وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من قتل في عميا أو رمياً بحجر أو سوطٍ أو عصاً فعقله عقل الخطأ، ومن قتل عمداً فهو قودٌ، ومن حال دونه فعليه لعنة الله ) أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه بإسنادٍ قوي. حفظ
الشيخ : ثم قال المؤلف -رحمه الله- : " وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم : ( مَن قتل في عِمية أو رِمياً بحجرٍ أو سوطٍ أو عصاً فعقله عقل الخطأ، ومَن قُتل عمداً فهو قودٌ، ومن حال دونه فعليه لعنة الله ) أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه بإسنادٍ قوي " :
قوله : ( من قتل في عِمية ) : العِمية مأخوذة من العمى ، وهي أن يحصل قتال بين الناس ولا يدرى ما وجهه ، القاتل لا يدري فيما قَتل والمقتول لا يدري فيما قُتل هذه هي قتلة العمية .
الرِّمية يعني : أناس تراموا لا بقصد أن يقتل بعضهم بعضا ولكن وقعت رميات فقتل أحدهم .
( أو سوط أو عصا ) سوط : والسوط عبارة عن جلد مفتول يضرب به ويشبه ذيل البقرة لكنه أدق .
( أو عصا ) العصا معروف ، ( فعقله عقل الخطأ ) : عقله : يعني ديته دية خطأ وليس فيه قود ، أما العِمية والرمية فلعدم قصد القتل ، وأما العصا والسوط فلأن الآلة لا تقتل ، فيكون حكمه حكم الخطأ ، وديته دية الخطأ ، وهي على المشهور من المذهب أخماس :
عِشرون بنات مخاض ، وعشرون بنات لبون ، وعشرون حِقة ، وعشرون جذعة ، وعشرون من بني مخاض ، يعني ذكورا .
ولكن مع ذلك الفقهاء -رحمهم الله- يفرقون في الدية بين شبه العمد والخطأ ، فيرون أن الدية في شبه العمد أرباعًا خمس وعشرون بنت مخاض ، وخمس عشرون بنات لبون ، وخمس عشرون حقة ، وخمس عشرون جذعة في شبه العمد ، وفي الخطأ أخماسا ، وفي العمد أرباعا ، وذلك أنهم يلينون هذا الحديث ولا يستدلون به ، أو يحملونه على أن المراد به بيان أن قتل شبه العمد ليس فيه قود فقط ، فيكون معنى : ( ديته دية الخطأ ) : يعني ضمانه ضمان الخطأ بقطع النظر عن تغليظ الدية وعدم تغليظها .
والحاصل أن الدية ستأتينا -إن شاء الله تعالى- في الباب الذي بعده أرباع في شبه العمد وأخماس في الخطأ على المشهور من مذهب الحنابلة والمسألة فيها خلاف سيأتي -إن شاء الله- .
( ومن قتل عمدًا فهو قَوَد ) ومن قتل عمدا بماذا ؟ بآلة تقتل غالبا ، وإنما أضفنا هذا القيد لقوله : ( إن من قتل بسوط أو عصا فعقله عقل الخطأ ) : والسوط والعصا لا يقتل غالبا ، وعلى هذا فيكون معنى قوله : ( من قتل عمدا ) أي : بما يقتل غالبا ، واختلف العلماء هل يشترط الجرح في هذا الذي يقتل غالبا أو لا ؟
فمذهب أبي حنيفة أنه لا بد أن يجرح ، وأن القتل بالمثقل لا يوجب القصاص ، والجمهور على خلاف ذلك ، وأن القتل بالمثقل يوجب القصاص ، واستدلوا لذلك بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أثبت القصاص في قصة اليهودي الذي رضَّ رأس الجارية بين حجرين ، ولم يقتلها بجارحة .
وقوله : ( فهو قود ) يعني هذا الأصل ، ولأولياء القَوَد أن يتحولوا إلى الدية ، وهل لهم أن يصالحوا عنها بأكثر ؟
في هذا قولان للعلماء : فمنهم من قال : ليس لهم أن يصالحوا عنها بأكثر ، بل يقال لهم : إما أن تقتلوا قصاصًا وإما أن تأخذوا الدية .
وقال بعض العلماء : لهم أن يصالحوا عن ذلك بأكثر ، لأن الحق لِمن ؟ لأولياء المقتول ، فإذا قالوا : نحن لا نسقط القود إلا إذا أعطيتمونا عشر ديات ، وإلا فسنقتل ، وهذا الأخير القول الثاني هذا هو مذهب الإمام أحمد -رحمه الله- وهو أن الحق لأولياء المقتول فإذا قالوا : لن نرضى إلا بدية مضاعفة مرتين أو ثلاثا أو أربعا فالحق لهم .
( ومن حال دونه ) أي : دون القود ، ( فعليه لعنة الله ) : يعني من منع إجراء القصاص فيما يجب فيه القصاص فعليه لعنة الله ، وهذه الجملة : ( فعليه لعنة الله ) يحتمل أن تكون خبرا ويحتمل أن تكون دعاء ، فإن كانت دعاء فإن الذي يظهر أنه دعاء مقبول ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا به على ظالم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو مشرع وهذا الظالم يريد أن يبطل شريعته فيكون بمنزلة المظلوم ودعاء المظلوم مستجاب ، ويقال أيضا في التقرير : أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يدع إلا وقد أذن له في ذلك ، وإذا أذن الله له في ذلك فإنه يستجيب له ، لقوله تعالى : (( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم )) ، أما إذا كان خبرا فالأمر واضح ، يعني أن الرسول عليه الصلاة والسلام أخبر بأن هذا عليه لعنة الله ، واللعنة : " هي الطرد والإبعاد عن رحمة الله " نعم .