فوائد حديث : ( أيكما قتله هل مسحتما سيفيكما ؟ ). حفظ
الشيخ : في هذا الحديث فوائد متعدّدة:
منها أنّ الشّجاعة قد تكون في قلوب الصّغار، لأنّ هذين الشّابّين سألا عبد الرّحمن بن عوف عن أبي جهل وقالا هذه الكلمة العجيبة: " لأقتلنّه أو لأموت دونه "، وهذا يدلّ على التّصميم التّامّ في قتلهما أبا جهل.
ومن فوائد هذا الحديث: أنّه يجوز للإنسان أن يتخلّف عن فرض الكفاية إذا قام به من يكفي، لأنّ عبد الرّحمن يشاهد أبا جهل وليس بذاك الرّجل الجبان، لكنّه لما رأى هذين الشّابّين يريدان قتله اكتفى بهما، وهذا هو القاعدة في فرض الكفاية: أنّه إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين.
ومن فوائد هذا الحديث: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم لا يعلم الغيب لقوله: ( أيكما قتله )، فيكون فيه ردّ لقول الخرافيّين الذين يدّعون أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعلم الغيب حتّى بعد موته، يقولون: إنّه يعلم الغيب! ويحتجّون بشبهات مثل قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم : ( فإنّ صلاتكم معروضة عليّ ) ، وكذلك ما ورد في بعض الآثار أنّ أعمال الأمّة تعرض عليه، فيقال: لا يلزم من عرضها عليه أن يكون عالما بها قبل وقوعها، ولا عالما بها قبل أن تعرض عليه أيضًا، فهو صلّى الله عليه وسلّم لا يعلم الغيب لا حيّا ولا ميّتا.
ومن فوائد هذا الحديث: العمل بالقرائن، من أين يؤخذ؟
أنّه استدلّ بما على سيفيهما من الدّم على أنّهما قتلاه، وقد ثبت العمل بالقرائن بالكتاب والسّنّة :
أمّا في الكتاب فقصّة يوسف مع امرأة العزيز حيث شهد الشّاهد : (( إن كان قميصه قدّ من قبل فصدقت وهو من الكاذبين * وإن كان قميصه قدّ من دبر فكذبت وهو من الصّادقين )) ،كيف القرينة هنا يا أخي؟
الطالب : لأنه لو كان هو الذي يطلبها لكان الشّد من الخلف ولكان انقطع ثوبها .
الشيخ : لا، ثوبها ما جاءه إلاّ العافية، ثوب يوسف.
الطالب : ثوب يوسف لأنه المطلوب لأنّها هي التي تطلبه فانقطع ثوبه من الخلف.
الشيخ : أي.
الطالب : فهو يهرب منها .
الشيخ : وإن كان من الإمام؟
الطالب : إن كان من الأمام فهي تمنعه.
الشيخ : توافقون على هذا؟
طيب ورد أيضا في السّنّة، حكم سليمان عليه الصّلاة والسّلام في قصّة المرأتين اللّتين تحاكمتا إلى داود بابن إحداهما حيث أكل ابن إحداهما الذّئب فاختصمتا في الابن الباقي إلى داود، فرأى عليه الصّلاة والسّلام أن يحكم به للكبيرة بناء على أنّها أحوج للولد من الصّغيرة، وبناء على أنّ الصّغيرة يمكن أن تنجب ولكن سليمان عليه الصّلاة والسّلام خالفه في الحكم، فلمّا تحاكمتا إليه دعا بالسّكّين وقال: أريد أن أشقّ الولد نصفين، كلّ واحدة تأخذ نصفًا، فقالت الصّغرى : هو لها يا نبيّ الله، وقالت الكبرى : شقّه، فحكم به لمن؟
الطالب : للصّغرى.
الشيخ : للصّغرى، أين القرينة؟
الطالب : الحنان.
الشيخ : الرّحمة والحنان من الصّغرى، الصّغرى لا يهمّها أن يفارقها ولكن يبقى حيّا، والكبرى لا يهمّها أن يقتل ويموت لأنّ ابنها قد أكله الذّئب، واضح؟ هذا حكم بالقرائن، وهذا أيضًا من الذي معنا من الحكم بالقرائن على يد الرّسول خاتم الأنبياء عليه الصّلاة والسّلام، ولكن لا بدّ أن تكون القرائن قويّة لا مجرّد شبهة، فإنّ مجرّد الشّبهة لا يكفي، لا بدّ أن تكون القرينة قويّة جدّا، مثلا: لو تنازع الزّوجان بعد الفراق في أثاث البيت فقالت الأنثى الزّوجة : دلال القهوة لي، وقال الزّوج لي، القرينة مع من؟
الطالب : الزوج.
الشيخ : مع الزّوج وإلاّ مع الزّوجة؟
الطالب : مع الزّوج.
الشيخ : هل النّساء يكثرن من شرب القهوة؟
الطالب : لا.
الشيخ : من الذي يكثر؟
الطالب : الرّجال.
الشيخ : الرّجال، إذن يحكم بأنّها للرّجل بناء على الظّاهر، وإن كان فيه احتمال أنّ المرأة هي التي اشترتها.
تنازع الزّوج والزّوجة في بندق أو مسدّس، قال الزّوج: هو لي، وقالت الزّوجة: هو لي، القرينة مع من؟
الطالب : مع الزّوج.
الشيخ : مع الزّوج يحكم له به.
تنازع الرّجل والمرأة في حليّ سوار من الذّهب، قال الزّوج لي وقالت الزّوجة لي، مع من؟
الطالب : الزّوجة.
الشيخ : القرينة مع الزّوجة، مع أنّه فيه احتمال أنّه للزّوج وأنّه أعارها إيّاه كما يفعل بعض الأزواج الآن يشتري ذهبًا ويعيره زوجته ويكتب بأنّي أعرت الزّوجة كذا وكذا، إذن العمل بالقرائن إذا كانت قويّة عمل مشروع وطريق صحيح إلى الحكم بين النّاس ودليله من القرآن والسّنّة.
ومن فوائد هذا الحديث: أنّ مَن اشتركا في عمل استحقّا ما جعل عليه ولا حاجة إلى الإقراع بينهما ما دامت القسمة ممكنة، واضح؟
الطالب : ما هو واضح .
الشيخ : هاه ؟
إذا اشترك اثنان في عمل واستحقّا عليه عوضاً لو كان يمكن أن يقسم هذا العوض فإنّه يقسم بينهما ولا يحتاج إلى إجراء القرعة ، فإن كان لا يمكن احتيج إلى إجراء القرعة بينهما.
ووجه الاستدلال من هذا الحديث يترتّب على تحرير الحديث، فيؤجّل إلى الدّرس القادم إن شاء الله.
- اللهم ربّ هذه الدّعوة التامّة والصّلاة القائمة آت محمّدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته -.
نعم؟
السؤال للذي وراءك، نعم؟