وعن المسور بن مخرمة و مروان : أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج عام الحديبية فذكر الحديث بطوله ، وفيه : ( هذا ما صالح عليه محمد بن عبدالله سهيل بن عمرو على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض ) . أخرجه أبو داود وأصله في البخاري . وأخرج مسلم بعضه من حديث أنس ، وفيه : أن من جاءنا منكم لم نرده عليكم ، ومن جاءكم منا رددتموه علينا ، فقالوا : أتكتب هذا يا رسول الله ؟ قال : ( نعم ، إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله ، ومن جاءنا منهم فسيجعل الله له فرجاً ومخرجاً ) . حفظ
الشيخ : ثمّ قال -رحمه الله- : " وعن المسور بن مخرمة و مروان -يعني ابن الحكم-: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج عام الحديبية فذكر الحديث بطوله ) " :
بدأ الآن في الهدنة لأنّ الباب: " باب الجزية والهدنة ".
وعام الحديبية هو العام السّادس من الهجرة، خرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من المدينة إلى مكّة معتمرًا في نحو ألف وأربعمائة رجل، لا يريد إلاّ العمرة، ومعه الهدي، وأحرم مِن ذي الحليفة، ولما وصل إلى الحديبية أبى المشركون أن يدخل مكّة، حملهم على ذلك حميّة الجاهليّة، وقالوا : " لا تتحدّث العرب أنّنا أخذنا ضغطة " ، وكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد أراه الله من الآيات ما يقتضي أن يصالحهم وأن لا يدخل ، وذلك في ناقته حينما بركت وكان يزرجها ولكنّها أبت فقال النّاس : خلأت القصواء : يعني حرنت فلم تحدث مشيًا فقال عليه الصّلاة والسّلام: ( والله ما خلأت وما ذاك لها بخلق ) حتى البهائم لها أخلاق؟
الطالب : نعم.
الشيخ : نعم: ( وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل ) :
الفيل الذي جاء به أبرهة ليهدم به الكعبة ولكنّه أعني الفيل أبى أن يدخل، انحبس في المغمّس، حبس الفيل في المغمّس حتى ظلّ يحبو كأنه مكبولُ.
ثمّ قال: ( والذي نفسي بيده -أو قال- نفس محمّد بيده لا يسألوني خطّة يعظّمون بها حرمات الله إلاّ أجبتهم عليها ) عليه الصّلاة والسّلام، لا ذلاّ لهم ولكن تعظيمًا لحرمات الله، وحصل ما حصل، وجرى الصّلح وكان فيه:
( هذا ما صالح عليه محمّد بن عبد الله ) وكان قد قال: ( هذا ما صالح عليه محمّد رسول الله ) :
ولكن سهيل بن عمرو أبى ، قال: " لو نعلم أنّك رسول الله ما قاتلناك ولا منعناك ، ولكن اكتب محمّد بن عبد الله " ، فقال عليه الصّلاة والسّلام: ( والله إنّي لرسول الله وإن كذّبتموني ، اكتب محمّد بن عبد الله ) :
فأنكر عليه الصّلاة والسّلام إنكارهم أن يكون رسول الله، وأثبت أنّه رسول الله لكن تواضع للحقّ لا للخلق، وقال: ( اكتب محمّد بن عبد الله ) : وهو محمّد بن عبد الله لا شكّ ، لكن وصفه بالرّسالة أفضل من وصفه بالنّسب ، إلاّ أنّه من باب تعظيم حرمات الله.
" ( هذا ما صالح عليه محمد بن عبدالله سهيل بن عمرو على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض ) أخرجه أبو داود وأصله في البخاري " :
كتب الكتاب على هذا الشّرط ، وله شروط أخرى لكن هذا هو المقصود من إيراده في هذا الباب.
( هذا ما صالح عليه على وضع الحرب عشر سنين ) : يعني لا حرب بينه وبين قريش لمدّة عشر سنوات ، وأطال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في المدّة من أجل أن يستتبّ الأمن بين الناس، وقد سمّى الله تعالى هذا الصّلح سمّاه فتحاً : (( لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا )) ، فسمّاه الله تعالى فتحًا ، لأنّ النّاس اختلط بعضهم ببعض ، ولأنّه مقدّمة للفتح الأعظم فتح مكّة ، إذ أنّ سبب فتح مكّة هو نقض المشركين لهذا العهد ، فصار كالمقدّمة بين يدي فتح مكّة.
( يأمن فيها النّاس ) من المراد بالنّاس؟
المسلمون والكافرون يأمنون، يذهب الرّجل إلى مكّة ويرجع ويأتي الآت من مكّة ويرجع من دون أن يخاف على نفسه .
والثاني: " ( يكفّ بعضهم عن بعض ) أخرجه أبو داود وأصله في البخاري.
وأخرج مسلم بعضه من حديث أنس وفيه: ( أن من جاءنا منكم لم نرده عليكم، ومن جاءكم منا رددتموه علينا ) "
:
من القائل هكذا؟
الطالب : سهيل.
الشيخ : سهيل، ( من جاءنا منكم لم نردّه، ومن جاءكم منّا فردّوه ) : هذا شرط ثقيل جدّا لأنّ ظاهره عدم العدل ، إذ أنّ العدل يقتضي أنّ من جاءنا منهم لا نردّه ، كما أنّه من جاءهم منّا لا يردّونه، أو من جاءهم منّا ردّوه ومن جاءنا منهم نردّه، أمّا أن تكون المسألة بالعكس فالغضاضة فيها على المسلمين ظاهرة.
لكن نظرًا إلى أنّ المقصود بذلك تعظيم حرمات الله صارت فتحاً مبيناً وخيرًا كثيرًا.
وتعلمون ما في القصّة من مراجعة أمير المؤمنين عمر لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى قال له: ( يا رسول الله ألسنا على الحقّ وعدوّنا على الباطل؟ قال: بلى )، وحصل مراجعة بينه وبين الرّسول عليه الصّلاة والسّلام، وبينه وبين أبي بكر، وكان جواب أبي بكر كجواب الرّسول صلّى الله عليه وسلّم سواء بسواء، يقول: ( فقالوا : أتكتب هذا يا رسول الله ؟ قال : نعم، إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله ) : الذي يذهب من المسلمين إلى الكفّار مهاجرًا إليهم لا لغرض تجارة أو نحوها فأبعده الله.
( ومن جاءنا منهم فسيجعل الله له فرجا ومخرجا ) يعني لو رددناه سيجعل الله له فرجا ومخرجاً ، وكان الأمر كذلك، فإنّ من جاءنا منهم ورددناه إليهم جعل الله له فرجاً ومخرجاً كما سيذكر إن شاء الله.