فوائد حديث :( أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع ... ). حفظ
الشيخ : ويستفاد من هذه الجملة :
تحريم بيع ما في بطون الأنعام وفساد البيع أيضا ، لأنه قد تقرر في علم الأصول : " أن ما نهي عنه فهو فاسد سواء من العبادات أو من المعاملات " ، ووجه ذلك : أن ما نهي عنه فإن النهي يستلزم البعد عنه وعدم تنفيذه ، فإذا نفذ وصحح فقد ضاد الإنسانُ أمر الله عز وجل .
ويستفاد من هذا الحديث : جواز بيع الحامل وما في بطنها ، لأن النهي إنما ورد عن بيع ما في بطونها ، لا عن الحوامل ، وعلى هذا فإذا باع الإنسان أنثى حاملا من بهيمة الأنعام أو من غيرها فالبيع صحيح .
ويستفاد من هذا الحديث : ما أشار إليه ابن رجب في * قواعده * من : " أنه يثبت تبعا ما لا يثبت استقلالا ، ويُغتفر في التابع ما لا يسوغ في المتبوع " كذا يا مهند ؟ ويش قلت ؟
الطالب : يغتفر في التابع ما لا .
الشيخ : الذي قبل .
الطالب : ما فهمت قول ابن رجب ، ما فهمته .
الشيخ : أنا تكلمت قبل ابن رجب ، أنا تكلمت بكلام واضح .
الطالب : التبع والاستقلال .
الشيخ : طيب ثانياً : قال : ( وعن بيع ما في ضروعها ) ، يعني حتى إيش ؟ حتى يحلب ، ينهى عن بيع ما في ضروع بهيمة الأنعام نعم ، لأنه مجهول ، ولأنه غير مقدور على تسليمه :
أما الجهالة فظاهر ، حتى لو رأيت حجم الضرع فقد يكون اللحم الذي في داخل الضرع كثيرا وقد يكون قليلا، فإذا كثر قل اللبن، وإذا قل كثر اللبن، إذًا اللبن مجهول .
ثانياً -يا عليان- : أنه غير مقدور على تسليمه ليش ؟ لأن البهيمة قد تعاكس، قد تمنع من حلبه أليس كذلك ؟ آه ؟
الطالب : بلى .
الشيخ : نعم ، إذًا إذا كان غير مقدور على تسليمه ولا معلوم المقدار ، فإنه لا يصح بيعه ، لأنه غرر.
طيب ، والثالث : ( وعن شراء العبد وهو آبق ) : العبد المملوك ، نرجع إلى الجملة الأولى : ( شراء ما في ضروعها حتى تحلب ) : فإذا حُلبت صح بيع الحليب ، لأنه من الشيء المباح ، هل يقاس على ذلك ما في وعائه من الثمار ؟ كأن يقال : لا يصح بيع الرمان في قشرة ؟
الطالب : لا .
الشيخ : لماذا ؟ لأن هذا لا يمكن بيعه إلا على هذا الوجه ، إذ لو أمرنا البائع بأن يفتحه لكان ذلك عرضة لفساده ، وهو مما جرى بين المسلمين بيعه في قشره .
بيع السنبل في حبه أجازه الشارع ، ( فنهى عن بيع الحب حتى يشتد ) : إذا اشتد جاز بيعه ولو في سنبله مع أنه في سنبله فيه شيء من الجهالة أليس كذلك ؟ لكن لما كان لا يمكن بيعه إلا على هذا الوجه اغتُفرت فيه هذه الجهالة اليسرة .
طيب هل يقاس على ذلك بيع الفجل في الأرض والبصل والثوم وشبهها ؟ أيضًا في هذا خلاف ، نعم ، أقول : أيضا قاسه بعض العلماء على هذا ، وقال : لا يصح بيع البصل والثوم والفجل وما مأكوله في باطن الأرض ، لأنه إيش ؟ مجهول لا يعلم ، ولكنَّ اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وابن القيم جواز بيع ذلك ، قالا : لأنه مما جرت به العادة ، ولأنه مستور بأصل الخلقة فيكون كالرمان والبطيخ ، وليس كاللبن في الضرع من كل وجه ، لأن اللبن في الضرع فيه بالإضافة إلى الجهالة أنه غير مقدور على تسليمه هذه واحدة ، وأيضا أنه ينمو فكلما حلبت نزل اللبن بخلاف هذا ، والصحيح ما ذهب إليه شيخ الإسلام وابن القيم من جواز بيعه ، وهو أيضا معلوما عند أهل الخبرة يعرفون أن البصل كبير ولو كان في باطن الأرض مما يظهر من سوقه وأوراقه .
طيب قال : ( وعن شراء العبد وهو آبق ) مَن العبد ؟ الرقيق ، يعني المملوك وقد أطلق الله على المملوك اسم العبد فقال : (( والصالحين من عبادكم وإمائكم )) .
طيب ، وقوله : ( وهو آبق ) أي : هارب من سيده إلى متى ؟ الجملة هذه حال ، ( وهو آبق ) أي : في حال إباقه ، أما إذا رجع فإنه يصح شراؤه ، ولكن لو اشتراه الإنسان دون أن يخبره بائعه بأنه قد أبق ، فهل له الخيار في رده ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : لماذا ؟ لأن الإباق عيب ، ومن أبق عند سيده الأول فلا يؤمن أن يأبق عند الثاني .
طيب ويستفاد من هذه الجملة من الحديث : جواز بيع وشراء العبيد ، فإذا قال قائل : إن في هذا ظلما لهم للعبيد ، كيف تجعله كالبهيمة يباع ويشترى ؟ قلنا : إنهم لم يظلموا ولكن هم الذين ظلموا أنفسهم ، لأن سبب الرق هو الكفر ، فإذا كانوا هم الذين ظلموا أنفسهم فإننا لم نظلمهم ، وقد جاءت النصوص الكثيرة بالحث على مواساتهم وعلى الرأفة بهم والرحمة وعلى العتق حتى جعل له الشارع أسبابا كثيرة من المعاصي التي تكفر بالعتق .
طيب وهل هذا النهي عن شراء العبد وهو آبق على إطلاقه ، أو نقول : إنه إذا قدر الإنسان المشتري على رد هذا العبد الآبق جاز الشراء ؟!
من نظر إلى ظاهر اللفظ قال : إن النهي عام ، وقد تظن أنك قادر على رده ولكن لا تستطيع .
ومن نظر إلى المعنى قال : إنه إذا كان الإنسان قادرًا على رده فلا بأس ، لأن الحكم يدور مع علته ، فإذا كان هذا عنده من وسائل الطلب ما يستطيع به أن يرد هذا الآبق ، كرجل مثلا عنده سيارة جيب تجوب الرمال والجبال حتى يجد هذا الرجل ، فلا بأس بشرائه للآبق ، وأما إذا لم يكن عنده شيء ولكنه خاطر فإن هذا لا يجوز .
طيب ومن فوائد الحديث في قوله : ( وعن شراء المغانم حتى تقسم ) : النهي عن شراء المغانم حتى تقسم ، وكما سبق في الجملة الأولى : أن النهي يقتضي الفساد .
وفي هذه الجملة دليل على أن المغانم تملك ، من أين يؤخذ ؟ لقوله : ( حتى تقسم ) ، وهو كذلك فإن الغنائم أحلت لهذه الأمة ، ولم تحل لأمة قبلها ، أُحلت لهم ليستعينوا بها على الجهاد في سبيل الله وعلى حوائجهم الأخرى ، أما الأمم السابقة فإن الغنائم لا تحل لهم وقد ذكروا أنها كانت تجمع في مكان وتنزل عليها نار من السماء فتحرقها .
ومن فوائد هذه الجملة : أن المغانم مشتركة لقوله : ( حتى تقسم ) والقسم يكون بعد الاشتراك ولكن بين من ؟ قال العلماء :
الغنيمة لمن شهد الوقعة من أهل القتال ، وأما من ليس من أهل القتال فليس لهم سهم ولكن يعطى منها ، يُرضخ له يعني : يعطى منها شيئا لا يبلغ حد سهم المقاتل .
ومن فوائد الحديث في قوله : ( وعن شراء الصدقات حتى تقبض ) : أن شراء الصدقات لا يجوز ممن استحقها حتى يقبضها ، والعلة في ذلك أولًا : عدم الملك ، وهذا فيما إذا لم يعين نصيبه في شيء من الصدقة ، فإن عُين نصيبه في شيء من الصدقة فإن العلة عدم تمام الملك ، لأنه لا يتم ملكه حتى يقبضها ، فلو قال الساعي الذي يجبي الزكاة لخمسة فقراء هذا لكم من الزكاة ، صار الآن مشترك معين ولا غير معين ؟ معين ، مملوكا ؟ مملوكا ، لكنه لا يتم ملكه حتى يقبضه أصحابه ، فإذا قبضوه جاز بيعه .
وعُلم من هذا الحديث أنه إذا قُبضت جاز بيعها وإن لم تقسم ، إذا قبضت جاز بيعها وإن لم تقسم ، ولهذا صرح في المغانم قال : ( حتى تقسم ) وفي الصدقات قال : ( حتى تقسم ) .
فإذا قال الساعي لجماعة من الفقراء خمسة : هذا لكم ملكوه ، فإذا قبضوه وحازوه جاز لأحدهم أن يبيع نصيبه منه ، فإذا كانوا خمسة كم لكل واحد ؟
الطالب : الخمس .
الشيخ : الخمس وجاز أن يبيعوه جميعا وإن لم يقسموه ، لأنه كسائر الأملاك المشتركة .
ويستفاد من هذا الحديث من قوله : ( وعن ضربة الغائص ) : جواز الغوص في البحر لطلب الدر وغيره مما يكون في البحر ، وهذا مقيد بما إذا كان الغالب السلامة ، فإن كان الغالب الهلاك فالغوص حرام ، لقول الله تعالى : (( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيمًا )) ، طيب وإن تساوى الأمران ؟
الطالب : من باب الاحتياط .
الشيخ : من باب احتياط التحريم ، لأن من القواعد المقررة : " أنه إذا اجتمع مبيح وحاظر غلب جانب الحظر " ، فالسلامة مبيحة والهلاك حاظر وقد اجتمعا في هذا الفعل ولم يترجح أحدهما فغلِّب جانب الحظر فنقول : لا يجوز أن تغوص .
ومن فوائد هذا الحديث : جواز بيع ما يستخرجه الإنسان من البحر وأنه يكون لقطة ، من أين يؤخذ ؟ من قوله : ( وعن ضربة الغائص ) ، لأنها مجهولة ، لكن إذا عُلمت فإن ذلك لا بأس به ، فإن الإنسان يملك ما يستخرجه من البحر كما يملك من في البر ما يحشه من البر .
طيب ومثل ذلك ، مثل ذلك أيضا ما لو قال قائل : أنا سأذهب ألقط لك الفقع الكمأة، تعرفون الكمأة ؟ الكمأة يعني الفقع ها ؟ الكمأة قسيم العساقل ، والعساقل قسيم بنات الأوبر ، نعم :
" ولقد جنيتك أكمآ وعساقلا. *** ولقد نهيتك عن بنات الأوبر " .
فإذا قال هذا الرجل : أنا سأجني الكمأة ولك ما أجنيه من الآن إلى الظهر ، هذا يقوله في الصباح ، أو في الظهر يقول : من الظهر إلى الغروب هل يجوز ؟
الطالب : لا .
الشيخ : ليش ؟ لأنه غرر ، قد يجني كثيرا وقد يجني قليلا .
طيب لو استأجرت شخصا يجني الكمأة -اصبر ما بعد جاء شيء- استأجرت شخصا يجني الكمأة من الظهر إلى الغروب ها يجوز ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : لأن العقد هنا وقع على منفعته لا على تحصيله ، على منفعة لا على التحصيل .
المهم أنه يقاس على ضربة الغائص ما أشبهها .
ويستفاد من هذا الحديث ككل : عناية الشرع بحماية البشر مما يوجب النزاع بينهم من أين يؤخذ ؟ لأن هذه الأنواع التي فيها الغرر سوف يكون من المغبون فيها حقد ، حقد وعداوة وبغضاء على من ؟ على الغابن ، ويكون من الغابن تطاول وفخر على المغبون ، فالشارع حمى الناس من هذه الورطة التي يتورطون فيها .
تحريم بيع ما في بطون الأنعام وفساد البيع أيضا ، لأنه قد تقرر في علم الأصول : " أن ما نهي عنه فهو فاسد سواء من العبادات أو من المعاملات " ، ووجه ذلك : أن ما نهي عنه فإن النهي يستلزم البعد عنه وعدم تنفيذه ، فإذا نفذ وصحح فقد ضاد الإنسانُ أمر الله عز وجل .
ويستفاد من هذا الحديث : جواز بيع الحامل وما في بطنها ، لأن النهي إنما ورد عن بيع ما في بطونها ، لا عن الحوامل ، وعلى هذا فإذا باع الإنسان أنثى حاملا من بهيمة الأنعام أو من غيرها فالبيع صحيح .
ويستفاد من هذا الحديث : ما أشار إليه ابن رجب في * قواعده * من : " أنه يثبت تبعا ما لا يثبت استقلالا ، ويُغتفر في التابع ما لا يسوغ في المتبوع " كذا يا مهند ؟ ويش قلت ؟
الطالب : يغتفر في التابع ما لا .
الشيخ : الذي قبل .
الطالب : ما فهمت قول ابن رجب ، ما فهمته .
الشيخ : أنا تكلمت قبل ابن رجب ، أنا تكلمت بكلام واضح .
الطالب : التبع والاستقلال .
الشيخ : طيب ثانياً : قال : ( وعن بيع ما في ضروعها ) ، يعني حتى إيش ؟ حتى يحلب ، ينهى عن بيع ما في ضروع بهيمة الأنعام نعم ، لأنه مجهول ، ولأنه غير مقدور على تسليمه :
أما الجهالة فظاهر ، حتى لو رأيت حجم الضرع فقد يكون اللحم الذي في داخل الضرع كثيرا وقد يكون قليلا، فإذا كثر قل اللبن، وإذا قل كثر اللبن، إذًا اللبن مجهول .
ثانياً -يا عليان- : أنه غير مقدور على تسليمه ليش ؟ لأن البهيمة قد تعاكس، قد تمنع من حلبه أليس كذلك ؟ آه ؟
الطالب : بلى .
الشيخ : نعم ، إذًا إذا كان غير مقدور على تسليمه ولا معلوم المقدار ، فإنه لا يصح بيعه ، لأنه غرر.
طيب ، والثالث : ( وعن شراء العبد وهو آبق ) : العبد المملوك ، نرجع إلى الجملة الأولى : ( شراء ما في ضروعها حتى تحلب ) : فإذا حُلبت صح بيع الحليب ، لأنه من الشيء المباح ، هل يقاس على ذلك ما في وعائه من الثمار ؟ كأن يقال : لا يصح بيع الرمان في قشرة ؟
الطالب : لا .
الشيخ : لماذا ؟ لأن هذا لا يمكن بيعه إلا على هذا الوجه ، إذ لو أمرنا البائع بأن يفتحه لكان ذلك عرضة لفساده ، وهو مما جرى بين المسلمين بيعه في قشره .
بيع السنبل في حبه أجازه الشارع ، ( فنهى عن بيع الحب حتى يشتد ) : إذا اشتد جاز بيعه ولو في سنبله مع أنه في سنبله فيه شيء من الجهالة أليس كذلك ؟ لكن لما كان لا يمكن بيعه إلا على هذا الوجه اغتُفرت فيه هذه الجهالة اليسرة .
طيب هل يقاس على ذلك بيع الفجل في الأرض والبصل والثوم وشبهها ؟ أيضًا في هذا خلاف ، نعم ، أقول : أيضا قاسه بعض العلماء على هذا ، وقال : لا يصح بيع البصل والثوم والفجل وما مأكوله في باطن الأرض ، لأنه إيش ؟ مجهول لا يعلم ، ولكنَّ اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وابن القيم جواز بيع ذلك ، قالا : لأنه مما جرت به العادة ، ولأنه مستور بأصل الخلقة فيكون كالرمان والبطيخ ، وليس كاللبن في الضرع من كل وجه ، لأن اللبن في الضرع فيه بالإضافة إلى الجهالة أنه غير مقدور على تسليمه هذه واحدة ، وأيضا أنه ينمو فكلما حلبت نزل اللبن بخلاف هذا ، والصحيح ما ذهب إليه شيخ الإسلام وابن القيم من جواز بيعه ، وهو أيضا معلوما عند أهل الخبرة يعرفون أن البصل كبير ولو كان في باطن الأرض مما يظهر من سوقه وأوراقه .
طيب قال : ( وعن شراء العبد وهو آبق ) مَن العبد ؟ الرقيق ، يعني المملوك وقد أطلق الله على المملوك اسم العبد فقال : (( والصالحين من عبادكم وإمائكم )) .
طيب ، وقوله : ( وهو آبق ) أي : هارب من سيده إلى متى ؟ الجملة هذه حال ، ( وهو آبق ) أي : في حال إباقه ، أما إذا رجع فإنه يصح شراؤه ، ولكن لو اشتراه الإنسان دون أن يخبره بائعه بأنه قد أبق ، فهل له الخيار في رده ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : لماذا ؟ لأن الإباق عيب ، ومن أبق عند سيده الأول فلا يؤمن أن يأبق عند الثاني .
طيب ويستفاد من هذه الجملة من الحديث : جواز بيع وشراء العبيد ، فإذا قال قائل : إن في هذا ظلما لهم للعبيد ، كيف تجعله كالبهيمة يباع ويشترى ؟ قلنا : إنهم لم يظلموا ولكن هم الذين ظلموا أنفسهم ، لأن سبب الرق هو الكفر ، فإذا كانوا هم الذين ظلموا أنفسهم فإننا لم نظلمهم ، وقد جاءت النصوص الكثيرة بالحث على مواساتهم وعلى الرأفة بهم والرحمة وعلى العتق حتى جعل له الشارع أسبابا كثيرة من المعاصي التي تكفر بالعتق .
طيب وهل هذا النهي عن شراء العبد وهو آبق على إطلاقه ، أو نقول : إنه إذا قدر الإنسان المشتري على رد هذا العبد الآبق جاز الشراء ؟!
من نظر إلى ظاهر اللفظ قال : إن النهي عام ، وقد تظن أنك قادر على رده ولكن لا تستطيع .
ومن نظر إلى المعنى قال : إنه إذا كان الإنسان قادرًا على رده فلا بأس ، لأن الحكم يدور مع علته ، فإذا كان هذا عنده من وسائل الطلب ما يستطيع به أن يرد هذا الآبق ، كرجل مثلا عنده سيارة جيب تجوب الرمال والجبال حتى يجد هذا الرجل ، فلا بأس بشرائه للآبق ، وأما إذا لم يكن عنده شيء ولكنه خاطر فإن هذا لا يجوز .
طيب ومن فوائد الحديث في قوله : ( وعن شراء المغانم حتى تقسم ) : النهي عن شراء المغانم حتى تقسم ، وكما سبق في الجملة الأولى : أن النهي يقتضي الفساد .
وفي هذه الجملة دليل على أن المغانم تملك ، من أين يؤخذ ؟ لقوله : ( حتى تقسم ) ، وهو كذلك فإن الغنائم أحلت لهذه الأمة ، ولم تحل لأمة قبلها ، أُحلت لهم ليستعينوا بها على الجهاد في سبيل الله وعلى حوائجهم الأخرى ، أما الأمم السابقة فإن الغنائم لا تحل لهم وقد ذكروا أنها كانت تجمع في مكان وتنزل عليها نار من السماء فتحرقها .
ومن فوائد هذه الجملة : أن المغانم مشتركة لقوله : ( حتى تقسم ) والقسم يكون بعد الاشتراك ولكن بين من ؟ قال العلماء :
الغنيمة لمن شهد الوقعة من أهل القتال ، وأما من ليس من أهل القتال فليس لهم سهم ولكن يعطى منها ، يُرضخ له يعني : يعطى منها شيئا لا يبلغ حد سهم المقاتل .
ومن فوائد الحديث في قوله : ( وعن شراء الصدقات حتى تقبض ) : أن شراء الصدقات لا يجوز ممن استحقها حتى يقبضها ، والعلة في ذلك أولًا : عدم الملك ، وهذا فيما إذا لم يعين نصيبه في شيء من الصدقة ، فإن عُين نصيبه في شيء من الصدقة فإن العلة عدم تمام الملك ، لأنه لا يتم ملكه حتى يقبضها ، فلو قال الساعي الذي يجبي الزكاة لخمسة فقراء هذا لكم من الزكاة ، صار الآن مشترك معين ولا غير معين ؟ معين ، مملوكا ؟ مملوكا ، لكنه لا يتم ملكه حتى يقبضه أصحابه ، فإذا قبضوه جاز بيعه .
وعُلم من هذا الحديث أنه إذا قُبضت جاز بيعها وإن لم تقسم ، إذا قبضت جاز بيعها وإن لم تقسم ، ولهذا صرح في المغانم قال : ( حتى تقسم ) وفي الصدقات قال : ( حتى تقسم ) .
فإذا قال الساعي لجماعة من الفقراء خمسة : هذا لكم ملكوه ، فإذا قبضوه وحازوه جاز لأحدهم أن يبيع نصيبه منه ، فإذا كانوا خمسة كم لكل واحد ؟
الطالب : الخمس .
الشيخ : الخمس وجاز أن يبيعوه جميعا وإن لم يقسموه ، لأنه كسائر الأملاك المشتركة .
ويستفاد من هذا الحديث من قوله : ( وعن ضربة الغائص ) : جواز الغوص في البحر لطلب الدر وغيره مما يكون في البحر ، وهذا مقيد بما إذا كان الغالب السلامة ، فإن كان الغالب الهلاك فالغوص حرام ، لقول الله تعالى : (( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيمًا )) ، طيب وإن تساوى الأمران ؟
الطالب : من باب الاحتياط .
الشيخ : من باب احتياط التحريم ، لأن من القواعد المقررة : " أنه إذا اجتمع مبيح وحاظر غلب جانب الحظر " ، فالسلامة مبيحة والهلاك حاظر وقد اجتمعا في هذا الفعل ولم يترجح أحدهما فغلِّب جانب الحظر فنقول : لا يجوز أن تغوص .
ومن فوائد هذا الحديث : جواز بيع ما يستخرجه الإنسان من البحر وأنه يكون لقطة ، من أين يؤخذ ؟ من قوله : ( وعن ضربة الغائص ) ، لأنها مجهولة ، لكن إذا عُلمت فإن ذلك لا بأس به ، فإن الإنسان يملك ما يستخرجه من البحر كما يملك من في البر ما يحشه من البر .
طيب ومثل ذلك ، مثل ذلك أيضا ما لو قال قائل : أنا سأذهب ألقط لك الفقع الكمأة، تعرفون الكمأة ؟ الكمأة يعني الفقع ها ؟ الكمأة قسيم العساقل ، والعساقل قسيم بنات الأوبر ، نعم :
" ولقد جنيتك أكمآ وعساقلا. *** ولقد نهيتك عن بنات الأوبر " .
فإذا قال هذا الرجل : أنا سأجني الكمأة ولك ما أجنيه من الآن إلى الظهر ، هذا يقوله في الصباح ، أو في الظهر يقول : من الظهر إلى الغروب هل يجوز ؟
الطالب : لا .
الشيخ : ليش ؟ لأنه غرر ، قد يجني كثيرا وقد يجني قليلا .
طيب لو استأجرت شخصا يجني الكمأة -اصبر ما بعد جاء شيء- استأجرت شخصا يجني الكمأة من الظهر إلى الغروب ها يجوز ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : لأن العقد هنا وقع على منفعته لا على تحصيله ، على منفعة لا على التحصيل .
المهم أنه يقاس على ضربة الغائص ما أشبهها .
ويستفاد من هذا الحديث ككل : عناية الشرع بحماية البشر مما يوجب النزاع بينهم من أين يؤخذ ؟ لأن هذه الأنواع التي فيها الغرر سوف يكون من المغبون فيها حقد ، حقد وعداوة وبغضاء على من ؟ على الغابن ، ويكون من الغابن تطاول وفخر على المغبون ، فالشارع حمى الناس من هذه الورطة التي يتورطون فيها .