وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى ها هنا" ويشير إلى صدره ثلاث مرات: )بحسب امرىءٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرامٌ: دمه وماله وعرضه" أخرجه مسلمٌ. حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
قال -رحمهه الله تعالى- فيما نقله : " عن أبي هريرة رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعضٍ، وكونوا عباد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى هاهنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ) إلى آخره.
هذه كلها أخلاق فاضلة وآداب عالية ، حثَّ عليها النبي صلى الله عليه وسلم بما سمعتم ، قال: ( لا تحاسدوا ) المعنى: لا يحسد بعضكم بعضاً، وليس المعنى لا تحاسدوا من الطرفين ، بل الحسد مذموم ولو من طرف واحد ، وليس بشرط أن يكون بين اثنين .
وسبق لنا أن الحسد عرَّفه أكثر العلماء بأنه : " أن يتمنى زوال نعمة الله على غيره "، وعرفه شيخ الإسلام رحمه الله بأنه : " كراهة ما أنعم الله به على غيره " وهذا أعم وأقرب .
( ولا تناجشوا ) أي: لا ينجش بعضكم على بعض في البيع والشراء ، والمناجشة فسرها العلماء بأنها: أن يزيد في السلعة أي: في ثمنها وهو لا يريد شراءها، وإنما يريد مضرة المشتري أو منفعة البائع أو الأمرين جميعاً، أما الأول: فأن ينظر إلى الذي سامها فإذا هو من أعدائه ، سامها بمائة فقال هذا الرجل: أنا أشتريها بمائة وعشرة هذا نجش لأي شيء ؟
الطالب : ليضر المشتري .
الشيخ : للإضرار بالمشتري.
الصورة الثانية: صاحبه يريد أن يبيع شيئاً فعرضه في المزايدة فزاد في ثمنه وهو لا يريد شراءه لكن يريد إيش؟ منفعة البائع.
الصورة الثالثة: مركبة من الأمرين : أن يكون السائم عدواً له، والبائع صديقاً له فينجش من أجل إيش؟
من أجل الأمرين منفعة البائع، ومضرة المشتري.
هناك شيء رابع ولكنه قليل الوقوع وهو: أن يزيد في السلعة ليزداد الثمن له، وذلك فيما إذا كان هو صاحب السلعة أو هو شريك فيها، فتُعرض للبيع في المزايدة ويزيد وهو صاحب السلعة لماذا يزيد؟
علشان منفعة نفسه، وإذا قيل: لماذا تزيد والسلعة لك؟
قال: إني موكل، ومعلوم أن الوكيل له أن يزيد ، وهو في قوله موكل: كاذب. أو تكون السلعة مشتركة بينه وبين غيره له نصفها ولآخر نصفها، فيزيد من أجل زيادة سهمه .
أما لو كان يزيد في السلعة المشتركة لأنه يريد شراءها حقيقة ، فهذا لا بأس به، طيب إذن المناجشة ما هي؟
أن يزيد في السلعة ولا يريد شراءها.
( ولا تباغضوا ) : أي لا يبغض بعضكم بعضاً، والغالب أن البغضاء متبادلة كالمحبة ، بمعنى أنك إذا كنت تبغض شخصاً فهو يبغضك، ولهذا مِن الأمثال المضروبة السائرة : القلوب شواهد ، ويروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال في رجز :
" وللقلب على القلب *** دليل حين يلقاه " .
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في قصة مغيث وبريرة ، قال لأصحابه: ( ألا تعجبون من حب مغيث لبريرة ، وبغض بريرة لمغيث ) ويش بريرة هذه ؟ بريرة أَمَة عَتَقت فصارت حرة ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنت الآن بالخيار ، إن شئت أن تبقي مع زوجك فهو زوجك وإن شئت أن تفسخي النكاح فالأمر إليكي ، فقالت: أريد فسخ النكاح ) هي لا تريد زوجها ، ففسخ النبي صلى الله عليه وسلم نكاحها ، فتأثر لذلك زوجها تأثراً شديداً حتى جعل يلحقها في أسواق المدينة يبكي من شدة محبته لها ، وهي رضي الله عنها تبغضه بغضاً شديداً ، ولم ترحمه ، وهو يلاحقها يبكي ، فطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع إليها ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم سَمحاً حسن الأخلاق ، فشفع لهذا الرجل إلى امرأته قال: ( ارجعي إليه، قالت: يا رسول الله: إن كنتَ تأمرني فسمعاً وطاعةً ) : الله أكبر الإيمان تقدم أمر الله ورسوله، ( وإن كنت تشير فلا حاجة لي فيه ، فقال: بل أنا مشير فقالت: لا حاجة لي فيه ) : والمقصود من سياق هذا أن الرسول قال: ( ألا تعجبون مِن حب مغيث لبريرة وبغض بريرة لمغيث )، والغالب أن القلوب تتبادل البغضاء والمحبة .
( ولا تدابروا ) أي: لا يولي أحدكم أخاه دبره وهذا يشمل التدابر المعنوي والتدابر الحسي.
التدابر المعنوي: أن تختلف وجهات النظر ، وأن يبتعد كل واحد عن الآخر ، وأن يفسقه ويضلله ويبدعه وما أشبه ذلك هذا تدابر، والذي ينبغي من المسلمين أن تكون وجهتهم واحدة ، وأنه إذا خالف أحد في الرأي حاولوا أن يجذبوه إليهم ، فإن أبى فإنه لا يضر ، يجب ألا يؤثر في اتجاه بعضهم إلى بعض.
أما التدابر الحسي فمعناه : أن كل واحد يولي الآخر دبره، يعني مثلاً : جلسوا هذا بنصف الحلقة وذا وراه والثالث بينهما والرابع يتقدم ويتأخر ، ولهذا وصف الله تعالى أهل الجنة بأنهم : (( على سرر متقابلين ))، لا يتدابرون ، فالتدابر هذا منهي عنه.
وعندي وإن كنت لا أجزم به كثيراً : أن منه ما يفعله بعض الناس الآن إذا انتهى من الصلاة وسلم تقدم على الصف فاستدبر إخوانه، ثم إنك تشعر بأن هذا الذي تقدم تشعر بأنه يعني يرى في نفسه شيئاً من الزهو، ولذلك جلس تشاهدون؟
الطالب : نعم .
الشيخ : هذه الجلسة يعني تدل على أن الإنسان عنده شيء من الغرور، وإن كنا لا نتهم أحداً بما في قلبه، والعلم عند الله، القلوب لا يعلمها إلا علام الغيوب، لكن لماذا؟
بعض الناس يقول والله تعبت رجلي والصف متراص؟
نقول : الحمد لله الأمر واسع قم إلى مؤخر المسجد أو مقدم المسجد واجلس كيف شئت ، أما أن تتقدم شبراً أو نحوه وتولي إخوانك ظهرك فهذا ثقيل عليهم، ولهذا بعض الناس شكا إليّ هذا الأمر ، قال: أنا أتضايق من هذا إذا صلى جنبي وتقدم عليَّ أتضايق منه نعم .
إذن التدابر ينقسم إلى قسمين : حسي ومعنوي طيب.
( ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض ) : هذا أيضاً من الآداب ألا يبيع الإنسان على بيع أخيه ، بأن يقول لمن اشترى شيئاً بعشرة: أنا أعطيك مثله بتسعة، أفهمتم ؟
إنسان اشترى هذه بعشرة ، فذهب واحد من الناس وقال: أنا أعطيك مثلها بتسعة ، أو أعطيك أحسن منها بعشرة ، فإن قال: أنا أعطيك مثلها بعشرة هل هو بيع على بيعه ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : ليش؟
الطالب : ...
الشيخ : لأن الأول ما هو براح يردها على صاحبها ويأتي إليك زيادة تكلف، لكنه لا يكون بيعاً على بيع إلا إذا كان أنقص ثمناً أو كانت السلعة أجود صفة، هذا حرام .
وظاهر الحديث أنه لا يبيع على بيع أخيه سواء كان بعد لزوم البيع أو قبل لزوم البيع.
بمعنى أنه لا فرق بين أن يكون في مدة الخيار أو بعد لزوم البيع.
أما إذا كان في مدة الخيار فالتحريم ظاهر يعني مثال ذلك :
اشترى سلعة بمائة ريال، وجعل الخيار له لمدة يومين، فذهب إنسان إلى المشتري وقال: أنا أعطيك مثلها بتسعة أو خيراً منها بعشرة، هذا واضح أنه حرام، لماذا؟
لأن المشتري سوف يفسخ البيع على طول، يذهب إلى البائع ويقول له: خلاص هونت .
لكن إذا كان بعد زمن الخيار يعني: بعد لزوم البيع حيث لا خيار، فهل يحرم البيع على بيع أخيه؟
قال بعض العلماء: إنه لا يحرم ، لأنه لو أراد أن يفسخ البيع لم يتمكن ، ولكن الصحيح أنه عام، والضرر من البيع على بيع أخيه بعد لزوم البيع هو أنه يقع في قلب المشتري حسرة وندم، وهذا قد يولد في قلبه بغضاً للبائع، ويقول: غلبني خدعني ، نعم ، ثم ربما يحاول أن يجد عيباً في السلعة ليردها على صاحبها ، لذلك القول الراجح في هذه المسألة : أنه يحرم البيع على بيعه سواء كان بعد لزوم البيع أو قبل لزوم البيع.
طيب وهل الشراء على شرائه مثله ؟
الطالب : نعم.
الشيخ : نعم ، مثله ، مثل أن يذهب إلى شخص باع سلعة بعشرة ويقول: بعتها بعشرة؟ قال: نعم، مغلوب: أنا أعطيك خمسة عشر، هذا حرام ولا لا ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : حرام، ليش؟
لأن هذا البائع إن كان قبل لزوم البيع سيذهب فوراً ويفسخ البيع، وإن كان بعد لزومه فسيقع في قلبه شيء على المشتري ويقول: خدعني غلبني، ويحاول أن إيش؟
أن يردها، هل مثله الإجارة على إجارته؟
الطالب : نعم .
الشيخ : نعم، وهل مثله الخطبة على خطبته ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : نعم ، وهذا أيضاً جاء في الحديث : ( لا يخطب على خطبة أخيه ) : مثاله سمع أن فلاناً خطب امرأة فذهب إلى المرأة أو إلى وليها وخطبها، منه، وهو يعلم أنه إذا خطب سوف يزوجونه دون الأول، فهنا حرام لا يجوز.
طيب فإن خطب وهو دون الأول مقاماً وشباباً ومالاً فهل يحرم؟
الطالب : نعم الحديث عام.
الشيخ : هو يعرف أنهم ما مزوجينه ، الخاطب الأول رجل شاب وغني مهذب والثاني شيخ كبير فقير هل يحرم أو لا يحرم ؟
الطالب : يحرم .
الشيخ : يحرم؟
الطالب : نعم.
الشيخ : حتى وإن كنا نعلم أنهم لن يقبلوه؟
الطالب : نعم .
الشيخ : لماذا قلتم في مسألة البيع والشراء لا بد أن يكون يزيد أو يعطي مثلاً سلعة أحق بالثمن أو بزيادة الثمن ، ألستم قلتم هكذا ؟
الطالب : بلى .
الشيخ : يعني قلنا لكم لو ذهب إلى المشتري أو البائع وقال أعطيك مثل هذه السلعة أو أشتري مثل هذه السلعة بعشرة بمثل ما باع ، قلتم لنا أنتم أنه لا بأس به ، قلتم : لا بأس به طيب ، هذا إذا كان يعلم أنهم لن يعدلوا عن خطبة الأول ، نعم أجيببوا يا جماعة ؟
الطالب : هذا يقع في النهي .
الشيخ : حتى هذا وقع في النهي إذا باع على بيع أخيه الثمن واحد وقع في النهي .
الطالب : ...
الشيخ : كيف اشتريت ، هذا رجل باع سلعة بعشرة ، فجاءه إنسان وقال : أشتريها منك بإحدى عشر هذا شراء على شراء ، باعها بعشرة فجاءه إنسان قال أنا أشتريها بعشرة ؟
الطالب : يحرم .
الشيخ : لا أنتم قلتم لا يحرم ، قلتم لا يحرم .
الطالب : شيخ أما البيع فلا يحرم ، لأنه يمكن للمشتري أن يشتري أكثر من سلعة والبائع كذلك ، يمكن أكثر من سلعة ، أما الزواج فليس .
الشيخ : لا ، يمكن النساء كثير ، النساء كثير .
الطالب : ما يمكن أن تأخذ اثنين .
الشيخ : لا ما يمكن تأخذ اثنين ، والسلع ما يمكن تقسم على اثنين .
الطالب : ...
الشيخ : على كل حال المسألة إن أخذنا بالظاهر قلنا: حرام ، اصبر أنت حتى تشوف ، ولو شاف أنهم يزوجون إذا كن كفء ، وإن أخذنا بالمعنى قلنا : خطبة هذا الرجل لا تؤثر شيئاً على الأول ، إلا إذا علمنا أنها قد تؤثر يعني غلب على ظننا أنها قد تؤثر، لأن بعض النساء ترغب مثلاً الرجل الكبير أو الرجل المعوَّق ابتغاء وجه الله ، تتزوج إنساناً معوقاً تقول: لأني أعرف أنه لو خطب ما أجيب ، وأنا أريد أن أتزوجه رحمة به هذا ممكن، على كل حال نقول: السلامة أسلم ، وألا تخطب على خطبة أخيك.
ومتى تجوز الخطبة؟
نقول: تجوز إذا رُد الخاطب الأول، هذه واحدة، يعني: علم أن فلاناً خطب وردوه فله أن يخطب، فلا يقال: لا تخطب، لأنه ربما أعاد الخطبة مرة ثانية، لأن بعض الناس إذا خطب ورُد وبقي شهر شهرين رجع وخطب مرة ثانية، فإذا علمت أنه رُد فلا بأس أن تخطب، كذلك إذا أذن الأول الخاطب، بمعنى أنك علمت أن فلاناً خطب المرأة فذهبت إليه وقلت: أريد منك أن تتنازل لأني أريدها، فتنازلت فيجوز، ما لم تعلم أنه تنازل حياءً أو خجلاً، فإن علمت ذلك فلا تقدم على الخطبة، لأن هذا الإذن ليس عن رضا.
يقول عليه الصلاة والسلام : ( وكونوا عباد الله إخواناً ) : كونوا فعل أمر . عباد :
قال -رحمهه الله تعالى- فيما نقله : " عن أبي هريرة رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعضٍ، وكونوا عباد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى هاهنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ) إلى آخره.
هذه كلها أخلاق فاضلة وآداب عالية ، حثَّ عليها النبي صلى الله عليه وسلم بما سمعتم ، قال: ( لا تحاسدوا ) المعنى: لا يحسد بعضكم بعضاً، وليس المعنى لا تحاسدوا من الطرفين ، بل الحسد مذموم ولو من طرف واحد ، وليس بشرط أن يكون بين اثنين .
وسبق لنا أن الحسد عرَّفه أكثر العلماء بأنه : " أن يتمنى زوال نعمة الله على غيره "، وعرفه شيخ الإسلام رحمه الله بأنه : " كراهة ما أنعم الله به على غيره " وهذا أعم وأقرب .
( ولا تناجشوا ) أي: لا ينجش بعضكم على بعض في البيع والشراء ، والمناجشة فسرها العلماء بأنها: أن يزيد في السلعة أي: في ثمنها وهو لا يريد شراءها، وإنما يريد مضرة المشتري أو منفعة البائع أو الأمرين جميعاً، أما الأول: فأن ينظر إلى الذي سامها فإذا هو من أعدائه ، سامها بمائة فقال هذا الرجل: أنا أشتريها بمائة وعشرة هذا نجش لأي شيء ؟
الطالب : ليضر المشتري .
الشيخ : للإضرار بالمشتري.
الصورة الثانية: صاحبه يريد أن يبيع شيئاً فعرضه في المزايدة فزاد في ثمنه وهو لا يريد شراءه لكن يريد إيش؟ منفعة البائع.
الصورة الثالثة: مركبة من الأمرين : أن يكون السائم عدواً له، والبائع صديقاً له فينجش من أجل إيش؟
من أجل الأمرين منفعة البائع، ومضرة المشتري.
هناك شيء رابع ولكنه قليل الوقوع وهو: أن يزيد في السلعة ليزداد الثمن له، وذلك فيما إذا كان هو صاحب السلعة أو هو شريك فيها، فتُعرض للبيع في المزايدة ويزيد وهو صاحب السلعة لماذا يزيد؟
علشان منفعة نفسه، وإذا قيل: لماذا تزيد والسلعة لك؟
قال: إني موكل، ومعلوم أن الوكيل له أن يزيد ، وهو في قوله موكل: كاذب. أو تكون السلعة مشتركة بينه وبين غيره له نصفها ولآخر نصفها، فيزيد من أجل زيادة سهمه .
أما لو كان يزيد في السلعة المشتركة لأنه يريد شراءها حقيقة ، فهذا لا بأس به، طيب إذن المناجشة ما هي؟
أن يزيد في السلعة ولا يريد شراءها.
( ولا تباغضوا ) : أي لا يبغض بعضكم بعضاً، والغالب أن البغضاء متبادلة كالمحبة ، بمعنى أنك إذا كنت تبغض شخصاً فهو يبغضك، ولهذا مِن الأمثال المضروبة السائرة : القلوب شواهد ، ويروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال في رجز :
" وللقلب على القلب *** دليل حين يلقاه " .
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في قصة مغيث وبريرة ، قال لأصحابه: ( ألا تعجبون من حب مغيث لبريرة ، وبغض بريرة لمغيث ) ويش بريرة هذه ؟ بريرة أَمَة عَتَقت فصارت حرة ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنت الآن بالخيار ، إن شئت أن تبقي مع زوجك فهو زوجك وإن شئت أن تفسخي النكاح فالأمر إليكي ، فقالت: أريد فسخ النكاح ) هي لا تريد زوجها ، ففسخ النبي صلى الله عليه وسلم نكاحها ، فتأثر لذلك زوجها تأثراً شديداً حتى جعل يلحقها في أسواق المدينة يبكي من شدة محبته لها ، وهي رضي الله عنها تبغضه بغضاً شديداً ، ولم ترحمه ، وهو يلاحقها يبكي ، فطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع إليها ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم سَمحاً حسن الأخلاق ، فشفع لهذا الرجل إلى امرأته قال: ( ارجعي إليه، قالت: يا رسول الله: إن كنتَ تأمرني فسمعاً وطاعةً ) : الله أكبر الإيمان تقدم أمر الله ورسوله، ( وإن كنت تشير فلا حاجة لي فيه ، فقال: بل أنا مشير فقالت: لا حاجة لي فيه ) : والمقصود من سياق هذا أن الرسول قال: ( ألا تعجبون مِن حب مغيث لبريرة وبغض بريرة لمغيث )، والغالب أن القلوب تتبادل البغضاء والمحبة .
( ولا تدابروا ) أي: لا يولي أحدكم أخاه دبره وهذا يشمل التدابر المعنوي والتدابر الحسي.
التدابر المعنوي: أن تختلف وجهات النظر ، وأن يبتعد كل واحد عن الآخر ، وأن يفسقه ويضلله ويبدعه وما أشبه ذلك هذا تدابر، والذي ينبغي من المسلمين أن تكون وجهتهم واحدة ، وأنه إذا خالف أحد في الرأي حاولوا أن يجذبوه إليهم ، فإن أبى فإنه لا يضر ، يجب ألا يؤثر في اتجاه بعضهم إلى بعض.
أما التدابر الحسي فمعناه : أن كل واحد يولي الآخر دبره، يعني مثلاً : جلسوا هذا بنصف الحلقة وذا وراه والثالث بينهما والرابع يتقدم ويتأخر ، ولهذا وصف الله تعالى أهل الجنة بأنهم : (( على سرر متقابلين ))، لا يتدابرون ، فالتدابر هذا منهي عنه.
وعندي وإن كنت لا أجزم به كثيراً : أن منه ما يفعله بعض الناس الآن إذا انتهى من الصلاة وسلم تقدم على الصف فاستدبر إخوانه، ثم إنك تشعر بأن هذا الذي تقدم تشعر بأنه يعني يرى في نفسه شيئاً من الزهو، ولذلك جلس تشاهدون؟
الطالب : نعم .
الشيخ : هذه الجلسة يعني تدل على أن الإنسان عنده شيء من الغرور، وإن كنا لا نتهم أحداً بما في قلبه، والعلم عند الله، القلوب لا يعلمها إلا علام الغيوب، لكن لماذا؟
بعض الناس يقول والله تعبت رجلي والصف متراص؟
نقول : الحمد لله الأمر واسع قم إلى مؤخر المسجد أو مقدم المسجد واجلس كيف شئت ، أما أن تتقدم شبراً أو نحوه وتولي إخوانك ظهرك فهذا ثقيل عليهم، ولهذا بعض الناس شكا إليّ هذا الأمر ، قال: أنا أتضايق من هذا إذا صلى جنبي وتقدم عليَّ أتضايق منه نعم .
إذن التدابر ينقسم إلى قسمين : حسي ومعنوي طيب.
( ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض ) : هذا أيضاً من الآداب ألا يبيع الإنسان على بيع أخيه ، بأن يقول لمن اشترى شيئاً بعشرة: أنا أعطيك مثله بتسعة، أفهمتم ؟
إنسان اشترى هذه بعشرة ، فذهب واحد من الناس وقال: أنا أعطيك مثلها بتسعة ، أو أعطيك أحسن منها بعشرة ، فإن قال: أنا أعطيك مثلها بعشرة هل هو بيع على بيعه ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : ليش؟
الطالب : ...
الشيخ : لأن الأول ما هو براح يردها على صاحبها ويأتي إليك زيادة تكلف، لكنه لا يكون بيعاً على بيع إلا إذا كان أنقص ثمناً أو كانت السلعة أجود صفة، هذا حرام .
وظاهر الحديث أنه لا يبيع على بيع أخيه سواء كان بعد لزوم البيع أو قبل لزوم البيع.
بمعنى أنه لا فرق بين أن يكون في مدة الخيار أو بعد لزوم البيع.
أما إذا كان في مدة الخيار فالتحريم ظاهر يعني مثال ذلك :
اشترى سلعة بمائة ريال، وجعل الخيار له لمدة يومين، فذهب إنسان إلى المشتري وقال: أنا أعطيك مثلها بتسعة أو خيراً منها بعشرة، هذا واضح أنه حرام، لماذا؟
لأن المشتري سوف يفسخ البيع على طول، يذهب إلى البائع ويقول له: خلاص هونت .
لكن إذا كان بعد زمن الخيار يعني: بعد لزوم البيع حيث لا خيار، فهل يحرم البيع على بيع أخيه؟
قال بعض العلماء: إنه لا يحرم ، لأنه لو أراد أن يفسخ البيع لم يتمكن ، ولكن الصحيح أنه عام، والضرر من البيع على بيع أخيه بعد لزوم البيع هو أنه يقع في قلب المشتري حسرة وندم، وهذا قد يولد في قلبه بغضاً للبائع، ويقول: غلبني خدعني ، نعم ، ثم ربما يحاول أن يجد عيباً في السلعة ليردها على صاحبها ، لذلك القول الراجح في هذه المسألة : أنه يحرم البيع على بيعه سواء كان بعد لزوم البيع أو قبل لزوم البيع.
طيب وهل الشراء على شرائه مثله ؟
الطالب : نعم.
الشيخ : نعم ، مثله ، مثل أن يذهب إلى شخص باع سلعة بعشرة ويقول: بعتها بعشرة؟ قال: نعم، مغلوب: أنا أعطيك خمسة عشر، هذا حرام ولا لا ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : حرام، ليش؟
لأن هذا البائع إن كان قبل لزوم البيع سيذهب فوراً ويفسخ البيع، وإن كان بعد لزومه فسيقع في قلبه شيء على المشتري ويقول: خدعني غلبني، ويحاول أن إيش؟
أن يردها، هل مثله الإجارة على إجارته؟
الطالب : نعم .
الشيخ : نعم، وهل مثله الخطبة على خطبته ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : نعم ، وهذا أيضاً جاء في الحديث : ( لا يخطب على خطبة أخيه ) : مثاله سمع أن فلاناً خطب امرأة فذهب إلى المرأة أو إلى وليها وخطبها، منه، وهو يعلم أنه إذا خطب سوف يزوجونه دون الأول، فهنا حرام لا يجوز.
طيب فإن خطب وهو دون الأول مقاماً وشباباً ومالاً فهل يحرم؟
الطالب : نعم الحديث عام.
الشيخ : هو يعرف أنهم ما مزوجينه ، الخاطب الأول رجل شاب وغني مهذب والثاني شيخ كبير فقير هل يحرم أو لا يحرم ؟
الطالب : يحرم .
الشيخ : يحرم؟
الطالب : نعم.
الشيخ : حتى وإن كنا نعلم أنهم لن يقبلوه؟
الطالب : نعم .
الشيخ : لماذا قلتم في مسألة البيع والشراء لا بد أن يكون يزيد أو يعطي مثلاً سلعة أحق بالثمن أو بزيادة الثمن ، ألستم قلتم هكذا ؟
الطالب : بلى .
الشيخ : يعني قلنا لكم لو ذهب إلى المشتري أو البائع وقال أعطيك مثل هذه السلعة أو أشتري مثل هذه السلعة بعشرة بمثل ما باع ، قلتم لنا أنتم أنه لا بأس به ، قلتم : لا بأس به طيب ، هذا إذا كان يعلم أنهم لن يعدلوا عن خطبة الأول ، نعم أجيببوا يا جماعة ؟
الطالب : هذا يقع في النهي .
الشيخ : حتى هذا وقع في النهي إذا باع على بيع أخيه الثمن واحد وقع في النهي .
الطالب : ...
الشيخ : كيف اشتريت ، هذا رجل باع سلعة بعشرة ، فجاءه إنسان وقال : أشتريها منك بإحدى عشر هذا شراء على شراء ، باعها بعشرة فجاءه إنسان قال أنا أشتريها بعشرة ؟
الطالب : يحرم .
الشيخ : لا أنتم قلتم لا يحرم ، قلتم لا يحرم .
الطالب : شيخ أما البيع فلا يحرم ، لأنه يمكن للمشتري أن يشتري أكثر من سلعة والبائع كذلك ، يمكن أكثر من سلعة ، أما الزواج فليس .
الشيخ : لا ، يمكن النساء كثير ، النساء كثير .
الطالب : ما يمكن أن تأخذ اثنين .
الشيخ : لا ما يمكن تأخذ اثنين ، والسلع ما يمكن تقسم على اثنين .
الطالب : ...
الشيخ : على كل حال المسألة إن أخذنا بالظاهر قلنا: حرام ، اصبر أنت حتى تشوف ، ولو شاف أنهم يزوجون إذا كن كفء ، وإن أخذنا بالمعنى قلنا : خطبة هذا الرجل لا تؤثر شيئاً على الأول ، إلا إذا علمنا أنها قد تؤثر يعني غلب على ظننا أنها قد تؤثر، لأن بعض النساء ترغب مثلاً الرجل الكبير أو الرجل المعوَّق ابتغاء وجه الله ، تتزوج إنساناً معوقاً تقول: لأني أعرف أنه لو خطب ما أجيب ، وأنا أريد أن أتزوجه رحمة به هذا ممكن، على كل حال نقول: السلامة أسلم ، وألا تخطب على خطبة أخيك.
ومتى تجوز الخطبة؟
نقول: تجوز إذا رُد الخاطب الأول، هذه واحدة، يعني: علم أن فلاناً خطب وردوه فله أن يخطب، فلا يقال: لا تخطب، لأنه ربما أعاد الخطبة مرة ثانية، لأن بعض الناس إذا خطب ورُد وبقي شهر شهرين رجع وخطب مرة ثانية، فإذا علمت أنه رُد فلا بأس أن تخطب، كذلك إذا أذن الأول الخاطب، بمعنى أنك علمت أن فلاناً خطب المرأة فذهبت إليه وقلت: أريد منك أن تتنازل لأني أريدها، فتنازلت فيجوز، ما لم تعلم أنه تنازل حياءً أو خجلاً، فإن علمت ذلك فلا تقدم على الخطبة، لأن هذا الإذن ليس عن رضا.
يقول عليه الصلاة والسلام : ( وكونوا عباد الله إخواناً ) : كونوا فعل أمر . عباد :