وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ يعني الدين بالدين . رواه إسحاق والبزار بإسناد ضعيف . حفظ
الشيخ : ثم قال : " وعن ابن عمر رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم -هذا الدرس جديد- ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ ، يعني الدين بالدين ) رواه إسحاق والبزار بإسناد ضعيف " : هذا يقول فيه : ( نهى عن بيع الكالئ بالكالئ ) : والنهي : " طلب الكف على وجه الاستعلاء " ، يعني أنه يوجه إلى شخص طلب الكف عن شيء معين على وجه الاستعلاء .
فقولهم : طلب الكف : خرج به الأمر وما ليس بأمر ولا نهي الإباحة ، لأن الأمر طلب الفعل ، والإباحة لا يطلب فعل ولا كف .
وقولهم : على وجه الاستعلاء : خرج به ما كان على وجه المساواة ، أو كان على وجه الأدنى بمعنى أن الأدنى يوجه النهي إلى الأعلى ، فالأول يسمونه التماس ، كقول الزميل لزميله مثلا : لا تشوش عليَ .
وإذا كان من أدنى إلى أعلى يسمى دعاء وسؤال وما أشبه ذلك ، ومعلوم أن توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم النهي إلى أمته من باب طلب الكف على وجه الاستعلاء ، لأن أمره مطاع عليه الصلاة والسلام ، ولكنه أشد الناس تواضعا للخلق وللحق .
قال : ( نهى عن بيع الكالئ بالكالئ ) وفسره بقوله : ( يعني الدين بالدين ) : ولكنه تفسير لا يوافق ظاهر اللفظ ، لأن ظاهر اللفظ الكالئ يعني المؤخر بالكالئ بالمؤخر ، وهذا الحديث كما ترون :
أولاً إسناده ضعيف . وثانياً ليس على إطلاقه ولا عمومه ، وإنما يشمل صورا معينة وهي التي يكون فيها شيء من المحظور الشرعي ، وله صور :
منها : بيع الدين بالدين على الغير ، مثل أن يحضر إليَّ شخص ويقول : أنت تطلب فلاناً مئة صاع بر ، بعني إياه بمئتي ريال أسلمها لك بعد سنة ، هذا لا يجوز ، لماذا ؟ أولا : لأنه بيع دين في ذمة الغير ، قد يقدر على استلامه وقد لا يقدر .
وثانياً : أن فيه ربحا فيما لم يضمن ، وقد مر علينا : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ربح ما لم يضمن ) : كيف ربح ما لم يضمن ؟ لأن الدين الذي في ذمة الغير لي لم يدخل في ضماني ، متى يدخل في ضماني ؟ إذا تسلمته ، ومن المعلوم أنني إذا بعت مؤجلا فإنه سيزيد ثمنه ، لأنه ليس البيع المؤجل كالبيع الحاضر ، وحينئذ بعت ما لم يدخل في ضماني ، وبعت ما يكون مشكوكاً في القدرة عليه ، هذه صورة .
كذلك أيضًا من بيع الدين بالدين : أن يكون عند شخص لي عنده مئة درهم فتحل ، تحل المئة ويأتي إليَّ ويقول : ما عندي شيء ، فأقول : نجعل المئة بمئة صاع بر إلى سنة ، فهذا لا يجوز ، لماذا ؟
لأنه كما قلنا : سوف يربح فيما لم يضمن ، لأنه ليس ثمن الحاضر كثمن المؤجل ، فمئة صاع بر بمئة درهم مثلا ، الذي في ذمتي مئة درهم وأنا بعته بمئة صاع بر ، يمكن لو بعته بحاضر لا أحصل بمئة درهم إلا تسعين صاعًا ، والآن أنا بعته بمئة فربحت فيما لم يضمن ، ولأنه يؤدي إلى قلب الدين بهذه الحيلة ، قلب الدَّين على المدين بهذه الحيلة كيف ذلك ؟ لما حلَّ الأجل لمئة الدرهم جعلناها بمئة صاع إلى سنة ، فحلت السنة وليس عنده بُر ، فأقول : تكون بمئتي صاع شعير مثلا ، أو أقول : بعت مئة صاع بر تكون بمئة وعشرين درهم وحينئذ يؤدي إلى إيش ؟ إلى قلب الدَّين ويكون ذلك شبيهًا بما نهى الله عنه في قوله : (( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربوا أضعافاً مضاعفةً )) .
وقد يكون أيضا من صوره : أن يبيع الإنسان ما في ذمة الغير المعسر على شخص آخر بدراهم أقل ، ففي ذمة هذا الفقير لشخص ألف درهم ، فيأتيه إنسان ويقول : بعه عليَّ بخمسمئة درهم ، وأنا وحظي مع هذا الفقير ، فهذا أيضا لا يجوز ، لأنه أولاً : بيع دراهم بدراهم بدون قبض .
والثاني : بيع شيء لم يدخل في ضمانه .
والثالث : أنها شبيهة بالميسر ، كيف الميسر ؟ الميسر لأن هذا الذي اشترى هذه الألف بخمسمئة : " إن قدر عليها فهو غانم ، وإن عجز فهو غارم " ، وهذه هي قاعدة الميسر فقاعدة الميسر : " كل عقد يتضمن إما الغرم وإما الغنم " ، وعلى هذا نقول : هذا الحديث إن صح يجب أن يحمل على ما دلت النصوص على منعه ، لا على كل دين بدين .
طيب وبناء على ذلك لو اشتريت منك مئة صاع بر بمئة درهم ، ولا أحضرنا لا الدراهم ولا البر ، فإن ذلك على القول الراجح جائز ، ولا بأس به ، لأن كلاً منها غير مؤجل ، بل هو حاضر وليس فيه محظور إطلاقا ، وعمل الناس الآن على هذا ، يجي الإنسان يشتري من شخص طعام رز أو سكر أو بر أو الذي هو بدراهم لا يسلمه له في الحال ، فهو بيع دين بدين لكنه جائز لأنه ليس فيه محظور ، لأنه ليس فيه محظور إطلاقا لا جهالة ولا غرر ولا ربا ، والأصل في العقود الحِل إلا ما قام الدليل على منعه ، وهذا لم يقم دليلا على منعه لأن الحديث هذا ضعيف ، ولأنه يصدق ولو بصورة واحدة ، يعني إذا صدق النهي ولو بصورة واحدة كفى ، لأن لدينا أدلة تدل على أن الأصل هو الجواز .
فإذا صح الحديث حمل على الصورة التي يعلم منعها بالأدلة الأخرى .
طيب هل يجوز بيع الدين على غير مَن هو عليه بسعر يومه إذا بيع بما لا يشترط فيه التقابض أو لا يجوز ؟
مثاله : رجل عنده لي مئة صاع بر ، فجاءني شخص وقال : بعها علي بمئة درهم بقيمتها الحاضرة بدون أي ربح ، أو لا يجوز ؟
في هذا خلاف بين أهل العلم :
منهم من قال : لا يجوز ، لأن هذا ليس عنده ، ( وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عنده ) .
ومنهم من قال بالجواز ، لكن إن قدر على قبضه تم البيع ، وإلا فله الرجوع ، وإلا فله الرجوع ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ، وهذا قد يحتاج إليه الإنسان فيما لو كان المطلوب في بلد آخر ، لو كان المطلوب في بلد آخر وجاء شخص من أهل البلد الذي فيه المطلوب واشترى مني ما في ذمته بعوض لا يجري بينه وبينه ربا النسيئة فهنا قد يحتاج إليه لكن بشرط :
أن يكون بسعر اليوم ، لئلا يربح فيما لم يضمن .
فإن قال قائل : هذا القول يرد عليه حديث ابن عمر : ( كنا نبيع الإبل بالدراهم ونأخذ عنها الدنانير ، وبالدنانير فنأخذ عنها الدراهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء ) ؟!
فالجواب : أن هذا لا يرد ، لأن بيع الدراهم بالدنانير أو بالعكس يُشترط فيه التقابض قبل التفرق ، وبيع الدراهم بالدنانير ولو كان حاضرًا بحاضر لا بد فيه من التقابض قبل التفرق ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم ) ، أما صورتنا التي ذكرنا فهي بيع شيء بآخر لا يجري بينهما ربا النسيئة .
ولكن لا شك أن الاحتياط الأخذ بالقول الثاني وهو : ألا يبيعه حتى يقبضه ، لأنه إذا فُتح هذا الباب فربما يتبايع الناس ديونًا لا يُرجى حصولها ، ويكون هذا من باب الميسر ، وربما يبيعون ديونا يرجى حصولها لكن بربح ، وكل هذه من المحظورات الشرعية .
فالأولى والاحتياط الأخذ بالمنع ، وألا يبيع الإنسان ديناً في ذمة غيره حتى يقبضه .
نعم ثم قال المؤلف : " باب الرخصة في العرايا وبيع الأصول والثمار " .
الطالب : شيخ !
الشيخ : نعم ؟
الطالب : الفوائد ؟
الشيخ : فوائد الحديث ذكرناها فيما ذكرنا من الصور ، إن الحديث ليس على إطلاقه فيه صور جائزة وفيه صورة ممنوعة ، لكن بادلة أخرى .