فوائد حديث : ( لا يحل دم امرىءٍ مسلمٍ يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاثٍ ... ) . حفظ
الشيخ : في هذا الحديث عدة فوائد :
من الفوائد : احترام المسلم ، لقوله : ( لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث ) .
ومنها : فضيلة الإسلام وأنه سبب لحقن الدماء ، وجه الدلالة قوله : ( امرئ مسلم ) .
ومن فوائد الحديث : بيان أن الإسلام هو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ، وأن الإنسان إذا أتى بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فهو مسلم .
ومن فوائده : أن تارك الصلاة والزكاة الصوم والحج مسلم ، لقوله : ( يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ) ، وهذه المسألة محل خلاف بين العلماء :
فمن العلماء من يقول : إن الإنسان يكفر بترك أي ركن من الأركان الخمسة ، أركان الإسلام ، وهذا إحدى الروايات عن الإمام أحمد ، لأن الأركان الخمسة أركان والبيت لا يقوم إلا بأركانه ، فإذا سقط ركن واحد سقط البيت كله .
ومنهم من قال : يكفر بترك الزكاة والصلاة فقط ، دون الصيام والحج ، وهذه أيضا رواية عن الإمام أحمد ، لأن الله جعل الزكاة قرينة الصلاة في كتابه العظيم ، ولأن الله قال : (( وويل للمشركين * الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون )) .
ومنهم من قال : لا يكفر إلا بترك الصلاة لقوله تعالى : (( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وءاتوا الزكوة فإخوانكم في الدين )) ، وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ) ، وقوله : ( العهد الذين بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ) .
وأما الزكاة فلا يكفر بتركها لقوله صلى الله عليه وآله وسلم فيما أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ، في قصة من يمنع زكاة الذهب والفضة : ( أنها يحمى عليها في نار جهنم ويعذب بها ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ) : وإذا كان يمكن أن يرى سبيله إلى الجنة فإنه ليس بكافر وهذا أصبح الأقوال .
وعلى هذا فكيف نجمع بينه وبين هذا الحديث ؟ نقول : إن هذا الحديث يدل على أن الإنسان إذا شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله عصم دمه ، ثم يطالب بعد ذلك بالصلاة ، فإن صلى فذاك ، وإن لم يصل فالقرآن والسنة يدلان على أنه كافر فيكون مرتداً لقوله : ( التارك لدينه المفارق للجماعة ) .
ومن فوائد هذا الحديث : انحصار جواز القتل قتل المسلم في هذه الثلاثة : الزنا بعد الإحصان ، والثاني : النفس بالنفس ، والثالث : الردة ، لكن يُشكل على هذا أن المرتد حين قتلِه ليس بمسلم أليس كذلك ؟ والرسول عليه الصلاة والسلام يقول : ( لا يحل دم امرئ مسلم ) : وهو حين الردة حين القتل ليس بمسلم ، فيقال : الجواب عن هذا سهل : وهو أنه مسلم باعتبار إيش ؟ باعتبار إيش ؟
الطالب : ما كان .
الشيخ : ما كان ، مسلم باعتبار ما كان فقرن مع صاحبيه الذين يقتلان وهما على الإسلام .
ومن فوائد الحديث : مشروعية الرجم ، لقوله : ( الثيب الزاني ) وهل هذه المشروعية على سبيل الوجوب ؟ نعم ، ما هو الدليل ؟ الدليل أنه حد من حدود الله ، وقد صرح أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أنه فريضة حين خطب الناس وبين أن الرجم كان آية من كتاب الله ثم قال : ( وأخشى إن طال بالناس زمان أن يقولوا لا نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ) : فريضة .
( النفس بالنفس ) ، من فوائده : جواز قتل النفس بالنفس ، وهل هذا على سبيل الوجوب ؟
الطالب : لا .
الشيخ : طيب ، نقول : ليس على سبيل الوجوب ، بل هو على سبيل الجواز ، لأنه قال : ( لا يحل ) إلا بكذا ، أي فيحل ، والدليل على أن القصاص ليس بواجب قوله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عُفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان )) ، قال : (( فمن عفي له من أخيه شيء )) ولو كان القصاص واجبا لم يكن للعفو محل ، بل يقال حتى لو عفا فالقصاص واجب .
فإن قال قائل : إذًا ما الفائدة من قوله : (( كتب عليكم القصاص )) ؟ نقول : أجاب بعض العلماء بأن هذا بالنسبة للقاتل ، يعني أن القاتل يجب عليه أن يستسلم للقصاص وألا يعارض ، أما بالنسبة لمن له الحق فهو بالخيار إن شاء أخذ به وإن شاء عفا عنه كما يدل عليه آخر الآية ، وكما هو صريح في قول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين ) .
طيب ، إلا أن العلماء اختلفوا في مسألة : وهي قتل الغِيلة : هل يجب فيه القصاص أو لا ؟ فذهب الإمام مالك -رحمه الله- إلى وجوب القتل قصاصا في الغيلة ، والغيلة معناه أن يقتله على غرَّة ، مثل أن يأتيه وهو نائم أو يلحقه في السوق ويقتله أو ما أشبه ذلك ، فإن المقتول هنا ليس بمستعد ليدافع عن نفسه ، فيكون القتل غِيلة مما لا يمكن التحرز منه ، وما لا يمكن التحرز منه فإنه يجب التحرز منه أكثر ، فإذا قتل وجوبا خفت قتل الغيلة ، وعلى هذا فيكون الحق في قتل الغيلة للإمام لا لأولياء المقتول ، ويجب على الإمام أن يقتله لما في ذلك من حفظ الأمن ، وهذا مذهب مالك ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- حفاظا على إيش ؟ على الحق ، نعم ، أي حق ؟ الحق العام ، لئلا تحصل الفوضى .
ومن فوائد الحديث : جواز قتل المرتد لقوله : ( لا يحل إلا بإحدى ثلاث ) : يعني أنه يحل ، ولكنه ليس على ظاهره بالنسبة للمرتد ، بل قتل المرتد واجب ، قتل المرتد واجب ، وهل هو حد أو ليس بحد ؟