وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة : أن يبيع ثمر حائطه إن كان نخلاً بتمر كيلاً , وإن كان كرماً أن يبيعه بزبيب كيلاً , وإن كان زرعاً أن يبيعه بكيل طعام , نهى عن ذلك كله . متفق عليه . حفظ
الشيخ : -ثم قال : وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما هذا الدرس الجديد- " وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة ) " :
المزابنة مفاعله ، وهذه الصيغة من الأفعال تدل على الاشتراك ، في الغالب ، الغالب أن المفاعلة تدل على اشتراك بين اثنين وأكثر كالمقاتلة والمجاهدة والمغارسة والمساقاة وما أشبهها ، وقد لا تدل على الاشتراك كالمسافرة ، يقال : سافر الرجل مسافرة وهو واحد ، ليس له طرف آخر .
المزابنة : من الأفعال المشتركة ، وهي مأخوذة من الزبن وهو الدفع ، فهي مبايعة بين شخصين لكنها خصت بنوع خاص من البيوع ، وإلا فإن جميع البيوع فيها مزابنة ، لأنها من الدفع ، فالبائع يدفع السلعة والمشتري يدفع الثمن ولكنها خُصت بنوع معين من البيوع .
ولا مانع من أن يخصص المعنى العام بشيء أو في شيء من أفراده .
المزابنة فسرها بقوله : ( أن يبيع ثمر حائطه ) وأن : هنا مصدرية إما أن يكون المصدر مرفوعًا على أنه خبر مبتدأ محذوف ، والتقدير : هي أن يبيع .
وإما أن يكون في محل جر نعم بيان للمزابنة ، لأن المزابنة مجرورة بـعن .
( أن يبيع ) أي : البائع .
( ثمر حائطه إن كان نخلا بتمر كيلا ، وإن كان كرماً أن يبيعه بزبيب كيلاً ، وإن كان زرعاً أن يبيعه بكيل طعام ، نهى عن ذلك كله ) :
هذه ثلاث صور :
الصورة الأولى : أن يبيع ثمر حائطه إن كان نخلا بتمر كيلا ، فيأتي شخص إلى صاحب الحائط ويقول : بعني ثمرة هذه النخلة بتمر ، هذه المزابنة لا تجوز ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها ، والعلة في ذلك أنها بيع تمر بتمر ، وبيع التمر بالتمر يشترط فيه التساوي كيلا ، ومعلوم أن التمر على النخل لا يمكن فيه الكيل ، وإذا لم يمكن في الكيل فإنه لا يتحقق التساوي .
فإن قال قائل : نحن نخرصه بما يؤول إليه تمرة ، فنقول : هذه النخلة إذا أثمرت يأتي منها خمسون صاعًا من التمر ، فإذا دفع المشتري خمسين صاعًا من التمر بتمر هذه النخلة فقد قابل التمر الذي دفعه ثمر النخل بماذا ؟ بالخرص ؟! فالجواب على ذلك أن نقول : إن الخرصَ ظن وتخمين ، والكيلَ علم ويقين ، ولا يمكن أن يقابل الظن والتخمين بالعلم واليقين ، ولدينا قاعدة في باب الربويات وهي : " أن الجهل " - نعرف أن عندك علم - " وهي أن الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل " ، الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل ، ونحن الآن نجهل التساوي كيلا لأن الخرص ليس علما بل هو ظن وتخمين .
وكذلك أيضا بالنسبة للعنب ( إن كان كرماً ) أي : عنباً ، ( أن يبيعه بزبيب كيلاً ) : الزبيب هو : العنب المجفف ، والكرم هو العنب الطري ، فيكون رجل عنده شجرة من العنب وفيها عنب فيأتي إليه شخص ويقول : أنا أشتري منك عنب هذه الكرم بزبيب ، كم يأتي هذا العنب ؟ فيقول : يأتي إذا يبس خمسين صاعًا ، فأقول : هذه خمسون صاعًا من الزبيب ، فهذا مزابنة ، ولا يحل ، وعلته ما سبق أن التساوي أو التماثل بينه وبين الزبيب مجهول ، والجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل .
( وإن كان زرعًا أن يبيعه بكيل طعام ) : الزرع يشمل الشعير ويشمل البُر، فهذا رجل عنده مزرعة يأتي منها مئة صاع ، فجاء رجل إليه وقال : بعني هذه المزرعة بمئة صاع حب ، الذي عبر عنه في الحديث بالطعام لأنه يطعم ، فنقول : هذا لا يجوز ، والعلة فيه أنه بيع بر ببر أو شعير بشعير مع الجهل بالتساوي ، والجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل .
طيب ، هذا الحديث إذًا يدخل في باب الربا ، أليس كذلك ؟ يدخل في باب الربا .
طيب أرأيتم لو أنه باع تمر نخله بزبيب كيلاً ، فهل يجوز ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : نعم يجوز لأن بيع التمر بالزبيب لا تشترط فيه المماثلة ، وكذلك لو باع ثمر نخله بطعام كيلا فإنه لا بأس به ، لأن هذا لا تشترط فيه المماثلة .
طيب لكن إذا باع تمرا بزبيب أو طعاما ببر أو شعير فلا بد من ؟ ها ؟
الطالب : التقابض .
الشيخ : لا بد من التقابض لاشتراكهما في الكيل الذي هو علة الربا ، بل في الكيل والطعام والقوت .
يُستثنى من هذا الحديث ما ثبتت به السنة من العرايا في ثمر النخل وكذلك في العنب على القول الصحيح ، فلو أن إنسانا أراد أن يشتري ثمر نخل بتمر ، فإنه يجوز في باب العرايا ، لكن بشروط :
الشرط الأول : ألا يكون عنده نقد ، عند المشتري نقد .
والشرط الثاني : أن يكون محتاجًا للرطب ، يعني يريد أن يتفكه ليس إنسانا لا يهمه أن يأكل تمرا أو رطبا بل نفسه تشتاق إلى الرطب ، فهو في حاجة له . والشرط الثالث : أن يكون في خمسة أوسق فما دونه ، أو فيما دون خمسة أوسق ، والوسق ستون صاعًا أي : ثلاثمئة صاع ، فإن زاد عليها فإنه لا يجوز . الشرط الرابع : أن يكون الرطب في خرصه بمقدار ما يؤول إليه مساوياً للتمر ، بمعنى أن نقول : هذا الرطب إذا يبس يأتي منه مئة صاع ، ويبدل بكم ؟ بمئة صاع بدون زيادة ، يعني أن يكون خرصُ الرطب بما يؤول إليه تمرًا مساويًا للتمر الذي دفع .
الشرط الخامس : أن يأكله رُطباً يأكله مَن ؟ المشتري رطباً ، فلو تركه حتى أثمر بطل البيع ، اللهم إلا أن يدعه لعذر كأن يحال بينه وبينه ، فهذا يعذر فيه ، فبهذه الشروط الخمسة يجوز بيع الرطب بالتمر ، وإذا لم توجد هذه الشروط الخمسة فإنه لا يجوز .
العنب كالتمر ، لأن الناس يحتاجون إلى التفكه فيه ، أما الزرع فلا لأن الزرع مهما كان سوف يتحول إلى حب ، ولن ينتفع به قبل أن يكون حبا ، ( نهى عن ذلك كله ) متفق عليه .