فوائد حديث :( حق المسلم على المسلم ستٌ ... ). حفظ
الشيخ : من فوائد الحديث: بيان شيء من حقوق المسلم على أخيه وهي ستة أشياء كما ذكر النبي عليه الصلاة والسلام هنا.
ومن فوائد الحديث: أن للإنسان حقوقا تثبت للمسلمين بعضهم على بعض، وذلك من أجل روابط الأخوة ووشائج الصلة حتى يكون بعضهم قائمًا بحقوق أخيه فيحصل الالتئام والائتلاف.
ومنها: أن مِن حق المسلم على أخيه: إذا لقيه أن يسلم عليه، وهل هذا الحق واجب أو لا؟
الجواب: ليس بواجب، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في الهجر فيما دون ثلاث فقال: ( لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ) ، وعلى هذا فليس ابتداء السلام واجباً ما لم يصل إلى حد الهجر.
ومنها: أنه لا حق لغير المسلم في السلام عليه، لقوله: ( حق المسلم على المسلم ) : ولكن هل يجوز للمسلم أن يبدأ غيره بالسلام؟
الجواب: لا ، لا يجوز للمسلم أن يبدأ غير المسلم بالسلام، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى أن نبدأهم به، فقال: ( لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام ) .
ولكن إذا سلم الكافر وجب الرد عليه لقوله تعالى: (( وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا )) يعني: على الأقل ردها.
وهل يرد بمثله؟ يعني غير المسلم يرد بمثله أو أكثر أو أقل؟
أما أقل فلا يجوز، وأما مثله فجائز، وأما الزيادة فالأظهر عدم جوازها، لأنه إذا كان لا يجوز الابتداء بالسلام فإن الزيادة بمنزلة الابتداء، لأن فيها زيادة إكرام وتعظيم واحترام، إذن يردُّ عليه بإيش؟
بالمثل.
طيب فإذا قال: السلام عليكم، فقل: عليكم السلام، هذا هو المثل، وأما إذا قال: السام عليكم، فقل: وعليكم، ولا تقل: وعليكم السام، وإن كان قولك: وعليكم السام هو العدل، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: ( قولوا: وعليكم )، ويحتمل أنه إذا صرح بقوله: السام عليكم أن لك أن تصرح وتقول: عليك السام، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: ( إن اليهود إذا سلموا قالوا: السام عليكم، فقولوا: وعليكم )، وهذا يدل على أن اقتصار المسلم على ما ليس فيه أذى هو الأولى، لأن هذا من خُلق المسلم إذا قال: السام عليكم تقول: وعليكم.
أما إذا كان لم يصرح أو لم يفصح بقول: السام أو السلام، فالواجب أن يقال: إيش؟
وعليكم، وجوبًا لا يزيد، لا يقول: عليكم السلام ولا وعليكم السلام، لأنه يحتمل أنه قال: السام، ويحتمل أنه قال: السلام، فأنت تقول: وعليكم، إن كان قال السام فعليه السام، وإن كان قال السلام فعليه السلام.
ومن فوائد الحديث: أن مطلق السلام كافي، -أنت معنا- مطلق السلام الحديث: ( إذا لقيته فسلم عليه )، ولم يذكر الصيغة، فهل الأولى أن تقول: سلامٌ عليك، أو السلام عليك، أو سلام عليكم، أو السلام عليكم؟
بمعنى هل الأفضل جمع الكاف أو الأفضل إفرادها، وهل الأفضل التنكير أو التعريف؟
في هذا خلاف بين العلماء، والأظهر: أن الأفضل التعريف مع الإفراد أن تقول: السلام عليك، ويجوز أن تقول: السلام عليكم، إما تعظيمًا له إن كان أهلاً للتعظيم، وإما للإشارة إلى من معه من الملائكة.
ويجوز سلامٌ عليك، أو سلامٌ عليكم بالتنكير، لأنه ورد السلام وورد سلام بالتنكير، واختار فقهاء أصحابنا -رحمهم الله- أن التعريف أفضل، السلام عليكم، وهذا هو الذي جاء في القرآن: (( وَالسَّلَامُ عَلَى مَن اتَّبَعَ الهُدى )). وكان الرسول عليه الصلاة والسلام نعم يقول: ( السلام على من اتبع الهدى )، وقال في زيارة القبور: ( السلام عليكم دار قوم مؤمنين ).
ومن ذلك: ( إذا لقيته فسلم عليه ): ظاهر الحديث أن تبدأ بالسلام، ولو كان أكبر منك أو أقل أو أصغر أو أكثر أو أقل، وهذا هو الحق، أن الأفضل أن تبدأ بالسلام حَتّى وإن كان دون منك، لأنه إذا أضاع ما هو حق عليه فلا تُضع أنت السُنة كلها، وإلا فإن الأفضل أن يسلم الصغير على الكبير، والقليل على الكثير، والراكب على الماشي، والماشي على القاعد، لكن لو فرض أن واحداً منهم لم يقم بما ينبغي أن يقوم به فلا تدع السُنة، لا تقل: والله الحق عليه هو الذي يسلم، خيرهما الذي يبدأ بالسلام، سواء كان صغيرًا أو كبيرًا.
قال : ( وإذا دعاك فأجبه ):
يستفاد من هذا الحديث : أنه إذا دعاك أخوك المسلم فإنك تجيبه، وهل هذا على سبيل الوجوب أو لا؟
نقول: أكثر العلماء على أنه ليس على سبيل الوجوب إلا في وليمة العُرس أول مرة.
واختار بعض العلماء أن ذلك على سبيل الوجوب لظاهر الأمر، ولظاهر كونه حقًا، وإنما قلنا في السلام إنه على سبيل الاستحباب لوجود أدلة تدل على أنه إيش؟ ليس للوجوب.
والأظهر أن الإجابة ليست واجبة إلا في وليمة العُرس، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيها: ( ومن لم يجب فقد عصى الله ورسوله ).
وظاهر الحديث: الوجوب مطلقًا لكنه يجب أن يقيد بما دلت عليه النصوص، منها:
أولًا: ألا تعلم أنه دعاك إلى وليمة محرمة، كما لو عرفت أن هذا قاطع طريق يسرق أموال الناس ويأخذ أموال الناس ثم يدعوهم إليها، فهذا لا تجبه ويحرم عليك إجابته.
ثانيًا: ألا تعلم أن في الدعوة منكرًا، فإن علمت أن في الدعوة منكراً نظرنا:
إن كنت تستطيع أن تزيله وجب عليك الحضور لسببين هما:
إجابة الدعوة إذا قلنا بالوجوب. والثاني: إزالة المنكر.
وإن كنت لا تقدر حرُم عليك الإجابة، لأنك لو أجبت إلى دعوة فيها منكر لا تستطيع إزالته وجلست معهم كنت شريكهم في الإثم، بدليل قوله تعالى: (( وَقَدْ نزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ )).
( وإذا دعاك فأجبه ) : طيب ظاهر الحديث ( إذا دعاك فأجبه ): أنه لا فرق بين أن يكون الداعي كبيراً أو صغيرًا ما دام يصح أن يتصرف، فإذا دعاك إنسان مراهق يعني قد بلغ وتصرفه صحيح فأجبه ولا مانع.
طيب وإذا دعاك باسم أبيه فهل تجبه ولو كان صغيرًا؟
الطالب : نعم .
الشيخ : نعم ، لأنه نائب عن أبيه ، وكثيرًا ما يرسل الإنسان أولاده الصغار إلى جيرانه أو أصحابه ويقول: تفضلوا مثلاً.
ومن فوائد الحديث: وجوب نصيحته إذا استنصحك، يعني إن طلب منك النصح بمشورة أو غير مشورة وجب عليك أن تنصح له، يعني أن تذكر له ما هو الأكمل والأفضل.
فإن تساوى عندك أمران أحدهما فاضل، والثاني أفضل، فالواجب إيش؟
أن تنصح بالأفضل، لا تقصر على أدنى شيء، الواجب أن تنصح بالأفضل.
طيب إذا لم يستنصحك بقوله ولكن استنصحك بفعله، بأن تعلم أن الرجل سيقدم على أمرٍ يضره حاضراً أو مستقبلاً، وأنت تعلم هذا، وتعلم أنه يفرح إذا أهديت إليه النصيحة، فهنا تجب النصيحة أو لا؟
الطالب : نعم .
الشيخ : تجب ، لأن هذا وإن لم يستنصحك بالقول فإنه قد استنصحك بالفعل، ( وإذا استنصحك فانصحه ).
طيب إذا استنصحك فى أمر وأنت لا تعرف هذا الأمر فهل تتخبط وتقول: أظن لو فعلت كذا لكان كذا، أو لو فعلت كذا لكان كذا، أو يجب عليك أن تتوقف؟
الطالب : الثاني .
الشيخ : نعم الثاني ، الواجب أن تتوقف، لأن هذا مقتضى النصيحة، إذ قد تنصحه بشيء يكون ضررًا عليه.
من فوائد الحديث: أنه إذا عطس فحمد الله فتشمته.
ومفهوم الحديث من فوائده: أنه إذا لم يحمد الله فلا تشمته، وسبق معنى التشميت أن تقول له: يرحمك الله إلى ثلاث مرات، فإذا شمته ثلاث مرات وعطس فى الرابعة فقل له: ( عافاك الله إنك مزكوم ).
وقوله: ( إِذَا عطس فشمته ) : هل الأمر هنا للوجوب، يعنى: هل هنا الحق واجب؟
الجواب: نعم، هو واجب، لكن هل هو واجب على الكفاية أو واجب عيني؟ اختلف العلماء في ذلك بناءً على قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إذَا عطس المسلم أو قال: المؤمن فقَالَ: الحمد لله كان حقا على كل مَنْ سمعه أن يقول: يرحمك الله ).
( كان حقاً على كل من سمعه أن يقول: يرحمك الله ).
فظاهر هذا الحديث: أن التشميت واجب لقوله: ( كان حقا ) وأنه عيني، لقوله: ( على كل من سمعه ).
ولكن أكثر العلماء يقولون: إنه فرض كفاية.
ومن فوائد هذا الحديث: - في هذه الجملة -: جواز التعزير بترك المحبوب، من أين؟
السائل : ...
الشيخ : أنه لما لم يَحمد عُزر بترك الدعاء له، والتعزير كما يكون بفوات المحبوب، يكون أيضًا بحصول المكروه.
قلنا: إذا عطس ولم يحمد فلا تشمته ولكن هل تذكره؟
الظاهر لا، أنه إذا لم يحمد ولو ناسيًا فلا تذكره، هل تعلمه إذا كان جاهلاً؟
الطالب : نعم .
الشيخ : الظاهر نعم، لأنك إذا عرفت أن هذا الرجل ما ترك الحمد إلا جهلاً فعلمه، وفي هذه الحال إذا علمته فقال: الحمد لله هل يجب أن تشمته؟
نقول: الرجل عطس وحمد الله فشمته، فيكون لك أجر من جهتين:
من جهة أنك إيش؟
الطالب : علمته.
الشيخ : علمته ومن جهة أنك شمته.
طيب إذا عطس اثنان وحمدا جميعًا فكيف نشمتهما؟
يرحمكما الله، وإن حمد أحدهما أولا فشمته أولاً، ثم الثاني، وإن عطس أحدهما أولاً ولكن حمد آخرًا فهل العبرة بعطاسه أو بحمده؟
الطالب : بحمده .
الشيخ : بحمده طيب.
ومن فوائد الحديث: أن من حق المسلم على أخيه أن يعوده إذا مرض لقوله: ( وإذا مرض فعده ) وهل هذا واجب أو لا؟
أكثر العلماء على أنه سنة، لجميع الناس، والصواب أنه واجب كفائي، وأنه يجب للواحد من المسلمين أن يعوده المسلمون، وألا يتركوه، لأن هذا انفصام والعياذ بالله انفصام عُرى بين المسلم وأخيه، أخوك له مدة منحبس في بيته من المرض لا يعوده أحد من الناس! فالصواب: أن عوده أو أن عيادته فرض كفاية، إذا علمت أن أحداً لم يأت من الناس وجب عليك أن تذهب أنت بنفسك وتعوده.
ومن فوائده: أنه إذا مرض مرضاً لا يقعده فإن إعادته ليست حقّا علينا، وجه ذلك: أن العيادة إنما تكون لمنحبس وأما من كان يمشي مع الناس ويذهب ويجيء، لكن في عينه مرض أو في وجهه جرح أو ما أشبه ذلك، فهذا لا يُعاد، إنما يُعاد مَن انحبس.
ولم يَذكر في هذا الحديث ماذا عليه عند العيادة هل يخفف العيادة أو يتباطأ فيها؟ هل يتكلم فيها؟ هل يسكت؟
يقال: يُراعى في ذلك حال المريض، إذا كان المريض يأنس لك، وتعرف أنه منشرح صدره وأنه يحب أن تبقى ويحب أن تحدثه فالأفضل أن تجلس وتحدثه، وأما إذا عرفت أنه قلق وأنه يحب أن ينفرد بأهله دون غيرهم من الناس فالأفضل التخفيف، كذلك أيضاً إذا رأيت مثلاً من المناسبة أن تتلو عليه آيات تحثه على الصبر، وتبين له ثواب الصابرين، والأحاديث كذلك فافعل، فإن رأيت أنه يحب السواليف وتذكر يوم كنا كذا ويوم كنا كذا ويوم قال فلان كذا ويوم قال كذا فاعمل ما يدخل السرور عليه ، هذا أهم شيء، طيب.
ومن فوائد الحديث: وجوب اتباع المسلم إذا مات.
-طيب بقينا قبل أن أنتقل- ( حق المسلم على المسلم إذا مرض أن يعوده ) : فهل يعود غير المسلم؟
الجواب: فيه تفصيل إن كان في ذلك مصلحة فلا بأس أن يعوده، مثل أن يكون هذا المريض من غير المسلمين قريبًا إلى الإسلام وأن الإنسان إذا ذهب وعرض عليه الإسلام فربما يُسلم فهنا نقول: عيادتك هنا مطلوبة من أجل ما يترتب عليها من المصلحة والنبي صلى الله عليه وسلم عاد عمه وهو في مرضه، وعاد يهوديا في المدينة وهو في مرضه وعرض عليه الإسلام فأسلم، فإذا علمت أنك إذا ذهبت إلى هذا الكافر وعرضت عليه الإسلام أنه قريب فافعل، وإلا فلا تعده إلا إذا كانت عيادته من صلة الرحم فعده، لأن صلة الرحم حق لمن كان مسلمًا ومَن كان كافراً، لقوله تعالى في الوالدين: (( وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا )).
ومن فوائد الحديث: أن من حق المسلم إذا مات أن نتبعه لقوله: ( وإذا مات فاتبعه )، واتباع النازة إيش؟
فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، ودليل هذا من السُنة كثير .
( مُر بجنازة على النبى صلى الله عليه وسلم وهو جالس بأصحابه فأثنوا عليها خيراً فقال: وجبت، وأخرى أثنوا عليها شرا فقال: وجبت، ولم يذكر أنه قام واتبعها )، والشواهد على هذا كثيرة، أن اتباع الجنائز فرض كفاية وليس بواجب على العين.
مما يتعلق باتباع الجنازة أن متبع الجنازة له أجر، ( إن شهدها حتى يصلي عليها فله قيراط، وإن شهدها حتّى تُدفن فله قيراطان، قيل: وما القيراطان يا رسول الله؟ قال: مثل الجبلين العظيمين أصغرها مثل أحد).
طيب إذا كان مع الجنازة منكر مثل أن يكون التابعون لها أو المشيعون لها يصطحبون ما يسمونه بالموسيقى الحزينة وما أشبه ذلك، يعني حتى الموسيقى بدأت تكون فرحة وحزينة إذا كان معه موسيقى حزينة ولا يمكنك أن تغيره هل تتبع ؟ لا ، لا تتبعه، لأن كل شيء فيه منكر لا يمكنك تغييره، فإن حضوره حرام عليك. ( وإذا مات فاتبعه ).
ومما يتعلق باتباع الجنازة أنه ينبغي لمن يتبع الجنازة أن يكون مفكرا في مآله متعظا بما يشاهد، فهذا الرجل الذي اليوم محمول على الأكتاف، كان بالأمس هو يحمل الناس على كتفه، وهذا الرجل الذي كان أمس يمشي على ظهر الأرض هو الآن سوف يُدفن في باطن الأرض، وهل أنت بعيد من ذلك؟
لا تدري ربما لا يمضي سويعات إلا وقد فعل بك ما فعل به.
فالذي ينبغي لتابع الجنازة أن يتعظ في أمره وفي مآله، خلافا لبعض الناس الذينَ إذا اتبعوا جنازة صاروا يقهقهون ويتحدثون في أمور الدنيا، ويش بعت اليوم؟ ويش اشتريت؟ ويش أكلت ويش شربت؟ ما أحسن هذا الثوب من أين شريته طيب وما أشبه ذلك، غلط، المقام لا يقتضي هذا ولكل مقام مقال.
ومن فوائد الحديث: أن للإنسان حقوقا تثبت للمسلمين بعضهم على بعض، وذلك من أجل روابط الأخوة ووشائج الصلة حتى يكون بعضهم قائمًا بحقوق أخيه فيحصل الالتئام والائتلاف.
ومنها: أن مِن حق المسلم على أخيه: إذا لقيه أن يسلم عليه، وهل هذا الحق واجب أو لا؟
الجواب: ليس بواجب، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في الهجر فيما دون ثلاث فقال: ( لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ) ، وعلى هذا فليس ابتداء السلام واجباً ما لم يصل إلى حد الهجر.
ومنها: أنه لا حق لغير المسلم في السلام عليه، لقوله: ( حق المسلم على المسلم ) : ولكن هل يجوز للمسلم أن يبدأ غيره بالسلام؟
الجواب: لا ، لا يجوز للمسلم أن يبدأ غير المسلم بالسلام، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى أن نبدأهم به، فقال: ( لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام ) .
ولكن إذا سلم الكافر وجب الرد عليه لقوله تعالى: (( وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا )) يعني: على الأقل ردها.
وهل يرد بمثله؟ يعني غير المسلم يرد بمثله أو أكثر أو أقل؟
أما أقل فلا يجوز، وأما مثله فجائز، وأما الزيادة فالأظهر عدم جوازها، لأنه إذا كان لا يجوز الابتداء بالسلام فإن الزيادة بمنزلة الابتداء، لأن فيها زيادة إكرام وتعظيم واحترام، إذن يردُّ عليه بإيش؟
بالمثل.
طيب فإذا قال: السلام عليكم، فقل: عليكم السلام، هذا هو المثل، وأما إذا قال: السام عليكم، فقل: وعليكم، ولا تقل: وعليكم السام، وإن كان قولك: وعليكم السام هو العدل، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: ( قولوا: وعليكم )، ويحتمل أنه إذا صرح بقوله: السام عليكم أن لك أن تصرح وتقول: عليك السام، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: ( إن اليهود إذا سلموا قالوا: السام عليكم، فقولوا: وعليكم )، وهذا يدل على أن اقتصار المسلم على ما ليس فيه أذى هو الأولى، لأن هذا من خُلق المسلم إذا قال: السام عليكم تقول: وعليكم.
أما إذا كان لم يصرح أو لم يفصح بقول: السام أو السلام، فالواجب أن يقال: إيش؟
وعليكم، وجوبًا لا يزيد، لا يقول: عليكم السلام ولا وعليكم السلام، لأنه يحتمل أنه قال: السام، ويحتمل أنه قال: السلام، فأنت تقول: وعليكم، إن كان قال السام فعليه السام، وإن كان قال السلام فعليه السلام.
ومن فوائد الحديث: أن مطلق السلام كافي، -أنت معنا- مطلق السلام الحديث: ( إذا لقيته فسلم عليه )، ولم يذكر الصيغة، فهل الأولى أن تقول: سلامٌ عليك، أو السلام عليك، أو سلام عليكم، أو السلام عليكم؟
بمعنى هل الأفضل جمع الكاف أو الأفضل إفرادها، وهل الأفضل التنكير أو التعريف؟
في هذا خلاف بين العلماء، والأظهر: أن الأفضل التعريف مع الإفراد أن تقول: السلام عليك، ويجوز أن تقول: السلام عليكم، إما تعظيمًا له إن كان أهلاً للتعظيم، وإما للإشارة إلى من معه من الملائكة.
ويجوز سلامٌ عليك، أو سلامٌ عليكم بالتنكير، لأنه ورد السلام وورد سلام بالتنكير، واختار فقهاء أصحابنا -رحمهم الله- أن التعريف أفضل، السلام عليكم، وهذا هو الذي جاء في القرآن: (( وَالسَّلَامُ عَلَى مَن اتَّبَعَ الهُدى )). وكان الرسول عليه الصلاة والسلام نعم يقول: ( السلام على من اتبع الهدى )، وقال في زيارة القبور: ( السلام عليكم دار قوم مؤمنين ).
ومن ذلك: ( إذا لقيته فسلم عليه ): ظاهر الحديث أن تبدأ بالسلام، ولو كان أكبر منك أو أقل أو أصغر أو أكثر أو أقل، وهذا هو الحق، أن الأفضل أن تبدأ بالسلام حَتّى وإن كان دون منك، لأنه إذا أضاع ما هو حق عليه فلا تُضع أنت السُنة كلها، وإلا فإن الأفضل أن يسلم الصغير على الكبير، والقليل على الكثير، والراكب على الماشي، والماشي على القاعد، لكن لو فرض أن واحداً منهم لم يقم بما ينبغي أن يقوم به فلا تدع السُنة، لا تقل: والله الحق عليه هو الذي يسلم، خيرهما الذي يبدأ بالسلام، سواء كان صغيرًا أو كبيرًا.
قال : ( وإذا دعاك فأجبه ):
يستفاد من هذا الحديث : أنه إذا دعاك أخوك المسلم فإنك تجيبه، وهل هذا على سبيل الوجوب أو لا؟
نقول: أكثر العلماء على أنه ليس على سبيل الوجوب إلا في وليمة العُرس أول مرة.
واختار بعض العلماء أن ذلك على سبيل الوجوب لظاهر الأمر، ولظاهر كونه حقًا، وإنما قلنا في السلام إنه على سبيل الاستحباب لوجود أدلة تدل على أنه إيش؟ ليس للوجوب.
والأظهر أن الإجابة ليست واجبة إلا في وليمة العُرس، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيها: ( ومن لم يجب فقد عصى الله ورسوله ).
وظاهر الحديث: الوجوب مطلقًا لكنه يجب أن يقيد بما دلت عليه النصوص، منها:
أولًا: ألا تعلم أنه دعاك إلى وليمة محرمة، كما لو عرفت أن هذا قاطع طريق يسرق أموال الناس ويأخذ أموال الناس ثم يدعوهم إليها، فهذا لا تجبه ويحرم عليك إجابته.
ثانيًا: ألا تعلم أن في الدعوة منكرًا، فإن علمت أن في الدعوة منكراً نظرنا:
إن كنت تستطيع أن تزيله وجب عليك الحضور لسببين هما:
إجابة الدعوة إذا قلنا بالوجوب. والثاني: إزالة المنكر.
وإن كنت لا تقدر حرُم عليك الإجابة، لأنك لو أجبت إلى دعوة فيها منكر لا تستطيع إزالته وجلست معهم كنت شريكهم في الإثم، بدليل قوله تعالى: (( وَقَدْ نزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ )).
( وإذا دعاك فأجبه ) : طيب ظاهر الحديث ( إذا دعاك فأجبه ): أنه لا فرق بين أن يكون الداعي كبيراً أو صغيرًا ما دام يصح أن يتصرف، فإذا دعاك إنسان مراهق يعني قد بلغ وتصرفه صحيح فأجبه ولا مانع.
طيب وإذا دعاك باسم أبيه فهل تجبه ولو كان صغيرًا؟
الطالب : نعم .
الشيخ : نعم ، لأنه نائب عن أبيه ، وكثيرًا ما يرسل الإنسان أولاده الصغار إلى جيرانه أو أصحابه ويقول: تفضلوا مثلاً.
ومن فوائد الحديث: وجوب نصيحته إذا استنصحك، يعني إن طلب منك النصح بمشورة أو غير مشورة وجب عليك أن تنصح له، يعني أن تذكر له ما هو الأكمل والأفضل.
فإن تساوى عندك أمران أحدهما فاضل، والثاني أفضل، فالواجب إيش؟
أن تنصح بالأفضل، لا تقصر على أدنى شيء، الواجب أن تنصح بالأفضل.
طيب إذا لم يستنصحك بقوله ولكن استنصحك بفعله، بأن تعلم أن الرجل سيقدم على أمرٍ يضره حاضراً أو مستقبلاً، وأنت تعلم هذا، وتعلم أنه يفرح إذا أهديت إليه النصيحة، فهنا تجب النصيحة أو لا؟
الطالب : نعم .
الشيخ : تجب ، لأن هذا وإن لم يستنصحك بالقول فإنه قد استنصحك بالفعل، ( وإذا استنصحك فانصحه ).
طيب إذا استنصحك فى أمر وأنت لا تعرف هذا الأمر فهل تتخبط وتقول: أظن لو فعلت كذا لكان كذا، أو لو فعلت كذا لكان كذا، أو يجب عليك أن تتوقف؟
الطالب : الثاني .
الشيخ : نعم الثاني ، الواجب أن تتوقف، لأن هذا مقتضى النصيحة، إذ قد تنصحه بشيء يكون ضررًا عليه.
من فوائد الحديث: أنه إذا عطس فحمد الله فتشمته.
ومفهوم الحديث من فوائده: أنه إذا لم يحمد الله فلا تشمته، وسبق معنى التشميت أن تقول له: يرحمك الله إلى ثلاث مرات، فإذا شمته ثلاث مرات وعطس فى الرابعة فقل له: ( عافاك الله إنك مزكوم ).
وقوله: ( إِذَا عطس فشمته ) : هل الأمر هنا للوجوب، يعنى: هل هنا الحق واجب؟
الجواب: نعم، هو واجب، لكن هل هو واجب على الكفاية أو واجب عيني؟ اختلف العلماء في ذلك بناءً على قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إذَا عطس المسلم أو قال: المؤمن فقَالَ: الحمد لله كان حقا على كل مَنْ سمعه أن يقول: يرحمك الله ).
( كان حقاً على كل من سمعه أن يقول: يرحمك الله ).
فظاهر هذا الحديث: أن التشميت واجب لقوله: ( كان حقا ) وأنه عيني، لقوله: ( على كل من سمعه ).
ولكن أكثر العلماء يقولون: إنه فرض كفاية.
ومن فوائد هذا الحديث: - في هذه الجملة -: جواز التعزير بترك المحبوب، من أين؟
السائل : ...
الشيخ : أنه لما لم يَحمد عُزر بترك الدعاء له، والتعزير كما يكون بفوات المحبوب، يكون أيضًا بحصول المكروه.
قلنا: إذا عطس ولم يحمد فلا تشمته ولكن هل تذكره؟
الظاهر لا، أنه إذا لم يحمد ولو ناسيًا فلا تذكره، هل تعلمه إذا كان جاهلاً؟
الطالب : نعم .
الشيخ : الظاهر نعم، لأنك إذا عرفت أن هذا الرجل ما ترك الحمد إلا جهلاً فعلمه، وفي هذه الحال إذا علمته فقال: الحمد لله هل يجب أن تشمته؟
نقول: الرجل عطس وحمد الله فشمته، فيكون لك أجر من جهتين:
من جهة أنك إيش؟
الطالب : علمته.
الشيخ : علمته ومن جهة أنك شمته.
طيب إذا عطس اثنان وحمدا جميعًا فكيف نشمتهما؟
يرحمكما الله، وإن حمد أحدهما أولا فشمته أولاً، ثم الثاني، وإن عطس أحدهما أولاً ولكن حمد آخرًا فهل العبرة بعطاسه أو بحمده؟
الطالب : بحمده .
الشيخ : بحمده طيب.
ومن فوائد الحديث: أن من حق المسلم على أخيه أن يعوده إذا مرض لقوله: ( وإذا مرض فعده ) وهل هذا واجب أو لا؟
أكثر العلماء على أنه سنة، لجميع الناس، والصواب أنه واجب كفائي، وأنه يجب للواحد من المسلمين أن يعوده المسلمون، وألا يتركوه، لأن هذا انفصام والعياذ بالله انفصام عُرى بين المسلم وأخيه، أخوك له مدة منحبس في بيته من المرض لا يعوده أحد من الناس! فالصواب: أن عوده أو أن عيادته فرض كفاية، إذا علمت أن أحداً لم يأت من الناس وجب عليك أن تذهب أنت بنفسك وتعوده.
ومن فوائده: أنه إذا مرض مرضاً لا يقعده فإن إعادته ليست حقّا علينا، وجه ذلك: أن العيادة إنما تكون لمنحبس وأما من كان يمشي مع الناس ويذهب ويجيء، لكن في عينه مرض أو في وجهه جرح أو ما أشبه ذلك، فهذا لا يُعاد، إنما يُعاد مَن انحبس.
ولم يَذكر في هذا الحديث ماذا عليه عند العيادة هل يخفف العيادة أو يتباطأ فيها؟ هل يتكلم فيها؟ هل يسكت؟
يقال: يُراعى في ذلك حال المريض، إذا كان المريض يأنس لك، وتعرف أنه منشرح صدره وأنه يحب أن تبقى ويحب أن تحدثه فالأفضل أن تجلس وتحدثه، وأما إذا عرفت أنه قلق وأنه يحب أن ينفرد بأهله دون غيرهم من الناس فالأفضل التخفيف، كذلك أيضاً إذا رأيت مثلاً من المناسبة أن تتلو عليه آيات تحثه على الصبر، وتبين له ثواب الصابرين، والأحاديث كذلك فافعل، فإن رأيت أنه يحب السواليف وتذكر يوم كنا كذا ويوم كنا كذا ويوم قال فلان كذا ويوم قال كذا فاعمل ما يدخل السرور عليه ، هذا أهم شيء، طيب.
ومن فوائد الحديث: وجوب اتباع المسلم إذا مات.
-طيب بقينا قبل أن أنتقل- ( حق المسلم على المسلم إذا مرض أن يعوده ) : فهل يعود غير المسلم؟
الجواب: فيه تفصيل إن كان في ذلك مصلحة فلا بأس أن يعوده، مثل أن يكون هذا المريض من غير المسلمين قريبًا إلى الإسلام وأن الإنسان إذا ذهب وعرض عليه الإسلام فربما يُسلم فهنا نقول: عيادتك هنا مطلوبة من أجل ما يترتب عليها من المصلحة والنبي صلى الله عليه وسلم عاد عمه وهو في مرضه، وعاد يهوديا في المدينة وهو في مرضه وعرض عليه الإسلام فأسلم، فإذا علمت أنك إذا ذهبت إلى هذا الكافر وعرضت عليه الإسلام أنه قريب فافعل، وإلا فلا تعده إلا إذا كانت عيادته من صلة الرحم فعده، لأن صلة الرحم حق لمن كان مسلمًا ومَن كان كافراً، لقوله تعالى في الوالدين: (( وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا )).
ومن فوائد الحديث: أن من حق المسلم إذا مات أن نتبعه لقوله: ( وإذا مات فاتبعه )، واتباع النازة إيش؟
فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، ودليل هذا من السُنة كثير .
( مُر بجنازة على النبى صلى الله عليه وسلم وهو جالس بأصحابه فأثنوا عليها خيراً فقال: وجبت، وأخرى أثنوا عليها شرا فقال: وجبت، ولم يذكر أنه قام واتبعها )، والشواهد على هذا كثيرة، أن اتباع الجنائز فرض كفاية وليس بواجب على العين.
مما يتعلق باتباع الجنازة أن متبع الجنازة له أجر، ( إن شهدها حتى يصلي عليها فله قيراط، وإن شهدها حتّى تُدفن فله قيراطان، قيل: وما القيراطان يا رسول الله؟ قال: مثل الجبلين العظيمين أصغرها مثل أحد).
طيب إذا كان مع الجنازة منكر مثل أن يكون التابعون لها أو المشيعون لها يصطحبون ما يسمونه بالموسيقى الحزينة وما أشبه ذلك، يعني حتى الموسيقى بدأت تكون فرحة وحزينة إذا كان معه موسيقى حزينة ولا يمكنك أن تغيره هل تتبع ؟ لا ، لا تتبعه، لأن كل شيء فيه منكر لا يمكنك تغييره، فإن حضوره حرام عليك. ( وإذا مات فاتبعه ).
ومما يتعلق باتباع الجنازة أنه ينبغي لمن يتبع الجنازة أن يكون مفكرا في مآله متعظا بما يشاهد، فهذا الرجل الذي اليوم محمول على الأكتاف، كان بالأمس هو يحمل الناس على كتفه، وهذا الرجل الذي كان أمس يمشي على ظهر الأرض هو الآن سوف يُدفن في باطن الأرض، وهل أنت بعيد من ذلك؟
لا تدري ربما لا يمضي سويعات إلا وقد فعل بك ما فعل به.
فالذي ينبغي لتابع الجنازة أن يتعظ في أمره وفي مآله، خلافا لبعض الناس الذينَ إذا اتبعوا جنازة صاروا يقهقهون ويتحدثون في أمور الدنيا، ويش بعت اليوم؟ ويش اشتريت؟ ويش أكلت ويش شربت؟ ما أحسن هذا الثوب من أين شريته طيب وما أشبه ذلك، غلط، المقام لا يقتضي هذا ولكل مقام مقال.