وعنه رضي الله عنهما : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يقول : ( لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ) ، فقام رجل ، فقال : يا رسول الله ، إن امرأتي خرجت حاجة ، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا ، قال : ( انطلق فحج مع امرأتك ) . متفق عليه ، واللفظ لمسلم . حفظ
الشيخ : طيب : " وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يقول ) " :
كلمة يخطب : يحتمل أن تكون هذه الخطبة على المنبر ويحتمل أن تكون من سائر خطبه العوارض ، لأن خطب النبي صلى الله عليه وسلم على قسمين : قسم عارض يخطبه النبي صلى الله عليه وسلم عند وجود حادثة تقتضيه.
وقسم راتب كخطب الجمعة، وخطب العيدين .
وهذا محتمل ولكنه لا يهمنا أن يكون هنا أو هنا ، لأن المقصود أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعلن هذا الحكم على المنبر ، وهذا يدل على أهمية هذا الحكم ووجوب العناية به .
يقول : جملة يقول : حال من فاعل يخطب ، وجملة يخطب حال من رسول الله من كلمة رسول ، ( سمعت رسول الله يخطب يقول ) : وذلك لأن سَمع لا تنصب مفعولين، لأنها ليست من أفعال الظن ولا من أفعال اليقين، تنصب مفعولا واحدا فقط .
يقول : ( لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ) ، نعرف أن الفعل يخلون مؤكد بنون التوكيد ، فتكون الجملة هنا التي هي نهي تكون مؤكدة بالنون ، ( لا يخلون رجل ) : الرجل هو البالغ بخلاف الذكر فإنه يطلق على البالغ والصغير ، ( بامرأة ) : أي : بالغة لأنها أي كلمة امرأة تطلق على الأنثى إذا بلغت.
( إلا ومعها ذو محرم ) : جملة معها ذو محرم مبتدأ وخبر وهي في محل نصب على الحال بدليل تقدم واو الحال .
المحرم زوجها وكل من تحرم عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح، وإن شئت فقل: بنسب أو رضاع أو مصاهرة، هذا المحرم.
والمحرمات من النسب سبع ومن الرضاع مثلهن ومن الصهر أربع .
المحرمات من النسب ذكرهن الله في قوله : (( حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت )) : هذه سبع، من الرضاع مثلهن لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) فتحرم الأم من الرضاع ، والبنت ، والأخت ، والعمة ، والخالة ، وبنت الأخ وبنت الأخت هذه سبع .
ومن الصهر أم الزوجة وإن علت وبنتها وإن نزلت ، طيب وزوجة الابن وإن نزل ، وزوجة الأب وإن علا : أربع .
أما أخت الزوجة فإن الزوج ليس محرمًا لها، لماذا ؟ لأنها لا تحرم على التأبيد وإنما يحرم الجمع بينها وبين أختها .
الملاعَنَة على الملاعن محرمة على التأبيد ها ؟ ليس بسبب مباح ، فليس محرمًا طيب .
يقول : ( إلا ومعها ذو محرم ) وقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يخلون رجل ) كلمة رجل نكرة في سياق النفي ، وامرأة نكرة في سياق النهي أنا قلت النفي والصواب النهي ، مع أنه يجوز أن تكون نفيا لأن الفعل هنا مبني ، ما يتغير سواء كانت لا نافية أو ناهية ، مبني لاتصال نون التوكيد به .
على كل رجل عام يشمل الشاب والكهل والشيخ ، وذا الشهوة ومن لا شهوة له .
طيب امرأة تشمل الشابة والكهلة والعجوز والقبيحة والحسناء ، كذا ؟
طيب إذا قال قائل : ما هي الحكمة من ذلك الحكمة لأن الشيطان يدخل بينهما في هذه الحال فيسوس للرجل ويوسوس للمرأة وتحصل الفاحشة، ولا تحقرن شيئا لا تقل: هذه امرأة عجوز وهذا رجل شيخ كبير، لأن الشيطان قد يؤزّه .
ولهذا يوجد بعض الناس مع أهله شهوته ضعيفة لكن مع غير أهله شهوته قوية يمكن لو يكلم امرأة أجنبية مجرد كلام تحركت شهوته ، لكن مع أهله كل شيء تفعل فيه ما تحرك ساكنا ، لأن الشيطان يحرك الإنسان ، فالمرأة وإن كانت عجوزاً فإنه يقال: " لكل ساقطة لاقطة " ، ثم إن هذه المسائل ينبغي فيها سد الباب ، لأن الضابط فيها صعب وشاق ، فمن التي لا تشتهى وإلى أي حد يكون الكبر ، وإلى أي حد تكون انتفاء الفتنة أو الشهوة وما أشبه ذلك ، قال شيخ الإسلام : " العلة إذا كانت منتشرة فإنه يحكم بمظنتها وإن لم تتحقق " : منتشرة يعني لا يمكن انضباطها ، لأن كل واحد يقول : أنا الحمدلله أنا معصوم يعني حسب ما عندي إني معصوم ما أفعل هذا الشيء، وكذلك المرأة ولكن عند الاختبار يكون البلاء والفتنة ، فسد الباب أولى ، ولهذا لم يستثن من هذا شيء ، حتى لو كانت ابنة العم وزوجة الأخ ، تدخل ولا لا ؟
الطالب : تدخل .
الشيخ : لو كانت ابنة عمه زوجة أخيه فإنه لا يحل له أن يخلو بها ، لا يقول: والله هذا أخي أنا أحامي عليه كما أحامي على حرمي ، وهذه ابنة عمي أحامي عليها كما أحامي على أختي ، لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم.
طيب كذلك قوله : ( لا يخلون رجل بامرأة ) النهي عن الخلوة فإذا كان معهما ثالث فالخلوة تزول لا شك ، لكن هل الحكم يرتفع ؟
إذا زالت العلة زال الحكم ، لكن قد يحرم من ناحية ثانية وهو الفتنة ، وإذا كان جاء في الحديث : ( إلا كان الشيطان ثالثهما ) ، نقول: وإذا كان شيطان الإنس ثالثاً ثبت الحكم ، فإذا قدّر أن المرأة لم تخل برجل لكن خلا بها رجلان فاجران ، وش نقول؟
الطالب : أشد.
الشيخ : أشد، الفتنة هنا متحققة أكثر، ولهذا قال: " من يأمن الذئبين على الشاة الواحدة " ، إذا كان الذئب الواحد ما يؤمن فالذئبان من باب أولى.
أما إذا انتفت الفتنة وزال المحذور فهذا لا بأس به .
طيب وإذا كان رجل مع امرأتين ؟!
فالخلوة لا شك منتفية ، هل الحكم يزول ؟
نعم يزول الحكم لا شك لكنه إن خيفت الفتنة جاء الحكم من طريق آخر ، ولكن خلوة الرجل بامرأتين أهون من خلوة الرجلين بامرأة ، أليس كذلك ؟
الطالب : بلى .
الشيخ : طيب وقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إلا ومعها ذو محرم ) كلمة محرم عامة تشمل الصغير والكبير ، لكنَّ أهل العلم قالوا : لابد أن يكون بالغًا، ولابد أن يكون عاقلًا، وأخذوا هذا الشرط التماسًا من الحكمة في وجوب المحرم، الحكمة من وجوب المحرم هاه؟
هي الحفاظ على المرأة وصيانتها وحمايتها ، وليس كما يقول العامة لا نجيب الثانية .
طيب إذا كان كذلك فلابد أن تتوافر فيه الشروط فيكون بالغًا عاقلًا طيب هل يشترط أن يكون بصيرًا؟ وش تقول يا بخاري ؟
الطالب : أنا ؟
الشيخ : إي نعم ، وش هو الذي يشترط يكون بصير ؟
طيب نوجه السؤال عموما هل يشترط أن يكون بصيرا ؟
الطالب : لا .
الشيخ : الفقهاء لم يشترطوا ذلك ، نعم ، ولعلهم يعللون هذا بأن الرجل الذي معها ومع محرمها قد يهاب المحرم وإن كان حماية هذا الأعمى لمحرمه ضعيفة بلا شك ، إذ قد يشير ولا لا ؟
ربما يشير أو يضحك أو يغمز بعينه أو ما أشبه ذلك وهذا الرجل محرم لا يدري ، لهذا نقول : ينبغي أن نشترط أن يكون بصيرًا حيث دعت الضرورة إلى كونه بصيرًا.
الطالب : ...
الشيخ : إي نعم لكن ما طريقه الرؤية لا يمكن أن ينفع فيها ، أما ما طريقه الهمس والحس ربما .
طيب هل يشترط أن يكون سميعا؟
الطالب : لا يشترط.
الشيخ : الظاهر أنه لا يشترط ، البصر يعني إذا تعطيه وهو بصير، البصر يكفي في الحماية.
قال : ( ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ) : وهذه لا ناهية ، ولما كانت هنا جازمة للفعل صار قولنا فيما سبق : ( لا يخلون ) إنها جملة نهي .
الطالب : أقرب .
الشيخ : نعم أصح أو أقرب ، لأن هذه الجملة معطوفة على ما سبق .
وقوله : ( لا تسافر المرأة ) : السفر مفارقة الإقامة ، سواء كنت في بلد أو كنت في مكان ، ولنفرض أنه بدوي ليس في بلد في البر ، ساكن بخيمته ، فسفره مفارقة محل الإقامة .
فالسفر إذن هو مفارقة محل الإقامة ، وسمي سفرًا لأنه يسفر عن الإنسان حيث يبرز بعد الخفاء .
وقال بعض الأدباء : " إنما سمي السفر سفرا لأنه يسفر عن أخلاق الرجال " ، كم من إنسان لا تدري عنه عن خلقه عن صدقه وعن شهامته وعن رجولته إلا إذا سافرتَ معه ، ولكنَّ المراد السفر المعروف سابقًا، أما سفر اليوم فإنك لا تعرفه خصوصًا في الطائرات، الطائرات تخرج أنت وإياه على الطائرة ويكون على الكرسي وأنت على الكرسي ما تدري هل هذا الرجل رجلا شهم كريم يخدم قومه يريحهم أو لا ، أليس كذلك ؟
الطالب : بلى .
الشيخ : صحيح أنك إذا جلست إليه وتحدثت إليه ربما تفهم شيئا من خلقه لكن هذا يحصل حتى في القهوة ، لكن في الزمن السابق لما كان الناس يسافرون على الإبل ومسافات طويلة وتعب نعم صار الناس يعرفون .
قال : أظنه نافعًا : " صحبت ابن عمر لأخدمه فكان يخدمني " ، شف كيف السفر .
وشاهدنا نحن لما كنا نسافر بالسيارات في المسافات ليست في الطرق المسفلتة نجد بعض الناس إذا نزلوا من السيارة على طول ذهب يحتطب ويشب الضوء ويسخن الماء في أيام الشتاء ، ويقرب الماء ويروي ، وبعضهم إذا نزل نزّل فراشه ونام .
نعم أيهما الرجل الشهم ؟
الطالب : الأول .
الشيخ : الأول هذا علاقة على الناس ، الذي نزل ينام فقط هذا ليس بشيء . طيب نعم ، فإياكم أن تكونوا من القسم الثاني الذي إذا نزل ، نزل بفراشه واصطحبه ، خل كل واحد منكم يخدم الثاني ، وخليكم أيضا تخدمون الناس بالتوجيه والإرشاد وحسن المعاملة والأخلاق ، لأن الناس سيذكرونكم بخير إذا أحسنتم ، ويذكرونكم بعكسه إذا أسأتم ، مع أن هذه الأماكن أماكن مُقدسة ، يعني أماكن آمنة ، لا يوجد بقعة على الأرض آمَن من المسجد الحرام ، لكن ليست أمنا على النفوس فقط : ( إن دماءكم وأموالكم أعراضكم عليكم حرام ) : على كل شيء على الأموال والنفوس والأعراض فإياكم أن تؤذوا الناس في أموالهم أو أعراضهم أو أبدانهم ، بل كونوا خير الناس للناس .
طيب يقول: ( لا تسافر المرأة ) : إذن لا تفارق محل إقامتها بما يسمى سفرا إلا مع ذي محرم ، وهذا هو الموضع الذي قال فيه الفقهاء -رحمهم الله- : ( إنه يشمل السفر الطويل والقصير ) : بينما الرخص الأخرى كالقصر والفطر والمسح ثلاثا يقولون : هذه خاصة بالسفر الطويل ، أما هذا فهو عام للسفر الطويل والقصير المهم أن يسمى سفرا.
( لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ) : وسبق معنى المحرم .
( فقام رجل ) : اسمه لازم أن نعرفه ؟
لا المهم القصة .
( فقال : يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا ، فقال : انطلق فحج مع امرأتك ) متفق عليه واللفظ لمسلم :
الرجل لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ) : وقد علم أن زوجته ليس معها ذو محرم بيّن سأل النبي عليه الصلاة والسلام فقال : إنه اكتتب في غزوة كذا وكذا يعني كتب مع الغزاة .
( وأن امرأته خرجت حاجة ) : فماذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام قال : ( انطلق فحج مع امرأتك ) : وانطلق هذه فعل أمر ، وحج فعل أمر ، انطلق فحج .
وقد أمره النبي عليه الصلاة والسلام أن يدع أمرًا مرغوبا فيه هو ذروة سنام الإسلام وهو الجهاد ليحج مع امرأته ، وهذا يدل على وجوب اصطحاب المحرم.
هل سأله النبي صلى الله عليه وسلم فقال : هل امرأتك كبيرة أو صغيرة ؟
لا، خذ هذا عموما اجعل هذا عموما أي: أنه يشمل المرأة الكبيرة والصغيرة .
هل سأله أهي آمنة أم غير آمنة ؟
هاه لا ، خذ هذا عموما آخر .
هل سأله هل هي حسناء أو قبيحة ؟
الطالب : لا .
الشيخ : لا ، خذ هذا أيضا عموما ثالثا .
فإذن نهي المرأة عن السفر بلا محرم شامل للمرأة سواء كانت كبيرة أو صغيرة وسواء آمنة أو غير آمنة وسواء كانت قبيحة أو حسناء .
طيب فيه عموم رابع : سواء معها نساء أو ليس معها نساء ، نعم ، وهذا عام ، ولذلك كان هذا النص القولي كان واضحًا في أنه شامل لكل امرأة ، وعلى كل حال .
طيب يقول : ( انطلق فحج مع امرأتك ) : انطلق الرجل ولا لا ؟
الطالب : انطلق .
الشيخ : كيف انطلق وش الذي يدريكم ؟
هو ما سأل إلا ليفعل ، هل يمكن أن يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم ثم يعصيه هذا بعيد بل ممتنع ، طيب .