مراجعة ما سبق. حفظ
الشيخ : العمل بالأسباب.
الطالب : أنّ الأسباب لها تأثير.
الشيخ : هاه؟
الطالب : أنّ الأسباب لها تأثير سواء كانت أسبابا شرعيّة أو حسيّة.
الشيخ : طيب، العمل بالأسباب هذا الأول.
والثاني: أن للأسباب تأثيرًا، وذكرنا أنّ للناس في هذه المسألة ثلاثة أقوال: طرفان ووسط.
أمّا الطرفان فالأوّل: أنّه لا تأثير للأسباب مطلقا، وأنّ ما يحصل من التّأثّر بها فهو حاصل عندها لا بها، وأنّها هي مجرّد علامات، يعني علامة انكسار الزّجاجة إذا ضربها الحجر أن يصدمها الحجر، وليست تنكسر به، وهذا مذهب الأشاعرة ومذهب كلّ من يُنكرون الحكمة في أفعال الله عزّ وجلّ، لأنّهم لا يعلّلون الأفعال والوقائع، ولا شكّ أنّ هذا القول باطل ومردود بأوجه كثيرة بالدّليل السّمعي والعقلي والحسّي.
وأنّ هذا لو ذكر أنّه مِن عقائد المسلمين عند غير المسلمين لاتّخذوا عقيدة المسلمين هزؤا، لأنّ هذا القول يكذّبه إيش؟
الطالب : الواقع.
الشيخ : الحسّ والواقع، يعني لو قال إنسان قذف بحجر على زجاجة فانكسرت، لو قال: إنها لم تنكسر بالحجر وإنّما انكسرت عنده لا به لضحك الناس من هذا .
والعجب أنّ قائلي هذا القول يرون أنّهم هم أهل الإخلاص، لأنّ إثبات تأثير الأسباب عندهم من باب الشّرك، حيث جعلوا مؤثّراً دون الله أو مع الله، وهذا القول تصوّره كافٍ عن سياق أدلّة بطلانه.
الطرف الثاني: القائلون بأنّ الأسباب مؤثّرة بطبائعها، بمقتضى طبيعتها، مؤثّرة بذاتها، فالحجر هو الذي كسر الزّجاجة بنفسه وبطبيعته، والنار هي التي أحرقت الورق بنفسها وهذا القول باطل، باطل بدلالة الواقع، ودلالة الشّرع: يعني بدلالة الشّرع والواقع على أنّه باطل.
وهو نوع من الشّرك بالله عزّ وجلّ، لأنّ اعتقاد أنّ شيئًا ما يؤثّر في الشّيء الآخر بنفسه دون الله هذا شيء من الشّرك لا شكّ فيه.
ووجه بطلانه من الشّرع قول الله تبارك وتعالى: (( أفرأيتم النّار التي تورون أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشؤون )) :
فبيّن الله تعالى أنّ الذي أنشأ شجرة النّار والتي تنقدح بها النار هو الله عزّ وجلّ وبيّن أنّه جعلها متاعًا للمقوين، وتذكرة للمتّقين، وأمّا الواقع فإنّ الله سبحانه وتعالى قال للنار التي ألقي فيها إبراهيم قال: (( كوني بردا وسلاما على إبراهيم )) فكانت بردا وسلاما، ولم تحرقه، ولو كان إحراقها بذاتها لأحرقته بذاتها إذن بطل الطرفان الأوّل والثاني، أيهما أبعد عن المعقول والفطرة الأوّل أو الثاني؟
الطالب : الأوّل.
الشيخ : الأوّل أبعد عن المعقول والفطرة، أمّا القول الوسط والغالب أنّ القول الوسط هو الصّحيح فيقول: إنّ للأسباب تأثيراً ولكن لا بذاتها بل بما أودع الله فيها من القوى المؤثّرة، وبهذا نسلم من شرك مَن جعلوها مؤثّرة بذاتها، ونسلم من سفه القول بأنّها لا تؤثّر إطلاقاً، واضح يا جماعة؟
الطالب : نعم.
الشيخ : زين.
من فوائد هذا الحديث: أنّ مكّة فتحت عَنوة بالسّيف لا بالصّلح، دليل ذلك يا عبد الله بن عوض؟
الطالب : قول الراوي: ( أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دخل مكّة وعلى رأسه المغفر ).
الشيخ : نعم، وعلى رأسه المغفر، وهذا يدلّ على أنّه فتحها عنوة لا صلحا وهذا هو الصّحيح.
فإن قال قائل: لماذا لم تقسم مكّة على الغانمين إذا كانت فتحت عنوة كما قسم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أرض بني النّضير وبني قريظة؟
فالجواب عن ذلك من أحد وجهين:
إمّا أن نقول: إنّ قسم الأراضي المغنومة راجع إلى الإمام، فإن رأى مصلحة في القسم قسم، وإن رأى مصلحة في الإيقاف، أن توقف فتجعل مصلحة للمسلمين ويفرض عليها الخراج فعل، إن رأى أن تكون وقفا بدون خراج فعل، وإن رأى أن يمنّ بها على أهلها فعل، هذا وجه.
الوجه الثاني: أنّ المانع من قسمة مكّة هو أنّ مكّة مشعر من المشاعر، فيكون في هذا دليل على أنّ مكّة لا تملك، كما هو قول كثير من العلماء أنّ مكّة كمنى وعرفة ومزدلفة مشعر لا يمكن أن يجري فيها الملك، لكن يجري فيها الأحقيّة، فمن كان تحته دار أو ما أشبه ذلك فهو أحقّ بها من غيره، لكن لا يملكها، والمسألة فيها أقوال أظنّ أنّنا ذكرناها في الكلام على *زاد المستقنع، فلا حاجة للإعادة.