وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباع ثمرة حتى تطعم ، ولا يباع صوف على ظهر ولا لبن في ضرع . رواه الطبراني في الأوسط والدار قطني ، وأخرجه أبو داود في المراسيل لعكرمة ، وهو الراجح ، وأخرجه أيضاً موقوفاً على ابن عباس بإسناد قوي ، ورجحه البيهقي . حفظ
الشيخ : قال : " وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباع ثمرة حتى تُطعَم ، ولا يباع صوف على ظهر ولا لبن في ضرع ) رواه الطبراني في الأوسط والدارقطني " :
هذا الحديث يقول : ( نهى أن تباع ثمرة حتى تُطعَم أو تطعِم ) : تطعَم : يعني حتى تكون صالحة للطعام ، ويشمل هذا ثمر النخل ثمر العنب ثمر الرمان البرتقال وكل ثمر ، لا يجوز بيعه حتى يكون صالحاً للطعام ، لأن بيعه قبل ذلك يؤدي إلى الغرر من وجوه :
أولًا : أن الآفات تكثر عليه قبل أن ينضج .
وثانيًا : أنه يزداد نموه فيحدث في المبيع ما لم يقع عليه العقد .
وثالثًا : أنه قد يؤدي إلى النزاع بين البائع والمشتري في سقيه وملاحظته ، فأما إذا كان قد بلغ أن يُطعم فإن أخذه وجنيه قريب ، لا يؤدي إلى النزاع ، لكن إذا كان قبل ذلك فقد يؤدي إلى النزاع بينهما فيقول المشتري مثلا : أسقه ويقول : سقيته ، يقول : هذا لا يكفي ، ويقول ذاك : يكفي وما أشبه ذلك من النزاعات التي ترد فيما لو باعه قبل أن يطعم .
طيب وكذلك أيضًا : ( لا يباع صوف على ظهر ) ، إلى أن يُجز .
الصوف على الظهر لا يجوز بيعه ، لماذا ؟ لأن موضع الجز مجهول ، قد يريد المشتري أن يجزَّ الصوف من أصله ، ويريد البائع أن يجز من فوق من نصف الشعر مثلا ، فيقع في ذلك نزاع ، ثم إن الإحاطة به على وجه الكمال قد تكون متعذرة أو متعسرة ، ثم إن المنع ليس منعاً يخل بمصالح العباد ، لأنه من الممكن أن يقال للبائع : جز الصوف ثم بعه ، لأن الذي اشتراه إن لم يجزه في الحال فإنه يَنشأ صوف جديد لم يقع عليه العقد ، فيختلط بما يقع عليه العقد بما وقع عليه العقد ، ويكون التمييز بينهما صعبا أو متعذرا ، فيختلط مال البائع الجديد بمال المشتري القديم .
وذهب بعض العلماء إلى جواز بيع الصوف على الظهر بشرط أن يكون معلوماً ، وأن يجز في الحال ، وقال : " إن المرجع في جزه إلى ما جرت به العادة ، وأنه يُغتفر الغرر اليسير في مثل هذا ، لأن الحاجة قد تدعو إلى بيعه على الظهر " ، ولكن إذا قلنا بهذا القول فمَن يكون عليه الجز المشتري أو البائع ؟ يكون الجز على المشتري ، إلا أن يشترطه على البائع ، كالثمرة إذا بيعت فإن جزَّها يكون على المشتري إلا أن يشترطها على البائع ، ولكن على القول بالجواز كما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يجاب عن هذا الحديث بأحد جوابين :
إما بالضعف ، وإما بأن يُحمل على صوف لا يدرك ، صوف على ظهر لا يدرك ، أو على صوف يبقى بعد الشراء ، بحيث يحدث صوف لم يقع عليه العقد فيقع فتكون فيه الجهالة .
الصحيح أنه جائز إذا كان يجز في الحال وكان معلوما .
" وأخرجه أبو داود في المراسيل لعكرمة ، وأخرجه أيضا موقوفا على ابن عباس بإسناد قوي ورجحه البيهقي " :
يعني أنه موقوف ، ومعلوم أنه إذا كان موقوفاً فإنه يتنزل على خلاف العلماء : هل قول الصحابي حجة أو لا ؟
فمن قال : إن قوله حجة احتج به ، ومن قال : إنه ليس بحجة لم يحتج به ، إلا أن يكون هذا القول مما لا مجال للاجتهاد فيه ، ولم يُعرف قائله بالأخذ عن بني إسرائيل ، فإنه يكون له حكم الرفع .
هذه المسألة المروية عن ابن عباس إذا اتبع الإنسان فيها ابن عباس رضي الله عنهما فله ذلك ، لأنه صحابي ، وإن لم يتبعه وقال : إن الذي جاء به النهي ما كان فيه غرر ، وإلا فالأصل حِل البيع لعموم قوله تعالى : (( وأحل الله البيع )) ، فكل بيع فهو حلال إلا ما قام الدليل على منعه .