وعنه رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط ، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان ) قيل : وما القيراطان ؟ قال : ( مثل الجبلين العظيمين ) . متفق عليه . ولمسلم : ( حتى توضع في اللحد ) . وللبخاري أيضا من حديث أبي هريرة : ( من تبع جنازة مسلم إيماناً واحتساباً ، وكان معها حتى يصلي عليها ويفرغ من دفنها فإنه يرجع بقيراطين ، كل قيراط مثل جبل أحد). حفظ
الشيخ : وعنه رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من شهد الجنازة حتى ) إلى آخره.
قوله : ( من شهد ) شهد بمعنى حضر نعم شهد بمعنى حضر، ومنه قوله فيما سبق : ( وشاهدنا وغائبنا ) الشاهد بمعنى الحاضر، وقوله : ( حتى يصلى عليها ) حتى للغاية وليست للتعليل بل هي للغاية، وقد سبق لنا أن حتى تأتي للغاية وتأتي للتعليل فهنا للغاية، وفي قوله تعالى : (( هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا )) لا هذه للتعليل أي : لئلا ينفضوا لينفضوا.
وقوله : ( فله قيراط ) هذه جواب الشرط ( ومن شهدها حتى تدفن ) قوله : حتى للغاية أيضًا و( تدفن ) فيها كما ترون ثلاث روايات : تدفن وتوضع في اللحد وإيش ؟ ويفرغ من دفنها ويفرغ من دفنها فوضعها في اللحد وإن لم تدفن، وتدفن وإن لم يفرغ ويفرغ من دفنها هو الغاية، فأي هذه الثلاثة الألفاظ الشامل للمعنيين الآخرين ؟ حتى يفرغ من دفنها وعلى هذا فيكون هو المعتمد، وهذا هو سر إتيان المؤلف به.
وقوله : ( قيراط ) القيراط في حساب الفرائض جزء من أربعة وعشرين جزءا أو جزء من عشرين جزءا على اصطلاحين عند أهل الفرائض قد ذهب إلى هذا بعض أهل العلم وقال : المراد جزء من أربعة وعشرين جزءا من أجر أهل الميت الذين أصيبوا به، ولكن هذا القول ضعيف بل هو قول باطل أولًا : أن كون القيراط جزءا من أربعة وعشرين جزءا اصطلاح حادث ولا يمكن أن تنزل ألفاظ الكتاب والسنة على الاصطلاحات الحادثة، لأننا لو نزلناها على الاصطلاحات الحادثة لمنعنا دلالتها عن أهل العصر الذين نزلت في عصرهم وصارت عندهم بمنزلة حروف المعجم التي ليس لها معنى وصار المعنى إنما يستفاد متى ؟ في عصر متأخر وهكذا نقول في كل من حمل ألفاظ الشرع على الاصطلاحات الحادثة، فإننا نقول له إذا قلت بذلك فإنك قد سلبت دلالة القرآن عن أهل العصر الذين نزل في عصرهم، وكان الأحرى أن يكون بالعكس يعني لو فرض أن القرآن ما هو صالح إلا لعصر واحد لكانت صلاحيته لعصر لعصر من كان في عصرهم أولى طيب.
والوجه الثاني مما يبطل هذا المعنى: أن الرسول صلى الله عليه وسلم فسرها هو بنفسه لما سئل : ( ما ما القيراط أو القيراطان ؟ قال : مثل الجبلين العظيمين ) ولا يمكن أن يفسر كلام أحد بخلاف ما فسره هو به فعلى هذا نقول : إن القول بأنه جزء من أربعة وعشرين جزءا باطل من وجهين طيب.
قوله : ( من شهدها حتى يصلى عليها ) واضح أن هناك شهودًا للجنازة قبل الصلاة عليها فمن من متى يكون ؟ من خروجها من بيتها حتى يصلى عليها أو من وجوده منتظرًا لها حتى يصلى عليها، لأن الغاية لا بد أن يكون قبلها شيء مغي وإلا لما صحت، ولهذا اختلف أهل العلم هل لا بد أن يصاحب الجنازة من بيتها أو يكفي إذا صلى عليها وإن لم يعلم بها إلا حين قدمت في المسجد أو في مكان الصلاة ؟ فمن العلماء من قال : لا بد من أن نأخذ بظاهر الحديث نقول : من مشى معها من البيت حتى يصلى عليها أو جاء إلى المسجد منتظرًا حتى يصلى عليها، وأما من لم يكن كذلك فلا يحصل له الأجر لأنه لو كان الأجر يحصل بالصلاة لقال الرسول صلى الله عليه وسلم : من صلى على جنازة ولأن شهودها من بيته إلى أن يصلى عليها أكثر عملًا ولا يمكن أن يساوي الأكثر عملًا ما كان دونه، وعلى هذا فمن صلى فقط فله أجر معلوم عند الله ولا يلزم أن يكون هو هذا الأجر المقدر عرفتم؟ وقال بعض أهل العلم : بل المقصود الصلاة وقول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( من شهدها حتى يصلى عليها ) لأنه ربما يشهدها في حملها وتجهيزها ثم لا ينتظر الصلاة فيكون المعنى آه فيكون المقصود هو الصلاة وإنما ذكر ما قبلها لأنه وسيلة إليها، ولكن مع ذلك لا يستوي الأجران أجر من مشى معها من بيتها أو جاء منتظرًا لها حتى حضرت وأجر من صلى عليها مصادفة بدون أن يكون متهيئًا لها ومستعدًا لها.
وقوله : ( حتى تدفن ) عرفتم الروايات فيها ( حتى توضع في اللحد أو حتى يفرغ من دفنها ) وقلنا : نعتمد حتى يفرغ من دفنها لأنه تجتمع فيه كل الروايات الثلاث، فإنه إذا فرغ من دفنها فقط شهدها حتى وضعت في اللحد وحتى دفن الميت ولكن لم يتم.
( وما القيراطان ؟ ) مبني للمجهول فمن القائل ؟ القائل هو أبو هريرة كما ورد ذلك في بعض الألفاظ، ثم إنه لا يعنينا أن نعرف عين القائل لأن المهم الحكم، ولهذا دائمًا يحذف الفاعل أو يبهم الراوي صاحب القصة لأنه ليس هو المقصود، المقصود معرفة الحكم وقوله : ( مثل الجبلين العظيمين ) في بعض الألفاظ : ( أصغرهما مثل أحد ) وفي لفظ البخاري الثاني : ( كل قيراط مثل جبل أحد ) وعلى هذا فيكون أحد جبلا عظيما يعني من الجبال العظيمة لأنه كبير .