فوائد حديث : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في العرايا أن تباع بخرصها كيلاً ). حفظ
الشيخ : بسم الله الرحم الرحيم :
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين :
في حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه من الفوائد :
أولاً : الدلالة على ما ذكره العلماء : " مِن أن المشقة تجلب التيسير " ، المشقة تجلب التيسير ، وهذه مأخوذة من عدة نصوص منها قوله تعالى : (( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها )) ، وقوله : (( فاتقوا الله ما استطعتم )) ، وقوله : (( وما جعل عليكم في الدين من حرج )) .
فلما شق على هذا التفكه بالرطب يسر الله له بجواز شرائه بالتمر ، فالمشقة تجلب التيسير .
ومن فوائد الحديث : الدلالة أيضا على القاعدة العامة : " أن الدين الإسلامي لم يكن فيه حرج لا في العبادات ولا في المعاملات " ، فإذا تعذر على الإنسان إلا أن يتعامل بهذه الصفة فإنه من قواعد الشريعة أن ييسر له الأمر ، ولكن التعذر لا بد أن يتحقق .
طيب ومن فوائدها ، ومن فوائد الحديث : ما أشار إليه ابن القيم -رحمه الله- : " أن ما حرم تحريم الوسائل فإن الحاجة تبيحه دون الضرورةـ " ، يعني أن القاعدة في المحرم أنه لا يباح إلا عند الضرورة ، بشرط أيضا أن تندفع ضرورته به وقد مر علينا هذا : أن المحرم يجوز للضرورة وأن تندفع الضرورة به :
فالشرط الأول للضرورة : ألا يوجد مباح سواه .
الشرط الثاني : أن تندفع ضرورته به ، فإن لم تندفع ضرورته به فإنه لا يحل ، ولهذا حرم التداوي بالشيء المحرم لماذا ؟ لأنه لا ضرورة إليه لجواز أن يشفى المريض بدونه ، ولأنه لا يتيقن زوال الضرورة بتناوله ، فالشرطان كلاهما مفقودان في التداوي بالمحرم .
المهم أن القاعدة المعروفة عند أهل العلم بل التي دل عليها القرآن : " أن المحرم لا تبيحه إلا الضرورة إذا اندفعت الضرورة به " ، دليله قوله تعالى : (( وقد فصل لكم ما حرم عليكم )) أتموا ! (( إلا ما اضطررتم إليه )) .
لكن قال العلماء : " ما كان محرما تحريم الوسائل فإن الحاجة تبيحه " ، فإن الحاجة تبيحه وذكروا لذلك أشياء منها :
مسألة العرايا ، مسألة العرايا : لا يجوز بيع الرطب بالتمر كما في الحديث السابق : ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل عن شراء الرطب بالتمر فقال : ( أينقص إذا جف ؟ قالوا : نعم ، فنهى عن ذلك ) .
لكن في العرايا أجاز الشارع اشتراء الرطب بالتمر لماذا ؟ لأن منع بيع الرطب بالتمر خوفا مِن أن يكون وسيلة إلى ربا الفضل ، أن الناس يتدرجون فيقولون : إذا جاز البيع بالخرص في الرطب مع التمر ، فليجز أيضا في التمر مع التمر وحينئذ يقعون في الربا .
فلما كان تحريم ذلك من باب تحريم الوسائل أباحه الشارع للحاجة إليه .
ومن ذلك : تحريم الحرير على الرجال ، فإن الحاجة تبيحه ، الحِكة التي تصيب الإنسان تجيز له أن يلبس الحرير لأجل تخف عنه .
ومن ذلك : تضبيب الآنية بالفضة ، تبيحه الحاجة ، لماذا ؟ لأن أصل تحريم هذا خوفًا من أن يتدرج الإنسان منه إلى أن يتخذ إناء كاملًا من الفضة ويستعمله في الأكل والشرب ، فتحريم التضبيب بالفضة تحريم وسائل ، فأباحته الحاجة ، ليش ما نقول الضرورة ؟ بإمكانه أن يشرب في إناء آخر ، وبإمكانه أن يضبب بحديد أو برصاص أو ما أشبه ذلك .
ومن ذلك أيضا : تحريم النظر إلى وجه المرأة الأجنبية فإنه من باب تحريم الوسائل لكونه وسيلة إلى الزنا ، ولهذا جاز النظر إليه للحاجة كالخِطبة ، فإن الخطيب يجوز أن ينظر إلى وجه المخطوبة ، ولو كان تحريمه تحريم قصد وغاية ما جاز ، لأن نظر الخاطب إلى مخطوبته ليس ضرورة ، إذ يمكنه أن يوكل من ينظر إليها من النساء الثقات .
طيب إذًا القاعدة هذه لها عدة صور وهي : ما كان محرمًا تحريم وسيلة فإن الحاجة تبيحه وإن لم يضطر إليه .
من فوائد الحديث : جواز العرايا في ثمر النخل ، لقوله في حديث أبي هريرة : ( بخرصها من التمر ) ، وهل يلحق بالنخل ما سواها كالتين والعنب فيكون الإنسان محتاجًا إلى التفكه بالعنب فيشتريه بالزبيب ، أو إلى التين الرطب فيشتريه بتين يابس ، اختلف العلماء في هذا فقال بعض العلماء :
إنه لا يجوز القياس لأن لدينا حديثا عاماً : ( نهى عن بيع المزاينة ) ، ( نهى عن بيع المزاينة ) واضح ؟!
استثني منه العرايا وهذا تخصيص ، فيبقى العام على عمومه وتُخرج منه صورة التخصيص وهي العرايا في التمر أما غيرها فلا يجوز .
قالوا : ولو جازت العرايا في غير التمر لجازت بين الحب والزرع ، والحب والزرع ما يجوز ، يعني لا يجوز للإنسان أن يشتري زرعاً بحب وهو يريد سنبله ، انتبهوا ، وهذه الصورة ممنوعة بالاتفاق فيما أعلم .
ولكنَّ بعض أهل العلم ذهب إلى جواز العرايا في العنب والتين ونحوهما مما يتفكه به ويمكن خرصه ، واستدل لذلك بأن الشريعة مطردة لا تفرق بين متماثلين ، ولا تجمع بين مفترقين ، مطردة ما فيها تناقض ، وإنما ذُكرت العرايا في التمر لأن هذه هي المعاملة التي كانوا يفعلونها ، العنب ليس كثيرًا عندهم ولهذا يأتيهم الزبيب من الشام وغيرها ، والتين كذلك ، المدينة أكثر ما فيها التمر فلهذا جاءت العرية في التمر لأنه الكثير عندهم ، وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره ، وهذا القول هو الصحيح .
وأما النقد بمسألة الحب بالزرع فلا نقد ، ما فيه نقد ، لماذا ؟
لأن الحب في السنبل خفي ، ولا يمكن خرصه ، ولهذا لم تأت السنة بخرص الزروع على أهلها لإخراج زكاتها ، السنة جاءت بخرص ثمار النخل ، أما الزروع فلم تأت به ، حتى إن بعض العلماء حكى إجماع العلماء على أن الزروع لا تُخرص من أجل معرفة مقدار الزكاة فيها وعللوا ذلك بماذا ؟
بأنه لا يمكن الإحاطة بها ، إذ أن الحب محفوف بقشر ، والقشر عليه عود ، يسمونه عندنا السبل ، لهذا لا يمكن أن نقيس الرطب المشاهَد المعلوم الممكن خرصه ، لا يمكن أن نُلحق به ما كان مستورًا بقشوره .
طيب من فوائد الحديث : التضييق في مسألة العرايا ، بأن تكون فيما دون خمسة أوسق ، وهل هذا الشرط في الصفقة الواحدة أو في صفقات متعددة ؟ فيه خلاف ، فمن العلماء من قال : إنه شرط في الصفقة الواحدة .
ومنهم من قال : إنه شرط في الصفقات كلها .
وبيان ذلك : رجل عنده عائلة كبيرة ، احتاج إلى عشرة أوسق ، فاشترى من فلاح ثلاثة ومن فلاح ثلاثة ومن فلاح أربعة ، كل صفقة بمفردها لا تبلغ خمسة أوسق ، لكن مجموعها عشرة ، فهل المعتبر كل صفقة بمفردها أو المعتبر حاجة الإنسان ويشتري ما زاد على الخمسة أو الخمسة فما زاد بصفقة أخرى ؟
فيه خلاف بين العلماء فقيل : متى اشترى الإنسان دون خمسة أوسق لم يشتر أكثر ، ولو في صفقة ثانية وثالثة ورابعة ، ولكن الصحيح أن المعتبر الحاجة ، وأن تكون فيما دون خمسة أوسق في الصفقة الواحدة ، وعلى هذا فإذا كان عند الإنسان عائلة كبيرة أو كان رجلا مضيافًا يغشاه الناس واحتاج إلى أكثر من خمسة أوسق لكن اشترى من عدة بائعين فإن ذلك لا بأس به ، والدليل أن الرجل لو اشترى دون خمسة أوسق ثم أكلها هل يشتري أخرى أو لا يشتري ؟ يشتري ، إذًا فالمدار على الحاجة ، المدار على الحاجة لكن لا تبلغ خمسة أوسق في كل صفقة .
طيب ومن فوائد الحديث : أن العبرة بحاجة المشتري ، فإذا كان المحتاج البائع فهل نراعيه ؟
الطالب : لا يراعى .
الشيخ : إذا كان المحتاج البائع صاحب البستان هل نراعيه ولا لا ؟
الطالب : لا يراعى .
الشيخ : لا يراعى ؟! إي صاحب البستان يريد تمرا عنده عمال ما يأكلون إلا التمر ، ما يشترون الرطب وهو ما عنده ، هو ما عنده الآن ما عنده تمر قلنا له : اصبر حتى يتمر ، قال : هؤلاء العمال يجوعون ، بيتمر بعد شهرين أقول : انتظروا ، مُشكل فأنا محتاج ، فهل تقول : إن الشرع إذا أجاز للمشتري هذه الصفقة لحاجته للتفكه بالرطب ، فإجازته للبائع المحتاج للتمر لا تفكها من باب أولى ؟
الطالب : لا .
الشيخ : ولا واحد منكم يقول هكذا ؟
الطالب : الرطب أولى .
الشيخ : بس هذول عمال ما يعرفون الرطب .
الطالب : بعه واشتر الرطب .
الشيخ : طيب حتى هذا نقول بعه ، إذا كان المشتري محتاج للرطب نقول : بع التمر واشتر رطب ، على كل حال هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء نعم ، وكنت أظن أن تكونوا على قولين ، كعادتكم ، لكن سبحان الله هذا إجماع منكم على أنه ما يجوز ، زين الحمد لله ، إذًا فيه علماء الحمد لله ،
العلماء اختلفوا في هذا على قولين :
منهم من قال : إن هذه المسألة خرجت من القياس وخرجت عن العموم فلا يتعدى بها النص ، عرفتم ؟! والحاجة في الحديث لمن ؟
الطالب : للمشتري .
الشيخ : للمشتري فلا نتعدى النص .
ومنهم من قال: إن الشارع لا يفرق بين حاجة المشتري أو حاجة البائع فإذا كانت تجوز للمشتري من أجل التفكه بالرطب فجوازها للبائع من أجل حاجته للتمر من باب أولى .
نعم ، والمسألة لا شك أنها تعارضها المعنيان أو تجاذبها الدليلان ، دليل القياس الذي قد يكون جليا أو مساوياً ودليل الاقتصار على النص فيما ورد فيه التخصيص .
طيب على كل حال فيها قولان ، وما دمتم أنتم الآن عندكم قولان في هذه المسألة فهذا ما أقول لكم .
طيب زين والله أنا تردد فيها ، متردد قد نقول : إن هذه مسألة خرجت عن العموم وعن القياس فيقتصر فيها عما ورد به النص ، وإن كان هذا ستنقوضه علي في مسألة العنب والتين ، المهم -وقد نعم نعم - وقد أقول : بأن الرخصة يستوي فيها البائع والمشتري والإيرداد الذي أوردته صحيح ، فيه لا شك أنه قد يكون أن البائع هذا صاحب النخل محتاج إلى تمر ، يحتاج إلى تمر عمال عنده ، أما هو محتاج ولا هم محتاجين العمال ؟ يمكن لو أعطاهم الرطب يبدى العامل ياكل الرطب جميعا ولا يبالي ، لأن الرطب لين نعم وذا عامل تعبان ويأكل كثير ولو وجد تمرة فيها يبوسة يقعد يمضغها شوي نعم حتى يخف الأكل عليه ، على كل حال إن هذه الحاجة وادرة .
الطالب : ... .
الشيخ : لا لا ما هي بأقوى ، لأن التمر بتمر ما في فرق بس هذا طيب وهذا رديء .
طيب المهم اعرفوا هذا الخلاف الآن وأن كلا واحد من القولين له معنى يجلبه .
طيب فيه أيضا من فوائد هذا الحديث : " أنه إذا تعذر اليقين رجعنا إلى غلبة الظن " وهذه قاعدة معروفة في الفقه ، إذا تعذر اليقين رجعنا إلى غلبة الظن من يعرف مأخذها ؟
الطالب : أنا لا نستطيع كيلها فرجعنا للظن .
الشيخ : فرجعنا إلى الظن صح ، اعتبار الخرص وهو أمر ظني من أجل تعذر اليقين وهذا أمر مطرد ، أنه إذا تعذر رجعنا إلى غلبة الظن ، كذا ولا لا !؟ ولكن هذا الرجوع إلى غلبة الظن أمر مطرد ولا إيش ؟ يعني أحيانا نقول : ارجع إلى غلبة ظنك وأحيانا نقول : ارجع إلى اليقين ، أحيانا نقول : لا بد من اليقين ، فالظاهر لي بعد تتبع بعض المسائل أن ما كان من العبادات اكتفي فيه بغلبة الظن .
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين :
في حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه من الفوائد :
أولاً : الدلالة على ما ذكره العلماء : " مِن أن المشقة تجلب التيسير " ، المشقة تجلب التيسير ، وهذه مأخوذة من عدة نصوص منها قوله تعالى : (( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها )) ، وقوله : (( فاتقوا الله ما استطعتم )) ، وقوله : (( وما جعل عليكم في الدين من حرج )) .
فلما شق على هذا التفكه بالرطب يسر الله له بجواز شرائه بالتمر ، فالمشقة تجلب التيسير .
ومن فوائد الحديث : الدلالة أيضا على القاعدة العامة : " أن الدين الإسلامي لم يكن فيه حرج لا في العبادات ولا في المعاملات " ، فإذا تعذر على الإنسان إلا أن يتعامل بهذه الصفة فإنه من قواعد الشريعة أن ييسر له الأمر ، ولكن التعذر لا بد أن يتحقق .
طيب ومن فوائدها ، ومن فوائد الحديث : ما أشار إليه ابن القيم -رحمه الله- : " أن ما حرم تحريم الوسائل فإن الحاجة تبيحه دون الضرورةـ " ، يعني أن القاعدة في المحرم أنه لا يباح إلا عند الضرورة ، بشرط أيضا أن تندفع ضرورته به وقد مر علينا هذا : أن المحرم يجوز للضرورة وأن تندفع الضرورة به :
فالشرط الأول للضرورة : ألا يوجد مباح سواه .
الشرط الثاني : أن تندفع ضرورته به ، فإن لم تندفع ضرورته به فإنه لا يحل ، ولهذا حرم التداوي بالشيء المحرم لماذا ؟ لأنه لا ضرورة إليه لجواز أن يشفى المريض بدونه ، ولأنه لا يتيقن زوال الضرورة بتناوله ، فالشرطان كلاهما مفقودان في التداوي بالمحرم .
المهم أن القاعدة المعروفة عند أهل العلم بل التي دل عليها القرآن : " أن المحرم لا تبيحه إلا الضرورة إذا اندفعت الضرورة به " ، دليله قوله تعالى : (( وقد فصل لكم ما حرم عليكم )) أتموا ! (( إلا ما اضطررتم إليه )) .
لكن قال العلماء : " ما كان محرما تحريم الوسائل فإن الحاجة تبيحه " ، فإن الحاجة تبيحه وذكروا لذلك أشياء منها :
مسألة العرايا ، مسألة العرايا : لا يجوز بيع الرطب بالتمر كما في الحديث السابق : ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل عن شراء الرطب بالتمر فقال : ( أينقص إذا جف ؟ قالوا : نعم ، فنهى عن ذلك ) .
لكن في العرايا أجاز الشارع اشتراء الرطب بالتمر لماذا ؟ لأن منع بيع الرطب بالتمر خوفا مِن أن يكون وسيلة إلى ربا الفضل ، أن الناس يتدرجون فيقولون : إذا جاز البيع بالخرص في الرطب مع التمر ، فليجز أيضا في التمر مع التمر وحينئذ يقعون في الربا .
فلما كان تحريم ذلك من باب تحريم الوسائل أباحه الشارع للحاجة إليه .
ومن ذلك : تحريم الحرير على الرجال ، فإن الحاجة تبيحه ، الحِكة التي تصيب الإنسان تجيز له أن يلبس الحرير لأجل تخف عنه .
ومن ذلك : تضبيب الآنية بالفضة ، تبيحه الحاجة ، لماذا ؟ لأن أصل تحريم هذا خوفًا من أن يتدرج الإنسان منه إلى أن يتخذ إناء كاملًا من الفضة ويستعمله في الأكل والشرب ، فتحريم التضبيب بالفضة تحريم وسائل ، فأباحته الحاجة ، ليش ما نقول الضرورة ؟ بإمكانه أن يشرب في إناء آخر ، وبإمكانه أن يضبب بحديد أو برصاص أو ما أشبه ذلك .
ومن ذلك أيضا : تحريم النظر إلى وجه المرأة الأجنبية فإنه من باب تحريم الوسائل لكونه وسيلة إلى الزنا ، ولهذا جاز النظر إليه للحاجة كالخِطبة ، فإن الخطيب يجوز أن ينظر إلى وجه المخطوبة ، ولو كان تحريمه تحريم قصد وغاية ما جاز ، لأن نظر الخاطب إلى مخطوبته ليس ضرورة ، إذ يمكنه أن يوكل من ينظر إليها من النساء الثقات .
طيب إذًا القاعدة هذه لها عدة صور وهي : ما كان محرمًا تحريم وسيلة فإن الحاجة تبيحه وإن لم يضطر إليه .
من فوائد الحديث : جواز العرايا في ثمر النخل ، لقوله في حديث أبي هريرة : ( بخرصها من التمر ) ، وهل يلحق بالنخل ما سواها كالتين والعنب فيكون الإنسان محتاجًا إلى التفكه بالعنب فيشتريه بالزبيب ، أو إلى التين الرطب فيشتريه بتين يابس ، اختلف العلماء في هذا فقال بعض العلماء :
إنه لا يجوز القياس لأن لدينا حديثا عاماً : ( نهى عن بيع المزاينة ) ، ( نهى عن بيع المزاينة ) واضح ؟!
استثني منه العرايا وهذا تخصيص ، فيبقى العام على عمومه وتُخرج منه صورة التخصيص وهي العرايا في التمر أما غيرها فلا يجوز .
قالوا : ولو جازت العرايا في غير التمر لجازت بين الحب والزرع ، والحب والزرع ما يجوز ، يعني لا يجوز للإنسان أن يشتري زرعاً بحب وهو يريد سنبله ، انتبهوا ، وهذه الصورة ممنوعة بالاتفاق فيما أعلم .
ولكنَّ بعض أهل العلم ذهب إلى جواز العرايا في العنب والتين ونحوهما مما يتفكه به ويمكن خرصه ، واستدل لذلك بأن الشريعة مطردة لا تفرق بين متماثلين ، ولا تجمع بين مفترقين ، مطردة ما فيها تناقض ، وإنما ذُكرت العرايا في التمر لأن هذه هي المعاملة التي كانوا يفعلونها ، العنب ليس كثيرًا عندهم ولهذا يأتيهم الزبيب من الشام وغيرها ، والتين كذلك ، المدينة أكثر ما فيها التمر فلهذا جاءت العرية في التمر لأنه الكثير عندهم ، وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره ، وهذا القول هو الصحيح .
وأما النقد بمسألة الحب بالزرع فلا نقد ، ما فيه نقد ، لماذا ؟
لأن الحب في السنبل خفي ، ولا يمكن خرصه ، ولهذا لم تأت السنة بخرص الزروع على أهلها لإخراج زكاتها ، السنة جاءت بخرص ثمار النخل ، أما الزروع فلم تأت به ، حتى إن بعض العلماء حكى إجماع العلماء على أن الزروع لا تُخرص من أجل معرفة مقدار الزكاة فيها وعللوا ذلك بماذا ؟
بأنه لا يمكن الإحاطة بها ، إذ أن الحب محفوف بقشر ، والقشر عليه عود ، يسمونه عندنا السبل ، لهذا لا يمكن أن نقيس الرطب المشاهَد المعلوم الممكن خرصه ، لا يمكن أن نُلحق به ما كان مستورًا بقشوره .
طيب من فوائد الحديث : التضييق في مسألة العرايا ، بأن تكون فيما دون خمسة أوسق ، وهل هذا الشرط في الصفقة الواحدة أو في صفقات متعددة ؟ فيه خلاف ، فمن العلماء من قال : إنه شرط في الصفقة الواحدة .
ومنهم من قال : إنه شرط في الصفقات كلها .
وبيان ذلك : رجل عنده عائلة كبيرة ، احتاج إلى عشرة أوسق ، فاشترى من فلاح ثلاثة ومن فلاح ثلاثة ومن فلاح أربعة ، كل صفقة بمفردها لا تبلغ خمسة أوسق ، لكن مجموعها عشرة ، فهل المعتبر كل صفقة بمفردها أو المعتبر حاجة الإنسان ويشتري ما زاد على الخمسة أو الخمسة فما زاد بصفقة أخرى ؟
فيه خلاف بين العلماء فقيل : متى اشترى الإنسان دون خمسة أوسق لم يشتر أكثر ، ولو في صفقة ثانية وثالثة ورابعة ، ولكن الصحيح أن المعتبر الحاجة ، وأن تكون فيما دون خمسة أوسق في الصفقة الواحدة ، وعلى هذا فإذا كان عند الإنسان عائلة كبيرة أو كان رجلا مضيافًا يغشاه الناس واحتاج إلى أكثر من خمسة أوسق لكن اشترى من عدة بائعين فإن ذلك لا بأس به ، والدليل أن الرجل لو اشترى دون خمسة أوسق ثم أكلها هل يشتري أخرى أو لا يشتري ؟ يشتري ، إذًا فالمدار على الحاجة ، المدار على الحاجة لكن لا تبلغ خمسة أوسق في كل صفقة .
طيب ومن فوائد الحديث : أن العبرة بحاجة المشتري ، فإذا كان المحتاج البائع فهل نراعيه ؟
الطالب : لا يراعى .
الشيخ : إذا كان المحتاج البائع صاحب البستان هل نراعيه ولا لا ؟
الطالب : لا يراعى .
الشيخ : لا يراعى ؟! إي صاحب البستان يريد تمرا عنده عمال ما يأكلون إلا التمر ، ما يشترون الرطب وهو ما عنده ، هو ما عنده الآن ما عنده تمر قلنا له : اصبر حتى يتمر ، قال : هؤلاء العمال يجوعون ، بيتمر بعد شهرين أقول : انتظروا ، مُشكل فأنا محتاج ، فهل تقول : إن الشرع إذا أجاز للمشتري هذه الصفقة لحاجته للتفكه بالرطب ، فإجازته للبائع المحتاج للتمر لا تفكها من باب أولى ؟
الطالب : لا .
الشيخ : ولا واحد منكم يقول هكذا ؟
الطالب : الرطب أولى .
الشيخ : بس هذول عمال ما يعرفون الرطب .
الطالب : بعه واشتر الرطب .
الشيخ : طيب حتى هذا نقول بعه ، إذا كان المشتري محتاج للرطب نقول : بع التمر واشتر رطب ، على كل حال هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء نعم ، وكنت أظن أن تكونوا على قولين ، كعادتكم ، لكن سبحان الله هذا إجماع منكم على أنه ما يجوز ، زين الحمد لله ، إذًا فيه علماء الحمد لله ،
العلماء اختلفوا في هذا على قولين :
منهم من قال : إن هذه المسألة خرجت من القياس وخرجت عن العموم فلا يتعدى بها النص ، عرفتم ؟! والحاجة في الحديث لمن ؟
الطالب : للمشتري .
الشيخ : للمشتري فلا نتعدى النص .
ومنهم من قال: إن الشارع لا يفرق بين حاجة المشتري أو حاجة البائع فإذا كانت تجوز للمشتري من أجل التفكه بالرطب فجوازها للبائع من أجل حاجته للتمر من باب أولى .
نعم ، والمسألة لا شك أنها تعارضها المعنيان أو تجاذبها الدليلان ، دليل القياس الذي قد يكون جليا أو مساوياً ودليل الاقتصار على النص فيما ورد فيه التخصيص .
طيب على كل حال فيها قولان ، وما دمتم أنتم الآن عندكم قولان في هذه المسألة فهذا ما أقول لكم .
طيب زين والله أنا تردد فيها ، متردد قد نقول : إن هذه مسألة خرجت عن العموم وعن القياس فيقتصر فيها عما ورد به النص ، وإن كان هذا ستنقوضه علي في مسألة العنب والتين ، المهم -وقد نعم نعم - وقد أقول : بأن الرخصة يستوي فيها البائع والمشتري والإيرداد الذي أوردته صحيح ، فيه لا شك أنه قد يكون أن البائع هذا صاحب النخل محتاج إلى تمر ، يحتاج إلى تمر عمال عنده ، أما هو محتاج ولا هم محتاجين العمال ؟ يمكن لو أعطاهم الرطب يبدى العامل ياكل الرطب جميعا ولا يبالي ، لأن الرطب لين نعم وذا عامل تعبان ويأكل كثير ولو وجد تمرة فيها يبوسة يقعد يمضغها شوي نعم حتى يخف الأكل عليه ، على كل حال إن هذه الحاجة وادرة .
الطالب : ... .
الشيخ : لا لا ما هي بأقوى ، لأن التمر بتمر ما في فرق بس هذا طيب وهذا رديء .
طيب المهم اعرفوا هذا الخلاف الآن وأن كلا واحد من القولين له معنى يجلبه .
طيب فيه أيضا من فوائد هذا الحديث : " أنه إذا تعذر اليقين رجعنا إلى غلبة الظن " وهذه قاعدة معروفة في الفقه ، إذا تعذر اليقين رجعنا إلى غلبة الظن من يعرف مأخذها ؟
الطالب : أنا لا نستطيع كيلها فرجعنا للظن .
الشيخ : فرجعنا إلى الظن صح ، اعتبار الخرص وهو أمر ظني من أجل تعذر اليقين وهذا أمر مطرد ، أنه إذا تعذر رجعنا إلى غلبة الظن ، كذا ولا لا !؟ ولكن هذا الرجوع إلى غلبة الظن أمر مطرد ولا إيش ؟ يعني أحيانا نقول : ارجع إلى غلبة ظنك وأحيانا نقول : ارجع إلى اليقين ، أحيانا نقول : لا بد من اليقين ، فالظاهر لي بعد تتبع بعض المسائل أن ما كان من العبادات اكتفي فيه بغلبة الظن .