وعن أم عطية رضي الله عنها قالت : نهينا عن اتباع الجنائز ، ولم يعزم علينا . متفق عليه . حفظ
الشيخ : وعن أم عطية رضي الله عنها قالت : ( نهينا عن اتباع الجنائز ، ولم يعزم علينا ) أم عطية هي من نساء الأنصار وكانت رضي الله عنها ممن يغسل الأموات من النساء، ولها أحاديث كثيرة أم عطية تقول : ( نهينا عن اتباع الجنائز ) نهينا هذا فعل ماضي مبني للمجهول ولم تبين الناهي، ولكن إذا قال الصحابي : ( نهينا عن كذا ) فإنه يحمل على أن الناهي رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه هو الذي له الأمر والنهي في عهد الصحابة رضي الله عنهم، ولاسيما إذا كانت المسألة من الأمور الشرعية التي لا تصدر إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم، فأهل العلم يقولون : إن الصحابي إذا قال : أمرنا أو نهينا فإنه يحمل على الرفع حتى لو جاء أحد من الناس وقال : هذا ليس صريحًا بالرفع نقول : نعم ليس بصريح، لكنه ظاهر فيه والاعتماد على الظاهر وغلبة الظن في الأحكام الشرعية أمر جاء به الشرع، وعلى هذا فنقول : إننا نحمله على الظاهر فما هو الظاهر الذي حملناه عليه ؟ قلت : إن الأمر والنهي في عهد الصحابة لمن ؟ للرسول عليه الصلاة والسلام لاسيما في الأمور التعبدية الشرعية قولها : ( نهينا عن اتباع الجنائز ) هذه المسألة غير زيارة القبور اتباع الجنائز يعني أن تخرج المرأة مع الجنازة، واتباع المرأة الجنائز على نوعين : النوع الأول : أن تتبع الجنازة إلى المصلى وتصلي عليها وتنصرف فيكون القصد هو الصلاة على الميت.
والثاني : أن تشيع الجنازة وتتبعها إلى المقبرة وتدخل المقبرة فهذا أشد من الأول من حيث النهي، لأن هذا يستلزم زيارة المرأة المقبرة وزيارة المرأة للمقبرة على الصحيح محرمة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور، ولكن قد يقول قائل : إذا خرجت مع الجنازة لا لقصد الزيارة فهل تدخل في اللعن ؟ سبق لنا أنه إذا كانت المرأة ما قصدت الزيارة فإنها لا تدخل في اللعن، وعلى هذا يحمل الحديث الذي رواه مسلم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم علمها ماذا تدعو به لأصحاب القبور طيب وقولها رضي الله عنها : ( ولم يعزم علينا ) استفدنا منه أمرين : الأمر الأول : أنها رضي الله عنها فهمت أن هذا النهي ليس على سبيل العزيمة وعلى هذا فيكون للكراهة فقط.
والأمر الثاني الذي استفدناه من هذا التعبير أن المنهيات نوعان : عزيمة وغير عزيمة ،عزيمة وغير عزيمة، وعلى هذا فليس كل نهي للتحريم على الإطلاق، وإنما يكون النهي أحيانًا للتحريم وأحيانًا للكراهة، وهذا هو الذي مشي عليه أهل العلم إلا أنهم قالوا : إن الأصل في النهي التحريم لكنهم لم يقولوا : إن النهي لا يأتي للكراهة أبدًا، بل قد يكون للكراهة وقد يكون للتحريم، وهذا التقسيم الذي أشارت إليه أم عطية يدل على ذلك أن النهي نوعان : عزيمة وغير عزيمة، فإن كان عزيمة وجب اجتناب المنهي عنه، وإن لم يكن عزيمة لم يجب لكنه يطلق عليه أنه مكروه أو أنه منهي عنه.
وقولها : ( ولم يعزم علينا ) يدل على أن اتباع الجنائز للنساء ليس محرمًا من أين يؤخذ ؟ لأنها قالت : ( ولم يعزم ) والراوي أدرى بما روى، ولا يمكن أن تقول : ( نهينا ولم يعزم ) إلا وعندها من القرائن القوية ما يفيدها بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرد بالنهي العزيمة أفهمتم؟ ولهذا نازع بعض أهل العلم في قولها : ( ولم يعزم علينا ) وقال : إن هذا منها وفهم لها وفهمها لا يكون حجة على ما يقتضيه النهي، فما دامت أثبتت النهي نعم فإننا نحن نأخذ بما أثبتت، أما قولها : ( ولم يعزم ) فهذا مبني على فهمها وفهمها قد يكون صوابًا وقد يكون خطأ كغيرها على أنه في بعض الروايات : ( نهينا عن اتباع الجنائز ) ولم تذكر : ( ولم يعزم علينا ) قالوا : وهذا هو المحفوظ ( نهينا عن اتباع الجنائز ).
وعلى كل حال فهذا الحديث محل تردد ونظر هل نأخذ بقولها : ( ولم يعزم علينا ) لأنها راوية الحديث وأعلم بمدلوله ولا بد أن عندها من القرائن ما أخرج النهي عن العزيمة، وهي صحابية ثقة عارفة بمدلول اللسان العربي وعارفة بالأحكام الشرعية ؟ هذا احتمال، احتمال آخر أن نقول : إن النهي وكونه عزيمة أو غير عزيمة الأصل فيه أنه عزيمة هذا الأصل، وعلى هذا فيكون النهي للتحريم أما أن يقال : إن قولها : ( لم يعزم علينا ) بالنهي وأنه بعد أن نهينا يعني رخص لنا فهذا يأباه اللفظ غاية الإباء، ولا يدل على أن المرأة يباح لها أن تتبع الجنازة، وما استدلوا به من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في جنازة وكان معه امرأة فصاح بها عمر فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( دعها ) فهذا الحديث إن صح فإنه يكون قبل النهي، لأن النهي ناقل عن الأصل، وإذا تعارض حديثان فإنه يرجح ما كان ناقلًا عن الأصل لأن الأول مبتن عليه وهو الأصل، فإذا جاءنا ما ينقل عنه دل هذا على أنه حكم متجدد والأول على أصل البراءة نعم والسؤال لك .