فوائد حديث: ( فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال : اشتريت يوم خيبر قلادة باثني عشر ديناراً ... ). حفظ
الشيخ : في هذا الحديث عدة فوائد :
الفائدة الأولى : أنَّ ما غُنم من مال الكفار فهو ملك للغانمين ، ولذلك صح العقد عليه ، فهل ما ملكوه منا ملك لهم ؟
الصحيح : نعم ، أنه ملك لهم ؟ الصحيح نعم أنه ملك لهم ، لأنهم يأخذونه على أنه حل لهم ، ولأن الكفار في عهد النبي عليه الصلاة والسلام يغنمون من المسلمين يعني قصدي : يكسبون من المسلمين ويبيعونه تبع أموالهم ، فما ملكناه من أموالهم فهو لنا ، وما ملكوه من أموالنا فهو لهم ، كما أن من قتلوه مِنا لا يضمنونه ، من قتلوه منا لا يضمن عليهم ولو أسلموا ، لأنهم يعتقدون أن هذا حلال .
ومن فوائد هذا الحديث : أن الصنعة لا تؤثر في اشتراط التساوي إذا بيع الربوي بجنسه ، وجه ذلك : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تباع حتى تفصل ) .
فإن قال قائل : الزيادة هنا في المصنوع ، وكلامنا إذا كانت الزيادة في غير المصنوع ؟
فيقال : إذا منع الشرع الزيادة في المصنوع فعكسه من باب أولى .
طيب ومن فوائد هذا الحديث : ما ذهب إليه أكثر أهل العلم أنه لا يجوز بيع الربوي بجنسه ومعه أو ومعهما من غير جنسهما ، لا يجوز بيع الربوي بجنسه معه أو معهما من غير جنسهما ، مثال ذلك : باع بُرًا وتمرًا ببر ، هذا لا يجوز لأن مع أحدهما من غير الجنس .
ولأننا نقول هنا : إن كان الجنس هنا مساويا للجنس الذي جعل عوضا عنه فالذي معه يعتبر زيادة ، أو لا ؟ يعني باع صاع بر ، ومعه نصف صاع تمر بصاع بر ، نقول : هذا صار برا ببر ومع أحدهما زيادة وهذا لا يجوز .
وإن كان البر الذي معه التمر وبيع به البر أنقص من البُر الذي جعل عِوضا عنه فقد بيع البر بالبر مع التفاضل وهذا أيضا لا يجوز .
فإن كان البر المفرد أطيب من البر الذي معه غيره بحيث تكون قيمة الاثنين مساوية لقيمة البر فهذا أيضًا لا يجوز ، لأنه سبق لنا أن الوصف لا يبيح الزيادة .
طيب فإن كان المفرد الذي ليس معه شيء أكثر من الذي معه شيء ، لكن زيادة المفرد تقابل الشيء الذي مع العوض فهل يجوز ؟
الطالب : لا .
الشيخ : لا يجوز يعني مثال ذلك : باع صاعين من البر بصاع من البر وصاع من التمر والقيمة سواء ؟!
هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم فمنهم من قال : إنها تجوز جعلا للصاع الزائد عن الصاع ، يعني جعلا للزائد في المفرد في مقابل المشفوع في المثنى ، واضح ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : يعني يقول : هذان الصاعان من البر بصاع من البر وصاع من التمر ، نجعل صاعا من التمر في مقابل صاع من البر ، والصاع من البر في مقابل الصاع من البر وحينئذ لا ربا .
فيقول هذا القائل : إنه إذا كان مع المفرد ، أو إذا كان في المفرد زيادة تقابل ما مع المشفوع من غير الجنس فإن ذلك جائز ، وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وهو مذهب أبي حنيفة ورواية عن الإمام أحمد ، فيجعلون الزيادة في الجنس في مقابل المصاحب للمشفوع ، ويقولون : نجعل صاعا بصاع ، وصاعا من التمر بالزيادة التي مع البر .
وكذلك لو باع صاع بر وتمر بصاع بر وتمر ، يقولون أيضًا : لا بأس به ، لأنا نجعل البر مقابل التمر ، والتمر مقابل البر ، معلوم ولا لغة ؟
الطالب : ... .
الشيخ : يقولون مثلا : رجل أتى بصاع من البر وصاع من التمر ، وباعهما على شخص آخر بصاع من البر وصاع من التمر ، يقول : هذا أيضًا جائز لأنك أنت إن جعلت صاعا من البر في مقابل صاع من البر وصاعا من التمر في مقابل صاع من التمر فهذا جائز ، وإن جعلت صاعا من البر في مقابل صاع من التمر وصاعا من التمر في الطرف الآخر في مقابل صاع من البر فهذا أيضا جائز ولا محظور ، وهذا الذي ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية ، والرواية الثانية عن أحمد وهو الصحيح ، هذا هو الصحيح لأن العلة منتفية هنا .
فإذا كان مع هذا الزائد الذي مع العوض المقابل له زيادة تقابل الزيادة في هذا فقد بعت طعاما بطعام مع التساوي ولا محظور في ذلك ، لأن الكمية الزائدة في المفرد تقابَل بالمشفوع مع الطرف الآخر ، وهذا الحديث لا يمنع القول بذلك ، لأن هذا الحديث فيه أن القلادة زادت على الثمن ، أليس كذلك ؟
الطالب : بلى .
الشيخ : فإذا كانت زادت على الثمن فهي ليست موضع النزاع ، فإن ما دل عليه الحديث هذا ممنوع على القولين جميعا ، أما لو فُرض أن القلادة أقلّ من الذهب ، أقل من الدنانير ومنعها الرسول عليه الصلاة والسلام لكان هذا فصلا للنزاع أيضا ، ودليلا على أنه لا يجوز أن يكون العوض المفرد مقابلا بشيئين من جنسين ولو كانت القيمة واحدة .
فالحاصل أن هذا الحديث لا يمنع القول بما ذهب إليه أبو حنيفة والإمام أحمد في رواية ، واختاره الشيخ تقي الدين -رحمه الله- .
ومن فوائد هذا الحديث : حرص الصحابة على معرفة الأحكام الشرعية ، لأن فضالة بعد أن اشتراها ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم .
ومنها : أن الله عز وجل حافظ دينه ومتممه ، وأن الشيء إذا وقع على خلاف ما يرضاه فلا بد أن يقيض الله سبحانه وتعالى حالا يتبين بها ما يرضي الله عز وجل ، وجه ذلك : أن هذا ذَكَر ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن أتم العقد ، وإلا لو سكت ما كان هناك شيء بالنسبة للرسول عليه الصلاة والسلام ، وإن كان إقرار الله يدل على رضاه به .
طيب ومن فوائد هذا الحديث أيضًا : أن ما وقع على وجه فاسد وجب ردة لقوله : ( لا يباع حتى تفصل ) ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الإنسان عالما أو جاهلا ، فلو عقد عقدًا فاسدًا وهو جاهل فإن العقد لا يصح ، ولكن لا يُؤاخذ الإنسان بهذا العقد إذا كان جاهلا لقوله تعالى : (( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا )) .
ومن فوائد هذا الحديث : سد الذرائع الموصلة إلى الربا ، مما يدل على أن الربا أمره عظيم ، وأن الشارع سد كل ذريعة تؤدي إلى الربا ، وإلا فمن الجائز أن يقال : إن القيمة تعتبر واحدة لأن الذهب المصوغ دون الذهب غير المصوغ .