فوائد حديث : ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ) . حفظ
الشيخ : في هذا الحديث عدة فوائد : أولًا : إثبات النسخ إثبات النسخ نسخ الأحكام لقوله : ( كنت نهيتكم ) ثم قال : ( فزوروها ) وثبوت النسخ واقع بالكتاب والسنة، ففي كتاب الله يقول الله عز وجل : (( ما ننسخ من آيةٍ أو ننسها نأت بخيرٍ منها أو مثلها )) وكذلك كل أحكام الأمم السابقة التي يخالفها شرعنا كلها منسوخة نعم كتحريم كل ذي ظفر على اليهود وما أشبه ذلك، ومنها أي : من أدلة القرآن مثال واقع في مصابرة العدو حيث أمر الله تعالى بأن لا نفر إذا كان العدو ها عشرة أمثالنا ثم نسخ فقال الله تعالى : (( إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن مائة يغلبوا ألفًا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون * الآن خفَّف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفًا فإن يكن منكم مائةٌ صابرةٌ يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألفٌ يغلبوا ألفين بإذن الله )) وكذلك في الصيام (( أحلَّ لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم )) إلى قوله : (( فالآن باشروهنَّ وابتغوا ما كتب الله لكم )) وأما في السنة فالأمثلة في ذلك كثيرة منها هذا الحديث : ( كنت نهيتكم فزوروها ) ففيه إثبات النسخ، فإن قلت : كيف يثبت النسخ والله سبحانه وتعالى بكل شيء عليم لماذا لم يشرع الله هذا الحكم من أول الأمر ولا يأتي بالنسخ ؟ فالجواب : أن النسخ من مصالح العباد لا لخفاء الأمر على الله عز وجل، لكن العباد قد تقتضي قد يقتضي صلاح أحوالهم الحكم المنسوخ إلى مدة ثم يكون صلاح أحوالهم بالحكم الناسخ وهذا أمر معلوم أن أحوال الإنسان تتغير أحواله بالنسبة للأحكام، فقد تكون الأحكام في حال من الأحوال مناسبة وفي حال أخرى نعم غير مناسبة وهذه هي الحكمة في ثبوت النسخ وهي ظاهرة.
يستفاد من هذا الحديث أيضًا : أن أحكام الله عز وجل تابعة لحكمها وأن الحكم يدور مع علته، وجهه: أن الناس لما كانوا حديثي عهد بكفر وكانت فتنة القبور قد تكون قريبة نحوهم نهوا عن زيارة القبور، ثم بعد ذلك ها نسخ هذا الحكم ففيه دليل على أن الأحكام تتبع الحكم.
ومن فوائد الحديث أيضًا : أنه يجب على من علم الحكم الشرعي أن يرجع إليه ولو كان حكم في الأول بخلافه، بمعنى أن الإنسان لو اجتهد فأداه اجتهاده إلى أن هذا الشيء حرام مثلًا ثم تبين له أنه حلال أو بالعكس فيجب عليه الرجوع كما يجب الرجوع إلى الحكم الناسخ عند وجود النسخ والعلة الجمع بينهما أنه قد تبين لهذا المجتهد أن حكم الله تعالى خلاف الحكم الأول كما تبين في النسخ أن حكم الله خلاف الحكم الأول.
ومن فوائد الحديث : مشروعية زيارة القبور وأنه ينبغي للإنسان أن يزور القبور طيب وكلمة ( زوروها ) فعل والفعل يدل على الإطلاق والإطلاق يحصل بفعل مرة كما نص عليه أهل العلم يحصل بفعل مرة ولكن متى تكون هذه الزيارة ؟ هل لها وقت معين ؟ الصواب ألا وقت لها معين وأن الإنسان يزور المقبرة في أي وقت شاء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق ما قال : زوروها في أول النهار ولا في آخره ولا في الليل ولا في الجمعة ولا في الاثنين ولا في الخميس ولا في غيرها، فتشرع زيارة القبور نعم كل وقت بل قد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم خرج إلى أهل البقيع فسلم عليهم في الليل كما في حديث مسلم عن عائشة مطولًا، فعلى هذا نقول : زيارة القبور مستحبة في كل وقت.
ومن فوائد الحديث : أنه ينبغي للإنسان أن يفعل ما يذكره الآخرة وجهه أن الرسول أمر بالزيارة لأنها تذكر وهذا متى أوضح القياس وأجلاه إذا ألحق الفرع بالأصل في علة منصوص عليها فهذا من أبين القياس، وعلى هذا كل ما يذكر الآخرة فإنه ينبغي للإنسان فعله سواء زيارة القبر أو قراءة آيات موعظة أو أحاديث موعظة أو جلوس عند واعظ كلامه مؤثر أو ما أشبه ذلك.
ومن فوائد الحديث أيضًا : أنه ينبغي للإنسان أن يأخذ بأنواع الأسباب المؤثرة لا يقتصر على سبب واحد، بل يأخذ بكل الأسباب المؤثرة لأنه لا شك أن القرآن أعظم واعظ وأن السنة بعده، ولكن هذا سبب آخر لاتعاظ الإنسان فكونه يأخذ من كل نوع من المؤثرات بنصيب أحسن أحسن، لأن القلب أحيانًا قد لا ينتفع بهذه الموعظة العظيمة إما لكثرة ورودها عل قلبه وإما لغفلته عندها أو ما أشبه ذلك، لكنه يتأثر بإيش ؟ بنوع آخر من المواعظ وإن كانت دونها في الأصل وهذا أمر مشاهد.
ومن فوائد الحديث : أنك لو أمسكت أخاك قلت : اجلس بنا اجلس بنا نتذاكر الآخرة نتذاكر الموت نتذاكر آيات الله عز وجل حتى يزداد إيماننا ويقيننا فإن ذلك من الأمور المشروعة، وقد كان السلف رحمهم الله يقول بعضهم لبعض : ( اجلس بنا نؤمن ساعة ) اجلس بنا نؤمن يعني نحقق الإيمان واليقين ساعة فهذا من الأعمال الطيبة، وكذلك لو كان الإنسان أحيانًا إذا غفل جلس مع نفسه ونظر وتفكر في الأمر وأحدث بذلك إنابة إلى الله عز وجل وخشية ورجوعًا إليه فهذا أيضًا من الأعمال المطلوبة التي يدل عليها هذا الحديث.
ومن فوائد هذا الحديث : أن الموت والقبر من أمور الآخرة فهو داخل في الإيمان باليوم الآخر لقوله : ( فإنها تذكركم الآخرة ) ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله في " العقيدة الواسطية " : " ومن الإيمان باليوم الآخر الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت " فالقبور لا شك أنها من الآخرة وهي أول درجاتها وأول مراحلها حتى قال بعضهم : إذا أردت صورة مصغرة ليوم القيامة فاخرج إلى المقبرة تجد فيها الشريف والوضيع والذكر والأنثى والصغير والكبير كلهم كلهم سواء كلهم تحت هذا التراب كلهم عليهم ما عليهم من التراب ما فيه أحد له قصر ولا أحد عنده خدم ولا شيء، ولهذا قيل : أول عدل الآخرة القبور أول عدل الآخرة القبور جاء أعرابي إلى بلد فيها حاكم فإذا الحاكم قد مات فسأل عنه فقالوا : إنه مات قال : أين ذهب ؟ قالوا : ذهب إلى المقبرة فخرج إلى المقبرة فجاء إلى المقبرة يريد أبهة يريد الخدم والحشم دخل ما وجد إلا رجلًا حفار القبور قال له : أين فلان أين فلان بلقبه أين الحاكم الفلاني ؟ قال له : الحاكم الفلاني هذا قال : يا ويله يا ويله وهذا الذي جنبه من هو ؟ قال : هذه عجوز كانت عجوز مشهورة في السوق عجوز خبلة ما هي ذاك المرأة طوها ميتة وقبرها مرشوش رطب وقبر الحاكم يابس فقال : يا ويله هذه تسقى ماء وهذا ما يسقى ماء نعم لون هذا وقام يتعجب فقال حفار القبور : هذا الأمر كما رأيت فهذا عدل ولا غير عدل ؟ عدل رجل حاكم ما يدخل عليه إلا باستئذان وامرأة في السوق ناقصة العقل هما سواء هما سواء، فهذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( فإنها تذكر الآخرة ) نعم.
ومن فوائد الحديث : أن ظاهره العموم أي : يشمل الرجال والنساء لأن الأصل في الخطاب العموم، حتى وإن كان الخطاب للرجال فإنما يخاطب الرجال تغليبًا، ولأن الرجال هم أهل الحل والعقد والتقويم والتهذيب فكانت توجيهات الخطاب في القرآن والسنة إلى الرجال، لأنهم أشرف ولأنهم هم أهل التوجيه أو توجيه الخطاب لأنهم هم القوامون على النساء، عموم الحديث يتناول يتناول النساء وأنه يشرع لهن زيارة القبور، وقد قال بذلك بعض أهل العلم ولكن شيخ الإسلام رحمه الله رد هذا القول وبين ضعفه من أوجه عديدة ذكرها في " الفتاوي " ويدل لذلك على استثناء النساء من هذا إن قلنا إنهم داخلات إن قلنا بدخولهن فإنه يدل على استثنائهن ما في الحديث الذي بعده نعم فيه قبله.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور ) أخرجه الترمذي وصححه ابن حبان لكن فيه علة أخرى قبل قال فيه : " وزاد ابن ماجه من حديث ابن مسعودٍ رضي الله عنه : ( وتزهد في الدنيا ) " ( تذكر الآخرة وتزهد في الدنيا ) واللفظ الثاني في مسلم : ( تذكر الموت ) فعلى هذا يكون فيها ثلاث فوائد : التذكير في الآخرة وهو يوم القيامة التذكير بالموت التزهيد في الدنيا ما معنى الزهد في الدنيا ؟ تزهد فيها أي : ترغب في الإعراض عنها وعدم المبالاة بها، ومنه قوله تعالى : (( وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزَّاهدين )) يعني الراغبين عنه الذين لم يبالوا به فالتزهيد في الدنيا معناه أن الإنسان لا يبالي في الدنيا ولا يهتم بها، ولكن ما معنى التزهيد في الدنيا ؟ هل معناه ألا نعمل للدنيا أبدًا ونتركها نعم ويقعد الواحد - اصبر يا أخي - ويقعد الواحد في المسجد لا يخرج ولا يتكلم ولا يعمل ؟ لا المعنى ألا تكون أعمالنا للدنيا ألا تكون للدنيا مو ألا نعمل في الدنيا ألا تكون لها بمعنى أن أعمالنا نصرفها إلى الآخرة حتى لو بعنا أو اشترينا فإننا نريد بذلك الآخرة يستطيع الإنسان يبيع ويشتري من أجل أن يقوم بكفايته وكفاية أهله وقد ابتاع واشترى الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم في خلافتهم لطلب الرزق وقال الله تعالى : (( رجال لا تلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر الله )) ولم يقل : لا يبيعون ولا يشترون، وقال النبي عليه الصلاة والسلام لعبد الله بن عمرو بن العاص : ( إن لربك عليك حقًّا ولنفسك عليك حقًّا ) فالتزهيد في الدنيا ألا تعمل لها لا ألا تعمل فيها فالعمل في الدنيا ما ينافي العمل للآخرة، لكن اجعل عملك في الدنيا مطية للوصول إلى الآخرة نعم بع واشتر واشتر السيارة واعمر البيت نعم والبس الثياب وما أشبه ذلك لا تقول : والله بزهد أبى ألبس صوف نعم أو خيشة ولا أنتفع بالناس ولا ينتفع الناس مني هذا غير صحيح، قال الله تعالى : (( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولًا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه )) امشوا في مناكبها للرزق وكلوا من رزقه، وقال تعالى : (( فإذا قضيت الصَّلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرًا لعلكم تفلحون )) فالزهد في الدنيا يختلف تختلف أفهام الناس فيه، فمنهم من يقول الزهد في الدنيا ألا تنظر إلى شيء منها أبدًا كلش، وبعضهم يقول : لا الزهد في الدنيا أن تعمل ما ينفعك في الآخرة ولو كان من أمور الدنيا وهذا هو الحق هذا هو الصحيح، فإن قلت : ما تقول في قوله تعالى لرسوله عليه الصلاة والسلام : (( ولا تمدَّن عينيك إلى ما متَّعنا به أزواجًا منهم زهرة الحياة الدُّنيا ورزق ربك خير وأبقى )) قلنا : نعم هذا ما ينافي ما قلنا الله سبحانه يقول : لا تمدن عينيك إليه لتتعلق به فإنه زهرة الحياة الدنيا ما قال : لا تنظر إليها إطلاقًا لا تمدها إليه بحيث تتعلق بها حتى يكون أكبر همك فإنما هو زهرة الحياة الدنيا، نعم الإنسان الذي تشغله دنياه عن آخرته لا شك أنه خاسر خاسر للدنيا والآخرة نعم، أما الإنسان الذي جعل الدنيا مطية للآخرة فهذا رابح في الدنيا وفي الآخرة، ولا شك أيضًا أن الدنيا فتنة فتنة عظيمة (( إنما أموالكم وأولادكم فتنةٌ )) والإنسان ربما يفتتن في الدنيا سواء كان غنيًّا أو فقيرًا قد يغنيه الله ومع ذلك هو مفتون بالدنيا كأنه ليس في جعبته قرش واحد وقد يكون فقيرًا ويفتن في الدنيا ويكتسبها على وجه محرم، والحاصل : أن الزهد في الدنيا معناه إيش ؟ الإعراض عنها وألا تعمل لها وأما العمل للآخرة في الدنيا فلا بأس به طيب هناك زهد وهناك ورع هل بينهما فرق ؟ ويش الفرق يا سامي ؟
الطالب : ... .
الشيخ : طيب والزهد .
الطالب : الإعراض ... .
الشيخ : قال شيخ الإسلام : " إن الفرق بينهما أن الورع : ترك ما يضر في الآخرة والزهد : ترك ما لا ينفع في الآخرة " بينهم فرق الورق ترك ما يضر في الآخرة والزهد رك ما لا ينفع في الآخرة وبينهم فرق ها ها بينهم فرق زين فالزهد إذًا أكمل الزهد أكمل ولا لا ؟ أي نعم يتبين ذلك في المباح المباح يفعله الورع لأنه لا يضره في الآخرة والزاهد يتركه لأنه لا ينفعه في الآخرة ولكن إذا كان وسيلة لنفعه في الآخرة فعله طيب .