تتمة فوائد حديث : ( سليمان بن بريدة عن أبيه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيراً ، ثم قال : ( اغزوا باسم الله ، في سبيل الله ، قاتلوا من كفر بالله ...). حفظ
الطالب : عفا الله عنك يا شيخ بالنّسبة للدّعوة والتحريض على الجهاد من أهل العلم، لأنّ العلم أشمل من الجهاد يا شيخ، لأنّ الجهاد يصير فيه أوقات مخصوصة وأوقات محدودة، والعلم مستمرّ مع طلبة العلم .
الشيخ : إي، على كلّ حال كما قلت: من أراد التّوسّع فقوله له وجه، نعم.
الطالب : شيخ بارك الله فيكم، ذكرنا أنّ الإقامة بين المشركين المنهيّ عنها الإقامة المطلقة!
الشيخ : نعم.
الطالب : وليس مطلق الإقامة، ألا يصحّ لمعترض أن يعترض علينا ويقول !
الشيخ : ألا ألا؟
الطالب : ألا يعني يصحّ ويسوغ لمعترض أن يعترض ويقول: أنّ الحديث عامّ.
الشيخ : نعم.
الطالب : وهذا تخصيص أو تقييد؟
الشيخ : كلمة مقيم يا أخي ما هي معاناها أنه يمر مسافر، أو يمر يتعلم ويمشي، كلمة مقيم معروفة ، يقيم بينهم، ما قال : يزورهم أو يسافر إليهم أو ما أشبه ذلك.
أظنّ أنّنا في حديث بريدة؟
الطالب : نعم.
الشيخ : كمّلناه؟
الطالب : أخذنا فائدة واحدة يا شيخ.
الشيخ : هاه؟
الطالب : أخذنا فائدة واحدة يا شيخ، مشروعيّة التأمير.
الشيخ : إي، طيب إذن إن شاء الله نمشي في فوائده ونسأل الله أن يفتح علينا، ومن فوائد هذا الحديث:
أنّ من هدي النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم بعث السّرايا والجيوش.
فإن قال قائل لم يبعث السّرايا والجيوش ويتأخّر؟
قلنا: لأنّ الدّين الإسلامي له شعائر وله شرائع، يحتاج أن يقيم الإنسان بعضها ويقيم غيرُه بعضها، فهل كان الرّسول عليه الصّلاة والسّلام مثلا يذهب مع كلّ جنازة؟
أبدًا، تمرّ الجنازة من عنده ولا يقوم يتبعها، لأنّه يشتغل بما هو أهمّ من اتّباع الجنازة، كذلك أيضاً في الجهاد، هل كان يغزو مع كلّ جيش وسريّة؟
لا، بل يبقى في المدينة يعلّم النّاس الخير.
وقد أشار الله جلّ وعلا في قوله: (( وما كان المؤمنون لينفروا كافّة )) : فالدّين الإسلامي لا بدّ يتكامل، والمؤمنون يكمّل بعضهم شيئا ويكمّل الآخرون شيئا آخر.
ومن فوائد هذا الحديث: مشروعية أو أنّه يشرع للإمام أن يوصيَ الأمراء بما أوصى به النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم الأمراء، وهو تقوى الله وبمن معه من المسلمين خيرًا.
ومن فوائد الحديث: أنّه يجب على مَن كان أميراً أو وليًّا أن يختار لمأموره وموليّه ما هو الخير لقوله: ( أوصاه ومن معه من المسلمين خيرًا ) ، والوصيّة بالشّيء تدلّ على الإهتمام به.
ومن هنا أخذ العلماء -رحمهم الله- فائدة مهمّة قالوا : " إنّ من خيّر بين شيئين فإن كان التّخيير للتيسير على المكلّف فهو تخيير تشهٍّ ، يعني يفعل ما يريد مثل التّخيير في خصال الكفّارة، كفّارة اليمين، وإن كان تخيير مصلحة فالواجب أن يفعل ما هو الأصلح، وذلك فيمن يتصرّف لغيره، فكلّ من يتصرّف لغيره إذا قيل: يخيّر بين كذا وكذا وجب عليه أن يختار ما هو أصلح " ، انتبهوا لهذه القاعدة، إذن التّخيير بين شيء أو أشياء إذا كان المقصود منه التّيسير على المكلّف فالتّخيير؟
الطالب : تشهٍّ.
الشيخ : تشهٍّ يعني افعل ما تشتهي، مثاله خصال كفّارة اليمين، وإن كان التّخيير للمصلحة فهذا تخيير مصلحة، يفعل ما هو الأصلح، وهذا يكون فيمن يتولّى أو يتصرّف لغيره.
فالأمير مثلا على الجيش أو السّريّة يجب عليه أن يفعل الأصلح، إمام المسجد يجب عليه أن يفعل الأصلح، لا يقول: أنّا بالخيار إن شئت طوّلت وإن شئت قصّرت، لا، يجب عليه أن يتّبع من السّنّة ما يستطيع.
ومن فوائد الحديث: تشجيع الغزاة وتوجيههم إلى الإستعانة بالله عزّ وجلّ وإلى الإخلاص، تشجيعهم بقوله: ( اغزوا ) ثمّ أكّدها بقوله: ( اغزوا ) يعني اغزوا الغزو الحقيقي المبني على الشّجاعة والإقدام.
ومن فوائد الحديث: التّنبيه على الاستعانة بالله عزّ وجلّ بقوله: ( على اسم الله )، والإخلاص بقوله: ( في سبيل الله ).
قد يفوت الإنسان الإخلاص لله عزّ وجلّ ويقع في قلبه شيء من الرّياء أو ما أشبه ذلك، وقد يفوته الاستعانة بالله إذا رأى من نفسه القدرة والقوّة غاب عنه الإستعانة بالله وكلاهما يخلّ بالعمل، لا بدّ من إخلاص واستعانة، ولهذا إذا اعتمد الإنسان على نفسه فالغالب أنّه يخذل، ولا أدلّ على ذلك من قصّة حُنين حينما أعجبت المسلمين كثرتهم، فغلبوا مع أنّهم اثنا عشر ألفًا وعدوّهم ثلاثة آلاف وخمسمائة، فرق عظيم، ومع ذلك هزم المسلمون، لأنّهم أُعجبوا بالكثرة.
ومن فوائد الحديث: وجوب مقاتلة الكفّار لقوله: ( قاتلوا من كفر بالله )، وهذا العموم مخصّص بنفس الحديث وهو أنّه من بذل الجزية من الكفّار وجب إيش؟
الطالب : الكفّ عنه.
الشيخ : الكفّ عنه.
ومن فوائد الحديث: تحريم الغلول لقوله: ( ولا تغلوا )، وقد مرّ معنى الغلول وهو: أن يكتم الغالّ شيئا مما غنم .
طيب وهل للغلول عقوبة؟
نعم عقوبة أخرويّة وعقوبة دنيويّة، أما الأخرويّة فقد قال الله تعالى: (( ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة )).
وأمّا الدّنويّة، فإنّه يحرّق رحله إلاّ الحيوان، والمصحف، والسّلاح، وإلاّ فيحرّق رحله تنكيلاً به.
طيب وهل يدخل في ذلك السّرقة من بيت المال؟
الطالب : لا.
الشيخ : الجواب: لا، في هذا الحديث لا تدخل، يوجّه هذا النّهي إلى الغزاة، لكن من غلّ من بيت المال فإنّه شبيه به، لأنّه أخذ من مالٍ عام خلافًا لما يفهمه العامّة أهل الجشع الذين يقولون: إنّ مال الحكومة حلال، هذا غلط، مال الحكومة قد يكون أشدّ تحريمًا من مال الشّخص المعيّن، لأنّ مال الحكومة يتعلّق به حقّ كل إنسان حتى العجائز والشّيوخ والصّبيان، ثمّ إذا أراد الإنسان التّخلّص منه قد يصعب عليه ذلك، لكن حقّ المعيّن حقّ خاصّ لواحد يمكنه أن يستحلّه، يمكنه أن يعطيه عوضاً عمّا أخذ وما أشبه ذلك.
ومن فوائد الحديث تحريم الغدر لقوله: ( ولا تغدروا )، والغدر هو: الخيانة في موضع الأمانة، هذا غدر، الخيانة في موضع الأمانة هذا غدر.
فإن قيل: كيف يجاب عن المبارزة التي وقعت من الصّحابة مع أعدائهم وحصل فيها الغدر، ويذكر أنّ عليّ بن أبي طالب لما بارز عمرو بن ودّ -نقلها الفقهاء رحمهم الله- لما بارزه وخرج عمرو بن ودّ يريد أن يبارز عليّ بن أبي طالب صاح به عليّ ما خرجتُ لأبارز رجلين، فالتفت عمرو لعلّ أحدًا لحقه، فلمّا التفت ضربه عليّ حتى سقط رأسه على الأرض، هذه غدر وإلاّ لا ؟
الطالب : غدر.
الشيخ : هذا غدر في ظاهره، لكنّه ليس غدرًا إذ أنّ هذا الرّجل جاء ليقتله، ليس بينهما أمان، فليس بغدر، ولهذا جاء عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ( الحرب خُدعة ).
طيب ما عقوبة الغادر؟
له عقوبة عظيمة فإنّ لكلّ غادر لواء يوم القيامة يعرف به، لواء الغدر، يقال: ( هذه غدرة فلان بن فلان ) في ذلك اليوم المشهود، وهذا من أعظم العقوبات.
ومن فوائد هذا الحديث: تحريم التّمثيل لقوله: ( ولا تمثّلوا )، وظاهر الحديث العموم، وأنْ لا نمثّل ولو كانوا يمثّلون بنا، لأنّه لم يستثنَ من ذلك شيئًا.
ولكن يقال إنّ هذا العموم يعارض بعموم آخر وهو قوله تعالى: (( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثا ما اعتدى عليكم ))، ولقوله: (( فإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ))، ولأنّ في التّمثيل بهم إذا مثّلوا بنا كسر لهم وإهانة وذلّة وعلى هذا فيكون هذا العموم مخصوصًا بإيش؟
بعمومات أخرى.
طيب فإن قيل: هل يدخل في ذلك ما إذا أخذنا جسد حربيّ قتلناه من أجل إجراء التّجارب على الجسد للعلم، ما هو بقصد التّمثيل أو الإهانة أو الذّلّ، يعني مثلا يؤتى بجثّة كافر حربي إلى كليّات الطّبّ ويشرّح لفائدة العلم هل يدخل في التّمثيل أو لا يدخل؟
الطالب : لا يدخل.
الشيخ : نعم؟
الطالب : لا يدخل.
الشيخ : محلّ نظر، هذا محلّ نظر، وذلك لأنّ الشّرع حرّم بيع أجزاء الكافر على الكفّار، يعني مثل لو قال الكفّار: أنتم الآن قتلتم سيّدنا لكن أعطونا رأسه فقط، قلنا: لا نعطيكم رأسه إلاّ بكذا وكذا من القيمة، يقول العلماء: هذا حرام لا يجوز، فالإنتفاع بجثثهم كالانتفاع بعوض المال، فلا يجوز، وقد يقال: إنّ هذا جسد حربيّ لا حرمة له، وإذا لم يكن له حرمة ولنا منه فائدة فما المانع!؟
فالمسألة عندي يتجاذبها أصلان وأنا فيها متوقّف، نعم.
ومن فوائد الحديث: تحريم قتل الصّغار لقوله: ( ولا تقتلوا وليدًا )، ولأنّ في قتل الصّغار تفويت ماليّتهم على المسلمين لماذا؟
لأنّهم يسترقّون للسّبي فإذا قتلوا فوّتت ماليّتهم على المسلمين، ولأنّ الصّغار قريبون من الإسلام لأنّ الشاب والصّغير ميله أكثر من ميل الشّخص الكبير ولهذا جاء في الحديث عن النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم أنّه قال: ( اقتلوا شيوخ المشركين واستبقوا شرخهم ) أي: صغارهم لأنّ الصّغار أقرب إلى الإجابة من الكبار.
ومن فوائد الحديث: أنّ الإنسان إذا لقي عدوّه فإنّه لا يباغته بالقتال ولكن يعرض عليه الخصال الثّلاث التي ذكرها النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم لقوله: ( إذا لقيت عدوّك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال ) إلى آخره. فإن قيل: ما الجمع بين هذا الحديث وبين إغارة النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم على بني المصطلق وهم غارّون؟
فالجواب: أن يقال: إمّا أنّ الدّعوة على سبيل الإستحباب، وأنّه إذا اقتضت المصلحة أن يُغِير على العدوّ بدون دعوة فليفعل.
وإمّا أن يقال: إنّ بني المصطلق قد بلغتهم الدّعوة وأصرّوا على ما هم عليه من الكفر وحينئذ تكون الدّعوة واجبة فيمن لم تبلغه، ومن بلغته فلا ندعوه إلاّ على سبيل الاستحباب.
ومن فوائد هذا الحديث أخذ الجزية من المشركين لقوله: ( إذا لقيت عدوّك من المشركين )، وعلى هذا فلا يختصّ أخذ الجزية باليهود والنّصارى والمجوس، وهذه المسألة اختلف فيها أهل العلم -رحمهم الله- فقال أكثر أهل العلم: إنّها لا تؤخذ إلاّ من اليهود والنّصارى لقول الله تعالى: (( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرّمَ الله ورسوله ولا يدينون دين الحقّ من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون )) ، فقال : (( حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون )) ، وقال في غيرهم : (( فاقتلوهم حيث ثقفتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كلّ مرصد )) .
وقال النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ( أُمرت أن أقاتل النّاس حتى يشهدوا ألاّ إله إلاّ الله وأنّ محمّدًا رسول الله ويقيموا الصّلاة ويؤتوا الزّكاة ) .وعلى هذا فلا تكون الجزية إلاّ؟
الطالب : لليهود والنّصارى.
الشيخ : لليهود والنّصارى، ثمّ إنّه أُورد على هذا القول بأنّه قد ثبت أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم أخذها مِن المجوس، مِن مجوس هجر وهم ليسوا من أهل الكتاب، أجابوا عن ذلك: بأنّ لهم شبهة كتاب وأنّ لهم كتاب أنزل لكنّهم ضلّوا عنه.
ولكنّ هذه الإجابة فيها نظر، والصواب أن يقال: إنّ كونه يخصّ الجزية بالذين أوتوا الكتاب لا يدلّ على أنّ غيرهم لا يؤخذ منه، بدليل هذا الحديث حديث بريدة : ( إذا لقيت عدوّك من المشركين ) ، لكن خُصّ أهل الكتاب لأنّ معهم علمًا في بعثة الرّسول عليه الصّلاة والسّلام ، فإذا أُخذت الجزية منهم وعاشوا في بلاد الإسلام فربّما يستجيبون، وهذا فيما سبق، أمّا الآن فإنّ النّصارى واليهود أشدّ عداوة من غيرهم في الوقت الحاضر، وأبعد النّاس عن الدخول في الإسلام والاستجابة ولا سيما العرب منهم فإنّ عندهم عنادً عظيما في البقاء على كفرهم، ولا تكاد تجد أحداً من نصارى العرب أو اليهود أسلم، لكن غير العرب يوجد كثير من النّصارى يسلمون، ومن المشركين، طيب إذن القول الرّاجح أخذها من جميع الكفّار.
ومن فوائد الحديث: أنّ فيه دليلاً على أنّه لا إكراه على الإسلام، لأنّه لو كان هناك إكراه ما قُبلت الجزية، فقبول الجزية يدلّ على أن لا إكراه في الإسلام، طيب إذن ما الواجب نحو الإسلام والله تعالى يقول: (( ليظهره على الدّين كلّه ))؟
الواجب: أن تكون كلمة الله هي العليا وأن يكون الظّهور للإسلام إمّا بالدّخول فيه وإمّا ببذل الجزية مع الصّغار لأنّه إذا بذل الجزية وصار يأتي إلينا ويعطينا الجزية بذلّ وخضوع فهذا هو العلوّ، ثمّ إنّ هذا الذي يعطي الجزية لو أنّه نقض العهد ولو بتعدّ على مسلم انتقض عهده ووجب أن يقتل، وحلّ دمه وماله وحينئذ يحصل إعلاء كلمة الله عزّ وجلّ.
ومن فوائد هذا الحديث: أنّ أوّل ما يدعى إليه النّاس الإسلام، فيكون فيه ردّ لقول من يقول: إنّ أوّل واجب هو النّظر، لأنّ هذا القول ضعيف، إذ أنّ الفطرة كافية في ذلك، فأوّل واجب أن يُدعى النّاس إلى التّوحيد، إلى الإسلام ولا حاجة إلى أن نقول: انظر في الآيات أوّلا ثمّ أسلم لأنّ هذا سوف يطيل المسألة ثمّ هو مخالف لسنّة الرّسول عليه الصّلاة والسّلام ودعوته إلى الإسلام بل كان يدعو إلى التّوحيد رأساً دون أن يقول انظر، انظر للمقدّمات والنّتائج وكيف حصل كذا وكيف حصل كذا، وهذا لا بدّ له من محدث والمحدث لا بدّ أن يكون واجب الوجود، ثمّ يدور راسهم ويقولون خلاص ما دام هذا الإسلام فالسّلام عليكم، نعم بل نقول أوّل ما ندعو إليه هو التّوحيد كما قال الرّسول عليه الصّلاة والسّلام لمعاذ بن جبل: ( فليكن أوّل ما تدعوهم إليه شهادة ألاّ إله إلاّ الله وأنّ محمّدا رسول الله ) نعم.
ومن فوائد الحديث: أنّه يجب التّحوّل إلى دار الهجرة دون البقاء في البادية لما في ذلك من اجتماع الكلمة واجتماع النّاس في بلد واحد لكنّه يجب هذا أو أن يسقطوا حقّهم من الغنيمة والفيء فيقال: أنتم إن كنتم تريدون ما للمسلمين وعليكم ما عليهم فتحوّلوا إلى بلاد المهاجرين ولا تبقوا في البادية، وإن شئتم بقيتم ولكن لا حقّ لكم في الغنيمة إلاّ أن تشاركوا في الجهاد، إذا شاركتم في الجهاد فلكم من الغنيمة.
ومن فوائد هذا الحديث: جواز أخذ الجزية على الكافر إذا لم يسلم، وهل هي عقوبة أو من أجل حمايته، لأنّ من له ذمّة تجب حمايته وعصمته، هاه؟
الطالب : الثاني.
الشيخ : الثاني أو الأوّل؟
الطالب : الأول.
الشيخ : الظاهر الثاني ولهذا يجب علينا أن نحميهم، وإذا اعتدى عليهم أحد أخذنا بحقّهم ويجب علينا أن نكفّ عنهم أيضا لو اعتدى أحد على عرضهم، وغير ذلك.
فإن قيل: إنّها عقوبة على بقائه على الكفر فإنّنا نقفز منها إلى فائدة ثانية وهي جواز العقوبة بالمال.
والعقوبة بالمال ثابتة لا شكّ فيها، منها ما سبق في تحريق رحل؟
الطالب : الغال.
الشيخ : الغالّ، ومنها إضعاف القيمة على من كتم الضّالّة.
ومنها أيضا إضعاف القيمة أيضًا على من سرق من الثّمر المعلّق قبل أن يؤويه إلى الجرين.
المهمّ أنّ القول الرّاجح سواء بنيناها على هذا أو أخذنا من أدلتها القول الرّاجح أنه يجوز التّعزير بأخذ المال.
ولكن لو قال قائل: التّعزير بأخذ المال جائز لأنّه يستفاد منه نأخذ من المال ونجعله في بيت المال، لكن كيف تعزّرون بإحراق المال أو بكسر آلات اللهو أو ما أشبه ذلك؟
يقال: إنّ التّعزير هو التّأديب، فإذا كان التّأديب بالإحراق أو بالكسر أو ما أشبه ذلك كان هو الواجب، ونحن أتلفنا هذه الماليّة على صاحبها إذن نتلفها على بيت المال، لأنّ بيت المال أعمّ، فإذا جاز إتلافها على الأخصّ جاز إتلافها؟
الطالب : على الأعمّ.
الشيخ : على الأعمّ، وهذا واضح، هذا هو القياس، نعم.
ومن فوائد الحديث: استحضار الإستعانة بالله عند قتال الكفّار لقوله: ( فاستعن بالله عليهم وقاتلهم ).
والإستعانة بالله تكون بالقلب وتكون باللّسان، أما بالقلب فواضح أنّ الإنسان يستعين بالله عزّ وجلّ، وأمّا باللّسان فأن يقول: اللهمّ أعنّي عليهم، اللهمّ إنّا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم، اللهمّ إنّا نقاتلهم بك، ونقاتلهم لك، ونقاتلهم فيك وما أشبه ذلك من الكلمات التي يتوسّل فيها الإنسان إلى ربّه عزّ وجلّ في الدعاء المفيد للإستعانة.
ومن فوائد هذا الحديث: جواز محاصرة العدوّ بمعنى أن نحيط به ونطوّقه، لكن هل يجوز في محاصرتهم أن نقطع عنهم الماء؟
الطالب : يجوز.
الشيخ : نعم، إذا كان هذا مصلحة قطعنا الماء، إذا كان هذا أقرب إلى إجابتهم فإنّنا نقطع الماء عنهم.
فإن قال قائل: قطعكم الماء يستلزم هلاك الصّبيان والنّساء والشّيوخ ومن لا يجوز أن يقتل؟
قلنا: هذا اللّازم يكون تبعا غير مقصود فإنّنا لم نقصد بذلك هلاك هؤلاء الذين لا يقاتلون وإنّما قصدنا هلاك المقاتلين وجاء هلاك هؤلاء تبعا غير مقصود، ولهذا يجوز أن نرمي العدوّ بالمنجنيق، تعرفون المنجنيق؟
الطالب : نعم.
الشيخ : معروف، ما هو يا عقيل؟
الطالب : سلاح.
الشيخ : هاه؟
الطالب : سلاح المدافع.
الشيخ : هو يعني المدافع الموجودة الآن بمنزلة المنجنيق، لكن المنجنيق فيما سبق عبارة عن خشبتين تنصبان، والثالثة تكون عرضًا، وتكون هناك حبال، بل يكون هناك حبلان، طرفهما في مكان يجعل فيه الحجر ثمّ يدار بشدّة ثمّ يطلق، إذا أدير بشدّة ثمّ أطلق فإنّ الحجر سوف ينطلق ويكون على حسب قوّة الرّامي، على كلّ حال المنجنيق بدله الآن المدفع والصواريخ وما أشبه ذلك، يجوز أن نفعل هذا بالكفار وإن قتلنا من لا نقاتله لأنّ هذا غير مقصود بل هو تبع ولأنّنا لا يمكن أن نصل إلى المقصود إلاّ بهذه الطّريقة.
طيب ويمكن أن يستدلّ لذلك بإغارة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على بني المصطلق، لأنّه إذا غار عليهم سوف يكون عندهم نساء وربّما يقتلن نساء أو أطفال.
ومن فوائد هذا الحديث: أنّه لا يجوز للقائد المحاصر للحصن إذا أرادوا أن ينزلوا على حكمه أن يجعل لهم ذمّة الله وذمّة رسوله، يعني عهد الله وعهد الرسول، لماذا؟
علّلها النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام قال: لأنّه ربّما تخفر الذّمّة، وخفر ذمّة الإنسان أهون من خفر ذمّة الله ورسوله، فإن قيل: إذا كان الإنسان واثقا من الوفاء فما الجواب؟
أقول: وإن كان واثقًا فإنّ إخفار الذّمّة وارد قد يكون بسبب مباح لكنّ العدوّ لا يعلم فيظنّه غادرًا فيخفر أمام العدوّ بذمّة الله وذمّة رسوله.
أو يقال: الإنسان بشر يمكن أن يكون عند نقض العهد واثقا من الوفاء ولكنّه يطرأ عليه الغدر والخيانة، فلذلك نقول: لا يجوز أن تجعل لهم ذمّة الله وذمّة رسوله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم.
ومن فوائد هذا الحديث: أنّ الأحكام معلّلة، يعني أنّها ليست مجرّد حكم بل لا بدّ لها من علّة إمّا أن تكون معلومة أو مجهولة أو منصوص عليها أو غير منصوص فالأقسام أربعة:
علّة معلومة منصوص عليها، وعلّة معلومة مستنبطة، والثالث: علّة مجهولة لنا لكنّها معلومة عند الله عزّ وجلّ فهذه ثلاثة أقسام. الرّابع: أن تكون مجرّد امتحان للعباد.
والمعلومة يمكن أن نقسّمها: إلى معلومة عند جميع النّاس، ومعلومة عند بعض الناس.
ومن فوائد هذا الحديث: أنّه ينبغي للمتكلّم في الفقه أو الموعظة أن يعلّل ما يذكر من الأحكام مهما أمكن، لأنّ ذلك يستفاد منه فائدتان:
الفائدة الأولى: بيان سموّ الشّريعة الإسلاميّة وأنّ أحكامها كلّها مربوطة بالمصالح.
والثاني: اطمئنان المكلَّف، لأنّه إذا ذُكر لكم حكم معلّل اطمأننت أكثر أعرفتم؟
فينبغي للعالم والواعظ إذا ذكر حكمًا ولا سيما في الأحكام التي قد تخفى على كثير من الناس أن يبيّن الحكمة لهاتين الفائدتين: الأولى؟
الطالب : بيان سموّ الشّريعة.
الشيخ : بيان سموّ الشّريعة، والثانية؟
الطالب : اطمئنان المكلف.
الشيخ : نعم، اطمئنان المكلّف، وربّما نزيد ثالثة وهو: القياس على الحكم المنصوص عليه المعلّل، لأنّ الأحكام تتبع العلل، مثال ذلك قوله تعالى: (( قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرّمًا على طاعم يطعمه إلاّ أن يكون ميتة أو دمًا مسفوحًا أو لحم خنزير فإنّه رجس ))، علّل تحريم هذه الأشياء بأنّها رجس، إذن نأخذ من هذا أنّ كلّ ما كان رجساً فهو حرام، حتى روث الحمير مثلا وعذرة الإنسان وما أشبه من ذلك فهي حرام، لأنّها رجس، طيب.
ومن فوائد هذا الحديث: جواز اشتراك الحكم الثابت لله ورسوله بدون اقتران ثمّ أو بدون ثمّ، لقوله: ( ذمّة الله وذمّة رسوله )، وهذا يحتاج إلى تفصيل فيقال: في الأمور القدريّة لا تشرّك الله مع رسوله بما يقتضي الاشتراك والتّساوي، في الأمور القدريّة.
في الأمور الشّرعيّة لا بأس، وذلك لأنّ ما شرعه الرّسول عليه الصّلاة والسّلام فهو شرع الله.
أمّا الأمور القدريّة فإنّ النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام لا يستقلّ بشيء من الأمور القدريّة، الأمور القدريّة لله وحده، هذا هو الضابط الذي فيه التّفصيل.
ومن فوائد هذا الحديث: إثبات تفاضل الأعمال قبحًا وحسنًا، من أين تؤخذ؟ ( أهون من أن تخفر ذمّة الله وذمّة رسوله ).
طيب وهذا هو الذي عليه أهل السّنّة والجماعة: أنّ الأعمال تتفاضل قبحًا وحُسنًا وإذا تفاضلت الأعمال لزم من ذلك تفاضل؟
الطالب : العامل.
الشيخ : العامل، فالناس طبقات حسب أعمالهم، ولهم في الجنّة درجات حسب أعمالهم.
ومن فوائد هذا الحديث: منع تنزيل الحصن المحاصر على حكم الله، لقوله: ( فلا تفعل )، ولكن هل هذا خاصّ بزمن حياة الرّسول عليه الصّلاة والسّلام لأنّ الإنسان لا يدري هل بقي الحكم أم نُسخ أو إنّه عامّ؟
الطالب : الأول.
الشيخ : ما هو الأوّل؟
الطالب : خاص.
الشيخ : أنه خاص ؟ كيف قل ؟
الطالب : خاص بزمن النبي صلى الله عليه وسلم لأن القرآن كان ينزل فلعلها تكون منسوخة .
الشيخ : إي، هو لا شكّ أنّ القول بأنّه خاصّ بزمن الرّسول عليه الصّلاة والسّلام واضح، لأنّه قد تنسخ الأحكام، قد يفارق أميرُ الجيش النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم على حكم ثمّ يتغيّر الحكم فلا يدري أيصيب أم لا.
وإذا قلنا: إنّه عامّ نقول أيضاً حتى بعد وفاة الرّسول عليه الصّلاة والسّلام لا تنزلهم على حكم اجتهادي، لأنّ الحكم الاجتهادي فيه الإصابة وفيه الخطأ لقول النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم: ( إذا حكم الحاكم فاجتهد فأخطأ فله أجر وإن أصاب فله أجران ).
أمّا ما كان معلومًا بدون اجتهاد فلا بأس أن تنزلهم على حكمه وعلى حكم الله أيضًا لأنّه معلوم، مثلاً إذا أنزلناهم على أن نأسرهم: (( فإمّا منّاً بعدُ وإمّا فداءً )) هل وافقنا حكم الله أو لا؟
الطالب : نعم.
الشيخ : نعم، (( حتى إذا أثخنتموهم فشدّوا الوثاق فإمّا منّا بعد وإمّا فداء )) وعلى هذا فيكون العلّة التي قالها الرّسول عليه الصّلاة والسّلام: ( فإنّك لا تدري أتصيب فيهم حكم الله أو لا ) العلّة إذا انتفت انتفى الحكم، فإذا كان الإنسان قد علم أنّه قد أصاب فيهم حكم الله فإنّه لا بأس أن ينزلهم على حكم الله.
ومن فوائد هذا الحديث: أنّه لا ينبغي للعالم أن يقول في حكم من الأحكام: حكم الإسلام في كذا كذا وكذا، واضح؟
الطالب : نعم.
الشيخ : نعم لا تقل هكذا لأنّك قد تخطئ فينسب الخطأ إلى من؟
الطالب : الإسلام.
الشيخ : إلى الإسلام، ولكن قيّد فقل: حكم الإسلام في ما أرى كذا وكذا، نعم، وبه نعرف تهاون بعض المتأخّرين الذين تجد في كتبهم: الإسلام يقول كذا، الإسلام يمنع كذا، وما أشبه ذلك، مع أنّ هذه القولة أو هذا المنع قول ضعيف في الإسلام ومع ذلك ينسبونه إلى الإسلام، فيجب الحذر من مثل هذه الكلمات، - لعل عبد الله العامري إن شاء الله يعذرنا في هذا القرار-
أسمعتم، ربّما صحّت الأبدان بالعلل.
الطالب : الأحكام الظاهرة الصلاة الزكاة !
الشيخ : ربّما الشّيء الواضح مثل الميتة حرام في حكم الإسلام مثلا، الزّنا حرام، الشّيء الواضح واضح.
الطالب : ...
الشيخ : لا ما حاجة، إذا صار واضحًا ما يحتاج، لكن حتى تعبير الإنسان عمّا يفتي به بأنّ هذا هو الإسلام في ظنّي أنّه فيه نوع من الإعجاب، إعجاب الإنسان بنفسه، وأنّه هو زعيم الإسلام، يكفي أن نقول: هذا حرام قد ذكره الله في القرآن الكريم ويذكر الآيات.
الطالب : السؤال !
الشيخ : إذا جاء السّؤال بارك الله فيك، نحن يأتينا هذا في: " نور على الدّرب " لكن قلنا للمذيع : لا تقول كذا ، قل ما هو رأي الإسلام في نظرك، أو ما هو حكم الإسلام في نظرك، نعم؟