قراءة من كتاب العلوم والحكم مع تعليق الشيخ عليه: " ... وقوله صلى الله عليه و سلم ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب فيه إشارة إلى أن صلاح حركات العبد بجوارحه واجتنابه المحرمات واتقاءه للشبهات بحسب صلاح حركة قلبه فإذا كان قلبه سليما ليس فيه إلا محبة الله ومحبة ما يحبه الله وخشية الوقوع فيما يكرهه صلحت حركات الجوارح كلها ونشأ عن ذلك اجتناب المحرمات كلها وتوفي للشبهات حذرا من الوقوع في المحرمات وإن كان القلب فاسدا قد استولى عليه اتباع الهوى وطلب ما يحبه ولو كرهه الله فسدت حركات الجوارح كلها وانبعثت إلى كل المعاصي والمشتبهات بحسب اتباع هوى القلب ولهذا يقال القلب ملك الأعضاء وبقية الأعضاء جنوده وهم مع هذا جنود طائعون له منبعثون في طاعته وتنفيذ أوامره لا يخالفونه في شيء من ذلك فإن كان الملك صالحا كانت هذه الجنود صالحة وإن كان فاسدا كانت جنوده بهذه المشابهة فاسدة ولا ينفع عند الله إلا القلب السليم كما قال تعالى (( يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم )) الشعراء وكان النبي صلى الله عليه و سلم يقول في دعائه اللهم إنى أسألك قلبا سليما فالقلب السليم هو السالم من الآفات والمكروهات كلها وهو القلب الذي ليس فيه سوى محبة الله وخشيته وخشية ما يباعد منه وفي مسند الإمام أحمد رضي الله عنه عن أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه والمراد باستقامة إيمانه استقامة أعمال جوارحه فإن أعمال جوارحه لا تستقيم إلا باستقامة القلب ومعني استقامة القلب أن يكون ممتلئا من محبة الله تعالى ومحبة طاعته وكراهة معصيته وقال الحسن لرجل " داو قلبك فإن حاجة الله إلى العباد صلاح قلوبهم " يعني أن مراده منهم ومطلوبه صلاح قلوبهم فلا صلاح للقلوب حتى يستقر فيها معرفة الله وعظمته ومحبته وخشيته ومهابته ورجاؤه والتوكل عليه ويمتلئ من ذلك وهذا هو حقيقة التوحيد وهو معنى قول لا إله إلا الله فلا صلاح للقلوب حتى يكون إلهها الذي تألهه وتعرفه وتحبه وتخشاه هو الله واحد لا شريك له ولو كان في السموات والأرض إله يؤله سوى الله لفسدت بذلك السموات والأرض كما قال تعالى (( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا )) الأنبياء فعلم بذلك أنه لا صلاح للعالم العلوي والسفلي معا حتى تكون حركات أهلها كلها لله وحركات الجسد تابعة لحركات القلب وإرادته فإن كانت حركته وإرادته لله وحده فقد صلح وصلحت حركات الجسد كله وإن كانت حركة القلب وإراداته لغير الله تعالى فسد وفسدت حركات الجسد بحسب فساد حركة القلب وروى الليث عن مجاهد في قوله تعالى (( ولا تشركوا به شيئا )) النساء قال لا تحبوا غيري ... ). حفظ
القارئ : " وقوله صلى الله عليه و سلم : ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صَلَحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ) : فيه إشارة إلى أن صلاح حركات العبد بجوارحه واجتنابه للمحرمات ، واتقائه للشبهات بحسب صلاح حركة قلبه ، فإن كان قلبه سليمًا ليس فيه إلا محبة الله ومحبة ما يحبه الله ، وخشية الله وخشية الوقوع فيما يكرهه ، صلحت حركات الجوارح كلها " :
الشيخ : الأحسن كلُّها .
القارئ : " صلحت حركات الجوارح كلُها ، ونشأ عن ذلك اجتناب المحرمات كلها " .
الشيخ : هذه كلِّها الثانية .
القارئ : " ونشأ عن ذلك اجتناب المحرمات كلِها وتوقي الشبهات حذرًا من الوقوع في المحرمات .
وإن كان القلب فاسدًا قد استولى عليه اتباع هواه وطلب ما يحبه ولو كرهه الله فسدت حركات الجوارح كلها ، وانبعثت إلى كل المعاصي والمشتبهات بحسب اتباع هوى القلب ، ولهذا يقال : القلب ملك الأعضاء، وبقية الأعضاء جنوده وهم مع هذا جنود طائعون له منبعثون في طاعته وتنفيذ أوامره، لا يخالفونه في شيء من ذلك، فإن كان الملك صالحاً كانت هذه الجنود صالحة، وإن كان فاسدًا كانت جنوده بهذه المثابة فاسدة .
ولا ينفع عند الله إلا القلب السليم كما قال تعالى: (( يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم )) .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه : ( أسألك قلبًا سليمًا ) : فالقلب السليم هو السالم من الآفات والمكروهات كلها ، وهو القلب الذي ليس فيه سوى محبةِ الله وما يحبه الله، وخشيتهِ وخشية ما يباعد عنه.
وفي مسند الإمام أحمد عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ) : والمراد باستقامة إيمانه استقامة أعمال جوارحه فإن أعمال جوارحه لا تستقيم إلا باستقامة القلب ، ومعنى استقامةِ القلب أن يكون ممتلئا من محبة الله تعالى ومحبة طاعته وكراهة معصيته.
قال الحسن لرجل: داو قلبك، فإن حاجة الله إلى العباد صلاح قلوبهم.
يعني أن مراده منهم ومطلوبه صلاح قلوبهم، فلا صلاح للقلوب حتى تستقر فيها معرفة الله وعظمته ومحبته وخشيته ومهابته ورجاؤه والتوكل عليه، وتمتلئ من ذلك، وهذا هو حقيقة التوحيد، وهو معنى قول لا إله إلا الله.
فلا صلاح للقلوب حتى يكون إلهها الذي تألهه وتعرفه وتحبه وتخشاه هو الله وحده لا شريك له، ولو كان في السموات والأرض إله يؤلَّه سوى الله لفسدت بذلك السموات والأرض، كما قال تعالى: (( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا )) .
فعلم بذلك أنه لا صلاح للعالم العلوي والسفلي معاً حتى تكون حركات أهلها كلها لله ، وحركات الجسد تابعةً لحركات القلب وإرادته، فإن كانت حركته وإرادته لله وحده فقد صلح وصلحت حركات الجسد كله، وإن كانت حركة القلب وإراداته لغير الله تعالى فسد وفسدت حركات الجسد بحسب فساد حركة القلب .
وروى الليث عن مجاهد في قوله تعالى: (( ولا تشركوا به شيئاً )) قال : لا تحبوا غيري "
.
الشيخ : ومعلوم أن الإرادة والحركة تتبع المحبة ، حتى إن ابن القيم -رحمه الله- في كتابه *روضة المحبين* قال : " إن كل شيء يدور على المحبة " ، لا يمكن للإنسان أن يفعل ما يؤمر به ولا يترك ما ينهى عنه إلا بمحبة الله عز وجل فكل الإرادات تابعة للمحبة ، وإذا كان كذلك فإننا نقول : إذا تحرك القلب نحو الله عز وجل وأحب الله فلا بد أن تصلح إراداته ، وإذا صلحت إراداته صلحت جوارحه .
وأما تمثيل المؤلف -رحمه الله- القلب بأنه كالملك المطاع فقد سبق لنا في شرح الحديث بأن هذا أنقص مما قاله الرسول عليه الصلاة والسلام ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا صلحت صلح الجسد ) وصلاح الملك قد لا يستلزم صلاح الرعية ، نعم .