فوائد حديث : ( أحي والداك ). حفظ
الشيخ : يستفاد من هذا الحديث عدّة فوائد:
أوّلاً: وجوب استئذان ولي الأمر في الجهاد، انتبهوا لا تتسّرعوا، هل يفيد الوجوب أو يفيد أنّه الأولى والأفضل؟
الطالب : الأولى.
الشيخ : الثاني، أنّه ينبغي لمن أراد الجهاد أن يستأذن مِن ولي الأمر لئلاّ يجاهد مَن لا يصلح للجهاد.
ومن فوائد هذا الحديث: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم لا يعلم الغيب لقوله: ( أحيّ والداك؟ ) وهذا أمر يكاد يكون معلومًا بالضّرورة لدلالة الكتاب والسّنّة عليه دلالة صريحة واضحة ، وأنّه لا يعلم الغيب عليه الصّلاة والسّلام.
ومن فوائد هذا الحديث: مشروعيّة استفهام المفتي حتى لا يجيب بكلام مطلق أو عام مع وجوب التّقييد أو التّخصيص لقوله: ( أحيّ والداك؟ ).
فإن قال قائل: الأصل عدم التّخصيص إلاّ فيما دعت إليه الضّرورة، فيقال: لعلّ النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم فهم من حال الرّجل السائل أنّه لا بدّ من الاستفهام، فعندي أنّه يحتمل أنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم لمـَّا رأى هذا الرّجل غسر صالح للجهاد أراد أن يعرف هل له والدان حتى يكون جهاده في والديه مغنياً عن جهاد الأعداء لأنّ من النّاس من نأذن له أن يجاهد لكونه أهلا للجهاد في القوّة والشّجاعة ومن النّاس من لا نأذن له ونوجّهه إلى جهاد آخر حسب ما تقتضيه حاله، وإلاّ فلو جاء أحد يستأذنني ويقول : أأجاهد وأنا أرى أنّه رجل شجاع قويّ فلا حاجة للاستفصال، لكن يظهر لي والله أعلم أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رأى من حال الرّجل أنّ جهاده في والديه أفضل من جهاده للكفّار.
ومن فوائد هذا الحديث: أنّ الاقتصار على نعم في الجواب دون إعادة السّؤال يحصل به المقصود، لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بنى على كلامه حين قال: نعم، وكذلك الإشارة تقوم مقام العبارة إذا كانت مفهومة، ولكن هل يشترط لقيام الإشارة مقام العبارة أن تكون العبارة ممتنعة شرعاً أو حسّاً أو لا يشترط؟ يرى بعض العلماء أنّ الإشارة لا تقوم مقام العبارة إلاّ إذا تعذّرت العبارة شرعًا كما لو كان الإنسان في صلاة واستأذنه أحد أو سلّم عليه فهنا يتعذّر الرّدّ بالعبارة فلا بدّ من الإشارة.
أو تعذّرت حسّاً كالأخرس، أمّا إذا أمكن النّطق فإنّه لا تقوم الإشارة مقامه، والصّحيح أنّها تقوم مقامه مطلقاً إلاّ ما اشترط فيه النّطق كإيجاب النّكاح والطّلاق وما أشبه ذلك.
ولهذا لو أنّ امرأة سألت زوجها الطلاق قالت: طلّقني قال: هكذا، يكفي وإلاّ ما يكفي؟
الطالب : ما يكفي.
الشيخ : لا يكفي، لأنه لا بدّ من اللّفظ، لفظ الطلاق أو ما يقوم مقامه من العبارات، الكتابة تقوم مقام النّطق؟
نعم تقوم مقام النّطق، حتى وإن أمكن النّطق، ولهذا لو كتب الإنسان: في ذمّتي لفلان كذا وكذا أو زوجتي طالق أو عبدي حرّ أو بيتي وقف نفذ وإن لم يكن عاجزًا عنه.
ومن فوائد هذا الحديث: تقديم الوالدين أو تقديم القيام بحقّ الوالدين على الجهاد لقوله: ( ففيهما فجاهد ).
ولكنّ هذا ليس على إطلاقه كما تفيده الأدلّة الشّرعية ، فإذا كان حقّ الوالدين واجباً فهو مقدّم على الجهاد لا شكّ ، لأنّه واجب عينيّ لشخص خاص مثل أن لا يوجد أحدٌ يقوم بحاجة الوالدين إلاّ هذا الولد فالواجب تقديم حقّ الوالدين هنا على الجهاد ، ولو كان فرض عين ، اللهمّ إلاّ في المسائل التي سَبَقت إذا حضر الصّف أو احتيج إليه حاجة ضروريّة أو ما أشبه ذلك.
وأمّا إذا كان عندهما من يقوم مقام هذا فلينظر إلى المصلحة، وفي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنّه سأل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ( أيّ الأعمال أحبّ إلى الله؟ قال: الصّلاة على وقتها، قال: ثمّ أي؟ قال: برّ الوالدين، قال: ثمّ أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله )، فجعل الجهاد مؤخّرًا على برّ الوالدين، لأنّ وجوبه عامّ بخلاف وجوب برّ الوالدين فهو خاصّ.
ومن فوائد هذا الحديث: أنّ القيام ببرّ الوالدين يقوم مقام الجهاد في سبيل الله لقوله: ( ففيهما فجاهد ).
ومن فوائد هذا الحديث: حِرص الدّين الإسلامي على ائتلاف الأسرة وعدم تفرّقها وتمزّقها خلافاً لما كان عليه الكفّار اليوم وقبل اليوم من تفكّك الأسر، حتى إنّ الواحد منهم إذا بلغ سنّ الثمانية عشرة انفصل ولا بدّ ويكون مع أبيه كالرّجل الأجنبي، لأنّه ليس عندهم دين يبيّن لهم ويحثّهم على التّآلف والإجتماع.
" ولأحمد وأبي داود من حديث أبي سعيد نحوه، وزاد : ( ارجع فاستأذنهما، فإن أذنا لك وإلا فَبَرهما ) " :
هذه الزّيادة تدل على أنّ الرّجل كان أهلاً للجهاد لكنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فضّل قيامه ببرّ الوالدين على الجهاد ، ولهذا قال: ( استأذنهما ).
ومن فوائد هذه الرّواية: أنّ ما وجب لحقّ الغير فأسقطه الغير فإنّه يسقط لقوله : ( استأذنهما فإن أذنا لك وإلاّ فبرّهما )، فلو أنّ الأب أو الأمّ أسقطا عن الولد برّهما وقالا : نحن نسمح لك أن تفعل كذا، فإذا قال : أنتما محتاجان لي؟ قالا : نحن نسمح لك اذهب، ففي هذه الحال نقول : يجوز أن يفعل إلاّ إذا علم أنّهما قالا ذلك حياء وخجلا، أو قالا ذلك لقوّة رحمتهما للولد ، وأنّهما في حاجة، مثل لو قالا : ما فيه حاجة تبيت عندنا، اذهب بت حيث شئت عند زوجتك، عند من تريد وهو يعلم أنّهما قالا ذلك شفقة عليه ورحمة به ، ففي هذه الحال لا يطيعهما ما داما محتاجين لأن يبيت عندهما.