تتمة الحديث ( ..... ثم أتى مقام إبراهيم ، فصلى ، ثم رجع إلى الركن فاستلمه ... ). حفظ
الشيخ : لكن في حجة الوداع رمل النبي صلى الله عليه وسلم في الأشواط كلها ، كل الثلاثة من الحجر إلى الحجر ، لأن العلة التي من أجلها شُرع الحكم وهو إغاظة الكفار الذي يشاهدون فقط انقطعت ، فصار الرمل من الحجر إلى الحجر ، لأنه صار الآن عبادة ، ولن يكون القصد منه الإغاظة لأن الإغاظة انتهت ، لكن صار الآن عبادة فأكملت الأشواط الثلاثة ، فصار الرمل من الحجر إلى الحجر .
طيب هل أنا أذكر في هذه الحال ، هل أذكر حال النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه حين قدموا في عمرة القضاء ، أو أنني أذكر المعنى الأصلي المقصود وهو إغاظة الكفار ؟
الطالب : الأول .
الشيخ : هاه أو الأمرين ؟ ها ؟
الطالب : الأمرين .
الشيخ : إذا تذكرت الأمرين فهو خير يعني : أتذكر أن الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه فعلوا ذلك فأقتدي بهم ، ولاسيما فعله في حجة الوداع ، وأيضا أتذكر أن من شأن المسلم أن يفعل ما يغيظ الكفار إي نعم .
طيب : ( فرمل ثلاثا ومشى أربعا ) : وجعل المشي في الأربعة إبقاء على أصحابه حتى لا يتعبوا من الطواف بجميع البيت على وجه الرمل.
( ثم أتى مقام إبراهيم ) : مقام إبراهيم هو الذي قام عليه حين بناء الكعبة ، فإن الكعبة لما ارتفع بناؤها احتاجت إلى بشيء يقوم عليه حتى يُدرك أعلى البناء ، وهو حجر ، وهذا الحجر جعل الله فيه آية : وهي أثر قدمي إبراهيم ، وقد شهده أوائل هذه الأمة ، شهدوا أثر القدم ، ولكنه انمحى بكثرة مَسِّه من الناس انمحى وزال ، وقد أشار إلى هذا أبو طالب بقوله :
" وموطأ إبراهيمَ في الصخر رطبةً *** على قدميه حافيًا غير ناعل " .
قد تقدم إلى مقام إبراهيم يقول : ( فقرأ : (( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى )) ) ، إيه ما ذكرها المؤلف .
تقدم إلى مقام إبراهيم فصلى : حذف المؤلف لهذه الآية حذف مخل -رحمه الله- وكان عليه أن يقولها لأنها من صفة الحج ، فإنه يسن للإنسان إذا فرغ من الطواف أن يتقدم إلى مقام إبراهيم وأن يقرأ : (( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى )) .
وفائدة قراءتها شعور الإنسان بأنه يتقدم إلى هذا المقام فيصلي به امتثالاً لأمر الله عز وجل ، ولا شك أن شعور الإنسان حين القيام بفعل العبادة بأنه يفعلها امتثالا لأمر الله لا شك أن هذا يزيد في إيمانه ، بخلاف الذي يفعل العبادة وهو غافل عن هذا المعنى فإن العبادة تكون كالعادة ، ولهذا قال المتكلمون على النيات : إن النية نوعان :
نية العمل ونية المعمول له ، والأخيرة أعظم مقاماً من الأولى ، لأن نية العمل تأتي ضرورة ، ما من إنسان عاقل يقوم بعمل إلا وقد نواه وقصده ، حتى قال بعض العلماء : " لو كلفنا الله عملا بلا نية لكان من تكليف ما لا يطاق " ، لو نقول لواحد : تعال صل ولكن اصح تنو الصلاة يصلح ؟
هاه يقول ما أقدر ، ما دام قلت : تعال صل وجئت لأصلي ما أستطيع إني ما أنوي الصلاة أبدا ، لكن المقام الأسمى والأعلى نية المعمول له التي تغيب عنا كثيرا : لو أننا عندما نتوضأ نشعر بالإخلاص والمتابعة، فكيف نتذكر؟
نتذكر أن الله أمرنا بالوضوء : (( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم )) : هذا الإخلاص.
وكأن الرسول عليه الصلاة والسلام يتوضأ أمامنا هذا هو المتابعة ، إذن فإذا فرغت من الطواف فتقدم إلى مقام إبراهيم واقرأ : (( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى )) .
فيستفاد من هذا : أنه ينبغي أنه إذا فرغ من الطواف أن يتقدم فورا إلى مقام إبراهيم بدون تأخر ، ويقرأ هذه الآية .
كلمة : ( تقدم إلى مقام إبراهيم ) : هل تشعر بأن المقام في مكانه الحاضر الحالي أو يحتمل أنه في مكانه كما قيل الذي عند باب الكعبة ؟
الحقيقة أنها لا يستفاد منها ولا هذا ، لأن التقدم في كلا الأمرين : إن كان في مكانه الآن فهو يتقدم ، إن كان كما قيل إنه لاصق بالكعبة فهو أيضا يتقدم ولا لا؟
الطالب : نعم .
طالب آخر : ما في بالحديث !
الشيخ : لا ، في الحديث تقدم إلى مقام إبراهيم لكن هذا من اختصار المؤلف رحمه الله .
طيب المقام اختلف المؤرخون فيه : هل هو في مكانه الحالي منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أو أنه كان لاصقا بالكعبة وأخّره عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين كثر الناس وكثر الطائفون الذين يطوفون بين يدي المصلين ؟ وأكثر المؤرخين على أنه في مكانه الحاضر الحالي ، وأنه لم يجر فيه تغيير.
طيب يقول: ثم رجع إلى الركن فاستلمه ، متى ؟
بعد أن صلى ركعتين ، واعلم أن المشروع في هاتين الركعتين التخفيف، وأن يقرأ فيهما بـ (( قل يا أيها الكافرون )) و (( قل هو الله أحد )) ، وأنه ليس قبلهما دعاء وليس بعدهما دعاء.
والحكمة من تخفيفهما أن يُفسح المجال لمن هو أحق منك، فالناس ينتهون من الطواف أرسالًا، فإذا انتهى الطائفون وأنت حاجز هذا المكان تطيل الصلاة فمعناه أنك حجزت مكانًا لمن هو أحق منك ، فلا تطل الصلاة .
ثم إنه قد يكون المطاف مزدحمًا فيحتاج الطائفون إلى المكان الذي أنت فيه أيضًا، فمن ثَم خفف النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة، واختار أن يقرأ بعد الفاتحة بسورتي الإخلاص: (( قل يا أيها الكافرون )) و (( قل هو الله أحد )) ، لأن إمام الحنفاء هو صاحب هذا المقام وهو إبراهيم الذي قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : (( ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين )) .
طيب بعد الركعتين يدعو ؟
الطالب : لا يدعو .
الشيخ : لا يدعو .
وهل للمقام دعاء ؟
الطالب : لا .
الشيخ : كيف لا ؟ مقام إبراهيم له دعاء ؟
الطالب : لا .
الشيخ : لا هذه ماهي دعاء ، إني جدت كتابا مكتوبا فيه دعاء المقام مكتوب مطبوع بحرف جيد ومعرب .
الطالب : وعلى المذاهب الأربعة يا شيخ .
الشيخ : وعلى المذاهب الأربعة ، طيب هذا ليس له أصل ، ما في دعاء للمقام ولا دعاء قبل الركعتين ولا بعدهما .
ولكن المشكل أن مثل هذه البدع الآن صارت كأنها قضايا مسلمة مشروعة ، حتى إن الحاج ليرى أن حجه ناقص إذا لم يفعل هذا ، وكل هذا بسبب تقصير العلماء أو قصورهم ، وإلا فمن الممكن أن يعطى هؤلاء الحجاج المناسك من بلادهم ، إي نعم .
طيب يقول : ( ثم رجع إلى الركن فاستلمه ) : الركن يعني الحجر الأسود ، وفيه استحباب الرجوع إلى الركن بعد الركعتين لاستلامهما ، فإن لم يتمكن فلا إشارة ، لأن العبادات مبنية على النقل فقط ، فإذا لم يتمكن فلا إشارة لأن ذلك لم يرد ، ولهذا قلنا : إن الركن اليماني إذا لم يستطع استلامه ، فإنه لا يشير إليه .
قال: ( ثم خرج من الباب إلى الصفا ) .
وقد انتهى الوقت .
القارئ : الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين :
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- في سياق حديث جابر : " ( ثم أتى مقام إبراهيم فصلى ، ثم رجع إلى الركن فاستلمه ، ثم خرج من الباب إلى الصفا ، فلما دنا من الصفا قرأ : (( إن الصفا و المروة من شعائر الله )) أبدأ بما بدأ الله به ، فرقى الصفا حتى رأى البيت ، فاستقبل القبلة فوحّد الله وكبّره وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، ثم دعا بين ذلك ) " .
الطالب : لا إله إلا الله ما عندنا .
الشيخ : نعم ؟
الطالب : لا إله إلا الله وحده ما عندنا هذه !
الشيخ : لا عندنا هذه .
القارئ : " ( ثم دعا بين ذلك قال مثل هذا ثلاث مرات ، ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى ، حتى إذا صعدها مشى ، حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا وذكر الحديث وفيه : فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى ، وركب النبي صلى الله عليه وسلم ) " .
الطالب : أهلوا بالحج !
الشيخ : لا ماهي عندنا ، ( توجهوا إلى منى وركب النبي صلى الله عليه وسلم ) .
القارئ : " ( وركب النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ، ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس ، فأجاز حتى أتى عرفة ، فوجد القبة قد ضربت له بنمرة ، فنزل بها ، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرُحلت له فأتى بطن الوادي فخطب الناس ، ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ، ولم يصل بينهما شيئا ، ثم ركب حتى أتى الموقف ، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات ، وجعل حبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة ، فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا حتى غاب القرص ودفع ، وقد شنق للقصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رحله ، ويقول بيده اليمنى : يا أيها الناس السكينة السكينة ، وكلما أتى حبلا من الحبال أرخى لها قليلا حتى تصعد، حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ، ولم يسبح بينهما شيئاً ، ثم اضطجع حتى طلع الفجر ، وصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة ، ثم ركب حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعاه وكبره وهلله ، فلم يزل واقفا حتى أسفر جداً ، فدفع قبل أن تطلع الشمس حتى أتى بطن محسّر فحرك قليلًا ، ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى ، حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها ، كل حصاة مثل حصى الخذف ، رمى من بطن الوادي ثم انصرف إلى المنحر فنحر ، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر ) رواه مسلم مطولا " :
الشيخ : بسم الله الرحمن الرحيم :
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين :
سبق أن تكلمنا على أول حديث جابر رضي الله عنه حتى انتهينا إلى إيش؟
الطالب : ثم رجع .
الشيخ : إلى قوله : ( ثم رجع إلى الركن فاستلمه ) :
إذن ذكرنا الطواف والصلاة ركعتين خلف المقام ، وذكرنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخففهما ولا يدعو قبلهما ولا بعدهما ولا يطيلهما ، وأنه لم يقف للدعاء بعدهما أيضًا، وبه نعرف ضلال من يجعلون للمقام دعاءً يدعون به، وأن هذا بدعة ويحصل منه مع كونه بدعة أذية عظيمة للمصلين، لأنهم يقفون ويدعو لهم واحد بصوت مرتفع، فيحصل في هذا تشويش على الناس وأذية.