وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الباقيات الصالحات: لا إله إلا الله وسبحان الله والله أكبر والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله ) أخرجه النسائي وصححه ابن حبان والحاكم. حفظ
الشيخ : قال المؤلف رحمه الله تعالى فيما نقله عن أبي سعيد لخدري رضي الله عنه في باب الذكر والدعاء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الباقيات الصالحات لا إله إلا الله ) يشير إلى قول الله تعالى (( المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا )) فهذا تفسير من النبي صلى الله عليه وسلم للباقيات الصالحات المذكورات في هذه الآية الكريمة وسميت باقية لأنها تبقى مدخرة للعبد عند الله عز وجل ينتفع بها يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم وسميت صالحة لأنها من أفضل الكلام وأطيبه
( لا إله إلا الله ) يحتمل أن تكون لا إله إلا الله وما عطف عليها مبتدأ والباقيات الصالحات خبر ويحتمل العكس وكلاهما صحيح لكن جملة لا إله إلا الله يحسن أن تكون خبرا وذلك لأن المعروف أن الذي يكون جملة هو الخبر أما وجه كونها مبتدأ وما قبلها خبر فتكون هذه الجملة مؤولة بهذا اللفظ يعني كأنه قال هذا اللفظ الباقيات الصالحات فصار لنا في إعرابها وجهان الوجه الأول أن تكون الباقيات الصالحات خبرا مقدما ولا إله إلا الله جملة مبتدأ مؤخر على تقديرها باللفظ كما قال المعربون في قول ابن مالك قال
" محمد هو ابن مالك *** أحمد رب الله خير مالك "
قالوا هذه أحمد إلى آخر الألفية مقول القول فالجملة كلها صارت قامت مقام المفرد أي قال ابن مالك هذا القول هنا نقول إن لا إله إلا الله إذا جعلناها مبتدأ صارت على تأويل هذا اللفظ أما إذا جعلنا الباقيات مبتدأ ولا إله إلا الله خبر فلا إشكال في ذلك لأن جملة لا إله إلا الله خبر وهو لا غرابة فيه إذ أن الخبر قد يقع جملة ويقع مفردا ويقع شبيه جملة وسبق الكلام على معنى لا إله إلا الله وسبحان الله
وأما قوله الله أكبر، الله أكبر حقيقة ومعنى فالله تعالى أكبر من كل شيء في علمه وقدرته وسمعه وبصره وسلطانه وغير ذلك أكبر من كل شيء وهو سبحانه وتعالى ذاته أكبر من كل شيء لأن السماوات السبع والأراضين السبع في كف الرحمن كإيش كخردلة في كف أحدنا ولأن الله تعالى يقول (( وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون )) ويقول جل وعلا (( يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين )) فالله أكبر من كل شيء في أسمائه وصفاته وكذلك في ذاته ولا يقدر أحد قدره إذا كان العرش يقول فيه ابن عباس " لا يقدر قدره إلا الله " فما بالك بخالق العرش
طيب إذن عندما تقول الله أكبر لابد أن تشعر بأنه أكبر من كل شيء علما وقدرة وسلطانا وحكمة وتدبيرا وغير ذلك كما أنه ذاته تعالى أكبر من كل شيء
يقول ( والحمد لله ) الحمد لله سبق لنا معنى الحمد وأنه وصف المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم ولا يشترط التكرار لأنك إذا كررت الحمد صار ثناء وقوله الحمد قال العلماء إن أل في الحمد للاستقرار أي كل حمد وأن اللام في قوله لله للاستحقاق والاختصاص فالذي يستحق الحمد كله هو الله والحمد كله خاص بمن بالله لا أحد يحمد الحمد كله وإنما يحمد الإنسان أو فاعل الإحسان على شيء معين مخصوص وصغير
( والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله ) لا حول هذه لا تسمى عند النحوين النافية للجنس ومعنى كونها نافية للجنس أنها شاملة لجميع أفراد المنفي على التنصيص على التنصيص وذلك لأن العموم قد يكون شاملا لجميع أفراد العام بحسب الظاهر لكن لا حول تنص على جميع أفراد العام نصا قطعيا نعم إذن لا حول إلا بالله وما معنى لا حول الحول قيل معناه التحول، التحول من حال إلى حال يعني لا تتحول الأحوال من حال إلى حال إلا بالله ولا يستطيع أحد أن يحول الرخاء إلى شدة والشدة إلى رخاء إلا الله عز وجل فيكون حول بمعنى تحول أو بمعنى تحويل تحوّل إذا كان تحول بذات الشيء تحويل إذا كان بفعل فاعل
وقوله ( ولا قوة ) أي لا قوة على هذا التحول إلا بالله عز وجل يعني لا أحد يقوى على تحويل شيء إلى شيء أو على التحول من شيء إلى شيء إلا بالله عز وجل وعلى هذا فيكون معنى هذه الجملة العظيمة البراءة أو إن شئت فقل التبرء من الحول والقوة وتفويض ذلك إلى من إلى الله عز وجل وحده ولهذا كانت هذه الكلمة كلمة استعانة كلمة استعانة والذين يأتون بها في محل كلمة الاسترجاع إنما يقصدون بذلك الاستعانة على الصبر على هذه المصيبة أعني أن كثيرا من الناس إذا أصيب بمصيبة قال إيش لا حول ولا قوة إلا بالله إذا قيل له إنه حصل كذا وكذا من المعاصي وغيرها يقول لا حول ولا قوة إلا بالله ولكن المشروع أن يقول إنا لله وإنا إليه راجعون هذا هو ذكر المصائب لكن لمن قال لا حول ولا قوة إلا بالله عند المصائب وجه وهو أنه قصد إيش الاستعانة على الصبر الذي هو مأمور به نحن إذا سمعنا المؤذن يقول حي على الصلاة حي على الفلاح نقول لا حول ولا قوة إلا بالله استرجاعا أو استعانة
الطالب : استعانة
الشيخ : استعانة لأن المؤذن دعاك حي حي على الصلاة أقبل حي على الفلاح الذي يكون في الصلاة فتقول لا حول ولا قوة إلا بالله وهذا الذكر متضمن لقول السامع سمعنا وأطعنا أخرجه النسائي وصححه ابن حبان والحاكم