فوائد حديث : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه ... ). حفظ
الشيخ : ففي هذا الحديث عدة فوائد من فوائده : جواز النعي وهو الإخبار بموت الميت ليصلى عليه ودليله فعل الرسول عليه الصلاة والسلام.
فإن قلت : هذا فعل وحديث حذيفة قول والقول مقدم على الفعل لاحتمال الخصوصية فالجواب : أن الأصل عدم الخصوصية فالجواب أن الأصل عدم الخصوصية، وأننا مأمورون بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم قولًا وفعلًا قولًا وفعلًا ما نقول قولًا وعملًا، لأن العمل يطلق على القول فالأحسن أن نقول : قولًا وفعلًا طيب إذًا نقول دعوى أو احتمال أن يكون خاصًا بالرسول عليه الصلاة والسلام نقول فيه : الأصل الأصل عدمه، ومن العجيب أن الشوكاني رحمه الله مع أنه من العلماء الفحول يرى أنه إذا تعارض القول والفعل أدنى معارضة فالحكم للقول ويلغي الفعل يقول : لاحتمال الخصوصية ونحن نقول : إذا أمكن الجمع إذا أمكن الجمع فإن الأولى إيش ؟ الجمع لأن فعل الرسول لا يعارض قوله، ولهذا أمثلة كثيرة منها هذا الحديث، ومنها : حديث النهي عن الشرب قائمًا مع أنه شرب قائمًا، ومنها : حديث النهي عن استقبال القبلة واستدبارها مع أنه استدبرها في البنيان، وله أمثلة كثيرة لكن الصواب في هذا أنه يجب علينا أن نأخذ بالقول والفعل وأن نجمع بينهما ما استطعنا نعم، إذا لم نستطع إذا أعيانًا الأمر فيمكن أن نقول : هذا خاص بالرسول عليه الصلاة والسلام لأننا لا نعلم وجها يمكن فيه الجمع بين فعله وقوله، وحينئذ نقول : فعله خاص به ونبقى على دلالة القول ومن فوائد الحديث : فضيلة النجاشي رحمه الله، وذلك لاهتمام النبي صلى الله عليه وسلم به بل ولعناية الله به من قبل، فإن الله تعالى أخبر نبيه بموته والنبي عليه الصلاة والسلام اهتم به هذا الاهتمام الذي سمعتم فيستفاد منه : فضلية هذا الرجل، وربما يستفاد منه : فضيلة صلاح السلطان وأن للسلطان أهمية في صلاحه لأن هذا الرجل ليس رجلًا عاديًّا، بل هو ملك للحبشة فلهذا اهتم به الرسول عليه الصلاة والسلام فقد يؤخذ منه الاهتمام بماذا ؟ بصلاح السلطان ولا شك أن صلاح السلطان له أهمية عظيمة كما قال الإمام أحمد رحمه الله : " لو أعلم أن لي دعوة مستجابة لصرفتها للسلطان لأن بصلاحه صلاح الأمة ".
وقد يؤخذ منه أيضًا : فضيلة من انفرد بالصلاح في مكان أهله ذو فساد من أين؟ لأن النجاشي رحمه الله كان في مكان أهله أهل شر وفساد وهو رحمه الله صالح ولا شك أن الصلاح في موضع الفساد له فضل وأهمية، ولهذا ورد في الحديث أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال : ( طوبى للغرباء ) طوبى للغرباء الذين يكونون في الناس كالغرباء الناس أهل شر وفساد وهذا أهل صلاح كأنه غريب في هذا البلد نعم، وورد أيضًا في أيام الصبر أن للعامل فيهن أجر خمسين من الصحابة، ولا شك أن انفراد الإنسان بالصلاح في موضع يكثر فيه الفساد أنه من نعمة الله عليه وأن له شأنًا ينبغي أن يهتم به ليكون ذلك تشجيعًا لغيره، وكذلك تقوية لهذا الرجل الذي صلح في مكان الفساد.
ويستفاد من الحديث : مشروعية الصلاة على الغائب نعم أو جواز الصلاة على الغائب، وهذه المسألة اختلف فيها أهل العلم على أقوال ثلاثة : فمنهم من يرى أنه يشرع الصلاة على كل غائب أيًّا كان هذا الغائب، إذا مات ميت في بلد فإنه تشرع الصلاة عليه مطلقًا ولو كان من عامة الناس، وبناء على ذلك رأى بعض أهل العلم رحمهم الله أنه ينبغي للإنسان إذا أراد أن ينام أن يصلي صلاة الجنازة وينوي بها الصلاة على كل من مات من المسلمين في هذا اليوم والليلة عرفتم هذا قول.
والقول الثاني : أنه لا تشرع الصلاة مطلقا على من مات إلا إذا علمنا أنه لم يصل عليه، أو بعبارة أصح إلا إذا لم نعلم أنه صلي عليه إذا لم نعلم أنه صلي عليه.
والثالث : أنه تشرع الصلاة على كل من قدم صدق وإصلاح ونفع في الأمة كالعالم الكبير والتاجر النافع للناس بماله والسلطان وما أشبه ذلك، هذا قول وسط بين القولين ولكن الأرجح القول الثاني أن الصلاة لا تشرع إلا على من لا نعلم أنه صلى عليه فإنه يجب علينا أن نصلي عليه .