فوائد حديث:( أبي هريرة رضي الله عنه قال : لما فتح الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم مكة ... ). حفظ
الشيخ : في هذا الحديث فوائد :
أولًا : انتهاز النبي صلى الله عليه وسلم الفرصة في الخطب حين دعاء الحاجة إليها ، لأنه خطب في وقت يحتاج الناس فيه إلى بيان الأحكام فخطب الرسول عليه الصلاة والسلام فبين الأحكام .
ثانيًا : أن الخطب تبتدأ بالحمد بالحمدلله والثناء عليه .
ثالثاً : أنه ليس بلازم أن نثني بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .
رابعًا : بيان أن الله سبحانه وتعالى خالق أفعال العباد بهيمها وناطقها ، لقوله : ( إن الله حبس عن مكة الفيل ) ، لأن الفيل كانوا إذا وجهوه إلى مكة حرن وأبى أن يقدم ، إذا وجهوه إلى اليمن هرول ومشى ، والذي حبسه من ؟
الله إذن فعل الفيل بمشيئة الله ، ففيه دليل على عموم مشيئة الله في أفعال المخلوقين بهيمها وناطقها .
ومن فوائده أيضا : أن الله سبحانه وتعالى له الحكم فيما أراد من خلقه ، الكوني والشرعي ، ولهذا منع كونا الفيل ، وأذن شرعا للرسول صلى الله عليه وسلم فسلطه على مكة ومن معه من المؤمنين .
ومن فوائد الحديث : بيان عظمة الكعبة ، لأنها لم تحل لأحد من الناس قبل الرسول عليه الصلاة والسلام ، ولم تحل للرسول صلى الله عليه وسلم إلا بقدر الضرورة لقوله : ( وإنما أحلت لي ساعة من نهار ) .
ومن فوائدها : " أن الضرورات تتقدر بقدرها " : لا يزيد الإنسان فيها على قدر الضرورة ، أي : أن ما أبيح للضرورة لا يجوز أن يتعدى به موضع الضرورة ، وهذه قاعدة نافعة في كل الأحكام : " أن ما أبيح للضرورة فإنه لا يجوز أن يتعدى به محل الضرورة " ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أبيحت له ساعة من نهار إذ لا يتمكن أن يزيل هذا الكفر والشرك حتى تكون مكة بلاد إسلام إلا بهذا القتال ، ولولا ذلك ما تمكن ، لبقيت محترمة بمن فيها من الكفار ولم يستطع أحد الوصول إليها .
ومن فوائد الحديث : تحريم القتال بمكة لقوله : ( وإنها لن تحل لأحد بعدي ) ، ولكن إذا قوتل الإنسان فله أن يقاتل ، لقوله تعالى : (( ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم )) ، ولهذا أجاز النبي عليه الصلاة والسلام قتل القتلى في القصاص ، لأنه قتل بحق ، والقتل أخص من القتال ، لأنه قد يجوز القتال ولا يجوز القتل ، لو ترك أهل بلد الأذان والإقامة جاز قتالهم بل وجب قتالهم، ولكن لا يجوز قتلهم ، فإذا استسلموا ما نأسرهم ولا نجهز على جريحهم .
طيب ومن فوائد الحديث : جواز النسخ في الأحكام الشرعية ، لأن تحريم مكة نُسخ كذا .
ومنها : جواز توقيت النسخ حيث نسخ التحريم إلى الحل ساعة من نهار .
ومنها : إثبات الحكمة لله عز وجل ، لأن هذا النسخ المؤقت لحكمة .
ومنها : تعليل الأحكام الشرعية وأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما . ومن فوائدها : تحريم الصيد ، من فوائد الحديث تحريم الصيد في مكة، لقوله : ( لا ينفر صيدها ) ، وتحريم قتله من باب أولى .
ومن فوائد الحديث : تحريم قطع الشجر صغيره وكبيره ، مؤذيه وغير مؤذيه ، لقوله : ( ولا يختلى شوكها ) ، هذا إذا كان الشجر نبت بفعل الله عز وجل ، أما ما نبت بزرع الآدمي، فإنه ملكه له أن يتصرف فيه بما شاء، فلو غرس الإنسان نخلة في مكة فله أن يجتثها ، ولو غرس شجرة فله أن يجتثها ، ولو زرع فله أن يحصده ، أما ما نبت بدون فعل الآدمي فإنه محترم لا يجوز قطعه . طيب ومنها ، أي من فوائد الحديث : أن لقطة الحرم لا تملك بالتعريف ، لقوله ( ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد ) وهذا هو القول الصحيح في هذه المسألة ، ومنهم من قال : إن لقطة الحرم كغيرها تملك بالتعريف ، وإنما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لا تحل ساقطتها إلا لمنشد ) من باب التأكيد على الإنشاد ، ولكن الصحيح هو الأول.
طيب فإذا قال قائل : إذا علم الإنسان أنه لابد أن ينشدها مدى الدهر إلا أن يجد صاحبها فإنه لن يأخذها ماذا نقول؟
نقول : لا يأخذها ، الشارع ما أراد إلا هذا أن لا تأخذها ، وإذا جاء ثان لا يأخذها وثالث لا يأخذها حتى تبقى في مكانها وصاحبها إذا فقدها رجع من حيث جاء ووجدها ، حتى يبقى كل شيء آمنا .
لكن في عصرنا الآن نرى أنه لو تركها لجاء من بعده وأخذها وجاء من لا يسأل من يأخذها للتملك ، فنقول : حينئذ إذا كان يخاف أن تؤخذ على وجه التملك وأن لا يبحث عن صاحبها فالأولى أن يأخذها ويسلمها إلى الجهات المسؤولة ، إلى ولي الأمر وبذلك تبرأ ذمته ، هذا ما لم يكن يعلم صاحبها ، فإن علم صاحبها بكتابة أو وسم أو شبهه فإنه يأخذها ويسلمها له .
ومن فوائد الحديث : أن أولياء المقتول لهم الخيار بين القتل والدية لقوله : ( ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين ) ، وأنه لا فرق بين أن يكون ذلك في مكة أو في غيرها.
ومن فوائد الحديث جواز القتل في مكة بحق لقوله : ( فهو بخير النظرين ) ، فإذا زنا الإنسان في مكة وهو محصن فإننا نرجمه ، لا نقول : والله هذا في مكان آمن ، نقول : لأنه من حيث المعنى والعلة ، لأنه لما انتهك حرمته صار هو لا حرمة له ، واضح ؟
وكذلك لو وجب على شخص قتل للفساد في الأرض فإننا نقتله ، لو أن أحدًا ارتد في مكة وصار لا يصلي وأبى أن يتوب ، فإننا نقتله ، بل هذا أعظم ، لأن هذا إذا قدّر أننا لن نقتله أو صار الحكم ضعيفًا لا يجرؤ على قتله فإنه يجب إخراجه لأنه كافر ، والكافر لا يجوز إقراره في مكة .
ومن فوائد الحديث : أن من الناس من يكون فيه بركة ، في تشفيع الأحكام الشرعية، كما أن من الناس من يكون فيه شؤم ، فالأقرع بن حابس لما قال فيما سبق : أفي كل عام ، هذا سؤال ما ينبغي لو قال الرسول : نعم لوجبت ولما استطعنا .
أما إذا كان الإنسان الذي يسأل، يسأل في تخفيف على المسلمين فهذا يحمد عليه ، ويكون من بركاته ، كما ذكر أُسيد بن حضير في قصة عقد عائشة حين فقد ولم يكن عند الناس ماء فنزلت آية التيمم قال : ( ما هي بأول بركتكم يا آل بكر ) .
طيب إذن من بركات العباس استثناء الإذخر الذي يحتاجه الناس في مكة للبيوت والقبور .
ومن فوائد الحديث أنه لا يشترط في الاستثناء نيته قبل تمام المستثنى منه ، ولا اتصاله به أيضًا ، وجهه : أن الرسول قال : ( إلا الإذخر ) ، ولم يكن نواه الرسول عليه الصلاة والسلام لأنه لو نواه لقال : ولا يختلى شوكها إلا الإذخر ، وأيضا حصل فصل بين المستثنى والمستثنى منه وهو : ( لا تحل ساقطتها إلا لمنشد ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين ) وكلام العباس ثم قال : ( إلا الإذخر ) ، فهذا استثناء مع الفصل ومع عدم النية ، لكن الكلام واحد ولا منقطع ؟
الطالب : واحد .
الشيخ : الكلام واحد فإذا اتصل المستثنى بالمستثنى منه في كلام واحد ولو لم يلِ المستثنى أو لم ينوه المستثني فهو صحيح.
طيب من العلماء من يقول : إنه تشترط نية الاستثناء قبل تمام المستثنى منه، ويشترط أيضا الاتصال، فكيف يجيبون عن هذا الحديث ؟
يقولون: إن قوله: ( إلا الإذخر ) هذا نسخ وليس بتخصيص، فيقال لهم : سبحان الله !! هل يمكن أن نجعل : ( إلا الإذخر ) أن نجعله حديثا مستقلا أسألكم؟
الطالب : لا.
الشيخ : لا يمكن لأن فيه أداة الاستثناء، لكن هذا أمر يسلكه بعض الناس إذا اعتقد شيئا حاول أن يحوّل النصوص إلى اعتقاده ، وهذه طريقة ليست بسليمة، فالواجب على الإنسان أن ينظر ما تدل عليه النصوص ويتبعها، لا أن يرى رأياً فيتبع النصوص ذلك الرأي.
طيب الشاهد من هذا الحديث ما يتعلق بالصيد ولا لا ؟
ما يتعلق بالصيد، ولكنه في الواقع لا مناسبة فيه للباب، لأن الباب : " الإحرام وما يتعلق به " ، والذي ذكر في هذا الحديث ما يتعلق بالحرم لا بالإحرام ، أفهمتم؟
طيب الشجر تحريمه يتعلق بالحرم فقط ، الشجر بالحرم فقط ، ولهذا يحرم قطع الشجر في الحرم على المحل والمحرم ، ويحل قطع الشجر في الحل للمحرم وعلى المحل فلا علاقة له بالإحرام .
الصيد له علاقة بالحرم والإحرام ، ولهذا يحرم الصيد في الحرم على المحل والمحرم ويحرم الصيد على المحرم في الحل والحرم ، أفهمتم ؟
الطالب : نعم .
الشيخ : طيب وإذا كان المحرم في الحرم حرم عليه الصيد من وجهين :
كونه في الحرم وكونه محرمًا، وهل يلزمه جزاءان لوجود السببين أو جزاء واحد ؟ قال بعض العلماء: يلزمه جزاءان، لأنه انتهك حرمتين: حرمة الحرم وحرمة الإحرام، فيلزمه جزاءان.
وقال بعض العلماء وهو المذهب: لا يلزمه إلا جزاء واحد، لأنه انتهك حرمتين في محرّم واحد وهو الصيد، وأيضا لو ألزمنا المحرم جزاءين لم نكن ألزمناه بالمثل لأنه قتل واحدًا وألزمناه اثنين والله تعالى يقول: (( فجزاء مثل ما قتل من النعم )) ، وكما أن المثلية كما تكون بالصفة تكون كذلك في العدد كقوله تعالى : (( الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن )) طيب .