وعن أبي جحيفة قال: قلت لعلي: هل عندكم شيءٌ من الوحي غير القرآن؟ قال: " لا، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إلا فهماً يعطيه الله تعالى رجلاً في القرآن وما في هذه الصحيفة، قلت: وما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلمٌ بكافرٍ" رواه البخاري، وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي من وجهٍ آخر عن عليٍ رضي الله تعالى عنه وقال فيه: "المؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يدٌ على من سواهم، ولا يقتل مؤمنٌ بكافرٍ ولا ذو عهدٍ في عهده" وصححه الحاكم. حفظ
الشيخ : قال : " وعن أبي جحيفة قال : ( قلت لعلي بن أبي طالب : هل عندكم شيءٌ من الوحي غير القرآن؟ قال : لا، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إلا فهماً ) -كذا عندكم في النص ؟ ( إلا فهما ) ، وفي رواية : ( إلا فهم ) وسيأتي توجيههما- ( إلا فهما يعطيه الله تعالى رجلاً في القرآن وما في هذه الصحيفة، قلت : وما في هذه الصحيفة ؟ قال : العقل وفكاكُ الأسير ) -ويجوز ( فكَاكَ الأسير )- ( وأن لا يقتل مسلمٌ بكافرٍ ) رواه البخاري " :
أبو جحيفة رضي الله عنه سأل علي بن أبي طالب : هل عندهم شيء من الوحي غير القرآن ؟
وسبب سؤاله هذا أن الشيعة ادعوا أن لآل البيت مصحفًا غير المصحف الذي يتداوله المسلمون ، فسأل أبو جحيفة علي بن أبي طالب عن ذلك ، فقال : ( لا والذي فلق الحبة ، وبرأ النسمة ) : فأقسم رضي الله عنه أنه ليس عندهم شيء ، وادعاء أن عند آل البيت شيء زائد عن مصحف المسلمين يستلزم القدح في آل البيت ، لأن علي بن أبي طالب يكون على هذا كذابا ، حالفا على الكذب ، وإذا قُدِّر أنه يجهل ما عند آل البيت ، فيقال : كيف يكون أفضل أهل البيت جاهلا ما عند أهل البيت في هذا الأمر الخطير العظيم ؟! يقول : هل عندكم شيء من الوحي غيرُ القرآن : غيرُ هذه صفة لشيء ولهذا جاءت مرفوعة ، قال : ( لا والذي فلق الحبة وبرأ ) .
الطالب : منصوبة !
الشيخ : كيف ؟ عندكم منصوبة ؟ لا أنا عندي مرفوعة ، ويجوز النصب ، يجوز النصب لأن شيء وصفت بقوله : ( من الوحي ) ، وإذا وصفت النكرة جاز أن تكون صفتها الثانية حالا ، وأن تكون صفة ثانية .
يقول قال : ( لا والذي فلق الحبة ) : لا والذي فلق : كلمة لا تقال دائمًا أمام القسم ، فهل تدل على نفي القسم ؟ لا ، لا تدل على ذلك ، ولكنه يؤتى بها للتنبيه ، كقوله تعالى : (( لا أقسم بهذا البلد )) المعنى : أقسم بهذا البلد ، لكن لا جيء بها للتنبيه ، حتى ينتبه المخاطب لذلك .
وقوله : ( فلق الحبة ) : المراد بها الجنس وهي كقوله تعالى : (( إنَّ الله فالق الحبّ والنَّوى )) : فالحب كل الحبوب يفلقها الله عز وجل ، وتنفتح في باطن الأرض وتظهر منها عروق الشجرة أو عروق الزرع ، حتى تكون الشجرة نامية إلى أن يأذن الله تعالى بانتهائها .
( وبرأ النسمة ) : أي : الروح فالله تعالى هو بارئ النسم ، فذكر رضي الله عنه فلق الحبة وبرأ النسمة ، وهذا من أجمع ما يكون من القسم .
( إلا فهمًا ) وفي لفظ : ( إلا فهمٌ ) : فعلى قراءة النصب يكون مستثنى وعلى قراءة الرفع يكون بدلا من قوله : ( شيء ) : يعني إلا شيءٌ نعم ، إلا شيء هو الفهم الذي يعطيه الله تعالى من شاء من عباده ، وقوله : ( يعطيه الله رجلاً في القرآن ) : إنما قال في القرآن مع أن الفهم يكون في السنة أيضًا لأنه سأل : ( هل عندكم شيء من الوحي ) الذي هو إيش ؟ القرآن ، فلهذا قال : ( إلا فهما يعطيه الله تعالى رجلًا في القرآن ) :
فإنه يكون عندنا الفهم زائدًا على القرآن ، وكم من إنسان عالم أعطاه الله تعالى فهما زائدا على ما في القرآن ، فصار عنده زيادة على ما في القرآن ، لكن ليست زيادة خارجة عن القرآن ، بل هي زيادة فهم في القرآن ، من ذلك مثلاً استدلال علي بن أبي طالب رضي الله عنه بقوله تعالى : (( وفصاله في عامين )) ، وقوله : (( والوالدات يرضعن أولادهن )) ، (( وفصاله في عامين )) وقوله : (( وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا )) : على أن أقلَّ الحمل ستة أشهر ، لأنك إذا أخذت من الثلاثين شهرًا عامين بقي ستة أشهر ، هذا من الفهم الذي يؤتيه الله تعالى من شاء من عباده في القرآن ، وتجد بعض العلماء يستنبط مِن آية واحدة عشرات الفوائد ، وآخر لا يستطيع أن يستنبط خمسة أو أقل .
قال : ( وما في هذه الصحيفة ) : الصحيفة أحاديث مكتوبة عند علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، قلت : ( وما في هذه الصحيفة ؟ قال : العقل ) العقل : يعني الدية التي تتحملها العاقلة ، وسميت عَقلا لأن الغارم بها يأتي بها ويعقلها عند مستحقها فلهذا سميت عقلا من العقال ، ومتى يكون العقل ؟ يكون العقل فيما إذا كان القتل خطأ أو شبه عمد ، فإن العاقلة وهم العصبة يتحملون عن القاتل كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الحديث الذي بعده .الثاني : ( فكاك الأسير ) : فالأسير المسلم يجب على المسلمين فك أسره بحسب ما يستطيعون : إما بفدية مال ، أو أسير كافر نبادلهم الأسرى ، أو غير ذلك مما يُفك به الأسير ، سواء كان الأسير أسير حرب أو أسير اختطاف ، فإن الواجب على المسلمين فك هذا الأسير .
الثالث : ( ألا يقتل مسلم بكافر ) : مسلم نكرة في سياق النفي ، فيعم كل مسلم ، ولو كان فاسقاً ، فلا يقتل بكافر أياً كان كفره ، سواء كان يهوديا أو نصرانيا أو وثنيا أو شيوعيا ، وسواء كان معاهدا أو مستأمنا أو ذا ذمة ، لا يقتل المسلم بالكافر بكل حال ، الشاهد من هذا الحديث قوله : ( وألا يقتل مسلم بكافر ) : لأنه هو المناسب لكتاب الجنايات .