وعن الصعب بن جثامة الليثي رضي الله عنه أن أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حماراً وحشياً ، وهو بالأبواء ، أو بودان . فرده عليه وقال : ( إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم ) . متفق عليه . حفظ
الشيخ : ثم انظر إلى الحديث الثاني -نخلي الأسئلة جميع- : وعن الصعب بن جثامة الليثي رضي الله عنه : ( أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا وهو بالأبواء أو بودّان فرده عليه، وقال: إنا لم نرده عليك إلا أنّا حُرُم ) :
شف الصعب بن جثَّامة رضي الله عنه كان رجلا مضيافا كريما وكان عدَّاء سبوقا يصيد الحمر ، لما نزل به الرسول عليه الصلاة والسلام وأكرم به من ضيف ، ما وجد أحدا أكرم منه ضيفاً صح؟
الطالب : نعم.
الشيخ : فذهب يصيد له فأصاب حمارًا وحشيًا وصاده وجاء به إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم ردَّه ، فلما رده على الصعب وقد جاء به إكراماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم رأى أن هذا أمر كبير ، ويا له من أمر !! رسول الله يرد هديته وضيافته ، تغير وجهه رضي الله عنه ، فلما رأى ما في وجهه اعتذر إليه صلوات الله وسلامه عليه وقال : ( إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم ) :
بين له السبب ، فزال ما في نفسه ، وكأن هذا القول الذي قيل إليه : كأنه ماء بارد على جسم حار اطمأن واستراح ، لأنه لما أخبره بأن السبب سبب شرعي لا احتقارا لما قام به الصعب ولا شبهة فيه ولكن لأنهم كانوا محرمين ، فهنا الرسول عليه الصلاة والسلام لم يأكل وقال لأصحاب أبي قتادة : ( كلوا ) فكيف نجمع بين الحديثين ؟
قال بعض العلماء : إن حديث الصعب ناسخ لحديث أبي قتادة ، لأن حديث الصعب كان في حجة الوداع وحديث أبي قتادة في عمرة الحديبية ، وبينهما أربعة سنوات ، ومعلوم أنه إذا تعارض حديثان ولم يمكن الجمع بينهما فإننا نعدل إلى النسخ ، والنسخ هنا محقق ، لأنه متأخر ، والجمع على هذا القول متعذر ، فيقولون : إذن إذا أُهدي لمحرم لحم صيد حرم عليه مطلقاً ، قالوا ويؤيد قولَنا أن الله قال : (( وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما )) صيد البر والصيد هنا بلا شك بمعنى المصيد وليس اسم مصدر أو مصدر صاد يصيد صيدا ، لا يصح أن يكن مصدرا لماذا؟
لأن البر لا يصاد لو قلنا : (( حرم عليكم صيد البر )) ما صح ما استقام إذا جعلنا الصيد مصدر ، إذ أن البر لا يصاد ، فالصيد هنا بمعنى المصيد بمعنى اسم المفعول ، فمعنى مصيد البر حرّم علينا ، وظاهره أنه حرام على المحرم سواء صاده أم لم يصده ، فقالوا إذن : نأخذ بحديث الصعب بن جثَّامة لأنه متأخر فيكون ناسخا ، ولأنه يقويه ظاهر القرآن ، وعلى هذا فإذا جاءنا رجل ونحن محرمون بلحم أرنب أو غزال أو حمامة وإن كان لم يصده من أجلنا ، فإننا نرده ونبين له السبب كما فعل الرسول عليه الصلاة والسلام .
وقال بعض أهل العلم : إنه لا يمكن أن نقول بالنسخ مع إمكان الجمع ، وإمكان الجمع هنا حاصل ، مؤيد بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( صيد البر حلال لكم ما لم تصيدوه أو يصد لكم ) :
يمكن كيف إمكانه؟
إمكانه بأن يحمل حديث الصعب بن جثامة على أنه صاده للرسول صلى الله عليه وسلم .
وأما حديث أبي قتادة فقد صاده أبو قتادة لنفسه، فقد صاده لنفسه، وهذا جمع حسن ويؤيده حديث جابر : ( صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصد لكم ) .
وإذا أمكن الجمع وجب الرجوع إليه ، لأن به العمل بكلا الدليلين ، أظنه واضح يا جماعة ؟
الطالب : نعم .