كتاب الجهاد حفظ
الشيخ : قال صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ( من قتل دون ماله فهو شهيد ).
الطالب : يعني من قتل دفاعا عن ماله فهو شهيد.
الشيخ : فهو شهيد، طيب، هل هذا يقتضي وجوب الدّفاع عن المال؟
الطالب : لا، لا يقتضي وجوب الدّفاع.
الشيخ : هاه؟
الطالب : لا يقتضي وجوب الدّفاع عن المال يعني لأنه ...
الشيخ : وعلى هذا فلا يجب الدّفاع عن المال، طيب، هل مثله الدّفاع عن النّفس أحمد؟
الطالب : لا.
الشيخ : لا؟
الطالب : واجب.
الشيخ : الدّفاع عن النّفس واجب، طيب، العِرض؟
الطالب : واجب.
الشيخ : واجب، لأنّه لا يباع بأيّ حال مِن الأحوال، لكن المال يجوز للإنسان أن يتبرّع به لأيّ واحد من النّاس، أليس كذلك؟ أما نفسه فلا يجوز أن يتبرّع بها لأحد، عِرضه لا يجوز أن يتبرّع به لأحد، فلهذا وجب الدّفاع عن النّفس وعن العِرض لأنّها لا تباح بالإباحة وأما المال؟ أجب يا أحمد؟!
الطالب : أما المال فيباح.
الشيخ : فيباح بالإباحة، لو قلت لواحد: خذ هذا المال هديّة يجوز يقبل؟
الطالب : يجوز.
الشيخ : طيب، إذن يُستباح بالإباحة لذلك لا يجب الدّفاع عنه، أمّا الدّفاع عن النّفس فهو واجب، يجب أن يدافع عن نفسه، لأنّه لا يجوز أن يسلم نفسه لأحد، أو يبيحها لأحد، إلاّ فيما دلّ عليه حديث عبد الله بن خبّاب رضي الله عنه قال: ( سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم يقول: تكون فتن ): تكون هنا فعل مضارع، ولكنّها هنا تامّة ومعنى تامّة أي: أنّها تكتفي بمرفوعها كما قال ابن مالك: " وذو تمام " إيش؟
الطالب : " ما برفع يكتفي " .
الشيخ : " ما برفع يكتفي " وعلى هذا فتكون " فتن " فاعل، تكون فتن أي: توجد فتن.
والفتنة ما يفتن به النّاس وهي أنواع كثيرة: قد يفتن النّاس في أديانهم، أو في أعراضهم، أو في أخلاقهم عموما، أو في دمائهم المهمّ أنّ الفتن أنواع متنوعة، ومن الفتن: الفتن المقاليّة التي يتنابز فيها النّاس بالألفاب السّيّئة، أنت مبتدع، أنت كافر، أنت فاسق وما أشبه ذلك من الكلمات التي ليس يُجنى منها إلاّ اختلاف القلوب واخنلاف النّاس، لكن المراد -والله أعلم- بالفتن هنا: فتن الدّماء، فتن الدّماء، ( تكون فتن ) أي: قتال بين الناس، ( فكن فيها عبد الله المقتول ولا تكن القاتل ) : ( فكن فيها عبد الله ) : " عبد " هنا يجوز فيها أن تكون منصوبة على خبر كن، ويجوز أن تكون منصوبة على أنّها منادى وحرف النّداء محذوف، أي كن فيها يا عبد الله المقتول، فعلى الأوّل تكون المقتول صفة لعبد الله، صحّ يا علي؟
الطالب : المقتول صفة لعبد الله لأنه هنا خبر !
الشيخ : يبدو أنّك؟
الطالب : لا لا .
الشيخ : إيه، على الأوّل وهي: أنّ عبد خبر تكون المقتول صفة لعبد الله، وعلى الثاني أنّ عبد منادى تكون المقتول خبر كن، أي: كن يا عبد الله المقتول ولا تكن القاتل، وهذا يعني أنّك لا تدافع عن نفسك في الفتن، لأنّ المدافع عن النّفس في الفتن قد يكون فيها شرّ كثير، وذلك كما جرى لأمير المؤمنين عثمان بن عفّان رضي الله عنه الخليفة الثالث بعد رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فإنّه نهى أن يُدافع عنه، بل قال لغلمانه: " كل إنسان لا يدافع عنّي فهو حرّ "، فتركوا الدّفاع عنه، لماذا؟
لأنّه يحصل بذلك فتن وقتل كثير في المدينة النّبويّة فرضي الله عنه، أراد أن يُقتل اتّقاء للدّماء، والعجب أنّ الرّافضة قبّحهم الله يقولون: إنّ الحسين رضي الله عنه فدى بنفسه دماء المسلمين وحقنها، ولا يقولون عن عثمان: إنّه فدى بنفسه دماء المسلمين وحقنها، مع أنّ الواضح جدًّا أنّ الثاني هو الحقّ، أنّ عثمان رضي الله عنه أراد أن يفدي بنفسه دماء المسلمين وليقتل شهيدا لأنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم لما صعد جبل أحد واهتزّ بهم وارتجف قال: ( أثبت، -أو- اسكن أحد فإنّما عليك نبيّ وصدّيق وشهيدان ): النّبيّ محمّد عليه الصّلاة والسّلام، والصّدّيق أبو بكر، والشّهيدان عمر وعثمان رضي الله عنهما، فالحاصل أنّه اختار ذلك، ولهذا قال العلماء -رحمهم الله- : " يجب الدّفع عن نفسه إلاّ في الفتنة فلا يجب "، ولكن إذا قلنا لا يجب هل معنى ذلك أنّه يحرم الدّفاع عن نفسه في الفتنة؟ أو ينظر للمصلحة؟
الجواب: بالثاني، قد يكون الإنسان في مكان فيه فتنة، فيه قتال، لكن يمكن أن يقتل مَن صال عليه بدون أن يحصل بذلك فتنة، حينئذ نقول: اقتل، وقد يكون بالعكس لو قتله لثارت القبائل، لأنّه من قبائل مثلاً قويّة كبيرة فتثور ويحصل بذلك فتنة، فالحاصل أنّه في غير الفتنة حكم الدّفاع عن النّفس؟
الطالب : واجب.
الشيخ : واجب، في الفتنة لا يجب لكن ينظر الإنسان للمصلحة، قد تكون المصلحة بالمدافعة ولو بالقتل وقد تكون بعدم المدافعة، والإنسان ينظر إلى المصالح العامّة فيقدّمها على المصالح الخاصّة، لأنّ تقديم المصالح العامّة هو شرع الله وقدر الله، يعني يتوافق الشّرع والقدر في تقديم المصالح العامّة على المصالح الخاصّة، أرأيتم مثلًا المطر مصلحة، عامّة وإلاّ خاصّة؟
الطالب : عامّة.
الشيخ : عامّة، لكن يأتي إنسان صبّ صبّة السّقف قبيل ينزل المطر، ما شأن هذا المطر بالنّسبة له؟
الطالب : ضرر.
الشيخ : ضرر، لكن هذا الضّرر يزول ويضمحلّ، فالحكم القدري والحكم الشّرعي من ربّنا عزّ جلّ وله الحكمة البالغة تقديم إيش؟
الطالب : المصالح العامّة.
الشيخ : المصالح العامّة على المصالح الخاصّة، فأنت انظر في حال الفتنة هل من المصلحة أن تدافع عن نفسك أو من المصلحة أن تمسك عن الدّفاع، افعل ما تراه أنّه مصلحة، لكن في غير الفتنة يجب أن تدافع، وبهذا نعرف أنّ من قاتل ليُستشهد فهل يكون شهيدا؟
الطالب : لا، لا يكون.
الشيخ : لا تتعجّلوا.
الطالب : لا يكون.
الشيخ : إذا قاتل ليقتل فهذا ليس بشهيد، وإن قاتل ليستشهد، بمعنى ليكون قتاله لإعلاء كلمة الله فهو؟
الطالب : شهيد.
الشيخ : فهو شهيد، والنّيّة لها أثر بالغ، لأنّ بعض النّاس يظنّ أنّه إذا قتل في الجهاد هو شهيد بكلّ حال وليس كذلك، ليس من الشّهادة أن تذهب لأجل أن تُقتَل، إنّما الشّهادة أن تذهب لتقاتل لتكون كلمة الله هي العليا، حينئذ إذا قُتِلت فأنت شهيد فالقتل ليس مقصودًا بذاته، القتل في الجهاد ليس مقصودا لذاته، المقصود أن تكون كلمة الله هي العليا فإذا قتلت من أجل ذلك فأنت شهيد.
ثمّ قال المؤلّف -رحمه الله-: " كتاب الجهاد " :
ذكرنا فيما سبق أنّ العلماء صنّفوا تصانيفهم على ثلاثة وجوه، كتاب، والثاني؟
الطالب : أبواب.
الشيخ : والثالث؟
الطالب : فصل.
الشيخ : فصل، فالكتاب هو عبارة عن الدّخول إلى مسائل متعدّدة، من أجناس متعدّدة لكن يجمعها حكم واحد.
والباب إيش؟ للأنواع، لتحديد الأنواع، فمثلا الجهاد فيه: عهد ذمّة وفيه أشياء متنوّعة، والفصل؟
الطالب : المسائل.
الشيخ : نعم لتنوّع المسائل، لتنوّع المسائل فقط، مو لتنوّع المسائل، لتعديد المسائل فهو كالإستراحة، الفصل كالإستراحة، إذا طال الباب جعلوا فصولا، الجهاد لا يشكّ عالم باللغة العربيّة أنّه مصدر فعله؟
الطالب : جاهد.
الشيخ : جاهد، يجاهد، جهادًا، ومعناه بذل الجُهد أي: الطاقة في إدراك أمر شاقّ، وهنا نقول: المراد به في هذا الباب خاصّة بذل الجُهد لتكون كلمة الله هي العليا، هذا هو الجهاد، بذل الجهد لتكون كلمة الله هي العليا، وعلى هذا التّعريف يشمل الجهاد بالسّلاح والجهاد بالبيان، لأنّ طالب العلم يبذل الجهد من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا، ودين الله تعالى هو المعمول به في الأمّة، فهو يقرأ الكتاب والسّنّة ويفهم معناهما وينشره بين النّاس ويدعو إلى سبيل الله فهو إذن إيش؟
الطالب : مجاهد.
الشيخ : مجاهد بلا شكّ، مجاهد في سبيل الله، ولهذا نرى أنّ الذين في المعركة والذين في مجلس العلم وهم يطلبون العلم حقيقة أنّهم سواء في الأجر بل ربّما يزداد أجر طالب العلم لما يحصل من عِلمه إذا كان ناصحًا لله ورسوله من نشر السّنّة وبيانها ولهذا نجد أنّ المجاهد في المعركة محتاج إلى المجاهد في العلم، ولا؟
الطالب : العكس.
الشيخ : ولا العكس، الجهاد ينقسم إلى قسمين، وهو أولًا جنسان:
الجنس الأوّل: جهاد الأعداء بالسّلاح. والجنس الثاني: الجهاد لإعلاء كلمة الله بالبيان والعلم.
الجهاد أعني جهاد الأعداء ينقسم إلى قسمين:
جهاد دفاع، وجهاد طلب، فمن غزانا من الكفّار فجهاده جهاد دفاع، ومن غزوناه من الكفّار فجهاده جهاد طلب، ولكن جهادنا للكفّار هل هو من أجل أن يسلموا؟ أو مـن أجل أن تكون كلمة الله هي العليا وإن لم يسلموا؟
الطالب : الثاني.
الشيخ : الثاني، جهادنا للكفّار أن تكون كلمة الله هي العليا وإن لم يسلموا، والدّليل على هذا ما رواه مسلم في صحيحه من حديث بريدة بن الحُصيب: ( أنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم كان إذا أمّر أميرا على جيش أو سريّة أوصاه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيرا ثمّ قال: امض على رسلك، ثمّ يأمره إذا حاصر العدوّ أن يسلم العدوّ، أو ينزل على حكم الله فيبذل الجزية، أو يقاتَل )، وهذا أمر معلوم: أنّ قتالنا لأعدائنا ليس لأن يسلموا، (( لا إكراه في الدّين )) لكن من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا وأن تكون السّيطرة لدين الإسلام: (( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدّين كلّه )) هذا هو المقصود، فنحن مثلا إذا أخذنا الجزية على الكفّار وقلنا: أعطوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون فلمن الكلمة العليا؟
الطالب : لله.
الشيخ : لله عزّ وجلّ، إذا جاءك اليهودي أو النّصراني أو المشرك على القول الراجح، إذا جاءك ذليلاً حقيرًا يسلّم الجزية عن يد، ذكرنا فيما سبق أنّ لها معنيين:
المعنى الأوّل: عن قوّة منكم، أي: أنّكم تظهرون أمامهم بمظهر القوّة.
والثاني: عن يد أنّه يسلّمها بيده لا يرسل بها الخادم أو أحدا من أصحابه.
وأمّا القول بأنّ المراد عن يد أي أنّك تأخذ بيده عندما يسلّم الجزية وتجرّه لتريه القوّة فهذا ليس بصحيح.
طيب إذن الجهاد نوعان: جهاد دفاع وجهاد طلب، جهاد الدّفاع: واجب فرض عين، بدون تفصيل، لأنّه يجب أن ندافع عن ديننا، أي: إنسان يهاجمنا عن ديننا يجب أن ندافعه لأنّه؟
الطالب : واجب.
الشيخ : لأنّه دفاع النّفس أوّلا، وعن بلاد المسلمين، فيجب أن يقاتِل يدافع، يدافع حتى من يستطيع أن يدافع من النّساء أو من المراهقين أو ما أشبه ذلك بشرط أن نأمن انهزامهم، فإن خفنا مِن انهزامهم كما هو الغالب من النّساء ومن لم يبلغ فإنّنا لا نمكّنه من القتال، ولهذا قال العلماء يجب القتال ويكون فرض عين في أمور أربعة:
الأوّل: إذا حضر الصف، فإنّ القتال يجب، لقول الله تبارك وتعالى: (( يا أيّها الذي آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفًا فلا تولّوهم الأدبار ومن يُوَلّهم يومئذ دبره إلاّ متحرّفًا لقتال أو متحيّزًا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنّم وبئس المصير ))، وجعل النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم التّولّي يوم الزّحف من كبائر الذّنوب، مِن الموبقات.
إلاّ أنّ الله تعالى خفّف عن عباده، وأذن للمسلمين إذا كان العدوّ أكثر من مثليهم، أذن لهم أن يفرّوا لقول الله تعالى: (( الآن خفّفَ الله عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفًا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين، وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله ))، ولهذا أجازَ العلماء الفرارَ من العدوّ إذا كان أكثر من الضعف ، طيب هذه واحدة.
ثانيًا: إذا استنفره الإمام، يعني إذا قال الإمام: اخرجوا قاتلوا فإنّه يجب على المسلمين أن يخرجوا ويقاتلوا، لقول الله تبارك وتعالى: (( يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثّاقلتم إلى الأرض )): شفت كيف قال اثّاقلتم إلى الأرض، يعني ملتم إليها بثقل، ومعلوم أنّ الذي يختار الأرض على السّماء أنّه ضائع، (( أرضيتم بالحياة الدّنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدّنيا في الآخرة إلاّ قليل إلاّ تنفروا يعذّبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضرّوه شيئا والله على كلّ شيء قدير )) هذه الثانية، متى؟
إذا استنفرهم الإمام وجب عليهم النّفور.
الثالثة: إذا حاصر العدوّ بلدهم، وهذا هو الشاهد لما قلناه قبل قليل، إذا حاصر العدوّ بلدًا صار الدّفاع الآن؟
الطالب : واجباً.
الشيخ : واجباً، صار الجهاد واجباً، لأنّه جهاد دفاع، لأن العدو إذا حاصر البلد معناه أنّ أهلها يكونون عرضة للهلاك، لا سيما في مثل وقتنا الحاضر، إذا حاصر العدو البلد وقطّع الكهرباء، وقطّع المياه، وقطّع مصادر الغاز، وما أشبه ذلك معناه أنّ الأمّة سوف تهلك فيجب الدّفاع، ما دام عندهم ما يمكن يدافعوا به يجب عليهم أن يدافعوا.
الرابعة: إذا كان محتاجًا إليه، يعني إذا احتيج إلى هذا الرّجل بعينه وجب أن يقاتل، مثل أن يكون هذا الرّجل، نعم، مثل أن نغنم دبّابات أو طائرات من عدوّ ونحن لا نعرف كيف نشغّلها لكن فيه واحد من الناس قد عرف هذه الصّنعة وعرف كيف يشغّلها فهذا يجب عليه أو لا؟
الطالب : يجب.
الشيخ : يجب عليه بعينه، يجب عليه بعينه أن يقاتل، لا يقول: الناس كثيرين، نقول: نعم الناس كثيرين لكن ما يعرفون يشغلون هذه الدّبّابات وهذه الطائرات، فلا بدّ أن تخرج أنت بنفسك، فهذه أربعة مواضع ذكر العلماء -رحمهم الله- أنّ الجهاد فيها يكون؟
الطالب : واجبا.
الشيخ : فرض عين، يكون فرض عين، وما عدا ذلك فهو فرض كفاية، الجهاد فرض كفاية على المسلمين، لأمر الله تعالى به في آيات كثيرة من القرآن، أمر الله به بآيات كثيرة من القرآن، وأخبر النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ( أنّ الجهاد ذروة سنام الإسلام ): يعني أعلاه، لأن المجاهدين يعلُون، أو بالأصحّ يعلون على أعدائهم، فلهذا شبّههم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بذروة السّنام لأنّه أعلى ما في البعير، فالجهاد فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، وإن لم يقم به من يكفي، إيش؟
تعيّن عليه. ولكن اعلموا أنّ كلّ واجب لا بدّ فيه من شرط القدرة، كلّ واجب لا بدّ فيه من شرط القدرة، والدّليل على ذلك النّصوص من القرآن والسّنّة ومن الواقع أيضًا:
أما القرآن فقد قال الله تعالى: (( لا يكلّف الله نفسا إلاّ وسعها ))، وقال تعالى: (( فاتّقوا الله ما استطعتم ))، وقال تعالى: (( وجاهدوا في الله حقّ جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدّين من حرج )): يعني حتى لو أُمرتم بالجهاد ما فيه حرج، إن قدرتم عليه فهو سهل، وإن لم تقدروا عليه فهو حرج مرفوع.
طيب إذن لا بدّ من القدرة والإستطاعة، هذا من القرآن.
من السّنّة قال النبّيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ( إذا أمرتكم بأمر ) أتمّوا؟
الطالب : ( فأتوا منه ما استطعتم ).
الشيخ : ( فأتوا منه ما استطعتم )، ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) وهذا عامّ في كلّ أمر، لأنّ قوله: ( بأمر ) نكرة في سياق الشّرط فيكون للعموم، سواء الأمر بالعبادات أو الجهاد أو غير ذلك.
وأمّا الواقع فقد كان النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم في مكّة يدعو النّاس إلى توحيد الله وإلى الصّلاة، وبقيَ على هذا ثلاثَ عشرة سنة لم يُؤمر بالجهاد مع شدّة الإيذاء له ولمتّبعيه عليه الصّلاة والسّلام، وقلّة الأوامر أو قلّة التّكاليف، أكثر أركان الإسلام ما وجبت إلاّ في؟
الطالب : المدينة.
الشيخ : في المدينة، لكن هل أمروا بالقتال؟
لا، لماذا؟
لأنّهم لا يستطيعون، هم خائفون على أنفسهم، إنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خرج من مكّة خائفًا على نفسه، وهذا معروف، ولذلك لم يوجِب الله عزّ وجلّ القتال إلاّ بعد أن صار للأمّة الإسلاميّة دولة وقوّة أُمروا بالقتال: (( أذن للذين يقاتلون بأنّهم ظلموا وأنّ الله على نصرهم لقدير ))، وعلى هذا فإذا قال لنا قائل: لماذا لا نحارب أمريكا وروسيا وفرنسا وإنجلترا؟ لماذا؟ هاه؟
الطالب : لعدم القدرة.
الشيخ : لعدم القدرة، الأسلحة التي قد ذهب عصرها عندهم هي التي بأيدينا، وهي عند أسلحتهم بمنزلة سكاكين الموقد عند الصّواريخ، ما تفيد شيئا، فكيف يمكن أن نقاتل هؤلاء؟!
ولهذا أقول: إنّه من الحُمْق أن يقول قائل: إنّه يجب علينا الآن أن نقاتل أمريكا وأنجلترا وفرنسا وروسيا، كيف نقاتل؟!
هذا تأباه حكمة الله عزّ وجلّ، ويأباه شرعه، لكن واجب علينا أن نفعل ما أمر الله عزّ وجلّ: (( وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة )) هذا هو الواجب علينا ، أن نعدّ لهم ما استطعنا من قوّة، وأهمّ قوّة نعدّها هو الإيمان والتّقوى، الإيمان والتّقوى هو القوّة، لأنّنا بالإيمان والتّقوى سوف نقضي على أهوائنا ونقضي أيضا على تباطئنا وتخاذلنا، ونقضي على محبّتنا للدّنيا، لأنّنا الآن نحب الدّنيا ونكره الموت، الصّحابة رضي الله عنهم المجاهدون حالهم عكس حالنا، يريدون الموت ويكرهون الحياة في الذّلّ، فالواجب أن نُعدّ ما استطعنا من القوّة وأوّلها الإيمان والتّقوى، ثمّ التّسلّح، التّسلّح، الذي علّم هؤلاء ألا يعلّمنا؟!
يعلّمنا لكنّنا لم نتحرّك، ثمّ في الواقع لو تحرّكنا قطعت الرّؤوس، ما نستطيع، ولا حاجة إلى أن نعيّن لكم أنّهم إذا رأوا دولة يمكن أن تنتعش بالأسلحة، فعلوا ما فعلوا ممّا هو معلوم لكم، أقول: إنّ الواجب الآن أن نستعدّ بالإيمان والتّقوى وأن نبذل الجُهد، والشيء الذي لا نقدر عليه نحن غير مكلّفين به، ونستعين الله عزّ وجلّ على هؤلاء الأعداء، ونحن نعلم أنّ الله تعالى لو شاء الله لانتصر منهم كما قال الله تعالى: (( ولو شاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلوَ بعضكم ببعض )) ثمّ: (( والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضلّ أعمالهم )): حتى لو ابتلى بعضنا ببعض وقُتل من قتل منّا فإنّ الله لن يضلّ أعمال هؤلاء الذين قتلوا في سبيل الله: (( سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم الجنّة عرّفها لهم )) .
فالحاصل الذي أحبّ أن أقول وأؤكّد: أنّه لا بدّ من القدرة، أمّا مع عدم القدرة فإنّ الشّرع والقدر يتّفقان بأنّه لا يجب علينا أن نتحرّك ما دمنا لا نستطيع، الواقع والشّرع كلّه يدلّ على هذا، أظنّ جاء وقت الأسئلة؟
الطالب : ليس بعد.
الشيخ : طيّب، من المهمّ فيما نُعدّه لأعدائنا أن لا نتفرّق، أن لا نتفرّق ونحن تحت راية واحدة، وأن لا نتفرّق ونحن تحت رايات، يعني مثلا الأمّة الإسلامية الآن كم لها من دولة؟
الطالب : كثير.
الشيخ : دول كثيرة، بينما خي في صدر الإسلام كم دولة؟
الطالب : واحدة.
الشيخ : واحدة، لكن تعدّدت الدّول، هذه الدّول هل هي متّفقة أو مختلفة؟
الطالب : مختلفة.
الشيخ : مختلفة غاية الإختلاف، متباينة غاية التّباين، إذن كيف ننتصر على أعدائنا؟!
ثمّ الدّولة الواحدة هل اتّفق شعبها؟
الطالب : لا.
الشيخ : الغالب لا، أحزاب، طوائف، طوائف من النّاحية السّياسيّة، وطوائف من النّاحية الدّينيّة والأخلاقيّة والمنهجيّة، واخرج ترى، اخرج من بلادك هذه ترى العجب العجاب، يمكن أن يكون كلّ قرية ترى نفسها دولة مستقلّة في عقيدتها ومنهجها وأعمالها وأحكامها، فكيف مع هذا التّفرّق نريد أن ننتصر على أعدائنا؟!
ولهذا يُحكى لنا أنّ هناك كلمة حكيمة يطلقها الإنجليز وهم أهل السّياسة يقولون: " فرّق " إيش؟
الطالب : تسُد.
الشيخ : " تَسُد " ، " فرّق تسد " تكون أنت السّيّد، لأنّك إذا فرّقت النّاس صار النّاس يضرب بعضهم بعضاً، وأنت مستأنس تتفرّج، وهذا هو الواقع الآن بالنّسبة لنا، الواقع بالنّسبة لنا مع الأسف الشّديد على كثرة المسلمين وما عندهم من القوّة وإن كانت لا تضاهي ولا تقارب قوّة الكفّار لكنّنا متفرّقون، وليس هذا من إعداد القوّة لأعدائنا، بل هذا أسبابُ الفشل كما قال تعالى: (( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إنّ الله مع الصّابرين ))، ولهذا نحن نحرص دائمًا على تأليف القلوب، وعدم الاختلاف، وعدم الفوضى الكلاميّة والقلبيّة، ونرى أنّ النّاس يُغضون عمّا يحصل من الأشياء التي قد يستنكرونها يرجون بذلك جمع الكلمة، لأنّ جمع الكلمة مهمّة جدّا جدّا، ولا بدّ أنّه مرّ على بعضكم مِن النّصوص ما يدلّ على أنّ الإجتماع مِن أهم ما يكون في الشرع، حتى الرّسول عليه الصّلاة والسّلام يقول: ( لا يبع بعضكم على بيع بعض ) ليش؟ ( لا يبع بعضكم على بيع بعض ) لماذا؟
الطالب : لأنه يؤدي إلى التنازع.
الشيخ : لأنّه يؤدّي إلى التّباغض والتّنافر، فتجدون أنّ الشّرع سدّ كلّ طريق يكون فيه خلاف، نسأل الله أن يجمع قلوبنا على طاعته، نعم؟