وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لقنوا موتاكم لا إله إلا الله ) . رواه مسلم والأربعة . حفظ
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم .
" وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لقنوا موتاكم لا إله إلا الله ) رواه مسلم والأربعة ".
قوله عليه الصلاة والسلام : ( لقنوا موتاكم ) معنى التلقين : أن الإنسان يقول الشيء ليتبعه غيره كما يلقن المدرس الطفل الصغير القراءة مثلًا يقول أو يقرأ ثم ذاك يتبعه، فالمعنى قولوا : ( لا إله إلا الله ) من أجل أن يتبعوكم ويتلقنوا.
وقوله : ( موتاكم ) كلمة ( موتاكم ) يراد بها هنا : الذين هم في سياق الموت، فهو باعتبار باعتبار ما سيكون، والوصف قد يطلق على ما يتلوه إذا كان عاقبًا له مثل : (( فإذا قرأت القرآن )) إذا قرأت القرآن هل المعنى إذا أنهيت قراءته أو إذا أردت أن تقرأ بحيث تكون القراءة تالية لهذا ؟ هذا هو المراد فالوصف قد يوصف به من لم يتلبس به إذا كان قريبًا من ذلك، والموت يطلق على من أخذه سبب الموت كما في الحديث الذي نتلوه كل وقت ( أعوذ بك من فتنة المحيا والممات )
وقوله : ( لا إله إلا الله ) هذه الجملة هي كلمة التوحيد وما معنى ( لا إله إلا الله ) أي : لا معبود حق يستحق أن يعبد إلا الله عز وجل، وليس معناها أنه لا توجد آلهة سوى الله لأن هناك آلهة كثيرة تعبد من دون الله سماها الله تعالى آلهة فقال : (( فلا تدع مع الله إلاهًا آخر )) وقال : (( فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء )) وعلى هذا يتبين لنا أن النفي الموجود في لا إله إلا الله أو النفي الموجود في قول الرسل لقومهم : (( ما لكم من إله غيره )) أن المراد من إله حق مستحق لذلك فإنه لا أحد يستحق هذا إلا الله عز وجل.
وقوله : ( لا إله إلا الله ) اختلف العلماء لماذا لم يقل : ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) ؟ فقيل : لأن من أقر بالتوحيد فإنه مقر بالرسالة، لأن ألوهية الله عز وجل تقتضي لكمالها أن يكون محمد رسول الله، وقيل : بل المعنى لقنوهم لا إله إلا الله محمد رسول الله فحذف الثانية استغناء عنها بالأولى، ولكن ظاهر الحديث أنه لا حذف فيه وأن من شهد أن لا إله حق إلا الله فإن هذه الشهادة تتضمن الشهادة بأن محمدًا رسول الله، ولهذا في حديث أسامة الذي لحق بالرجل المشرك فلما أدركه قال الرجل إيش ؟ قال : لا إله إلا الله فقتله أسامة رضي الله عنه فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك قال له : ( قتلته بعد أن قال : لا إله إلا الله . قال : يا رسول الله إنما قالها تعوذًا ) ويش معنى تعوذًا ؟ يستعيذ بها من القتل وينجو بها من القتل فجعل الرسول عليه الصلاة والسلام يكررها : ( قتلته بعد أن قال : لا إله إلا الله ؟ ) حتى قال أسامة : ( تمنيت أني لم أكن أسلمت بعد ) نعم فهذا يدل على أن لا إله إلا الله إذا قالها الإنسان فهو مؤمن ثم يطالب بعد ذلك بلوازمها وقوله : ( لقنوا موتاكم لا إله إلا الله ) عرفنا معنى التلقين وهذا الأمر ليس على سبيل الوجوب ولكنه على سبيل الاستحباب، إذ لم يعلم أن أحدًا من أهل العلم قال بوجوبه ثم إن قوله : ( موتاكم ) الضمير يعود على من ؟ على المسلمين فيكون التلقين لمن مات من المسلمين، وأما الكفار فإنهم يؤمرون أمرًا يقال لهم : قولوا كذا قولوا لا إله إلا الله قولوا لا إله إلا الله ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمه أبي طالب وقد حضرته الوفاة قال له : ( يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله ) قال أهل العلم : والفرق بين المؤمن والكافر : أن المؤمن لو أنك أمرته أمرا فلربما اشمأز ونفر وكره ما قلت وربما يقول : فعلًا ما ني قايل هذا نسأل الله العافية، أما الكافر فإنك إذا أمرته فإن قال ذلك فقد ربح وإن لم يقل ذلك فهو خاسر من الأصل على كفره وقال بعض أهل العلم : بل يفرق بين الرجل الذي نرى أنه قد ضجر وضاق صدره عند نزول الموت به وهو مؤمن فهذا لا نقول : قل ولكننا نلقنه لا إله إلا الله لا إله إلا الله نقول عنده هكذا، أما إذا كان قد انشرح صدره لأن الناس يختلفون عند الموت واطمأن فهذا لا بأس أن نقول له : قل لا إله إلا الله أو اذكر الله أو ما أشبه ذلك لأنه ورد ( أن الرسول عليه الصلاة والسلام عاد رجلًا من الأنصار فقال له : قل لا إله إلا الله ) فعلى هذا القول يكون التلقين أو الأمر عائدا إلى حال الميت وإلى اجتهاد الحاضر فإذا لقنته لا إله إلا الله وقال لا إله إلا الله فاسكت ولا تكلمه بشيء لماذا ؟ حتى يكون آخر كلامه لا إله إلا الله فإن تكلم هو بشيء مثل قال : أعطوني ماء أو ما أشبه ذلك فإنك تعيد تلقينه فإذا لقنته ولم يقل : لا إله إلا الله فأعد التلقين مرة ثانية فإن ذكر الله فاسكت وإن لم يذكر الله فأعد التلقين مرة ثالثة فإن ذكر الله فذاك، وإن لم يذكر الله فقد قال العلماء : لا يعيد تلقينه بعد الثلاث لئلا يضجر لأنه في حالة لا يشعر بها إلا من أصابته، فلأجل ألا يضجر لا تعدها عليه ثلاث مرات وينبغي أن يقال في هذه الحال أنه ينظر إلى حال الميت وربما يكون عندما قلت له مرتين أو ثلاثا قد يكون في إغماء أو في شدة شديدة فإذا أعدت عليه تذكر، فالحاصل مثل هذه الأمور الإنسان الحكيم يعرف كيف يتصرف ولكل مقام مقال، أحيانًا ربما إننا نرى هذا المحتضر يتحرك حركات شديدة ويتنهد نهدات عظيمة وربما يتضجر ربما يقول : يا ويلاه وما أشبه ذلك من الأشياء فهذا لا بأس أن تقول له : اصبر احتسب انتظر الفرج من الله عز وجل وما أشبه ذلك، فالذي أرى في هذه المسألة أنها ترجع إلى ما تقتضيه الحال ويستعمل الإنسان الحكيم ما يراه أصلح .