عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ــ وأهوى النعمان بإصبعيه إلى أذنيه ــ ( إن الحلال بينٌ وإن الحرام بينٌ وبينهما مشتبهاتٌ لا يعلمهن كثيرٌ من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام؛ كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ألا وإن لكل ملكٍ حمى إلا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغةٌ إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب ) متفقٌ عليه. حفظ
الشيخ : ثم ذكر المؤلف حديث النعمان ابن بشير : " وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( وأهوى النعمان بإصبعيه إلى أذنيه: إن الحلال بينٌ والحرام بينٌ وبينهما مشتبهاتٌ ) إلى آخر الحديث " :
( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وأهوى النعمان بإصبعيه إلى أذنيه ) : تحقيقاً لإيش؟ للسماع.
وأصبع هذا من الكلمات التي لا يمكن الخطأ فيها من حيث الحركات، - هذه جملة معترضة يقول هناك أحد الأخوة - الإصبع لا يمكن الخطأ فيه ليش؟ لأن فيه عشر لغات، فيه عشر لغات ينشدنا إياها الأخ إبراهيم .
الطالب : ما أحفظه.
الشيخ : ما تحفظ، من يحفظها؟ محمد؟
الطالب : قال -رحمه الله- .
الشيخ : ما تقول قال -رحمه الله- ما يجوز هو من العرب الأولين، قال الشاعر.
الطالب : " وهمز أنملة ثلث وثالثه *** التسع ".
الشيخ : ويش شلون ؟
الطالب : " وهمز أنملة ثلث وثالثه *** ".
الشيخ : ثالثُه ، لا ثالثَه بالنصب ، وثالثه.
الطالب : وثالثَه والتسع
الشيخ : التسع
الطالب : " *** التسع في إصبع واختم بأصبوع " .
الشيخ : صحيح ؟ سمعتم كلامه ؟ يقول :
" وهمز أنملة ثلث وثالثَه *** التسع في إصبع واختم بأصبوع " :
همز أنملة ثلث وثالثَه ، كم تكون اللغات تسع ، من ضرب ثلاثة بثلاثة .
" التسع في إصبع " : وهذا محل الشاهد، " واختم بأصبوع " : تكون اللغات في إصبع عشرة، أما أنملة ففيها تسع لغات، شرح هذا وإن كان ليس في الحديث لكن لا بأس ينفع إن شاء الله .
شرح هذا : لنأخذ الهمزة في أصبع على أنها مفتوحة، والباء مثلثة، نقول: أَصُبع أَصَبَع أَصِبع، صح ؟
لنأخذ الهمزة مضمومة والباء مثلثة : أُصُبع أُصَبع أُصبِع.
طيب لنأخذ الهمزة مكسورة والباء مثلثة : إِصبَع إِصبُع إِصبِع، كم هذه؟ هذه تسع، العاشرة: أصُبوع.
أما أنملة فيقال فيها كما قلنا في أصبع، يقال: أَنملة أنمُلة أَنمِلة، أُنمُلة أُنمَلة أُنمِلة، إنمَلة إنمُلة إنمِلة، كم الجميع ؟
تسع، الآن في بيت واحد حصلنا على تسع عشرة لغة، صح ؟
عشر في إصبع وتسع في أنملة.
( أهوى النعمان رضي الله عنه بأصبعيه إلى أذنيه ) : تحقيقاً للسمع.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الحلال بين والحرام بيِّن، وبينهما متشابهات لا يعلمهن كثير من الناس ) : فقسَّم الرسول عليه الصلاة والسلام الحرام والحلال إلى قسمين:
قسم بين ظاهر لا يخفى على أحد، وقسم مشتبه، والاشتباه إما أن يكون في الدليل أو في الاستدلال أو في المدلول، هذه كم قسم ؟
ثلاثة : في الدليل أو الاستدلال أو المدلول .
وأما البيِّن فبيِّن فمثلا حل الطيبات بين أو لا؟
الطالب : بين .
الشيخ : تحريم الخبائث بين، الميتة تحريمها بين، الخنزير تحريمه بين، الزنا تحريمه بيِّن، وأشياء كثيرة، والحلال أيضاً بين.
هناك أمور مشتبهات، لم يذكر الرسول عليه الصلاة والسلام الواجب، لأن الحديث موضوعه عن الأمور التي يتغذى بها الإنسان ويأكلها، وإلا فالواجب لاشك منه بين ومنه ما هو مشتبه.
( بينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس ): ويعلمهن كثير من الناس يعني الناس يختلفون فيه.
الرسول لم يقل: لا يعلمهن أكثر الناس، بل قال: كثير، أي كثير من الناس يعلموهن، وكثير من الناس لا يعلموهن ، والكثير كما قلنا تطلق على هذا وهذا كما قال تعالى: (( وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ )) .
طيب من الذي يعلمهن؟
يعلمهن أهل العلم الراسخون فيه الذين يعلمون نصوص الشارع، ويعرفون كيف يستدلون بها ويعرفون المدلول، مثلاً: العلم بالدليل لابد أن يكون الإنسان يعرف الدليل دليل الحلال والحرام من القرآن أو من السنة أو من إجماع السلف.
الاستدلال: يعرف العام الذي يتناول جميع الأفراد، يعرف الخاص الذي لا يتناول إلا شيئاً معيناً، يعرف المطلق من المقيد وما أشبه ذلك.
يعرف المدلول، أي: يعرف أن الدليل انطبق على هذا الشيء بعينه، يعرف أنه انطبق على هذا الشيء بعينه، مثال ذلك: إذا اختلط الخمر بشراب حلال ولكنه لم يؤثر فيه إسكاراً هل هو حلال ولا حرام؟
الطالب : حلال.
الشيخ : حلال ولا حرام؟
الطالب : حلال.
الشيخ : حلال ولا حرام؟
الطالب : حلال.
الشيخ : حلال، اشتبه على بعض الناس فظن أنه حرام بحجة: ( ما أسكر كثيرة فقليله حرام )، هنا الخطأ في إيش؟
الخطأ في الاستدلال، الدليل واضح صريح: ( ما أسكر كثيرة فقليله حرام )، هؤلاء اشتبه عليهم الأمر فظنوا أن معنى قول صلى الله عليه وسلم: ( ما أسكر كثيرة فقليله حرام ) ظنوا أن معناه : ما كان فيه شيء قليل من مسكر فهو حرام وليس كذلك، ليس كذلك، ليش؟
لأن معنى الحديث: أن هذا الشراب لو أكثرت منه لحصل الإسكار، ولو أقللت منه لم يحصل الإسكار، فهل يجوز القليل منه الذي لا يحصل به الإسكار؟ الجواب: لا، هذا معنى الحديث: وليس معنى الحديث ما كان فيه جزء يسير من خمر فهو حرام، لأننا نقول: لو أن عندك ماءً سقطت فيه نجاسة يسيرة لم تؤثر فيه شيء ما حكمه؟
الطالب : طاهر.
الشيخ : طهور، طهور تشرب منه وتتوضأ منه وتطهر منه الثوب والبدن، مع أن فيه جزءاً يسيراً من النجاسة، لكن هذه النجاسة انحلت فيه وذهبت وزالت فلم يبق لها حكم.
كذلك الخمر لو سقطت نقطة في كأس لكنها لا تؤثر فيه إطلاقاً، لو تشرب عشرين كأساً ما حصل الإسكار، فهنا لا يحرم ، إذن الدليل واضح، إيش؟ الاستدلال غير صحيح، ولهذا يحصل الاشتباه عند بعض الناس.
كذلك أيضاً قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام فقالوا: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة فإنه تطلى بها السفن وتدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس؟ فقال: لا، هو حرام ) : الضمير هنا هل يعود على البيع الذي هو موضع الحديث، أو يعود على الانتفاع بذلك بالاستصباح ودهن الجلود وطلي السفن؟
هذا أيضاً مما يشتبه ، يشتبه في دلالة الحديث عليه فمن العلماء من قال: يعود على البيع، لأن الصحابة أوردوا ذلك لعلَّ النبي صلى الله عليه وسلم يجيز بيعها لهذا الغرض.
ومن الناس من قال: إنه يعود على الانتفاع وأن شحوم الميتة لا تطلى بها السفن ولا تدهن بها الجلود ولا يستصبح بها الناس.
والراجح: أنه يعود إلى البيع، لأنه هو محل الحديث، والرسول صلى الله عليه وسلم ما تحدث عن هذه المنافع، المهم: أنواع الاشتباه كثيرة.
يقول: ( فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ) : استبرأ أي: ابتغى البراءة لدينه ولعرضه، أما الدين فبينه الرسول عليه الصلاة والسلام كما سيأتي، وأما العِرض فلأن الإنسان إذا أتى المشتبهات فإن الناس يأكلون لحمه، ويعرِّض نفسه للغيبة والسب وما أشبه ذلك.
( ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ) : من وقع في الشبهات وقع في الحرام هل المحرم نفس المشتبه، أو أنه وقع في الحرام يعني صار وقوعه في المشتبه سبباً لوقوعه في الحرام؟
يعني أنه إذا وقع في الشبهات فإنه يتوقع أن يقع في الحرام، هذا هو المراد، وليس المعنى أن المشتبهات حرام، ولكن المشتبهات لاشك أن الورع تركها، أما اللزوم فلا يلزم إلا ما كان يقيناً، إذن من وقع في الشبهات أوشك إيش؟
أن يقع في الحرام، هذا معنى قوله: ( وقع في الحرام ) كيف؟
الطالب : فمن اتقى الشبهات وقع في الحرام .
الشيخ : لا ، ( فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ).
طيب مثل الرسول لذلك بقوله: ( كالراعي يرعى حول الحمى ) الراعي إيش؟ راعي الإبل، راعي الغنم، راعي البقر، راعي الظباء، أي راعٍ.
( يرعى حول الحمى ) : الحمى المكان الذي منع من الرعي فيه، وهذا يقع كثيراً من الأمراء أو الخلفاء، إما للمصالح العامة، وإما للمنافع الخاصة، مثلاً: هذه أرض مخصبة فيها العشب الكثير حماها أحد من الناس، بمعنى أنه منع من الرعي فيها، ماذا تكون هذه الأرض؟
الطالب : حمى.
الشيخ : إي هي حمى ما في شك، لكن سيكون نباتها كثيراً، لأنه لا يُرعى، وسيكون نضراً، لأنه ليس حوله غبار، إذا رعى الراعي حول هذا الحمى إيش؟ يوشك أن يقع فيه، لأن الغنم أو البقر أو الإبل إذا رأت هذا المكان المعشب النضر سوف ترتع فيه، إما أذا استغفلت الراعي وإما أن تتمرد على الراعي ويعجز عنها، ولهذا قال: ( كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه ).
ثم ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلا تقريبياً فقال: ( ألا وإن لكل ملك حمى ) : كل ملك له حمى ، وهذا إخبار عن الواقع وليس عن الشرع، إلا أن العلماء سيأتي إن شاء الله في الفوائد ذكروا أنه يجوز لإمام المسلمين أن يحمي أرضاً لدواب المسلمين، كخيل الجهاد، وإبل الصدقة وما أشبهها.
( ألا وإن لكل ملك حمى ): وهل ملك الملوك له حمى؟
نعم، ولهذا قال: ( ألا وإن حمى الله محارمه )، كأنه يقول: ولله حمى، وحماه محارمه التي حرمها على العباد، فهي حمى تدعو النفوسُ إليها كالراعي الذي يرعى حول الحمى، لكن من اتَّقى ذلك سلم، مثال هذا: الربا، ونحن الآن نتكلم على هذا الحديث بناءً على أنه يتعلق بالغذاء واللباس والطعام وما أشبه ذلك، الربا حرام ولا غير حرام؟
حرام، لكن إذا رأى هذا التاجر أن المرابين يكسبون كسباً عظيماً فإنه ربما ينجر إلى ذلك كالمواشي تنجر إلى حمى الملوك، كذلك أيضاً في القمار، القمار حرام، نجد بعض المقامرين يكون مِن أغنى العالم في ليلة واحدة، هذا المحرم إذا رأى الإنسان أنه قد يكون سبباً للكسب الكبير البالغ في ليلة واحدة سوف إيش؟ ينجر إليه هذه محارم الله، الزنا أعاذنا الله وإياكم منه إذا رأى الإنسان أنه ستحصل له متعة بدراهم قليلة والمهور كثيرة ربما تجره نفسه إلى ذلك، فحمى الله محارمه، والمحارم يزينها الشيطان في نفس الإنسان فينتهكها.
ثم قال: ( ألا وإن حمى الله محارمه ، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ): كلمة ألا يكررها الرسول عليه الصلاة والسلام، لأنها تفيد التنبيه.
( ألا وإن في الجسد ) أي: جسد الإنسان، فـ أل هنا للعهد أي العهود؟
الطالب : الذهني .
الشيخ : الذهني، لأن العهود ثلاثة:
ذكري. وحضوري، وذهني، ففي قول الله تعالى: (( كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ )) هذا إيش هو ؟ هذا ذكري ، رسولاً فعصى فرعون الرسول، كأنه قال: فعصى فرعون هذا الرسول الذي أرسلناه.
وقوله تعالى: (( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ )).
الطالب : حضوري.
الشيخ : هذا حضوري، اَليَوْمَ يعني: هذا اليوم، وقوله: (( الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ )). أيضاً حضوري، قال النحويون: " وكل ما حلي بـ أل إذا أتى بعد اسم إشارة فهو حضوري، لأن اسم الإشارة يدل على القرب، فإذا جاء بعد المحلى بـ أل فهو حضوري ".
الذهني: (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ )) هذا إيش؟
الطالب : ذهني .
ذهني أو حضوري أو ذكري ؟
كأن بعضكم واجمٌ ساكت ، في إشكال الآن ، ما في إشكال هو ذهني، (( جَاءَكُمُ الرَّسُولُ )) لو سئل أي إنسان مَن الرسول؟ لقال: محمد عليه الصلاة والسلام، (( يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيراً لكم )) .
طيب (( فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا )) من النور؟
الطالب : القرآن .
الشيخ : القرآن، لأن الله أنزله، قال تعالى: (( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا )).
طيب ( ألا وإن في الجسد ) أي: جسد الإنسان، ( مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ) : لو شاء الرسول عليه الصلاة والسلام لقال: ألا وإن القلب في الجسد، إذا صلح صلح الجسد وحصل المقصود ولا لا ؟
حصل، لكن أتى به بهذه الصيغة من أجل الاهتمام به والعناية به وبيان أهميته
( ألا وهي القلب ).
ومعنى المضغة أي قطعة من اللحم بقدر ما يمضغه الإنسان، والإنسان ما يمضغ ؟ ما قدر ما يمضغه من اللحم؟
من أشداقه واسعة فستكون مضغته كبيرة، ومن أشداقه ضيقة ستكون صغيرة، والوسط وسط، نأخذ الوسط ماذا تقدر المضغة يا أخ؟
الطالب : قد هذا .
الشيخ : قد هذا ، ويش تقولون ؟
الطالب : قليل جدًّا هذا .
الشيخ : على كل حال هو كلما صغرت المضغة فهو أحسن، لأن الإنسان يستطيع أن يعلكها تماماً ويهضمها تماماً، لكن الغالب أن المضغة تكون من البيضة فأقل، مِن البيضة ولا أعني بذلك بيضة البش الكبيرة، بيضة الدجاج المعروف فأقل، هذه المضغة، هذه ( إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ) : فتبارك الله أحسن الخالقين، مضغة في الجسد إذا صلحت صلح الجسد.
وهل المراد هنا بالصلاح: الصلاح الديني، أو الصلاح الجسدي؟
الديني، قد يقول قائل: كلاهما، لكن هذا لا يختص بالقلب، إذا صلح الدماغ أيضاً صلح الجسد كله، إذا صلحت القدمان صلح الجسد كله.
المراد: الصلاح الديني.
ففي هذا الحديث من الورع: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ).
( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وأهوى النعمان بإصبعيه إلى أذنيه ) : تحقيقاً لإيش؟ للسماع.
وأصبع هذا من الكلمات التي لا يمكن الخطأ فيها من حيث الحركات، - هذه جملة معترضة يقول هناك أحد الأخوة - الإصبع لا يمكن الخطأ فيه ليش؟ لأن فيه عشر لغات، فيه عشر لغات ينشدنا إياها الأخ إبراهيم .
الطالب : ما أحفظه.
الشيخ : ما تحفظ، من يحفظها؟ محمد؟
الطالب : قال -رحمه الله- .
الشيخ : ما تقول قال -رحمه الله- ما يجوز هو من العرب الأولين، قال الشاعر.
الطالب : " وهمز أنملة ثلث وثالثه *** التسع ".
الشيخ : ويش شلون ؟
الطالب : " وهمز أنملة ثلث وثالثه *** ".
الشيخ : ثالثُه ، لا ثالثَه بالنصب ، وثالثه.
الطالب : وثالثَه والتسع
الشيخ : التسع
الطالب : " *** التسع في إصبع واختم بأصبوع " .
الشيخ : صحيح ؟ سمعتم كلامه ؟ يقول :
" وهمز أنملة ثلث وثالثَه *** التسع في إصبع واختم بأصبوع " :
همز أنملة ثلث وثالثَه ، كم تكون اللغات تسع ، من ضرب ثلاثة بثلاثة .
" التسع في إصبع " : وهذا محل الشاهد، " واختم بأصبوع " : تكون اللغات في إصبع عشرة، أما أنملة ففيها تسع لغات، شرح هذا وإن كان ليس في الحديث لكن لا بأس ينفع إن شاء الله .
شرح هذا : لنأخذ الهمزة في أصبع على أنها مفتوحة، والباء مثلثة، نقول: أَصُبع أَصَبَع أَصِبع، صح ؟
لنأخذ الهمزة مضمومة والباء مثلثة : أُصُبع أُصَبع أُصبِع.
طيب لنأخذ الهمزة مكسورة والباء مثلثة : إِصبَع إِصبُع إِصبِع، كم هذه؟ هذه تسع، العاشرة: أصُبوع.
أما أنملة فيقال فيها كما قلنا في أصبع، يقال: أَنملة أنمُلة أَنمِلة، أُنمُلة أُنمَلة أُنمِلة، إنمَلة إنمُلة إنمِلة، كم الجميع ؟
تسع، الآن في بيت واحد حصلنا على تسع عشرة لغة، صح ؟
عشر في إصبع وتسع في أنملة.
( أهوى النعمان رضي الله عنه بأصبعيه إلى أذنيه ) : تحقيقاً للسمع.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الحلال بين والحرام بيِّن، وبينهما متشابهات لا يعلمهن كثير من الناس ) : فقسَّم الرسول عليه الصلاة والسلام الحرام والحلال إلى قسمين:
قسم بين ظاهر لا يخفى على أحد، وقسم مشتبه، والاشتباه إما أن يكون في الدليل أو في الاستدلال أو في المدلول، هذه كم قسم ؟
ثلاثة : في الدليل أو الاستدلال أو المدلول .
وأما البيِّن فبيِّن فمثلا حل الطيبات بين أو لا؟
الطالب : بين .
الشيخ : تحريم الخبائث بين، الميتة تحريمها بين، الخنزير تحريمه بين، الزنا تحريمه بيِّن، وأشياء كثيرة، والحلال أيضاً بين.
هناك أمور مشتبهات، لم يذكر الرسول عليه الصلاة والسلام الواجب، لأن الحديث موضوعه عن الأمور التي يتغذى بها الإنسان ويأكلها، وإلا فالواجب لاشك منه بين ومنه ما هو مشتبه.
( بينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس ): ويعلمهن كثير من الناس يعني الناس يختلفون فيه.
الرسول لم يقل: لا يعلمهن أكثر الناس، بل قال: كثير، أي كثير من الناس يعلموهن، وكثير من الناس لا يعلموهن ، والكثير كما قلنا تطلق على هذا وهذا كما قال تعالى: (( وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ )) .
طيب من الذي يعلمهن؟
يعلمهن أهل العلم الراسخون فيه الذين يعلمون نصوص الشارع، ويعرفون كيف يستدلون بها ويعرفون المدلول، مثلاً: العلم بالدليل لابد أن يكون الإنسان يعرف الدليل دليل الحلال والحرام من القرآن أو من السنة أو من إجماع السلف.
الاستدلال: يعرف العام الذي يتناول جميع الأفراد، يعرف الخاص الذي لا يتناول إلا شيئاً معيناً، يعرف المطلق من المقيد وما أشبه ذلك.
يعرف المدلول، أي: يعرف أن الدليل انطبق على هذا الشيء بعينه، يعرف أنه انطبق على هذا الشيء بعينه، مثال ذلك: إذا اختلط الخمر بشراب حلال ولكنه لم يؤثر فيه إسكاراً هل هو حلال ولا حرام؟
الطالب : حلال.
الشيخ : حلال ولا حرام؟
الطالب : حلال.
الشيخ : حلال ولا حرام؟
الطالب : حلال.
الشيخ : حلال، اشتبه على بعض الناس فظن أنه حرام بحجة: ( ما أسكر كثيرة فقليله حرام )، هنا الخطأ في إيش؟
الخطأ في الاستدلال، الدليل واضح صريح: ( ما أسكر كثيرة فقليله حرام )، هؤلاء اشتبه عليهم الأمر فظنوا أن معنى قول صلى الله عليه وسلم: ( ما أسكر كثيرة فقليله حرام ) ظنوا أن معناه : ما كان فيه شيء قليل من مسكر فهو حرام وليس كذلك، ليس كذلك، ليش؟
لأن معنى الحديث: أن هذا الشراب لو أكثرت منه لحصل الإسكار، ولو أقللت منه لم يحصل الإسكار، فهل يجوز القليل منه الذي لا يحصل به الإسكار؟ الجواب: لا، هذا معنى الحديث: وليس معنى الحديث ما كان فيه جزء يسير من خمر فهو حرام، لأننا نقول: لو أن عندك ماءً سقطت فيه نجاسة يسيرة لم تؤثر فيه شيء ما حكمه؟
الطالب : طاهر.
الشيخ : طهور، طهور تشرب منه وتتوضأ منه وتطهر منه الثوب والبدن، مع أن فيه جزءاً يسيراً من النجاسة، لكن هذه النجاسة انحلت فيه وذهبت وزالت فلم يبق لها حكم.
كذلك الخمر لو سقطت نقطة في كأس لكنها لا تؤثر فيه إطلاقاً، لو تشرب عشرين كأساً ما حصل الإسكار، فهنا لا يحرم ، إذن الدليل واضح، إيش؟ الاستدلال غير صحيح، ولهذا يحصل الاشتباه عند بعض الناس.
كذلك أيضاً قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام فقالوا: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة فإنه تطلى بها السفن وتدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس؟ فقال: لا، هو حرام ) : الضمير هنا هل يعود على البيع الذي هو موضع الحديث، أو يعود على الانتفاع بذلك بالاستصباح ودهن الجلود وطلي السفن؟
هذا أيضاً مما يشتبه ، يشتبه في دلالة الحديث عليه فمن العلماء من قال: يعود على البيع، لأن الصحابة أوردوا ذلك لعلَّ النبي صلى الله عليه وسلم يجيز بيعها لهذا الغرض.
ومن الناس من قال: إنه يعود على الانتفاع وأن شحوم الميتة لا تطلى بها السفن ولا تدهن بها الجلود ولا يستصبح بها الناس.
والراجح: أنه يعود إلى البيع، لأنه هو محل الحديث، والرسول صلى الله عليه وسلم ما تحدث عن هذه المنافع، المهم: أنواع الاشتباه كثيرة.
يقول: ( فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ) : استبرأ أي: ابتغى البراءة لدينه ولعرضه، أما الدين فبينه الرسول عليه الصلاة والسلام كما سيأتي، وأما العِرض فلأن الإنسان إذا أتى المشتبهات فإن الناس يأكلون لحمه، ويعرِّض نفسه للغيبة والسب وما أشبه ذلك.
( ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ) : من وقع في الشبهات وقع في الحرام هل المحرم نفس المشتبه، أو أنه وقع في الحرام يعني صار وقوعه في المشتبه سبباً لوقوعه في الحرام؟
يعني أنه إذا وقع في الشبهات فإنه يتوقع أن يقع في الحرام، هذا هو المراد، وليس المعنى أن المشتبهات حرام، ولكن المشتبهات لاشك أن الورع تركها، أما اللزوم فلا يلزم إلا ما كان يقيناً، إذن من وقع في الشبهات أوشك إيش؟
أن يقع في الحرام، هذا معنى قوله: ( وقع في الحرام ) كيف؟
الطالب : فمن اتقى الشبهات وقع في الحرام .
الشيخ : لا ، ( فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ).
طيب مثل الرسول لذلك بقوله: ( كالراعي يرعى حول الحمى ) الراعي إيش؟ راعي الإبل، راعي الغنم، راعي البقر، راعي الظباء، أي راعٍ.
( يرعى حول الحمى ) : الحمى المكان الذي منع من الرعي فيه، وهذا يقع كثيراً من الأمراء أو الخلفاء، إما للمصالح العامة، وإما للمنافع الخاصة، مثلاً: هذه أرض مخصبة فيها العشب الكثير حماها أحد من الناس، بمعنى أنه منع من الرعي فيها، ماذا تكون هذه الأرض؟
الطالب : حمى.
الشيخ : إي هي حمى ما في شك، لكن سيكون نباتها كثيراً، لأنه لا يُرعى، وسيكون نضراً، لأنه ليس حوله غبار، إذا رعى الراعي حول هذا الحمى إيش؟ يوشك أن يقع فيه، لأن الغنم أو البقر أو الإبل إذا رأت هذا المكان المعشب النضر سوف ترتع فيه، إما أذا استغفلت الراعي وإما أن تتمرد على الراعي ويعجز عنها، ولهذا قال: ( كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه ).
ثم ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلا تقريبياً فقال: ( ألا وإن لكل ملك حمى ) : كل ملك له حمى ، وهذا إخبار عن الواقع وليس عن الشرع، إلا أن العلماء سيأتي إن شاء الله في الفوائد ذكروا أنه يجوز لإمام المسلمين أن يحمي أرضاً لدواب المسلمين، كخيل الجهاد، وإبل الصدقة وما أشبهها.
( ألا وإن لكل ملك حمى ): وهل ملك الملوك له حمى؟
نعم، ولهذا قال: ( ألا وإن حمى الله محارمه )، كأنه يقول: ولله حمى، وحماه محارمه التي حرمها على العباد، فهي حمى تدعو النفوسُ إليها كالراعي الذي يرعى حول الحمى، لكن من اتَّقى ذلك سلم، مثال هذا: الربا، ونحن الآن نتكلم على هذا الحديث بناءً على أنه يتعلق بالغذاء واللباس والطعام وما أشبه ذلك، الربا حرام ولا غير حرام؟
حرام، لكن إذا رأى هذا التاجر أن المرابين يكسبون كسباً عظيماً فإنه ربما ينجر إلى ذلك كالمواشي تنجر إلى حمى الملوك، كذلك أيضاً في القمار، القمار حرام، نجد بعض المقامرين يكون مِن أغنى العالم في ليلة واحدة، هذا المحرم إذا رأى الإنسان أنه قد يكون سبباً للكسب الكبير البالغ في ليلة واحدة سوف إيش؟ ينجر إليه هذه محارم الله، الزنا أعاذنا الله وإياكم منه إذا رأى الإنسان أنه ستحصل له متعة بدراهم قليلة والمهور كثيرة ربما تجره نفسه إلى ذلك، فحمى الله محارمه، والمحارم يزينها الشيطان في نفس الإنسان فينتهكها.
ثم قال: ( ألا وإن حمى الله محارمه ، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ): كلمة ألا يكررها الرسول عليه الصلاة والسلام، لأنها تفيد التنبيه.
( ألا وإن في الجسد ) أي: جسد الإنسان، فـ أل هنا للعهد أي العهود؟
الطالب : الذهني .
الشيخ : الذهني، لأن العهود ثلاثة:
ذكري. وحضوري، وذهني، ففي قول الله تعالى: (( كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ )) هذا إيش هو ؟ هذا ذكري ، رسولاً فعصى فرعون الرسول، كأنه قال: فعصى فرعون هذا الرسول الذي أرسلناه.
وقوله تعالى: (( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ )).
الطالب : حضوري.
الشيخ : هذا حضوري، اَليَوْمَ يعني: هذا اليوم، وقوله: (( الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ )). أيضاً حضوري، قال النحويون: " وكل ما حلي بـ أل إذا أتى بعد اسم إشارة فهو حضوري، لأن اسم الإشارة يدل على القرب، فإذا جاء بعد المحلى بـ أل فهو حضوري ".
الذهني: (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ )) هذا إيش؟
الطالب : ذهني .
ذهني أو حضوري أو ذكري ؟
كأن بعضكم واجمٌ ساكت ، في إشكال الآن ، ما في إشكال هو ذهني، (( جَاءَكُمُ الرَّسُولُ )) لو سئل أي إنسان مَن الرسول؟ لقال: محمد عليه الصلاة والسلام، (( يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيراً لكم )) .
طيب (( فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا )) من النور؟
الطالب : القرآن .
الشيخ : القرآن، لأن الله أنزله، قال تعالى: (( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا )).
طيب ( ألا وإن في الجسد ) أي: جسد الإنسان، ( مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ) : لو شاء الرسول عليه الصلاة والسلام لقال: ألا وإن القلب في الجسد، إذا صلح صلح الجسد وحصل المقصود ولا لا ؟
حصل، لكن أتى به بهذه الصيغة من أجل الاهتمام به والعناية به وبيان أهميته
( ألا وهي القلب ).
ومعنى المضغة أي قطعة من اللحم بقدر ما يمضغه الإنسان، والإنسان ما يمضغ ؟ ما قدر ما يمضغه من اللحم؟
من أشداقه واسعة فستكون مضغته كبيرة، ومن أشداقه ضيقة ستكون صغيرة، والوسط وسط، نأخذ الوسط ماذا تقدر المضغة يا أخ؟
الطالب : قد هذا .
الشيخ : قد هذا ، ويش تقولون ؟
الطالب : قليل جدًّا هذا .
الشيخ : على كل حال هو كلما صغرت المضغة فهو أحسن، لأن الإنسان يستطيع أن يعلكها تماماً ويهضمها تماماً، لكن الغالب أن المضغة تكون من البيضة فأقل، مِن البيضة ولا أعني بذلك بيضة البش الكبيرة، بيضة الدجاج المعروف فأقل، هذه المضغة، هذه ( إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ) : فتبارك الله أحسن الخالقين، مضغة في الجسد إذا صلحت صلح الجسد.
وهل المراد هنا بالصلاح: الصلاح الديني، أو الصلاح الجسدي؟
الديني، قد يقول قائل: كلاهما، لكن هذا لا يختص بالقلب، إذا صلح الدماغ أيضاً صلح الجسد كله، إذا صلحت القدمان صلح الجسد كله.
المراد: الصلاح الديني.
ففي هذا الحديث من الورع: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ).