عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين ، فقال : ( من أسلف في ثمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم ) . متفق عليه ، وللبخاري : ( من أسلف في شيء ) . حفظ
الشيخ : يقول : " عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، وهم يسلفون في الثمار ) " :
قدم المدينة يعني في الهجرة ، وكان قدومه لها في السنة الثالثة عشرة من بعد البعثة ، وكلكم تعرفون أسباب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وكيف هاجر وقدم في ربيع الأول .
" وهم يسلفون " : الجملة هذه جملة حالية ، يعني : والحال أن أهل المدينة يسلفون في الثمار : أي : يقدمون فيها ، المقدِم المشتري ، والمقدَّم إليه البائع ولهذا يقال : أسلف في الثمر ، يعني قدم الثمن في الثمر الذي اشتراه ، فيأتي الفلاح إلى الرجل ويقول : أسلفني دراهم بتمر ، فيسلفه دراهم بتمر ، ينتفع الطرفان : الفلاح ينتفع بالدراهم يقضي بها حوائجه ، والتاجر ينتفع بزيادة بزيادة المبيع ، لأننا إذا قدرنا أن الثمر يباع الصاع بدرهم ، فسوف يأخذ الصاع في السلم بثلاثة أرباع درهم مثلا أو أربعة أخماس درهم ، أليس كذلك ؟
وليس من المعلوم عادة أن يُسلِم إلى شخص بالثمن الحاضر ، لأن الناس يريدون التجارة والربح من وراء المعاملات ، يعني مثلا : لا يمكن أن يسلم مئة درهم بمئة صاع والصاع يساوي درهما وقت الإسلاف ، ليش ؟
لأنه ليس له مصلحة ولا فائدة ، إنما يمكن أن يسلم خمسة وسبعين درهما بمئة صاع والصاع يساوي درهم ممكن هذا ولا لا ؟ فيربح يربح إيش ؟ خمسة وعشرين في المائة .
المهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقرهم ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( من أسلف في ثمر ) وفي لفظ : عندنا في تمر أظن ، تمر ، طيب مشكلة ما هي واضحة ، لكن فيه رواية اللفظ الثاني للبخاري : ( في شيء ) فيكون أعم .
( فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم ) ( في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم ) ، ( من أسلف ) : يعني قدم الثمن ، ( في شيء ) : هذا هو المثمن مؤخر ولا غير مؤخر ؟
الطالب : مؤخر .
الشيخ : من أين يؤخذ مؤخر ؟ من قوله : ( إلى أجل ) .
( فليسلف ) اللام هذه للأمر وهي جواب الشرط ، جواب من ، الجملة هذه جواب الشرط جواب مَن ، واقترنت هذه الجملة بالفاء لأنها طلبية ، وقد نظم في هذا البيت يقرؤها لنا حسن ، وين حسن ؟
بيت فيه بيان متى يجب ارتباط الجواب بالفاء لا لا ما هي بوصلية ، ها ؟ ما أقصد .
الطالب : ... .
الشيخ : ما هي إلا بيت واحد .
الطالب : " اسمية طلبية وبجامد *** وبما قد وبلن وبالتنفيس " .
الشيخ : البيت :
" اسمية طلبية وبجامد *** وبما قد وبلن وبالتنفيس " .
طيب وقوله : ( فليسلف ) اللام هذه للأمر يعني فليقدم ( في كيل معلوم ) ( في كيل معلوم ووزن معلوم ) : فحصر المسلف فيه إما مكيلا وإما موزونا .الثمار واضح أنها مكيلة لكن الوزن والثمار لا تكون موزونة ، فما الجواب عن هذا ؟
هل نقول : هذا يدل على أنه يجوز الإسلاف في المكيل وزنا ، أم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يعمم فيذكر ما يحتاج الناس إليه من الكيل ، وما قد يصدر من الشيء الموزون ؟
هذا محل خلاف ، الحديث محتمل ، والخلاف موجود بين العلماء .
قال : ( إلى أجل معلوم ) : الأجل المدة المتأخرة ، ( معلوم ) : يعني غير مجهول .
وقوله : ( إلى أجل معلوم ) : هل الشرط هنا منصب على قوله : (معلوم ) أو على الأمرين جميعا إلى أجل ومعلوم ؟
الطالب : على الأمرين .
الشيخ : نعم فيه أيضا خلاف ، فمنهم من قال : إن هذا منصب إلى قوله : ( معلوم ) : يعني إن كان مؤجلا فليكن إلى أجل معلوم .
ومنهم من قال : الشرط منصب على الموصوف والصفة ، الموصوف الذي هو الأجل والصفة التي هي معلوم .
فعلى القول الأول يجوز السلم حالا ، وعلى القول الثاني لا يجوز .
فهذا الحديث كما ترون فيه توسعة على المسلمين في معاملاتهم ، لأن هذا السَّلَم نوع من المعاملات التي فيها سعة للبائع والمشتري ، فيكون في هذا أو فيكون هذا فردًا من أفراد لا تحصى دالةٍ على أن هذه الشريعة سمحة موسعة ولله الحمد .