فوائد حديث :( ما من عبدٍ يسترعيه الله رعيةً ... ). حفظ
الشيخ : ففي هذا الحديث دليل على فوائد:
الفائدة الأولى: أن الأمور كلها بيد الله، وأنه لا يمكن لأحد أن يصل إلى سلطة ما قليلة كانت أو كثيرة إلا بإذن الله، دليل ذلك : ( ما من عبد يسترعيه الله ).
ومن فوائد هذا الحديث: أنه لو تاب هذا الغاش ومات وهو ناصح فإنه لا يلحقه هذا الوعيد ، وعلى هذا فالحمد لله لكل داء دواء.
ومن فوائد هذا الحديث: وجوب النصح على الولي إذا ولاه الله تعالى على رعية وجه ذلك: الوعيد الشديد على هذا.
ومِن فوائد الحديث: أن غِش من استرعاك الله عليه من كبائر الذنوب، وجهه الوعيد، وكل ذنب فيه وعيد في الآخرة فإنه من كبائر الذنوب.
ومن فوائد الحديث: أن هذا الغش كفر، لأنه تحرم عليه الجنة، توافقون على هذا؟ إذا حرمت عليه الجنة أين يكون ؟
الطالب : في النار .
الشيخ : أبداً !؟
الطالب : ظاهر الحديث .
الشيخ : حرمت عليه الجنة يا إخوان !
الطالب : ظاهر الحديث .
الشيخ : ظاهر الحديث هو هذا ، ظاهر الحديث أنه يخلد في النار ولا نعلم أحداً يخلد في النار دائماً إلا إذا كان كافراً .
لكن مذهب أهل السنة والجماعة أن مثل هذه النصوص الوعيدية يحملونها على النصوص الأخرى، ولذلك انقسم أهل القبلة في أحاديث الوعيد والوعد :
فمنهم من غلب جانب الوعد ونسي جانب الوعيد، وقال: كل نص ورد في الوعيد إنما هو في الكافرين، وأما المسلمون فإنه لا يلحقهم.
فالمسلم عندهم مهما عمل من المعصية فإنه لا يلحقه إثم هذه المعصية ولو من كبائر الذنوب وهؤلاء هم المرجئة، وهذا لا شك أنه فتح بابٍ بل كسر بابٍ للعصاة، العاصي إذا اعتقد هذه العقيدة ماذا يصنع ؟
سيعمل أي معصية دون الكفر، ويقول: الحمد لله الإيمان كامل، والإثم مرفوع ولا شك أن هذا باطل.
على العكس من ذلك قوم أخذوا بنصوص الوعيد، وقالوا: إن نصوص الوعيد مطبقة على إطلاقها، وليس فيها تقييد ولا رد للنصوص الأخرى، وهؤلاء هم المعتزلة والخوارج، فقالوا: كل نص وعيد فإنه نافذ، وإذا اقتضى الخلود في النار، فمن عوقب به فهو في النار لا يخرج منها أبداً، وعلى هذا يتنزل ظاهر الحديث الذي معنا الآن: أن مَن مات وهو غاشٌ لرعيته فإنه يخلد في النار، لأنه ليس هناك إلا داران: إما الجنة وإما النار، فإذا حرمت الجنة إيش؟
لزم أن يخلد في النار، وهذان طرفان كلاهما على غير الصواب، والصواب: أن هذه النصوص الوعيدية مطلقة تقيد بالنصوص الأخرى الدالة على أنَّ مَن في قلبه أدنى مثقال حبة خردل من إيمان فإنه إيش؟
لا يخلد، وبذلك نعمل بين النصوص.
واعلم أن هذا هو شأن كل خلاف يقع في الأمة على طرفي نقيض، فإن سببه أن الناظر ينظر من جانب واحد، أي: بنظر أعور، فينظر من جانب واحد ويحمل النصوص على هذا الجانب.
فإذا قال قائل: على مذهب أهل السنة كيف نخرج هذا الحديث وأمثاله؟
نقول: إن دخول الجنة دخولان: دخول مطلق لم يُسبق بعذاب، ودخول مقيد نسميه: مطلق الدخول وهو الذي يسبقه العذاب، فما المراد بالدخول هنا؟ الدخول المطلق يعني: أن الله يحرم عليه أن يدخل الجنة دخولاً مطلقاً لم يسبق بعذاب.
إذن لابد أن يعذب ثم إيش ؟
ثم يدخل، فيكون: ( إلا حرم الله عليه الجنة ) يعني: إلا حرم الله عليه الجنة حتى يعاقبه.
فإذا قال قائل: إذا قلتم هكذا ، فهل تكون مثل هذه النصوص مخصصة لعموم قول الله تعالى: (( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ))، وأن يقال : لمن يشاء إلا من ورد أنه لابد أن يعذب ، ولو لم يكن مشركاً فإنه لا يغفر له؟
نقول: هذا الاحتمال وارد ، وأن نقول: إن النصوص الدالة على تعذيب فاعل شيء من الأعمال تخصص قوله : (( ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء )) ، فيكون المعنى: ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء إلا إيش؟
إلا إذا ورد أنه لابد أن يُعاقب عليه كما في هذا الحديث ، وهذا وجه قوي.
وقال بعضهم: إن هذا الحديث يخصَّص بالآية فيكون هذا مطلقاً ويخصص بالآية ويقال: إن فاعله داخل تحت المشيئة، وعلى هذا التقدير: يعني لو أننا تنزلنا جدلاً لهذا الاحتمال وهو خلاف الظاهر فإننا نقول: وفاعل المعصية التي لا تغفر بالحسنات مخاطر من يضمن أنه يدخل في قوله تعالى: (( لمن يشاء ))؟
الطالب : لا أحد .
الشيخ : هل أحد يضمن؟
لا أحد يضمن، إذن الإنسان مخاطر على كل حال.
ومن فوائد هذا الحديث: إثبات الجنة وهو كذلك، هذا أمر يعني قد يقول قائل: إن قولك من فوائد الحديث إثبات الجنة كقول القائل : السماء فوقنا والأرض تحتنا نعم أو قول الآخر:
" كأننا والماء من حولنا *** قوم جلوس حولهم ماء "
لأن هذا أمر معلوم بالضرورة ؟
فيقال: إن زيادة الأدلة يزداد بها اليقين ، لكن نحن عندنا علم يقيني بوجود الجنة والنار.