فوائد حديث : ( كعب بن مالك رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد غزوة ورى بغيرها ... ). حفظ
الشيخ : من فوائد هذا الحديث: حكمة النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم في تدبير الجيوش، لأنّ التّورية لا شكّ أنّها من الحكمة.
ومن فوائده: جواز التّورية، ونحن إذا قلنا: جواز فلا ينفي أن تكون مستحبّة في بعض الأحيان، وذلك لأنّ كلّ حكم وصف بالجواز فإنّه قد ينقلب إلى مسنون، وقد ينقلب إلى واجب، وقد ينقلب إلى مباح، وقد ينقلب إلى محرّم، وقد ينقلب إلى مكروه، يعني أنّ الحكم بالإباحة لا ينفي أن يكون الشّيء محرّمًا أو واجباً أو مسنوناً أو مكروهًا بحسب ما تقتضيه الأدلّة، فالبيع مثلا من الأشياء؟
الطالب : المباحة.
الشيخ : المباحة، (( وأحلّ الله البيع )) وإذا باع الإنسان سلاحا في فتنة؟
الطالب : صار حراما.
الشيخ : صار حراما، وإذا باع عنبا لمن يتّخذه خمرا صار حراما.
وإذا اضطرّ الإنسان إلى مأكل أو مشرب صار البيع عليه؟
الطالب : واجبا.
الشيخ : واجبا، وهلمّ جرّا، ومثله أيضا كلّ المباحات يمكن أن تجد فيها الأحكام الخمسة، فإذا كانت جائزة فلا يعني أنّها لا تستحبّ في بعض الأحيان، وليعلم أنّ التّورية نوعان:
تورية بالفعل، وتورية بالقول:
فالتّورية في القول: أن يريد بلفظه ما يخالف ظاهره، هذه التّورية في القول. والتّورية في الفعل: أن يفعل ما يخالف ما يريد ظاهرًا، فكلاهما على خلاف المراد فيما يظهر للناس، وهل التّورية في القول جائزة؟
قال بعض العلماء: بل اتّفق العلماء على أنّ التّورية إذا كانت في شيء محرّم فهي حرام، التّورية في الشّيء المحرّم حرام، يعني لو أنّ صاحب حقّ ادّعى على المحقوق أنّ عنده وديعة فقال إنّي أودعت هذا الرّجل ألف درهم فأنكر الرّجل، فهل يجوز لهذا المنكر أن يورّي بالإنكار فيقول مثلا: ما له عندي شيء يريد ب" ما " الاسم الموصول أي: الذي عندي له شيء؟
نقول هذا حرام، وهذا متّفق عليه، متّفق على أنّ التّورية القوليّة إذا تضمّنت فعل محرّم أو إسقاط واجب للغير فهي حرام، فإن لم تتضمّن ذلك فهل هي جائزة أو لا؟
وإذا قلنا بالجواز فهل هي تصل إلى الاستحباب في بعض الأحيان أو لا؟ الصّواب أنّها ليست جائزة إلاّ إذا دعت الحاجة إلى ذلك أو المصلحة، وإنّما قلنا بهذا، لأنّ هذا المورّي إذا ظهر فيما بعد خلافَ ما قال صار عند النّاس كاذبا وهذه مفسدة، فلهذا نرى أنّه لا تجوز التّورية إلاّ إذا كانت لحاجة أو لمصلحة وإلاّ فلا يجوز.