تتمة شرح حديث: (وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي . رواه أبو داود و الترمذي وصححه . حفظ
الشيخ : هذه الرشوة ، وكذلك يبذل الإنسان -في غير القضاء أيضا- يبذل الإنسان شيئا إلى رئيس دائرة ما أو مديرها لينصبه في الوظيفة ، وهو ليس لها بأهل ، فالقاعدة إذاً أن الرشوة المحرمة هي : " بذل المال للتوصل إلى باطل أو إسقاط حق " ، هذه المحرمة ، وأما ما يبذل للتوصل إلى حق فهي حرام بالنسبة للآخذ ، حلال بالنسبة للباذل ، كرجل تسلَّط عليه ظالم فأعطاه رشوة ، لأجل منع الظلم عنه ، فهذا لا بأس به .
إنسان آخر له حق ، ولا يستطيع التوصل إلى حقه إلا ببذل ، بذل المال ، فبذل المال ليصل إلى حقه فهذا ليس حراماً عليه بل له الحق في ذلك والإثم على الآخذ .
ولكن لا ينبغي أن نلجأ إلى ذلك إلا عند الضرورة القصوى ، لأننا لو بذلنا هذا بسهولة لفسد من يتولى أمور الناس ، وصار لا يمكن أن يعمل إلا برشوة كما يوجد في بعض البلاد لا يمكن أن تُقضى حاجتك التي يجب قضاؤها على الموظف إلا برشوة ، يأخذون بالقاعدة الأصيلة الأصلية الثابتة الراسخة عند العامة وهي : " ادْهن السير يسير " ، نعم عرفتم هذه ؟! أي نعم يعني ما يمكن إنه يسير أمره ويسهل إلا إذا دهن السير ، نعم وإذا دهنته كثيرًا يمشي يسرع وإن دهنته قليلا يمكن تقطع .
على كل حال أقول : إن الإنسان الذي يبذل الشيء ليتوصل إلى حقه أو دفع الظلم عنه ، ليس عليه إثم ، بل الإثم على الآخذ ، وقد نص على ذلك أهل العلم ، لا الشراح الذين يشرحون الحديث باعتباره شرحًا فقهيًا ولا الشراح الذين يشرحون الحديث باعتباره شرحا لغويا كصاحب النهاية مثلا .
إذًا الرشوة التي لعن فاعلها ومن فُعلت له هي التي يتوصل بها إلى باطل أو إسقاط حق ، هذه يلعن فيها الراشي والمرتشي .
وإنما لعنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يتضمن فعلهما من المفاسد العظيمة ، وتعطيل حقوق الناس ، والتلاعب بهم ، والناس كما تعلمون إذا لم تقض حوائجهم على الوجه المطلوب حصل بذلك فتن عظيمة وكراهة لولاة الأمور الذين يتولون هذه الأشياء ويأخذون عليها الرشوة ، والواجب على الإنسان أن يتقيَ الله عز وجل فيمن ولاه الله عليه ، وأن يسير بهم بالعدل والقسط ، ويعطي كل ذي حق حقه ، وألا يستعمل سلطته ليتوصل بها إلى أكل أموال الناس بالباطل .