فوائد حديث :( اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري ... ). حفظ
الشيخ : في هذا الحديث فوائد
أولا فضيلة الدعاء بهذا لوجهين:
الأول ما يحصل به من فائدة للإنسان
والثاني التأسي بإيش برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
ومن فوائد هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قد يقع منه خطأ ولهذا طلب المغفرة فإن قال قائل لعل النبي صلى الله عليه وسلم قصد بذلك التعليم وأنه لم يقع منه خطأ فالجواب هذا خلاف الظاهر لأنه لو قصد التعليم لقال استغفروا الله تعالى من الخطايا أو قولوا اللهم اغفر لي خطيئتي طيب ويرد أيضا على هذا بأن الله تعالى صرّح بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لذنبه وللمؤمنين فقال (( فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات )) طيب إذن لو قال قائل إذا قررت هذا فما الفرق بين النبي وغيره فالجواب الفرق بين النبي وغيره من عدة أمور
أولا النبي لا يمكن أن يقع منه الشرك إطلاقا
ثانيا لا يمكن أن يقع منه التكذيب
ثالثا لا يمكن أن يقع منه ما يخل بالشرع والأخلاق الفاضلة
رابعا أنه لا يقع منه شيء من الكبائر إلا عن اجتهاد ثم يمنّ الله عليه بالتوبة خامسا أنه لو قدّر أنه حصل منه صغيرة من الصغائر فإنه لا يقرّ عليها لابد أن ينبّه لها وأن يقلع عنها أما غيره فكل هذا يمكن في حقه وكفى بذلك شرفا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام أن يكونوا منزهين عن مثل هذه الأمور
ومن فوائد هذا الحديث أن الإسراف عرضة للعقوبة لقوله ( وإسرافي في أمري ) ويدل لذلك أن الله تعالى قال (( كلوا واشربوا )) إيش (( ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين )) فأمر بالحفظ حفظ النفس والإبقاء عليها ونهى عن الإسراف والإسراف كما شرحناه هو مجاوزة الحد
ومن فوائد هذا الحديث إثبات أن الله تعالى أعلم بالإنسان من نفسه لقوله ( وما أنت أعلم به مني ) والإنسان إذا علم بذلك فسوف يستحي من الله تعالى أن يجده في محل نهاه عنه أو يفقده في محل أمره به ما دمت تعلم أن الله يعلم حالك السرية والجهرية فإنك لابد أن تستحي من الله عز وجل
من فوائد هذا الحديث إثبات صيغة أفضل في علم الله لقوله ( أعلم ) وهذا واقع كثيرا في القرآن قال الله تعالى (( إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين )) والعجب الذي لا ينقضي أن بعض العلماء عفا الله عنا وعنهم قالوا أعلم بمعنى عالم لأن اسم التفضيل يستلزم المشاركة أو الاشتراك بين المفضّل والمفضّل عليه في أصل المعنى وإذا أثبت ذلك صار هذا نوعا من الشرك ولهذا يفسرون أعلم في القرآن بإيش بعالم وهذا من الخطأ المحض الخطأ المحض من جهتين:
الجهة الأولى أن هذا في الحقيقة إبطال لما دل عليه القرآن والقرآن نزل باللغة العربية واللغة العربية تفرّق بين أعلم وعالم
ثانيا أنك إذا جعلت أعلم بمعنى عالم فقد أثبت العلم لله ولغيره على حد سواء لأن الله عالم ونحن أيضا عالمون قال الله تعالى (( وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون )) لكن إذا قلت الله أعلم حينئذ تميز الخالق من المخلوق وأنه أعلم عز وجل وهذا هو الأكمل قال الله تعالى (( ولله المثل الأعلى )) ولهذا نقول الله أعلم وأقدر وأسمى وأبسط وأقوى إلى آخره كل الصفات التي يشترك في أصلها الخالق والمخلوق فالله تعالى فلله منها أكملها وأعلاها وهذه قاعدة معروفة عند الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته نعم
ومن فوائد هذا الحديث أن الإنسان قد يؤاخذ على هزله كما يؤاخذ على جده لقوله ( اللهم اغفر لي جدي وهزلي ) وحينئذ يجب على الإنسان أن يحترز ويحترس أيضا من المزح ولاسيما المزح الكثير فإن المزح الكثير يوقع دائما في الخطأ ولهذا يقال " المزح في الكلام كالملح في الطعام " إن خلا منه الطعام فقد جزءا كبيرا من الطعم اللذيذ وإن كثر أيضا فسد ولهذا اجعل مزحك موزونا في محله لا تمزح في موضع الجد ولا تجد في موضع المزح والإنسان الحكيم العاقل ينزّل كل حال منزلتها
من فوائد هذا الحديث أن الرسول عليه الصلاة والسلام سأل الله أن يغفر له ما قدم وما أخر وهنا يجب يوجد إشكال كيف الرسول يدعو الله أن يغفر له ما قدم وما أخر وقد قال الله له (( ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر )) والصحابة يقولون له إن الله غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويقرهم على ذلك الجواب الجواب أن يقال إن هذا الدعاء من باب التوكيد وقد يكون من أسباب أن الله غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر هو الدعاء ولهذا أخبرنا الله عز وجل أنه يصلي هو وملائكته على النبي وقال لنا صلوا عليه يعني اسألوا الله أن يصلي عليه فكيف يصح نقول نعم هو يصلي عليه عز وجل لكن لعل من أسباب الصلاة عليه أيضا أن ندعو له وهذا كثير أن تكون الأسباب للشيء الواحد متعددة نعم
من فوائد هذا الحديث أيضا أن الإنسان قد يسر وقد يعلن في الذنوب أما المعلن والعياذ بالله فهذا أسوة سيئة أسوة سيئة ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة فهو آثم من جهتين من جهة أنه فعل المعصية ومن جهة أنه جهر بها وحينئذ يتأسى الناس به من وجه وتهون المعصية أيضا في نفوس الناس لأن الشيء إذا انتشر إيش هان عند الناس ولهذا يقول العامة كلاما مضبوطا يقولون بكثرة الامساس يقل الإحساس وهذا مشاهد الشيء إذا سمع المنكر أول ما يسمعه تجده يستنكر منه ويشوش به لكن إذا فعل مرة بعد أخرى هان فالمجاهر بالمعاصي والعياذ بالله هو قد أساء إلى نفسه أولا وأساء إلى غيره ثانيا وأساء إلى الشريعة ثالثا لأن الناس سيتهاونون أما من أسر فهو ... يكون أمره بينه وبين من
الطالب : الله
الشيخ : وبين الله عز وجل وقد يتوب إلى الله لكن من الناس من يسر ثم يعلن وهذا هو الذي فقد العافية كما جاء في الحديث ( كل أمتي معافى إلا المجاهرون ) وهم الذين يفعلون المعاصي سرا ثم يصبحون يتحدثون بها
ومن فوائد هذا الحديث وصف الله تعالى بهذين الوصفين المقدم والمؤخر وهل هما اسمان من أسماء الله أو وصفان من أوصافه يحتمل هذا وهذا يحتمل أنهما اسمان من أسماء الله لأنهما جاءا معرفين بالله ويحتمل أنهما وصفان لكن على الأول الاحتمال الأول يقال فيهما هما اسمان مزدوجان مقترنان بمعنى أنه لا يصح إفراد أحدهما عن الآخر لأنك إذا قلت أنت المقدم فقد عرفنا أنه مقدم لكن بقي شيء آخر وهو التأخير ضد التقديم فلابد أن تقول وأنت المؤخر مثل هو الأول والآخر والظاهر والباطن فلابد أن تقول ما يقابل ذلك حتى تكون الإحاطة في الزمن السابق وفي الزمن اللاحق
ومن فوائد هذا الحديث إثبات اسم الله عز وجل القدير وأنه على كل شيء قدير وسبق لنا البحث في هذه المسألة وبيان أن قول بعض الناس إنه على ما يشاء قدير إنه غير سديد ولا ينبغي وأنه يوهم معنى فاسدا وهو مذهب أهل الاعتزال الذين يقولون إن الله لا يشاء أفعال العباد وإذا لم يشأها فليس قادرا إلا على ما يشاء وحينئذ لا يكون قادرا على أفعال العباد فلا يقدر أن يهدي ضالا ولا أن يضل مهتديا