وعن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا رأيتم الجنازة فقوموا ، فمن تبعها فلا يجلس حتى توضع ) . متفق عليه . حفظ
الشيخ : " وعن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا رأيتم الجنازة فقوموا ، فمن تبعها فلا يجلس حتى توضع ) متفق عليه "
قوله : ( إذا رأيتم فقوموا ) الجملة شرطية ولكن أداة الشرط فيها جازمة آه غير جازمة ؟ غير جازمة وجواب الشرط قوله : ( فقوموا ). ( إذا رأيتم ) يعني رؤية عين ( فقوموا ) وإن لم تحاذكم بمجرد ما ترونها فقوموا إلى متى ؟ ما بين في هذا الحديث إلى متى، ولكنه بين في حديث آخر حتى تجاوز الإنسان، ثم إذا قام فإن شاء تبع وإن شاء لم يتبع، ولهذا قال بعدها : ( فمن تبعها فلا يجلس حتى توضع ) ( من تبعها ) يعني: من قام وتبعها لما مرت به فلا يجلس حتى توضع، توضع في ماذا ؟ توضع على الأرض للدفن فإن وضعت في اللحد مباشرة فحتى توضع في اللحد، والحكمة من ذلك الحكمة من كونها من كونه إذا رأى الجنازة يقوم هو تنبيه النفس على هذا الأمر الذي هو مآل كل حي وهو الموت، ولهذا علله النبي عليه الصلاة والسلام بأن للموت فزعًا أو بأن الموت فزع فلا ينبغي أن تمر بك الجنازة وأنت قاعد على حديثك كأن شيئًا لم يكن، كما يرمي إليه أهل الكفر والفسوق الذين يريدون أن ننسى الاتعاظ بالموت حتى قال بعض الناس : إن أصل هذا الحفل بالسيارات والأبهة وما أشبه ذلك إن أصله كان من الغرب يريدون أن ينشغل الناس عن ذكر الموت بهذه الحال، وكذلك أيضًا لها علة أخرى وهي أنها نفس نفس والنفس مخلوقة لله عز وجل وقد كانت الآن منفصلة عن بدنها فكان لها نوع من الاحترام أو الإكرام، وورد أيضًا أن معها ملكًا أن معها ملكًا وكل هذه الأشياء لا ينافي بعضها بعضًا، إذ يجوز تعدد العلل لمعلول واحد كما يثبت الشيء بعدة طرق الحق يثبت بشهادة الشاهدين ولا لا؟ وبإقرار المشهود عليه وبوجود الشيء عنده أليس كذلك ؟ لو ادعيت على شخص أنه سرق مني كذا أو كذا أو أنه جحد لي كذا وكذا ووجدناه عنده وأقر به هو وأتيت بشاهدين كم من طريق كان لإثباته ؟ ثلاث طرق فتعدد الأدلة جائز، لأنه يزيد الشيء تقوية يزيد الشيء تقوية، فهذه العلل التي جاءت بها الأحاديث في الأمر بالقيام للجنازة لا ينافي بعضها بعضًا، والمهم أنك تقوم إذا رأيت الجنازة.
وقوله : ( فقوموا ) هل هذا الأمر للوجوب ؟ الأصل في الأمر الوجوب فيقتضي أنه يجب علينا أن نقوم إذا رأينا الجنازة، لكن ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام ثم قعد أنه قام ثم قعد وهذا يدل على أن الأمر ليس للوجوب، ولكن هذا الحديث ( قام ثم قعد ) لا يدل على أن الحكم نسخ نسخت مشروعيته، لأن من شرط النسخ عدم عدم إمكان الجمع بين الدليلين، فإن أمكن الجمع وجب ولا يجوز أن نلجأ إلى النسخ لأن النسخ معناه إبطال دلالة أحد الدليلين، وهذا لا يجوز إلا بأمر لا بد لنا منه.
وقوله : ( ومن تبعها فلا يجلس حتى توضع ) لما في ذلك من الاحترام للميت، ولأن الميت إذا تبع كان إمامًا والإمام لا يتخلف الإنسان عنه كالإمام في الصلاة نتابعه، كذلك هذه الجنازة التي يمشى بها نحن تبعناها ما نجلس، لأن هذا ينافي المتابعة وينافي أن تكون الجنازة إمامًا لمتبعيها، ولهذا قال العلماء : إنه يكره جلوس من تبعها حتى توضع في الأرض للدفن، وأما إذا وضعت لسبب آخر كما لو وضعوها في الأرض لإصلاحها مثلًا مالت إلى جانب من النعش فإنهم فإنهم لا يجلسون وإنما يصلحونها ثم يحملونها ويمشون، لكن إذا وضعت في الأرض للدفن فحينئذ يجوز يجوز الجلوس، لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس حين انتهى إلى قبر رجل من الأنصار ولما يلحد جلس عليه الصلاة والسلام وجلس حوله أصحابه كأن على رؤوسهم الطير، وفي يده مخصرة ينكت بها الأرض فحدثهم عن حال الإنسان عند الموت وبعده وبعد دفنه حديثًا يعتبر موعظة، فهذا يدل على أنها إذا وضعت على الأرض للدفن لانتهى النهي. وقوله : ( لا يجلس حتى توضع ) حتى غائية ولا تعليلية ها للغاية طيب وهو كذلك الفرق بين حتى الغائية وحتى التعليلية أنه إذا كان يحل محلها اللام يحل محلها اللام فهي تعليلية، وإن كان يحل محلها إلى فهي غائية هذا الفرق بينهما، وكلاهما ينصب وكلاهما ينصب الفعل المضارع طيب قوله تعالى : (( قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى )) غائية (( لن نبرح عليه عاكفين )) إلى لأن ما تصلح تعليلية ولا لا؟ لأنه يكون معناه إصرارهم على عبادة العجل لأجل يأتي موسى وهذا ليس بصحيح.
(( فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله )) اختلفتم لأن المعنى يصلح هذا وهذا يصلح أن تكون للغائية ويصلح أن تكون تعليلية، نعم حتى قاتلوها إلى أن ترجع أو قاتلوها لأجل الرجوع نعم طيب .