تتمة الحديث ( ..... ثم رجع إلى الركن فاستلمه ، ثم خرج من الباب إلى الصفا ، فلما دنا من الصفا قرأ : ( إن الصفا و المروة من شعائر الله ) [ البقرة : 158 ] ( أبدأ بما بدأ الله به ) فرقى الصفا ، حتى رأى البيت ، فاستقبل القبلة ، فوحد الله ، وكبره وقال : ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله وحده ، أنجز وعده ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ) ثم دعا بين ذلك قال مثل هذا ثلاث مرات ، ثم نزل إلى المروة ، حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى ، حتى إذا صعدنا مشى حتى أتى المروة ، ففعل على المروة كما فعل على الصفا - وذكر الحديث - وفيه : فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى ، وركب النبي صلى الله عليه وسلم ، فصلى بهم الظهر ، والعصر ، والمغرب ، والعشاء ، والفجر ، ثم مكث قليلاً حتى طلعت الشمس ، فأجاز حتى أتى عرفه . فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها ، حتى إذا زاغت الشمس ...). حفظ
الشيخ : قال : ( ثم رجع إلى الركن فاستلمه ) : الركن الذي فيه الحجر فاستلمه استلم الحجر ولم يقبله .
ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أشار إليه ، وعلى هذا فيكون هنا استلام بلا تقبيل ولا إشارة عند التعذر.
( ثم خرج من الباب إلى الصفا ) : من باب المسجد إلى الصفا .
( فلما دنا من الصفا قرأ : (( إن الصفا والمروة من شعائر الله )) ، أبدأ بما بدأ الله به ) :
قوله : ( قرأ : (( إن الصفا )) ) : فائدة القراءة هذه إشعار نفسه بأنه إنما اتجه إلى السعي امتثالا لما أرشد الله إليه لقوله في قوله : (( إن الصفا والمروة من شعائر الله )) .
وليعلم الناس أنهم إنما يسعون بين الصفا والمروة من أجل أنهما من شعائر الله . وليعلم الناس أيضًا أنه ينبغي للإنسان إذا فعل عبادة أن يشعر نفسه بأنه يفعلها طاعة لله عز وجل ، كما لو توضأ الإنسان فينبغي أن يستشعر عند وضوئه أنه يتوضأ امتثالا لقوله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم )) .
ويشعر أيضًا أنه يتوضأ وكأن النبي صلى الله عليه وسلم أمامه ، يتبعه في وضوئه ، وهكذا جميع العبادات ، فإذا استشعر الإنسان عند فعل العبادة أنه يفعلها امتثالا لأمر الله ، فإنه يجد لها لذة وأثراً طيباً .
وقوله : ( أبدأ بما بدأ الله به ) : لأن الله بدأ بالصفا فقال : (( إن الصفا والمروة )) وفيه إشارة إلى أن الله إذا بدأ بشيء كان دليلا على أنه مقدم إلا بدليل . يقول : ( فبدأ بالصفا فرقى الصفا ) : يعني رقي عليه .
( حتى رأى البيت ) : أي الكعبة .
( فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره ) : أي قال الله أكبر ووحد الله يعني بالذكر مثل لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وقال : يعني بعد التكبير والتوحيد قال : ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ) : وقد سبق لنا مرارا شرح هذه الجملة .
وقوله : ( لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ) : في هذا دليل على جواز السجع بشرط أن يكون غير متكلف.
لا إله إلا الله وحده يعني : لا معبود حق إلا الله وحده .
أنجز وعده بماذا ؟ بنصر المؤمنين ، فإن الله أنجز لرسوله صلى الله عليه وسلم ما وعده .
ونصر عبده : يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يراد به الجنس أي نصر كل عبد له .
وهزم الأحزاب وحده : الأحزاب متى ؟ في غزوة الأحزاب ، فإنه عز وجل هزمهم بالريح التي أرسلها عليهم والرعب الذي ألقاه في قلوبهم ، ويحتمل أن يراد بالأحزاب هنا ما هو أعم ، يعني : كل حزب يحارب الله فالله سبحانه وتعالى يهزمه ، كما قال الله تعالى : (( إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز )) .
( ثم دعا بين ذلك قال مثل هذا ثلاث مرات ) : إذن يقول هذا الذكر ثم يدعو ، ثم يقوله مرة أخرى ثم يدعو ، ثم يقوله مرة ثالثة ثم ينزل ، لأنه قال : ( ثم دعا بين ذلك ) : والبينية تقتضي أن يكون محاطا بالذكر من الجانبين فيكون الدعاء مرتين والذكر كم ؟
ثلاث مرات .
( ثم نزل إلى المروة حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى، حتى إذا صعدتا مشى حتى أتى المروة ) :
يقول : ( ثم نزل إلى المروة ماشيا ) : بدليل قوله : ( حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى ) : وبطن الوادي هو مجرى السيل ومكانه ما بين العلمين الأخضرين الآن ، وكان آنذاك في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام مسيل المياه النازلة من الجبال ، وإنما سعى لأن أصل السعي من أجل سعي أم إسماعيل رضي الله عنها ، فإن أم إسماعيل لما وضعها إبراهيم عليه الصلاة والسلام هي وولدها في هذا المكان وجعل عندهما ماء وتمراً ، فجعلت الأم تأكل من التمر وتشرب من الماء وترضع الطفل ، فنفذ التمر والماء ، وجاعت الأم ، وعطشت ونقص لبنها ، فجاع الطفل ، فجعل الطفل يصيح ويتلوى من الجوع ، فأمه من أجل الأمومة رَحِمته وخرجت إلى أدنى جبل إليها لعلها تسمع أحدًا أو ترى أحدًا فصعدت الصفا ، وجعلت تستمع وتنظر فلم تجد أحدًا ، فرأت أقرب جبل إليها بعد الصفا : المروة ، فاتجهت إليه تمشي وهي تنظر الولد، فلما نزلت بطن الوادي احتجب الولد عنها، فجعلت تركض ركضًا شديدًا من أجل أن تلاحظ الولد، فلما صعدت من المسيل مشت حتى أتت المروة ففعلت ذلك سبع مرات ، وهي في أشد ما يكون من الشدة ، لا بالنسبة إليها جائعة عطشى ، ولا بالنسبة إلى الولد.
وعند الشدة يأتي الفرج، فبعث الله عز وجل جبريل فضربَ بعقبه أو جناحه الأرض في مكان زمزم فنبع الماء، نبع الماء بشدة، فجعلت أم إسماعيل تحجِّر الماء تخشى أن يضيع من شدة شفقتها، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( يرحم اللهُ أم اسماعيل لو تركت زمزم لكانت عينا معينًا ) : لكنها حجرتها ثم شربت من هذا الماء فكان هذا الماء طعاماً وشراباً ، وجعلت تسقي الولد والحديث ذكره البخاري مطولا.
المهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما انصبت قدماه في بطن الوادي سعى من أجل أن الناس إنما سعوا من أجل سعي أم إسماعيل.
يقول : ( حتى إذا صعدتا مشى حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا ، وذكر الحديث ) : فعل النبي عليه الصلاة والسلام ذلك سبع مرات ، فلما كان آخر طواف عن المروة نادى وهو على المروة ، وأمر الناس أن من لم يسق الهدي منهم أن يجعلوه أي : نسكهم عمرة ، فجعلوا يراجعون النبي صلى الله عليه وسلم حتى قالوا : ( الحل كله يا رسول الله ؟ قال : الحل كله ، قالوا : نخرج إلى منى ومذاكيرنا أو قالوا ذكر أحدنا يقطر منيا : يعني من جماع أهله قال : افعلوا ما آمركم به فلولا أن معي الهدي لأحللت معكم ) :
فأحلوا رضي الله عنهم أما النبي صلى الله عليه وسلم ومن ساق الهدي فلم يحل، ثم نزلوا بالأبطح في ظهر مكة، فلما كان يوم التروية خرجوا إلى منى، فمن كان منهم باقياً على إحرامه فهو مستمر في إحرامه، ومن كان قد أحل أحرم بالحج من جديد.
يقول : ( فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى ) : ويوم التروية هو اليوم الثامن من ذي الحجة ، وسمي بذلك لأن الناس يتروون فيه الماء لموسم الحج ، ومن هذا اليوم إلى اليوم الثالث عشر ، ولكل يوم من هذه الأيام الخمسة اسم خاص : فالثامن يوم التروية ، والتاسع ؟
الطالب : عرفة .
الشيخ : والعاشر : يوم النحر ، والحادي عشر يوم القر ، والثاني عشر يوم النفر الأول ، والثالث عشر يوم النفر الثاني .
يقول : ( توجهوا إلى منى وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ) قصرًا بلا جمع .
( ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس ، فأجاز حتى أتى عرفة ، فوجد القبة قد ضربت له بِنَمِرة ) : أجاز بمعنى تعدى وإنما قال: أجاز يعني تعدى، لأن قريشا كانوا يقفون يوم عرفة في مزدلفة المشعر الحرام، ويقولون : " إنا أهل مكة وأهل الحرم فلا نقف بالحل " ، وهذا من الحمية الجاهلية والعياذ بالله ، أما النبي عليه الصلاة والسلام فأجاز حتى أتى عرفة ، وكان قد أمر أن تضرب له قبة بنمرة ، وهي قرية قرب عرفة ضُربت له قبة بنمرة ، فنزلها حتى زالت الشمس ، وهذا النزول فيه استراحة بعد التعب من المشي من منى إلى عرفة ، لأن هذا أطول مسافة في الحج ، من منى إلى عرفة .
من منى إلى مكة قريب، ومن منى إلى مزدلفة قريب، ومن عرفة إلى مزدلفة قريب، وأطول ما يكون من منى إلى عرفة، فبقي النبي صلى الله عليه وسلم هنالك واستراح .