نقول له : أقم بينة وإلا فالأصل أنه لم يأذن له .
طيب ، وهذا الصحيح من أقوال أهل العلم : " أن تصرف الفضولي نافذ إذا أُجيز ، فإن لم يجز فسد ".
وقال بعض العلماء : إن تصرف الفضولي فاسد لا يصح حتى لو أُجيز ، لأن العبرة بالعقد وهو حين العقد ليس وكيلا ولا مأذونا له ، فإذا لم يكن وكيلا ولا مأذونا له فقد وقع التصرف من غير أهله لأنه ليس من مالك ولا ممن يقوم مقام المالك ، فصار باطلا ، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد -رحمه الله- ، ولا يجيزون تصرف الفضولي إلا في بعض الأحوال للضرورة كالتصرف في مال المفقود فيبين بعد ذلك أنه حي .
طيب ، ولكن أيما أولى أن نقدم الأثر أو نقدم النظر ؟
الأثر ، لأن الأثر حاكم على النظر ، ولا عكس ، على أنه يمكن أن نقول : إن النظر يؤيد الأثر ، كيف ذلك ؟ لأن منع الإنسان من التصرف في مال غيره إنما هو حماية لحقوق الغير ، ومنعًا للفوضى ، وتصرف الناس بعضهم في مال بعض ، فإذا أذن فقد زالت هذه العلة ، وحينئذ يكون النظر مطابقًا للأثر .
وهذا هو المعلوم في جميع الأحكام الشرعية ، أنها موافقة للنظر ، لكن للنظر الصحيح المبني على التروي والتأني ، دون النظر السطحي ، فإن النظر السطحي قد يتوهم الإنسان به مخالفة الحكم الشرعي للمعقول ، ولهذا روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : ( لو كان الدين بالرأي لكان أسفلُ الخف أولى بالمسح من أعلاه ، وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح أعلى الخفين ) كيف ؟ لأن بادئ الرأي ذي بدء ، أو ذا بدء ، لأن بادئ الرأي ذا بدء : أن يكون الأسفل أولى بالتطهير من الأعلى ، لأن الأسفل هو الذي يلاقي النجاسة والأوساخ ، ولكن نحن نقول : إن الرأي الصحيح المبني على التأني يدل على موافقة الحكم الشرعي ، أو موافق للحكم الشرعي ويدل على صحة الحكم الشرعي ويشهد له بالاعتبار ،كيف ذلك ؟ لأن هذا المسح لا يعطي تنظيفاً ، وإنما هو مجرد تعبد لله عز وجل ، ولو أننا مسحنا أسفل الخف لزدناه تلويثا بهذا المسح ، لأنه لن يتطهر به ، أليس كذلك ؟
الطالب : بلى .
الشيخ : وتلوثت اليد ، وبهذا نعرف أن الدين موافق للرأي ، لكن أي رأي يوافقه ؟
الطالب : الصحيح .
الشيخ : الرأي الصحيح المبني على التأني ، وحينئذ نقول : إن تنفيذ تصرف الفضولي عند الإجازة ها جائز ، موافق أيضًا موافق للنظر الصحيح والقياس ، وقول هؤلاء : إن التصرف وقع من غير أهله لأنه ليس بمالك ولا قائم مقام المالك ! نقول : نعم هو كذلك ، لكن المالك أجازه ، والأصل في منع صحة التصرف من غير المالك أو من يقوم مقامه : أن ذلك لحماية أموال الناس وعدم الاعتداء عليها ، فإذا وافق صاحب المال فما المانع ؟!
إذًا نقول : هذا الحديث واضح أنه يدل على صحة تصرف الفضولي ، وهو الصحيح من أقوال أهل العلم .
ومن فوائد الحديث : جواز بيع الأضحية بعد التعيين ، هكذا استدل به بعض العلماء ، ولكن هل فيه دليل ؟! ليس فيه دليل ، لأن عروة رضي الله عنه إن كان عالما بأن الرسول عليه الصلاة والسلام يريدها أضحية فليس له حق التعيين ، ثم نقول : إن عروة لم يعين كلتا الشاتين ، لماذا ؟
لأنه يعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم سوف يضحي بواحدة ، فلا يمكن أن يعين كلتا الشاتين ، بل هو عين واحدة قطعاً إن كان قد عين ، واضح ؟ نعم ، هو لم يعين وإن فرض أنه عين فلن يعين أكثر من واحدة .
ومن المعلوم أنه إذا عين واحدة من هاتين الشاتين لتكون أضحية واختارها فلن يبيع الذي عين ، وسيبيع غير المعينة ، واضح يا محمد؟
الطالب : نعم .
الشيخ : طيب ، انتبهوا وحينئذ لا يكون في هذا الحديث دليل على جواز بيع الأضحية المعينة ، إذًا نفهم أن الأضحية المعينة لا يجوز بيعها ، وهو كذلك : لا يجوز أن يبيع الإنسان الأضحية بعد التعيين ، فإذا قال : هذه أضحية عني وعن أهل بيتي ، صارت كالمنذور ذبحها لا يجوز أن يبيعها ، وهل يجوز أن يبدلها بخير منها ؟ الصحيح : أنه يجوز أن يبدلها بخير منها ، ودليل ذلك : ( أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح ، فقال : يا رسول الله إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي ركعتين في بيت المقدس فقال : صل ها هنا ، فأعاد عليه فقال : صل هاهنا ، فأعاد عليه ، فقال : شأنك إذًا ) ، فأباح له الرسول عليه الصلاة والسلام أن يدع المعيَّن بالنّذر إلى ما هو أفضل منه ، فدل ذلك على أن نقل الإنسان الشيء الذي أخرجه لله إلى ما هو أنفع وأفضل جائز .
وينبني على هذا ما ذكرناه من إبدال الشاة المعينة أضحية بخير منها .
وكذلك أيضا ينبني عليه جواز إبدال الوقف -الشيء الموقوف- بخير منه ، فلو أني وقفت مسجدا وصلى الناس فيه أذن المؤذن وأقاموا والإمام صلى وصلى الناس ، ثم إننا رأينا موقعا أحسن منه وأنفع للحي فنقلناه إليه ، فهل يجوز ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : نعم يجوز ، المسجد الأول ماذا يكون بعد نقله ؟ ها يصير ملكا يصير ملكا ، يجوز أن يقطعه حُجرًا يسكن فيها ، أو دكاكين يؤجّرها أو يهدمه ويجعلها مواقف ، لأنه الآن لما أبدل بغيره انتقل الحكم من هذا المكان إلى المكان الجديد .
طيب من فوائد الحديث : أنه ينبغي للإنسان مكافأة من أحسن إليه وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لهذا الرجل أن يبارك الله له في بيعه ، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من صنع إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه ) ، وهذا كما أنه من أوامر الشرع فهو من الأخلاق النبيلة الفاضلة ، كثير من الناس تحسن إليه ولا تجد منهم مكافأة ، ولا بطلاقة الوجه ، يمكن يعبس في وجهك لا تسمعه يقول : جزاك الله خيرا ، ولا ينشرح صدره لإحسانك ، والإنسان المحسن وإن كان مخلصا لله لا يريد منهم جزاء ولا شكورا لكن لا شك أن من الأدب أن تكافئ من صنع إليك معروفا .
لو أن رجلا تصدق على فقير ، جاءه فقير يقول : أنا علي دين كثر ، فأعطاه مئة ريال قال : ما تعطني إلا مئة الله لا يكثر خيرك ، نعم ، إي نعم يصير هذا يصير ثم اكفهر في وجهه وألقى بالمئة ، نعم هل هذا موافق للشرع ولا مخالف ؟ مخالف للشرع ، كان الذي ينبغي له أن يقول : جزاك الله خيرا ، ويأخذ المئة ينتفع بها ، إذا كان عليه عشرة ملايين ريال ها الآن صار عليه عشرة إلا مئة ، إذا كان صادقا ، والعامة يقولون : " القطر مع القطر يأتي غدير " ، والشاعر يقول :
" لا تحقرن صغيرة *** إن الجبال من الحصى " .
لكن أقول : إن بعض الناس حرم هذا الأدب والخلق النبيل الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله ، ( من صنع إليكم معروفا فكافئوه ) هذا قول ، كونه يدعو لعروة البارقي هذا فعل ، كافأه بالفعل .
ومن فوائد الحديث : حدوث آية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ها ؟
إجابة الدعاء ، حتى إن هذا الرجل لو اشترى ترابا والتراب لا قيمة له ولا أحد يهتم به لربح فيه .
طيب ، ومواضع إجابة دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام كثيرة ، وكلها تأييد لرسالته عليه الصلاة والسلام ، وإذا وقع مثل هذا لمتبع الرسول عليه الصلاة والسلام سميناه كرامة لمن وقع له ومعجزة أو آية للرسول عليه الصلاة والسلام ، سميناه كرامة بالنسبة لمن وقع له ، وآية بالنسبة للمتبوع ، لأن إظهار هذه الكرامة لمتبع الرسول صلى الله عليه وسلم شهادة من الله أن هذا على حق فيكون متبوعة أيضًا على حق .
ومن فوائد الحديث : أن المكافأة تكون من جنس المكافأ عليه ، من أين يؤخذ ؟ دعا له في بيعه ، في بيعه ، لأن الذي وقع منه إسداء معروف في بيعه ، فينبغي أن تكون المكافأة من جنس الإحسان ، إلا إذا رأى الإنسان أنه لا يليق أن يعطيه من جنس إحسانه ، أو أن يخشى ، أو خشي أن يظن الفاعل للمعروف أن هذا رد لمعروفه ، فهنا ينبغي أن يكافئه من جنس آخر .
مثال ذلك : رجل أهدى إليك بمناسبة ظهور أول الرطب ، أهدى إليك ويش تقول ؟ فصل من الرطب ، فأهديت أنت إليه كافأته بسطل من الرطب مثل رطبه ، ويش يكون هذا ؟
الطالب : ما يليق .
الشيخ : هذا شبه أن يكون ردا ، لكن أهدى عليه مثلا سطلا من العنب نعم يعرف أن هذا من باب المكافأة ، المهم إنه ينبغي للإنسان في مثل هذه الأحوال أن يحرص غاية الحرص على ألا يخدش المهدي إليه أو المحسن إليه بحيث يَشعر أن هذا رد لجميله ، نعم ثم قال المؤلف -رحمه الله- نعم .
الطالب : في هذا جواز بيع المكسب كالنصف .
الشيخ : إي ، طيب هذه فائدة أيضًا يستفاد من ذلك : أن الربح لا يحدد الربح لا يحدد ، فيجوز للإنسان أن يربح الربع أو الخمس أو العشر أو الأكثر لكن بشرط ألا يكون في ذلك غبن ، فإن كان عن طريق الغبن فإنه يحرم ما زاد على العادة ، وأما إذا كان عن طريق الكسب أي : أن السوق زادت أقيام السلع فيه أو أن البائع الأول قد حاباه ، أو أن المشتري الثاني قد حاباه ، فإن هذا لا بأس به ، قد يكون البائع الأول يعرف أن هذه السلعة تساوي مثلا عشرين ، فباعها عليك بعشرة ، إذا بعتها بثمن المثل بكم تبيعها ؟ آه بعشرين أو أكثر ، هذا لا يضر لأن الأول حاباك .
أو أن يكون المشتري الثاني الذي اشترى منك يعرف أن قيمتها عشرة لكن أراد أن ينفعك فاشتراه بعشرين هذا أيضا لا بأس به ، وإن كان السلع في الأسواق يعني لم يحصل منها زيادة .
الحاصل لنا : أن في هذا الحديث كما قال الأخ غانم : دليلا على أنه لا تحديد لإيش ؟ للربح .
طيب فإذا قال قائل : إذًا لو اتفق أهل السوق على أن يجعلوا ما يساوي مئة بثلاثمئة ، يجوز ؟
الطالب : لا يجوز .
الشيخ : لا يجوز هذا احتكار ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يحتكر إلا خاطئ ).
الفائدة الأولى : جواز التوكيل في البيع والشراء ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وكل عروة البارقي .
ويتفرع على هذه الفائدة : أن التوكيل لا ينافي الإخلاص ولا التوحيد ، التوكيل لا ينافي الإخلاص ولا التوحيد ، مع أن الموكِّل في قلبه نوع من الاعتماد على على الوكيل ، أليس كذلك ؟ لكن هذا الاعتماد ليس اعتماد افتقار ، وإنما هو اعتماد سلطة إذا كان الوكيل يتوكل بالأجرة ، لأن المعروف والفضل فيما إذا كان الوكيل يتوكل بالأجرة لمن ؟
الطالب : للموكل .
الشيخ : للموكل على الوكيل فهو يرى أنه معه ذو سلطة ، لا يرى أنه يعتمد عليه اعتماد افتقار ، وإن كان محسنا -أعني الوكيل- متبرعًا فإن الموكل لا يعتمد عليه اعتماد افتقار ولا اعتماد سبب مستقل ، وحينئذ فلا ينافي التوكل على الله عز وجل ، ولا يمكن أن ينافي التوكل وقد وقع من النبي صلى الله عليه وسلم سيد المخلصين عليه الصلاة والسلام .
ومن فوائد الحديث أيضًا : جواز التوكيل في شراء الأضحية ، وهو كذلك ، طيب من أين يؤخذ ؟
الطالب : أنه وكله .
الشيخ : من أنه وكله ليشتري به أضحية ، وهل يجوز التوكيل في ذبح الأضحية ؟ الجواب : نعم يجوز أن يوكل شخصا ليذبح أضحيته كما وكل النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب أن يذبح له هديه .
ومن فوائد الحديث : جواز تصرف الوكيل فيما فيه نفع للموكِّل ، لماذا يا هداية الله ؟
الطالب : لأنه ما يُخسر نفسه .
الشيخ : جواز التوكيل فيما فيه نفع للموكِّل ، أو جواز تصرف الوكيل فيما فيه نفع للموكل وإن لم يأمره به ها ؟
الطالب : الحديث هذا .
الشيخ : هذا الحديث إيش فيه ؟
الطالب : هذا ما نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن فعله .
الشيخ : ها ، أي نعم .
الطالب : إقراره ، أنه أقره .
طالب آخر : أنه أعطاه دينار فاشترى به شاة ، فباع الشاة بدينارين واشترى أخرى بدينار .
الشيخ : أعطاه دينارا ليشتري شاة فاشترى شاتين ، هذا تصرف لم يأذن به الموكِّل أليس كذلك ؟ لكنه مِن مصلحة الموكل ، فإذا قال قائل : هل هاتان الشاتان في مقابلة شاة لأنهما ضعيفان أو لأنهما ضعيفتان ؟ الجواب : هذا بعيد ، والظاهر أن عروة رضي الله عنه يسر الله له شخصًا محتاجًا فباع عليه هاتين الشاتين مع أن كل واحدة منهما تساوي ديناراً ، بدليل أنه باع واحدة بدينار ، هذا هو الأقرب ، وليس في هذا غبناً حتى يقال : إن في ذلك دليلا على جواز غبن الإنسان بنصف القيمة أو أكثر ، لأن الظاهر أنه اشتراها من شخص يحب أن يمشي وأن يبيع بأي ثمن .
ومن فوائد الحديث : جواز تصرف الفضولي ، فما هو تصرف الفضولي ؟ تصرف الإنسان في ملك غيره بدون إذنه ، فإذا أجازه صح التصرف ، مِن أين يؤخذ ؟ مِن أن عروة تصرف واشترى شاتين وباع واحدة فخالف في الشراء وخالف في البيع .
كان عليه في الشراء أن يشتري شاة واحدة بنصف دينار ، ما دام وجد شاتين بدينار إذًا الواحدة تساوي نصف دينار ، فلو تقيد بالوكالة لاشترى واحدة بنصف دينار ، لكنه رضي الله عنه ترخصهما ورآهما رخيصتين فاشترى شاتين ، والظاهر أن من نيته أن يبيع إحدى الشاتين .
طيب إذًا فيه تصرف الفضولي ، جواز تصرف الفضولي وأنه نافذ إذا أُجيز، ويش معنى أجيز ؟ أي : وافق من تصرف له على هذا التصرف ، فإن لم يوافق لم يصح ، فلو أن شخصًا باع سيارة شخص على آخر اعتبارًا بالمصلحة وانتهازًا للفرصة ، ثم أخبر صاحب السيارة بأنه باع سيارته فقال : جزاك الله خيرًا أنا موافق ، فالبيع صحيح يا أحمد ، البيع صحيح ، ودليله هذا الحديث . طيب فإن قال : لا آذن ولا أرضى ، فالبيع غير صحيح ، وترد السيارة ويأخذ المشتري ثمنها .
فإذا ادعى المشتري أن صاحب السيارة قد وكَّل البائع ، فإننا نقول له : أقم بينة وإلا فالأصل أنه لم يأذن له .
طيب ، وهذا الصحيح من أقوال أهل العلم : " أن تصرف الفضولي نافذ إذا أُجيز ، فإن لم يجز فسد ".
وقال بعض العلماء : إن تصرف الفضولي فاسد لا يصح حتى لو أُجيز ، لأن العبرة بالعقد وهو حين العقد ليس وكيلا ولا مأذونا له ، فإذا لم يكن وكيلا ولا مأذونا له فقد وقع التصرف من غير أهله لأنه ليس من مالك ولا ممن يقوم مقام المالك ، فصار باطلا ، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد -رحمه الله- ، ولا يجيزون تصرف الفضولي إلا في بعض الأحوال للضرورة كالتصرف في مال المفقود فيبين بعد ذلك أنه حي .
طيب ، ولكن أيما أولى أن نقدم الأثر أو نقدم النظر ؟
الأثر ، لأن الأثر حاكم على النظر ، ولا عكس ، على أنه يمكن أن نقول : إن النظر يؤيد الأثر ، كيف ذلك ؟ لأن منع الإنسان من التصرف في مال غيره إنما هو حماية لحقوق الغير ، ومنعًا للفوضى ، وتصرف الناس بعضهم في مال بعض ، فإذا أذن فقد زالت هذه العلة ، وحينئذ يكون النظر مطابقًا للأثر .
وهذا هو المعلوم في جميع الأحكام الشرعية ، أنها موافقة للنظر ، لكن للنظر الصحيح المبني على التروي والتأني ، دون النظر السطحي ، فإن النظر السطحي قد يتوهم الإنسان به مخالفة الحكم الشرعي للمعقول ، ولهذا روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : ( لو كان الدين بالرأي لكان أسفلُ الخف أولى بالمسح من أعلاه ، وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح أعلى الخفين ) كيف ؟ لأن بادئ الرأي ذي بدء ، أو ذا بدء ، لأن بادئ الرأي ذا بدء : أن يكون الأسفل أولى بالتطهير من الأعلى ، لأن الأسفل هو الذي يلاقي النجاسة والأوساخ ، ولكن نحن نقول : إن الرأي الصحيح المبني على التأني يدل على موافقة الحكم الشرعي ، أو موافق للحكم الشرعي ويدل على صحة الحكم الشرعي ويشهد له بالاعتبار ،كيف ذلك ؟ لأن هذا المسح لا يعطي تنظيفاً ، وإنما هو مجرد تعبد لله عز وجل ، ولو أننا مسحنا أسفل الخف لزدناه تلويثا بهذا المسح ، لأنه لن يتطهر به ، أليس كذلك ؟
الطالب : بلى .
الشيخ : وتلوثت اليد ، وبهذا نعرف أن الدين موافق للرأي ، لكن أي رأي يوافقه ؟
الطالب : الصحيح .
الشيخ : الرأي الصحيح المبني على التأني ، وحينئذ نقول : إن تنفيذ تصرف الفضولي عند الإجازة ها جائز ، موافق أيضًا موافق للنظر الصحيح والقياس ، وقول هؤلاء : إن التصرف وقع من غير أهله لأنه ليس بمالك ولا قائم مقام المالك ! نقول : نعم هو كذلك ، لكن المالك أجازه ، والأصل في منع صحة التصرف من غير المالك أو من يقوم مقامه : أن ذلك لحماية أموال الناس وعدم الاعتداء عليها ، فإذا وافق صاحب المال فما المانع ؟!
إذًا نقول : هذا الحديث واضح أنه يدل على صحة تصرف الفضولي ، وهو الصحيح من أقوال أهل العلم .
ومن فوائد الحديث : جواز بيع الأضحية بعد التعيين ، هكذا استدل به بعض العلماء ، ولكن هل فيه دليل ؟! ليس فيه دليل ، لأن عروة رضي الله عنه إن كان عالما بأن الرسول عليه الصلاة والسلام يريدها أضحية فليس له حق التعيين ، ثم نقول : إن عروة لم يعين كلتا الشاتين ، لماذا ؟
لأنه يعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم سوف يضحي بواحدة ، فلا يمكن أن يعين كلتا الشاتين ، بل هو عين واحدة قطعاً إن كان قد عين ، واضح ؟ نعم ، هو لم يعين وإن فرض أنه عين فلن يعين أكثر من واحدة .
ومن المعلوم أنه إذا عين واحدة من هاتين الشاتين لتكون أضحية واختارها فلن يبيع الذي عين ، وسيبيع غير المعينة ، واضح يا محمد؟
الطالب : نعم .
الشيخ : طيب ، انتبهوا وحينئذ لا يكون في هذا الحديث دليل على جواز بيع الأضحية المعينة ، إذًا نفهم أن الأضحية المعينة لا يجوز بيعها ، وهو كذلك : لا يجوز أن يبيع الإنسان الأضحية بعد التعيين ، فإذا قال : هذه أضحية عني وعن أهل بيتي ، صارت كالمنذور ذبحها لا يجوز أن يبيعها ، وهل يجوز أن يبدلها بخير منها ؟ الصحيح : أنه يجوز أن يبدلها بخير منها ، ودليل ذلك : ( أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح ، فقال : يا رسول الله إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي ركعتين في بيت المقدس فقال : صل ها هنا ، فأعاد عليه فقال : صل هاهنا ، فأعاد عليه ، فقال : شأنك إذًا ) ، فأباح له الرسول عليه الصلاة والسلام أن يدع المعيَّن بالنّذر إلى ما هو أفضل منه ، فدل ذلك على أن نقل الإنسان الشيء الذي أخرجه لله إلى ما هو أنفع وأفضل جائز .
وينبني على هذا ما ذكرناه من إبدال الشاة المعينة أضحية بخير منها .
وكذلك أيضا ينبني عليه جواز إبدال الوقف -الشيء الموقوف- بخير منه ، فلو أني وقفت مسجدا وصلى الناس فيه أذن المؤذن وأقاموا والإمام صلى وصلى الناس ، ثم إننا رأينا موقعا أحسن منه وأنفع للحي فنقلناه إليه ، فهل يجوز ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : نعم يجوز ، المسجد الأول ماذا يكون بعد نقله ؟ ها يصير ملكا يصير ملكا ، يجوز أن يقطعه حُجرًا يسكن فيها ، أو دكاكين يؤجّرها أو يهدمه ويجعلها مواقف ، لأنه الآن لما أبدل بغيره انتقل الحكم من هذا المكان إلى المكان الجديد .
طيب من فوائد الحديث : أنه ينبغي للإنسان مكافأة من أحسن إليه وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لهذا الرجل أن يبارك الله له في بيعه ، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من صنع إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه ) ، وهذا كما أنه من أوامر الشرع فهو من الأخلاق النبيلة الفاضلة ، كثير من الناس تحسن إليه ولا تجد منهم مكافأة ، ولا بطلاقة الوجه ، يمكن يعبس في وجهك لا تسمعه يقول : جزاك الله خيرا ، ولا ينشرح صدره لإحسانك ، والإنسان المحسن وإن كان مخلصا لله لا يريد منهم جزاء ولا شكورا لكن لا شك أن من الأدب أن تكافئ من صنع إليك معروفا .
لو أن رجلا تصدق على فقير ، جاءه فقير يقول : أنا علي دين كثر ، فأعطاه مئة ريال قال : ما تعطني إلا مئة الله لا يكثر خيرك ، نعم ، إي نعم يصير هذا يصير ثم اكفهر في وجهه وألقى بالمئة ، نعم هل هذا موافق للشرع ولا مخالف ؟ مخالف للشرع ، كان الذي ينبغي له أن يقول : جزاك الله خيرا ، ويأخذ المئة ينتفع بها ، إذا كان عليه عشرة ملايين ريال ها الآن صار عليه عشرة إلا مئة ، إذا كان صادقا ، والعامة يقولون : " القطر مع القطر يأتي غدير " ، والشاعر يقول :
" لا تحقرن صغيرة *** إن الجبال من الحصى " .
لكن أقول : إن بعض الناس حرم هذا الأدب والخلق النبيل الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله ، ( من صنع إليكم معروفا فكافئوه ) هذا قول ، كونه يدعو لعروة البارقي هذا فعل ، كافأه بالفعل .
ومن فوائد الحديث : حدوث آية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ها ؟
إجابة الدعاء ، حتى إن هذا الرجل لو اشترى ترابا والتراب لا قيمة له ولا أحد يهتم به لربح فيه .
طيب ، ومواضع إجابة دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام كثيرة ، وكلها تأييد لرسالته عليه الصلاة والسلام ، وإذا وقع مثل هذا لمتبع الرسول عليه الصلاة والسلام سميناه كرامة لمن وقع له ومعجزة أو آية للرسول عليه الصلاة والسلام ، سميناه كرامة بالنسبة لمن وقع له ، وآية بالنسبة للمتبوع ، لأن إظهار هذه الكرامة لمتبع الرسول صلى الله عليه وسلم شهادة من الله أن هذا على حق فيكون متبوعة أيضًا على حق .
ومن فوائد الحديث : أن المكافأة تكون من جنس المكافأ عليه ، من أين يؤخذ ؟ دعا له في بيعه ، في بيعه ، لأن الذي وقع منه إسداء معروف في بيعه ، فينبغي أن تكون المكافأة من جنس الإحسان ، إلا إذا رأى الإنسان أنه لا يليق أن يعطيه من جنس إحسانه ، أو أن يخشى ، أو خشي أن يظن الفاعل للمعروف أن هذا رد لمعروفه ، فهنا ينبغي أن يكافئه من جنس آخر .
مثال ذلك : رجل أهدى إليك بمناسبة ظهور أول الرطب ، أهدى إليك ويش تقول ؟ فصل من الرطب ، فأهديت أنت إليه كافأته بسطل من الرطب مثل رطبه ، ويش يكون هذا ؟
الطالب : ما يليق .
الشيخ : هذا شبه أن يكون ردا ، لكن أهدى عليه مثلا سطلا من العنب نعم يعرف أن هذا من باب المكافأة ، المهم إنه ينبغي للإنسان في مثل هذه الأحوال أن يحرص غاية الحرص على ألا يخدش المهدي إليه أو المحسن إليه بحيث يَشعر أن هذا رد لجميله ، نعم ثم قال المؤلف -رحمه الله- نعم .
الطالب : في هذا جواز بيع المكسب كالنصف .
الشيخ : إي ، طيب هذه فائدة أيضًا يستفاد من ذلك : أن الربح لا يحدد الربح لا يحدد ، فيجوز للإنسان أن يربح الربع أو الخمس أو العشر أو الأكثر لكن بشرط ألا يكون في ذلك غبن ، فإن كان عن طريق الغبن فإنه يحرم ما زاد على العادة ، وأما إذا كان عن طريق الكسب أي : أن السوق زادت أقيام السلع فيه أو أن البائع الأول قد حاباه ، أو أن المشتري الثاني قد حاباه ، فإن هذا لا بأس به ، قد يكون البائع الأول يعرف أن هذه السلعة تساوي مثلا عشرين ، فباعها عليك بعشرة ، إذا بعتها بثمن المثل بكم تبيعها ؟ آه بعشرين أو أكثر ، هذا لا يضر لأن الأول حاباك .
أو أن يكون المشتري الثاني الذي اشترى منك يعرف أن قيمتها عشرة لكن أراد أن ينفعك فاشتراه بعشرين هذا أيضا لا بأس به ، وإن كان السلع في الأسواق يعني لم يحصل منها زيادة .
الحاصل لنا : أن في هذا الحديث كما قال الأخ غانم : دليلا على أنه لا تحديد لإيش ؟ للربح .
طيب فإذا قال قائل : إذًا لو اتفق أهل السوق على أن يجعلوا ما يساوي مئة بثلاثمئة ، يجوز ؟
الطالب : لا يجوز .
الشيخ : لا يجوز هذا احتكار ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يحتكر إلا خاطئ ).