وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم ) متفقٌ عليه. حفظ
الشيخ : قال : " وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر -أي: أحرى- ألا تزدروا نعمة الله عليكم ) " :
انظروا: الأمر هنا للإرشاد، وقوله: انظروا، هل المراد: النظر بالعين يعني بالبصر أو بالبصيرة؟
الثاني، النظر بالبصيرة، وقوله: ( إلى من هو أسفل منكم ) : أسلف منكم يعني بنعمة الله عليه، سواء كانت النعمة دينية أو دنيوية، لا تنظر لمن فوقك، انظر إلى من هو دونك، عللها الرسول صلوات الله وسلامه عليه قال: ( فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم ) ونعمة الله تشمل نعم الدين ونعم الدنيا، وهذا من الإرشاد الحكيم، لأنه لاشك أن الله تعالى جعل الناس متفاوتين (( انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بعْضَهُمْ عَلَى بعْضٍ )) متفاوتين في المال، في العقل، في القوة، في الولد، في كل شيء، الناس متفاوتون حتّى في الصورة الخِلقية الناس يتفاوتون.
ويقال: إنه لا يمكن أن تجد اثنين متساويين في كل شيء، حَتّى وإن تقاربوا في الشبه جدًا لابد أن يكون بينهم تفاوت.
طيب فإذا كانوا متفاوتين فمنهم العالي ومنهم النازل، وأنت لا تنظر إلى العالي، لأنك إذا نظرت إلى العالي احتقرت نعمة الله عليك، انظر إلى من دونك، ولنفرض مثلاً أن نظرك ضعيف لا يتجاوز عشرين مترًا، وفيهم من نظره لا يتجاوز عشرة أمتار، وفيهم من نظره يتجاوز مائة متر، من الذي فوقك؟
الذي يتجاوز مائة متر، ودونك عشرة أمتار وأنت بينهما، إن نظرت إلى الأعلى قلت: الله ما رزقني مثل ما رزق ذاك أعطاني أقل، فتزدري نعمة الله عليك في هذا البصر.
إذا نظرت للثاني قلت: الحمد لله، أعطاني الله خيرا منه، فعرفت قدر نعمة الله عليك وشكرته على ذلك.
في العلم رأيت شخصاً عنده حافظة قوية وذاكرة قوية وفهم قوي، وإنسان تُحفظه اليوم سطر واحد، وقبل أن يبرد مجلسه من سخونته إذا قام منه وجدته ناسياً، وأنت يبقى العلم معك لمدة ساعتين أو ثلاثة أو أربع أو خمس ساعات، إن نظرت إلى الذي يبقى الحفظ معه شهرين أو ثلاثة أو سنتين أو ثلاث قلت: ما عندي شيء، وإن نظرت للثاني قلت: الحمد لله عندي خير ، واضح ؟
متى يتبين لك نعمة الله عليك ؟
إذا نظرت إلى من دونك.
طيب في الأخلاق كذلك، وجدت إنسان في غاية ما يكون من الأخلاق، صدره منشرح، وجه طليق كلام طيب، دائم البشر دائم التبسم، حبيب، وآخر أعوذ بالله وجه عبوس قمطرير، لا يريد أحد يتكلم وأنت بالوسط تنظر إلى من؟
إلى الأسفل، طيب، وجدت إنسانًا كثير العبادة من صلاة وصدقة وصوم وبر والدين وصلة رحم، وإنساناً دون ذلك مهمل وأنت بينهما تنظر إلى من؟
الطالب : الأعلى .
الشيخ : لا ، إلى الأسفل : ( أجدر أن لا تزدروا نعمة الله ) : ونعمة الله فى الدين أقوى وأشدُ فضلاً من نعمة الدنيا تقول: الحمد لله الذي هداني أنا في خير، لكن هذا لا يمنعك أن تستبق الخيرات ، لا نقول: قف مكانك، اسع في الخيرات، لكن من حيث النعمة لا تنظر إلى من هُوَ أعلى منك، إن نظرت إلى من هو أعلى منك قلت: والله أنا ما أنعم الله عليّ ألي الدين من نعمة الله ؟
وأما تفريق بعض العلماء بين أمور الدين والدنيا ففيه نظر، لأن الحديث عام، والإنسان يغبط الشخص الذي أعطاه الله تعالى قوة في الدين وفعلاً للخيرات وترك للمنكرات من إنسان دون ذلك، ولا يرى أن الله أنعم عليه كما أنعم على الآخر العالم، فالرسول عليه الصلاة والسلام أرشدنا إلى هذه النظرية بالإضافة إلى نعمة الله علينا، ما هو بالإضافة إلى فعلنا، حَتّى أمور الدُّنيا، إذا رأيت إنسانًا أنعم الله عليه بخلق طيب وإنسانًا بالعكس، ألا يجدر بك أن تكون مثل الأول؟
الطالب : بلى .
الشيخ : هذا أيضاً ، حَتَّى الإنسان الذي أنعم الله عليه بالمال ربما تقول: أنا أسعى لطلب المال لعل الله يوفقني كما وفق الآخر، على كل حال إذا كان المقصود النظر إلى ما أنعم الله به من مال وبنين وعلم وعمل وعبادة بالنظر إلى إضافته إلى الله فانظر إلى من هُوَ أسفل مطلقاً حَتَّى تعرف قدر نعمة الله عليك، بأن الله فضلك على من دونك، لكن تنظر إلى الأعلى لابد أن تزدريَ إيش؟ النعمة وتنتقصها وتقول: الله ما أعطانى شيئا، الله منّ على هذا الرجل بالعبادة والصدقة وغير ذلك وأنا محروم، لكن هذا لا يمنع أن نقول إيش؟
استبق الخبرات، استبق الخيرات، انظر إلى فعلك أنت مقصر.