وعن بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ) . رواه مسلم . وزاد الترمذي : ( فإنها تذكر الآخرة ) . وزاد ابن ماجه من حديث ابن مسعود : ( وتزهد في الدنيا ) . حفظ
الشيخ : " الأسلمي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ) رواه مسلم، وزاد الترمذي : ( فإنها تذكر الآخرة ) وفي رواية لمسلم ( فإنها تذكر الموت ) ".
قوله عليه الصلاة والسلام : ( زوروا ) الزيارة هي أن يفد الإنسان إلى إلى المزور إما لقرابة أو صداقة أو غير ذلك، فإن كانت في مرض سميت عيادة لأنها تتكرر.
وقوله : ( كنت نهيتكم ) أي : فيما سبق وقوله : ( فزوروها ) أمر لكنه ورد بعد النهي وسيأتي إن شاء الله الكلام عليه.
وقوله : ( فإنها تذكر الآخرة ) الجملة تعليل للأمر بالزيارة ( فإنها تذكر الآخرة ) أي : تجعل الإنسان يذكر الآخرة، لأنه إذا مر بهؤلاء القوم وزارهم وكانوا بالأمس معه على ظهر الأرض وهم الآن في أعمالهم مرتهنين فإنه لا شك يذكر هذا اليوم، فهذا الحديث يخبر به النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان قد نهى أصحابه عن زيارة القبور، وذلك في أول الأمر خوفًا عليهم من الشرك، لأن زيارة القبر قد تكون ذريعة إليه أي : إلى الشرك فإن الذين يزورون القبور لا تخلو حالهم من أحوال أربعة : إما أن يدعوا لأهل القبور، وإما أن يدعوا الله بأهل القبور، وإما أن يدعوا الله عند القبور، وإما أن يدعوا لأهل القبور أنفسهم هذه الأولى، وإما أن يدعوا أهل القبور أهل القبور أنفسهم، فهذه أحوال من يزور القبور أربع أن يدعو لهم أن يدعو الله بهم أن يدعو الله عندهم أن يدعوهم، أما الدعاء لهم فهذا فهذه هي الزيارة المشروعة التي كان الرسول عليه الصلاة والسلام عليها فإنه يسلم عليهم ويدعو لهم بالمغفرة والرحمة، وأما دعاء الله بهم فأن يجعلهم وسيلة إلى الله عز وجل مثل أن يقول : اللهم إني أسألك بصاحب هذا القبر بصاحب هذا القبر وهذه بدعة ومحرمة، سواء كان صاحب هذا القبر ممن شهد له بالخير أو لم يكن كذلك، حتى ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا يجوز لك أن تتوسل به في دعائك به نفسه، وأما الدعاء عندها فأن يقصد الإنسان المقبرة يزورها معتقدًا أن الدعاء عند القبور أفضل من الدعاء في المساجد أو في البيوت وهذا أيضًا بدعة مكروهة واعتقاد فاسد، فإنه لا مزية للدعاء عند قبر أبدًا، ولهذا كان القول الراجح : أن الإنسان لا يدعو ولا عند قبر النبي عليه الصلاة والسلام، وإن كان بعض العلماء قال : يستحب لمن زار قبر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتجه إلى القبلة بعد السلام عليه ويدعو والصواب خلاف ذلك وأن هذا المكان ليس من الأمكنة التي تقصد للدعاء، والرابع : أن يدعو أصحاب القبور يعني يقول : يا سيدي يا ولي الله يا نبي الله أغثني أعطني كذا افعل كذا فهذا شرك أكبر مخرج عن الملة لقوله تعالى : (( ومن يدع مع الله إلهًا آخر لا برهان له به فإنَّما حسابه عند ربِّه إنَّه لا يفلح الكافرون )) فهذه أحوال من زار القبور صارت كم ؟ أربعًا أربع حالات.
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور ) والحكمة من ذلك أن ذلك في أول الأمر مخافة أن تكون تلك الزيارة ذريعة إلى الشرك، فلهذا نهى عنها ثم قال : ( فزوروها ) يعني أمر بعد النهي بالزيارة والأمر بعد النهي، اختلف فيه أهل العلم فمنهم من يقول : إن الأمر بعد النهي يفيد الإباحة أي : أن هذا الشيء الذي كان منهيًّا عنه صار الآن مباحًا، وذلك لأن لما نهي عنه انتقل حكمه من الإباحة إلى النهي، فلما أذن فيه ارتفع النهي فبقيت الإباحة، ومثاله قوله تعالى : (( يا أيُّها الذين آمنوا لا تحلُّوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدى ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلًا من ربهم ورضوانًا وإذا حللتم فاصطادوا )) فأمر بعد النهي، ولكن هذا الأمر في الحقيقة ليس نسخًا لأنه بيان لغاية النهي لأنه قال : (( لا تحلُّوا شعائر الله ولا الشَّهر الحرام )) ثم قال : (( وإذا حللتم فاصطادوا )) فبين أن النهي قد انتهى وليس هذا نسخًا، لكن مثل هذا الذي معنا نسخ للنهي إلى الأمر فهل زيارة القبور مباحة لورودها بعد النهي ؟ قيل بذلك وأنها مباحة لورودها بعد النهي، والصواب أن الأمر بعد النهي رفع للنهي وإعادة لحكم المنهي عنه إلى حكمه الأول إن كان مستحبًّا فهو مستحب وإن كان غير مستحب فهو غير مستحب، وهذا الحديث الذي معنا فيه قرينة تدل على أن الأمر للاستحباب وهي قوله : ( فإنها تذكر الآخرة ) ( فإنها تذكر الآخرة ) وعلى هذا فيكون الأمر بالزيارة مستحبًّا لهذا التعليل، وفي رواية أخرى في مسلم : ( فإنها تذكر الموت ) تذكر الإنسان حاله أنه سيكون إلى ما كان عليه هؤلاء، ومعلوم أن الإنسان إذا ذكر الموت فسوف يعمل له إذا كان عاقلًا .