فوائد حديث : ( قتل غلامٌ غيلةً فقال عمر: لو اشترك فيه أهل صنعاء لقتلتهم به ) أخرجه البخاري. حفظ
الشيخ : فيؤخذ من هذا الحديث :
أن الجماعة تقتل بالواحد ، لكن اشترط العلماء في هذا أن يتمالؤوا على قتله يعني يتفقوا على قتله ، فيقولوا : سنقتل فلانا ، أو يصلح فعل كل واحد لقتله لو انفرد ، يصلح فعل كل واحد لقتله لو انفرد ، يعني أن يكون فعل كل واحد مهلكا لو انفرد وحده ، مثال الأول :
اتفق أربعة من الناس على أن يقتلوا فلانا ، فحضروا إليه ، فقتله أحدهم ، وأما الباقون فهم واقفون : إما أنهم يحرسونه وإما أنهم يهددون القتيل أو ما أشبه ذلك ، فهؤلاء يقتلون جميعا مع أن ثلاثة منهم لم يباشروا القتل ، لكن كانوا سندا للقاتل .
ومثال الثاني : أن يرمي أربعة شخصًا بأحجار كل واحد منها قاتل لو انفرد وهم لم يشعروا ، أي لم يشعر بعضهم ببعض ، فهؤلاء أيضا يقتلون جميعا ، لأن فعل كل واحد منهم صالح للقتل ، ولم يُعلم عين القاتل ، يعني أن القتل حصل بفعل الجميع ، فأما لو انفرد أحدهم بالقتل ثم أجهز عليه الآخرون فالقاتل الأول ، كما لو ذبحه أحدهم وهم لم يعلم بعضهم ببعض ، فجاء أُناس فوجدوا هذا الإنسان قتيلا مذبوحا فشقوا بطنه مثلا أو رضوا رأسه فمن القاتل ؟
الطالب : الأول .
الشيخ : القاتل الأول ، ولو كان بالعكس جرحه إنسان أو ضربه ضربًا غير قاتل ، ثم جاء آخر فوجده صريعًا بعد الضربة فذبحه ، فمن القاتل ؟
الطالب : الثاني .
الشيخ : القاتل الثاني ، طيب في هذا الحكم الذي حكم به عمر رضي الله عنه هو مقتضى الدليل ومقتضى النظر لما في ذلك من حماية الأموال .
أما كونه مقتضى الدليل فلأن كل واحد منهم كان القتل بسببه ، يعني أن هؤلاء المجموعة إنما تقدم أحدهم فقتل لأنه مستقوٍ بمن ؟ بالآخرين الذين مالؤوه على ذلك ، فكان القتل ناشئا من الجميع ، لأن هذا الرجل لو انفرد وحده لم يقتل ، لكن بما حصل من الممالأة أقدم على القتل ، فصاروا قاتلين ، كل واحد منهم يصدق عليه أنه قاتل نفسًا فيقتل .
أما الصورة الثانية : إذا لم يتمالؤوا ولكن صلح فعل كل واحد للقتل فكذلك لأن كل واحد منهم جنايته موجبة للقصاص ، فوجب أن يقتل ، وهذا الذي قضى به عمر هو الموافق للنظر والقياس الصحيح .
وقال بعض العلماء : " لا يقتلون ، لأننا لو قتلنا أربعة بواحد تعذرت المماثلة ، لأن الأربعة أكثر من الواحد ، والنفس بالنفس ، وهنا قتلنا أربعة أنفس بنفس واحدة ، فيتعذر القصاص ، وحينئذ نرجع إلى أي شيء ؟ إلى الدية فتلزمهم دية ".
ولكن ما قضى به عمر هو الحق ، أولًا : لأن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه من الخلفاء الراشدين الذين لهم سنة متبعة .
والثاني : أن هذا هو مقتضى النظر والقياس .
والثالث : أننا لو قلنا : يسقط القصاص في هذه الحال لكان الذي يريد أن يقتل شخصا يقول لثلاثة من أصحابه أو أربعة أو عشرة : ساعدوني ، أنا أريد أن أقتل فلانا فيقتله ولا يكون عليه قصاص ، أليس كذلك ؟ واضح واضح يتفقون لأجل أن يسقط القصاص ، بدل من أن يذهب واحد ويقتل يقول لجماعة منه : تعالوا ارصدوا الطريق ، احرسوني ، وأنا سأقتل فلانا ، فيتفقون على ذلك فعلى القول بأنه لا قصاص تحصل هذ المفسدة العظيمة ، ولا شك أن سد الذرائع أمر مطلوب للشرع .
طيب فإذا قال قائل : إذا سقط القصاص لعدم تمام الشرط أو لوجود المانع أو لعفو أولياء المقتول ، فهل يلزم كل واحد منهم دية كاملة ، أو تلزمهم دية واحدة ؟
الجواب : الثاني ، تلزمهم جميعا دية واحدة ، لأن هذه الدية عوض عن النفس الفائتة ، ولم يفت إلا نفس واحدة .
فإن قال قائل : لماذا لا نجعل الدية عوضًا عن الأنفس التي سقط عنها القصاص ؟
فالجواب : أن هذا لا يستقيم ، لأن القصاص إنما وجب على الجميع لتعذر التبعيض فيه ، وأما الدية إيش ؟ فيمكن أن تتبعض ، يعني يمكن إذا كانوا خمسة أن نقول : على كل واحد خمس الدية ، لكن إذا كان القتلة خمسة واختير القصاص هل يمكن أن نقول : كل واحد منهم يقتل خمس قتلة ، أو ما يمكن ؟ لا يمكن لا يتبعض ، واضح يا جماعة ؟!
فهذا يعني أقول : إنه إذا سقط القصاص لعدم تمام الشروط ، أو لوجود مانع ، أو لعفو أولياء المقتول ، فإنه لا يجب عليهم إلا إيش ؟ إلا دية واحدة ، والفرق بينها وبين القصاص ظاهر : أن القصاص لا يمكن تبعضه وأما الدية فيمكن تبعضها .