فوائد: ( أد الأمانة إلى من ائتمنك , ولا تخن من خانك ). حفظ
الشيخ : طيب هذا الحديث يستفاد منه فوائد :
منها وجوب أداء الأمانة ومن بينها العارية، وهذا وجه استشهاد المؤلف بهذا الحديث.
ومن فوائد الحدث أيضاً: أن الإنسان لا يَرد الأمانة إلا إلى من ائتمنه، فلا يردها إلى شخص آخر، إلا أن تقوم بينه أو قرينة فليفعل.
بيّنة: مثل أن يأتي شخص ببينة بأنه أمره صاحب الأمانة بأن يقبضها، فهنا يتعين أن تُرد إليه بالبينة .
القرينة مثل أن يردها على من يحفظ ماله عادة كرجل استعار مِن شخصٍ إناءً ثم عاد فقرع بيته فسأل عنه، قالوا: إنه في السوق، فأعطاه أهل البيت، أعطى الإناء الذي استعاره أهل البيت، يبرأ بذلك؟
نعم يبرأ، لأن هذا هو ما جرت به العادة، ولا يلزمه أن يذهب ويتطلب هذا الرجل.
من فوائد هذا الحديث: تحريم الخيانة مطلقًا لقوله: ( لا تخن من خانك )، أما تحريم الخيانة لمن خانك فهو منطوق الحديث، وأما تحريم الخيانة ممن لم يخنك، فلأن هذا من باب أولى.
وما كان من باب أولى فقد اختلف العلماء هل هو داخل في المنطوق دخولًا لفظيًا، ويكون ذكر الأدنى تنبيهًا على ما فوقه، أو هو داخل بالقياس، فيكون اللفظ لا يتناوله لكن تناوله من حيث المعنى، لأن القياس الجلي الذي يكون فيه المقيس أولى بالحكم من المقيس عليه، لا شك أنه داخل في ضمن اللفظ من حيث المعنى.
على كل حال: إذا كان الحديث يدل على تحريم الخيانة لمن خانك فإنه يدل على تحريم الخيانة .
من العلماء، أخذ بظاهر الآية وأعلّ الحديث وقال: إن الحديث ضعيف ولم يأخذ به، ولكن هذا ليس بسديد، والجمع بينهما أن نقول: إن العدوان ليس فيه ائتمان، المعتدي عليك اعتدى عدوانًا ظاهرًا، لكن الذي ائتمنك لا يجوز أن تعتدي عليه في مقابل أنه خانك، لأن مقتضى الأمانة دفع الخيانة، وأنت أمين فليس هذا من باب : (( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم )) .
فإن قال قائل: ما الجمع بين هذا الحديث وبين حديث هند بنت عُتبة حين شكت زوجها أبا سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: ( إنه لا يعطيني ما يكفيني وولدي، فقال: خُذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ) ؟
فالجواب على ذلك أن نقول: هذا ليس فيه ائتمان، فأبو سفيان لم يأتمنها على ماله، لكن هي أخذت قدر حقها الواجب عليه من ماله بدون ائتمان، وهناك فرق بين رجل يأخذ ما يجب له بدون ائتمان، وبين شخص ائتمنه غيره فخان الأمانة.
يبقى النظر إذا قال قائل: إذا قلتم بهذا فقولوا من كان له على شخص دين وقدر على شيء مِن ماله، فله أن يأخذ بمقدار دينه، لأن المدين لم يأتمنه فهو يأخذ من ماله بقدر دينه، كما أذن النبي صلى الله عليه وسلم لهند أن تأخذ من مال زوجها بدون علمه ؟
فالجواب: أنَّ هذه المسألة يُعبّر عنها عند أهل العلم بمسألة الظَّفَر، يعني: الذي يظفر بمال شخص له عليه حق هل يأخذ بقدر حقه أو لا ؟ وهذه المسألة فيها أربعة أقوال للعلماء:
القول الأول: المنع مطلقًا، واستدلوا عليه بهذا الحديث.
القول الثاني: الجواز مطلقًا، واستدلوا عليه بالآية: (( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم )) ، حتى إن ابن حزم -رحمه الله- قال: " يجب أن تأخذ من ماله بمقدار ما لك، لأن الله أمر قال: (( فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم )) " ، لكن هذه من شذوذاته ، لأن قوله : فاعتدوا : ليس على سبيل الوجوب بل على سبيل الإذن والإباحة ، ولهذا لو أسقطت حقك وسمحت ، كان هذا جائزًا بالاتفاق ، على كل حال: هذا قول .