فوائد حديث : ( فمن قتل له قتيلٌ بعد مقالتي هذه فأهله بين خيرتين: إما أن يأخذوا العقل أو يقتلوا ) . حفظ
الشيخ : طيب إذًا هذا الحديث فيه فوائد ، آه ؟
الطالب : إذا طلبوا ديتين ؟!
الشيخ : أنا فاهم سأجعلها في الفوائد :
الفائدة الأولى : تقرير هذا الحكم الشرعي عند فتح مكة ، لقوله : ( بعد مقالتي هذه ) .
ومن فوائده : أن الأحكام الشرعية تتجدد شيئا فشيئا ، وهو أمر واضح ، فالأحكام الشرعية تتجدد في أعظم أصول الدين ، وفي الفروع أيضًا ، ويدل لهذا قوله تعالى : (( اليوم أكملت لكم دينكم )) : إذًا فالدين يكمل شيئًا فشيئا حتى انتهى .
ومن فوائد هذا الحديث : أن أولياء المقتول عمدًا يُخيَّرون بين شيئين : إما الدية ، وإما القصاص .
ولكنَّ هذا التخيير بعد أن تتم شروط القصاص ، إذا تمت شروط القصاص حينئذ يخيَّرون ، أما إذا اختل شرط واحد منها فإنهم لا قصاص لهم ، فلو كانوا أهل كتاب وقَتَل مسلم واحدًا منهم فهل يخيرون بين العقل والقَوَد ؟
الطالب : لا .
الشيخ : لماذا ؟ لعدم شروط القصاص ، وكذلك لو أن حرًا قتل عبدًا فهل يخير أولياء العبد بين القصاص والدية على القول بأنه لا يقتل الحر بالعبد ؟
الطالب : لا .
الشيخ : لا ، وهلم جرا ، المهم إذا تمت الشروط خير أهل القتيل وهم ورثته بين هذين الشيئين .
ومن فوائد الحديث : أنه ليس هناك شيء ثالث فيما يعوض به عن القتيل ، واضح ؟
الطالب : واضح .
الشيخ : ما فيه شيء ثالث يعوض به عن القتيل ، وإنما قلنا : يعوض به عن القتيل ليخرج العفو مجانا ، فيقال لأولياء المقتول : إما أن تقتلوا وإما أن تأخذوا الدية فقط أما العفو فليس واردا في هذا الحديث ، وعلى هذا فلو قال أولياء المقتول : لا نسقط القصاص إلا بديتين أو ثلاثا أو أربع أو عشر مُنعوا وقيل : لا ، إما أن تقتلوا وإما أن تأخذوا الدية ، وإلى هذا ذهب بعض أهل العلم ، وقالوا : " إنه لا يمكن المصالحة عن الدية بأكثر منها ، لأن الدية عوض مقدرٌ شرعاً وما قدر شرعاً فإنه لا يجوز تجاوزه " ، انتبهوا .
وقال بعض العلماء : بل يجوز المصالحة عن القصاص بأكثر من دية ، لأن أولياء المقتول إذا قالوا : إذا كنتم لا تريدون أن تعطوننا إلا الدية فنحن سنقتله ، فقال أولياء القاتل أو القاتل نفسه قال : أنا أدفع ديتين ، أنا أريد أن أفدي نفسي ، الواجب شرعاً دية ، لكن إذا كنتم مصممين على القتل فأنا أريد أن أفدي نفسي بزيادة ، فإذا رضي بذلك فما المانع ؟!
والجواب عن القول بأن هذا مقدرٌ شرعا أن المراد به ألا يقل عن مئة من الإبل ، فلو قال من تلزمهم الدية : نحن لا نعطيكم إلا خمسين أو ثمانين قالوا : لا ، إلى ثمانين .
وهذا القول أرجح ، وذلك لدعاء الحاجة إليه ، لأن الذي سيحتاج إليه من ؟ القاتل وأولياؤه ، ربما يكون القاتل غنيا ، وأولياؤه أغنياء ، ولا يهمهم أن يبذلوا ديتين أو ثلاثا أو عشرا ، المهم أن يبقى صاحبهم ، فما المانع من هذا ؟ نعم ، ولكن يقال لأولياء المقتول : الورع ، والأحسن لكم أن تقتصروا على الدية ، وألا تطلبوا .
أقول : الأولى لأولياء المقتول الأولى أن يقتصروا على الدية لأن ذلك ربما يكون أبرك لهم وأنفع ، وإذا بارك الله في المال نما وزاد وإذا نزعت البركة منه نقص وزال .
لو أن أولياء المقتول اختلفوا فقال بعضهم : نريد القصاص وقال آخرون : نريد الدية فمن القول قوله ؟
الطالب : الدية .
الشيخ : القول قول من يطلب الدية ، لأن الله تعالى قال في القرآن : (( فمن عُفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف )) ، (( فمن عُفي له من أخيه )) أي : من المقتول شيء ، وشيء نكرة في سياق الشرط تشمل أدنى شيء ، فلو أن واحدًا من الورثة لا يرث إلا واحدا بالألف وأسقط القصاص وقال أنا أريد الدية ، سقط القصاص ووجبت الدية ، لقوله : (( فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف )) ، وهذا دليل أثري .
أما الدليل النظري : فإنه لما سقط القصاص في حق هذا الرجل صار القصاص الآن واجب في هذا في هذا الرجل إلا واحدا من ألف ، والقصاص لا يتبعض ، فكيف نقتله تسعمئة وتسع وتسعين قتلة ألا واحدة من الألف ، يمكن هذا ولا ما يمكن ؟
الطالب : لا يمكن .
الشيخ : لا يمكن ، فصار الدليل الأثري والنظري على أنه إذا عفا بعض أولياء المقتول فإنه يسقط القصاص .
ويترتب على هذا سؤال : لو أن أحدا من الناس من أولياء القاتل أو القاتل نفسه ذهب إلى بعض الورثة وقال : تعال أنت إذا قتلت القاتل ماذا تستفيد ؟ ما الفائدة وأنت الآن فقير ، وسيأتيك من الدية عشر من الإبل ، ولكن أنا بعطيك مئة من الإبل ، أعطيك مئة من الإبل وسامح ، فهل يجوز ؟
الطالب : لا يجوز .
الشيخ : أنتم فاهمين السؤال الآن ؟! يعني لو أن القاتل أو أولياءه ذهبوا إلى بعض الورثة وقالوا : نحن نعطيك أكثر من حقك وسامَح ، نعم فهل يجوز ؟
الطالب : لا يجوز .
الشيخ : هي محل ، الواقع هي محل نظر ، قد يقال بالجواز لعموم الآية : (( فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف )) : وهذا عفا ، وقد يقال : إن هذه حيلة ، والحيل لا تسقط الواجبات ، الحيل لا تسقط الواجبات وهذه حيلة على أن يسقط حق البقية من القصاص ، ولكن الأقرب والله أعلم أن ذلك جائز ، لأن للإنسان أن يفك نفسه من القتل بأي طريق ، وهذا الرجل ذهب إلى هذا الشخص وقال : أسقط القصاص وأنا أعطيك ضعفي الدية التي لك فما المانع ؟!
ثم قال المؤلف : " وأصله في الصحيحين من حديث أبي هريرة بمعناه " :
يعني أصل هذا الحديث في * الصحيحين * من حديث أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ( من قتل له قتيل فهو بخير النظرين ) .