فوائد حديث : ( لعن زائرات القبور ). حفظ
الشيخ : إذًا يستفاد من هذا الحديث : أن زيارة المرأة للقبور من كبائر الذنوب من كبائر الذنوب فإن قلت : ألا تدخل في العموم السابق وتكون نسخًا ؟ قلنا : لا يثبت لما عرفتم، فإن قلت : ما الجواب عن قوله صلى الله عليه وسلم أو في الحديث الثاني : ( لعن الله زوّارات القبور ) ( أو لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوّارات القبور ) بالتشديد وفعّال صيغة مبالغة ؟ قلنا : إن كلمة زوّار تأتي للمبالغة وتأتي للنسبة كبناء ونجار ونحو ذلك، وإذا كان الدليل محتملًا فمع الاحتمال يبطل الاستدلال هذه واحدة.
ثانيًا : على فرض أن ( زوّارات ) للمبالغة فإن ( زائرات ) أعم لأنه إذا لعنت الزائرة فالزوارة كثيرة الزيارة من باب أولى، ومعلوم أننا نأخذ بالأعم لأنه أكثر فائدة وعلى هذا فتكون يكون حديث : ( زوّارات ) لا يعارض هذا اللفظ، والجواب عنه بأحد وجهين كما عرفتم فإن قلت : ما الجواب عما رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها في زيارة النبي صلى الله عليه وسلم القبور وخروجها خلفه ثم رجوعها أمامه ولما جاء وحدثها بما فعل قالت : يا رسول الله ماذا أقول لهم ؟ قال : ( قولي : السلام عليكم دار قوم مؤمنين ) إلى آخره فإن قولها : ( ماذا أقول لهم ؟ ) قد يشعر بجواز زيارة المرأة القبور فالجواب على هذا أن عائشة ما قالت : ماذا أقول لهم إذا زرت القبور ؟ قالت : ( ماذا أقول لهم ؟ ) فقط هذا لفظ مسلم فيحمل على أحد أمرين : إما أن يكون دعاء عامًّا مجردًا ليس سببه الزيارة، وإما أن يكون المراد إذا مررت بها غير قاصدة للزيارة ويكون هذا جمعًا بين الحديثين، وإذا أمكن الجمع بين الحديثين وجب المصير إليه قبل أن نتدرج إلى الترجيح أو النسخ فنقول : المرأة إذا خرجت من بيتها قاصدة الزيارة فهي داخلة في النهي في اللعن، أما إذا مرت بغير قصد الزيارة ووقفت وسلمت، فالظاهر أن هذا لا بأس به وهو لا يعد زيارة ولو فرض عده زيارة لكان حديث عائشة قد يدل على جوازه، فإن قلت : ما الجواب عن زيارة عائشة رضي الله عنها لقبر أخيها عبد الرحمن حيث زارته وبكت ؟ فالجواب : أنها قد قالت : ( لو حضرت موتك ما زرتك ) فكأنها رضي الله عنها أرادت الدعاء له ثم نقول : هو فعل صحابية عارضه قول الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يمكن أن يعارض قول الرسول صلى الله عليه وسلم بقول أحد من الناس، ثم لعلها فهمت من تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لها أن تقول لأهل المقابر : ( السلام عليكم دار قوم مؤمنين ) لعلها فهمت من ذلك : أنه يجوز زيارة المرأة ولم يبلغها حديث النهي حديث اللعن، فما دام فعلها فعل صحابي فيه احتمالات فإنه لا يكون حجة ومهما كان فالحجة ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم وإذا كان زيارة القبور محرمة بمقتضى الدليل فإنها محرمة أيضا بمقتضى النظر والتعليل كيف ذلك ؟ لأن النساء رقيقات لينات العاطفة لو فتح لهن الباب لكانت كل امرأة تذهب كل صباح ومساء إلى قبر أمها أو أبيها تصيح عنده وتنوح، ولهذا ابن حجر رحمه الله أعقب حديث زائرات القبور بحديث النائحة والمستمعة المرأة ما تصبر لو يحصل لها راحت تبيت عند قبر أمها وأخيها وأبيها تبكي، ثم غالبًا تكون المقابر خارج البيوت فإذا خرج النساء إلى هذه المقابر كان سببًا لتسرب الفساق وأهل الفجور إليهن، وربما يحصل بذلك فتنة عظيمة فكان مقتضى النظر والتعليل منعهن من الزيارة لخوف فتنتهن أو الفتنة بهن خوف فتنتهن بماذا ؟ قلت : بأن يخرجن ويلازمن القبور وأن يحصل منهن عدم صبر نياحة وندب وما أشبه ذلك، وأما الفتنة بهن فربما يكون ذلك سببًا لتسرب الفساق وأهل الفجور إليهن، لأن المقابر في الغالب تكون خارج البيوت والمساكن ولا شك أن زيارة المرأة للقبر محرمة ومن كبائر الذنوب فإن قلت : ما الجواب عما قال الفقهاء : يكره للمرأة زيارة القبور ويسن لهن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ؟ شوف يكره زيارة القبور ويسن لهن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم فالجواب : أن فقهاء الحنابلة رحمهم الله كغيرهم من أهل العلم يخطئون ويصيبون فهم اعتمدوا في الحكم بالكراهة على حديث أم عطية السابق ما هو ؟ آه ( نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا ) وسبق الجواب عنه ومقتضى قاعدتهم هم رحمهم الله أن زيارة المرأة للمقبرة من كبائر الذنوب، لأنهم نصوا في باب الشهادات على أن الكبيرة ما فيه حد في الدنيا أو وعيد في الآخرة أو لعنة، وهذا فيه لعنة فيكون من الكبائر، وأما قولهم : يسن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم فهم قالوا : إن هذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم فنحن نقول لهم : ائتوا لنا ببرهان ودليل يدل على ثبوت هذه الخصوصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجاب بعضهم : بأن زيارة المرأة لقبر النبي صلى الله عليه وسلم ليست زيارة حقيقة، لأن بينها وبين القبر ثلاثة جدران ولا لا ؟ ثلاثة جدران بينها وبين القبر أي نعم هذا هو المعروف نعم، ولهذا قال ابن القيم في النونية لما ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الله تعالى ألا يكون قبره وثنًا قال :
" فأجاب رب العالمين دعاءه *** وأحاطه بثلاثة الجدران "
ففي داخل في القبة الصغيرة فيها ثلاثة جدران كلها حامية لهذا القبر قالوا : فإذا وقفت المرأة من وراء الشباك فبينها وبين الرسول صلى الله عليه وسلم مساحة وجدر فلا يعد هذا زيارة، والزيارة التي لعنت فاعلتها هي التي تقف على القبر وهذه لم تقف على القبر فلا تكون داخلة في اللعن وجوابنا على هذا الحقيقة أن هذه شبهة قوية جدًّا كما سمعتم شبهة فإن أحدًا من الناس لو أتى إلى خمسة قبور عليها حيطان ثلاثة مثلًا ووقف من وراء الحيطان هل يكون زائرًا ؟ نشوف في الواقع قد نقول : ليس بزائر لو جاء واحد وأنت مثلًا في وسط الغرفة غرفة في وسط مجلس والمجلس في وسط الحوش نعم والحوش في وسط الحديقة، ومن وراء الحديقة جدار وسلم عليك من وراء الجدار السلام عليك يا فلان وكيف حالك ؟ كيف أصبحت ؟ يكون زائرًا لك ولا غير زائر ؟ نعم عم سمع وأجاب وقال افتح قال : بارك الله فيك وأثابك الله على خطاك أكملت الزيارة لا هو يبي فنجان شاي وقهوة ... شوي أعتقد أنه ما هو زائر في الواقع ولا لا يعني ما هي بزيارة أن واحد (( إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون )) هذا ما هو زائر هذا فيكون هذه ليست بزيارة في الحقيقة أنها تعليل قوي جدا لكن قد نقول : إن الزيارة مطلقة الرسول عليه الصلاة والسلام أطلق ( لعن زائرات القبور ) ولم تحدد الزيارة .